فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعلى الفور يفصل بين المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات. فهذا يوم الفصل إن كانوا في الدنيا مختلطين في الجماعة: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب}.. ويبدو أنه سور يمنع الرؤية ولكنه لا يمنع الصوت. فهاهم أولاء المنافقون ينادون المؤمنين: {ألم نكن معكم}؟.. فما بالنا نفترق عنكم؟ ألم نكن معكم في الدنيا نعيش في صعيد واحد؟ وقد بعثنا معكم هنا في صعيد واحد؟ {قالوا بلى} كان الأمر كذلك. {ولكنكم فتنتم أنفسكم}.. فصرفتموها عن الهدى. {وتربصتم}.. فلم تعزموا ولم تختاروا الخيرة الحاسمة. {وارتبتم}.. فلم يكن لكم من اليقين ما تعزمون به العزمة الأخيرة. {وغرتكم الأماني}.. الباطلة في أن تنجوا وتربحوا بالذبذبة وإمساك العصا من طرفيها! {حتى جاء أمر الله}.. وانتهى الأمر. {وغركم بالله الغرور}.. وهو الشيطان الذي كان يطمعكم ويمنيكم.
ثم يستطرد المؤمنين في التذكير والتقرير، كأنما هم أصحاب الموقف المحكمون فيه:
{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير}.. أم لعلها كلمة الملأ الأعلى، أو نطق الله الكريم..
وننظر من ناحية التناسق الفني في عرض المشهد، فنجد لاختيار مشهد النور في هذا الموضع بالذات حكمة خاصة.. إن الحديث هنا عن المنافقين والمنافقات.. والمنافقون والمنافقات يخفون باطنهم ويتظاهرون بغير ما في الضمير المكنون، ويعيشون في ظلام من النفاق والدس والوقيعة. والنور يكشف المخبوء ويفضح المستور. كما أن الصفحة المقابلة الوضيئة لصفحة النفاق المظلمة المطموسة. فهو أليق شيء بأن تطلق أشعته على المشهد الكبير. وبأن ينير بين أيدي المؤمنين والمؤمنات وبأيمانهم، بينما المنافقون في الظلام الذي يناسب ظلمات الضمير وظلمات الخفاء المستور!
وبعد فأي قلب لا يهفو لذلك النور في ذلك اليوم؟ وأي قلب لا يستجيب لهتاف الإنفاق والبذل تحت إيقاع تلك الموحيات العميقة التأثير؟
إنه القرآن يعالج القلوب في ثبات واطراد، ويدعوها دعاء العليم الخبير بطبيعتها ومداخلها ومساربها؛ وما تستجيب له وما يؤثر فيها.
والشوط الثاني في السورة استطراد في الدعاء، ومزيد من موحيات الاستجابة، على هذا المنهج، وفي هذا الطريق..
الوحدة الثانية: 16- 26 الموضوع: دعوة إلى الخشوع والإنفاق والتسابق للخير وقيمة الدنيا بالقياس للآخرة وتاريخ الرسل والرسالات مقدمة الوحدة.
هذا الشوط امتداد لموضوع السورة الرئيسي: تحقيق حقيقة الإيمان في النفس، حتى ينبثق عنها البذل الخالص في سبيل الله. وفيه من موحيات الإيمان، ومن الإيقاعات المؤثرة، قريب مما اشتمل عليه الشوط الأول، بعد ذلك المطلع العميق المثير.
وهو يبدأ برنة عتاب من الله-سبحانه- للمؤمنين، الذين لم يصلوا إلى تلك المرتبة التي يريدها الله لهم؛ وتلويح لهم بما كان من أهل الكتاب قبلهم من قسوة في القلوب وفسق في الأعمال، وتحذير من هذا المآل، الذي انتهى إليه أهل الكتاب بطول الأمد عليهم. مع إطماعهم في عون الله الذي يحيي القلوب كما يحيي الأرض بعد موتها.
فإذا انتهت هذه اللمسة تبعتها لمسة أخرى- مجالها العالم الآخر- وتكررت الدعوة إلى إقراض الله قرضا حسنا، مع بيان ما أعده الله لمن يقرضونه في الدنيا من العوض المضاعف والأجر الكريم.. على نحو مما جاء في الشوط الأول.
ولمسة ثالثة بوضع قيم الدنيا كلها في ميزان الله إلى جانب قيم الآخرة.. حيث تبدو قيم الأرض لعبا خفيفة الوزن؛ وترجح كفة الآخرة ويبدو فيها الجد الذي يستحق الاهتمام.
ومن ثم يهتف بهم ليسابقوا إلى قيم الآخرة.. في جنة عرضها كعرض السماء والأرض. أعدت للذين آمنوا بالله ورسله.
ولمسة رابعة ترجع بهم من ساحة الآخرة إلى ما هم فيه من واقع الحياة وأحداثها، فتعلق قلوبهم بقدر الله فيها. في السراء والضراء سواء. ومن ثم يهون عليهم البذل، ولا يزدهيهم من أعراض الأرض شيء؛ وترتبط أحاسيسهم كلها بالسماء.
وبعد ذلك يعرض عليهم طرفا من تاريخ دعوة الله في الأرض، تبدو فيه وحدة المنهج، واستقامة الطريق. وأن الذي يحيد عنه في كل عهد هم الفاسقون. ويلوح لهم بما كان من بعض أهل الكتاب كما لوح لهم في أول الشوط. لينتهي من هذا الهتاف الأخير لهم بتقوى الله والإيمان برسوله، ليؤتيهم كفلين من رحمته، ويجعل لهم نورا يمشون به ويغفر لهم. ففضل الله ليس وقفا على أهل الكتاب كما يزعمون. إنما هو بيد الله يؤتيه من يشاء {والله ذو الفضل العظيم}..
وهكذا تكون السورة من أولها إلى آخرها مترابطة الحلقات، في خط واحد ثابت، تتوالى إيقاعاتها على القلوب. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)}.
قد قدمنا مرارًا أن التسبيح هو تنزيه الله عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، وأصله في اللغة الإبعاد عن السوء، من قولهم سبح. إذا صار بعيدًا، ومنه قيل للفرس: سابح، لأنه إذا جرى يبعد بسرعة، ومن ذلك قول عنترة في معلقته:
إذ لا أزال على رحالة سابح ** نهر تعاوره الكماة مكلم

وقول عباس بن مرداس السلمي:
لا يغرسون فسيل النخل حولهم ** ولا تخاور في مشتاهم البقر

إلا سوابح كالعقبان مقربة ** في دارة حولها الأخطار والفكر

وهذا الفعل الذي هو سبح قد يتعدى بنفسه بدون اللام كقوله تعالى: {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9]، وقوله تعالى: {وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان: 26]، وقد يتعدى باللام كقوله هنا: {سَبَّحَ للَّهِ}، وعلى هذا فسبحه وسبح له لغتان كنصحه ونصح له. وشكره وشكر له، وذكر بعضهم في الآية وجهًا آخر، وهو أن المعنى: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} أي أحدث التسبيح لأجل الله أي ابتغاء وجهه تعالى. ذكره الزمخشري وأبو حيان، وقيل: {سَبَّحَ للَّهِ} أي صلى له.
وقد قدمنا أن التسبيح يطلق على الصلاة، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أهل السماوات والأرض يسبحون لله، أي ينزهونه عما لا يليق، بينه الله جل وعلا في آيات أخر من كتابه كقوله تعالى في سورة الحشر {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم} [الحشر: 1] وقوله في الصف {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم} [الصف: 1] أيضًا وقوله في الجمعة {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم} [الجمعة: 2]، وقوله في التغابن {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض لَهُ الملك وَلَهُ الحمد وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1].
وزاد في سورة بني إسرائيل أن السموات السبع والأرض يسبحن لله مع ما فيها من الخلق وأن تسبيح السموات ونحوها من الجمادات يعلمه الله ونحن لا نفقه أي لا نفهمه، وذلك في قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن تسبيح الجمادات المذكور فيها وفي قوله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ} [الأنبياء: 79] ونحو ذلك تسبيح حقيقي يعلمه الله ونحن لا نعلمه.
والآية الكريمة فيها الرد الصريح، على زعم من أهل العلم، أن تسبيح الجمادات هو دلالة إيجادها على قدرة خالقها، لأن دلالة الكائنات على عظمة خالقها، يفهمها كل العقلاء، كماصرح الله تعالى بذلك في قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تَجْرِي فِي البحر بِمَا يَنفَعُ الناس} [البقرة: 164]- إلى قوله-
{لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] وأمثال ذلك من الآيات كثيرة في القرآن.
وقد قدمنا إيضاح هذا في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بالغدو والآصال} [الرعد: 15] وفي سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} [الكهف: 77] الآية، وفي سورة الأحزاب في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب: 72] وفي غير ذلك من المواضع.
وقد عبر تعالى هنا في أول الحديد بصيغة الماضي في قوله: {سَبَّحَ لِلَّهِ}، وكذلك في الحشر، والصف، وعبر في الجمعة والتغابن، وغيرهما بقوله: {يُسَبْحُ} [الحشر: 24] بصيغة المضارع.
قال بعض أهل العلم: إنما عبر بالماضي تارة وبالمضارع أخرى ليبين أن ذلك التسبيح لله، هو شأن أهل السموات وأهل الأرض، ودأبهم في الماضي والمستقبل ذكر معناه الزمخشري وأبو حيان.
وقوله: {وَهُوَ العزيز الحكيم} قد قدمنا معناه مرارًا وذكرنا أن العزيز، هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، وأن العزة هي الغلبة، ومنه قوله: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8] وقوله: وعزني في الخطاب: أي غلبني في الخصام، ومن أمثال العرب من عز بز، يعنون من غلب استلب، ومنه قول الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يختشى ** إذ الناس إذ ذاك من عزيزا

والحكيم، هو من يضع الأمور في مواضعها، ويوقعها في مواقعها.
وقوله: {مَا فِي السماوات والأرض}. غلب فيه غير العاقل وقد قدمنا في غير هذا الموضع، أنه تعالى ارة يغلب غير العاقل. في نحو ما في السموات وما في الأرض لكثرته، وتارة يغلب العاقل لأهميته، وقد جمع المثال للأمرين قوله تعالى في البقرة: {بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116]. فغلب غير العاقل في قوله: {مَا فِي السماوات}، وغلب العاقل في قوله: {قَانِتُونَ}.
قوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
قوله: {فِى سِتَّةِ أَيَّامِ}. قد قدمنا إيضاحه في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9]- إلى قوله- {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12]، وفي سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّام} [الأعراف: 54].
وقوله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قد قدمنا الآيات الموضحة له بكثرة في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُغْشِي الليل النهار} [الأعراف: 54] الآية. وذكرنا طرفًا صالحًا من ذلك في سورة القتال في كلامنا الطويل على قوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} [محمد: 24].
قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}.
قد قدمنا إيضاحه في أول سورة سبأ في الكلام على قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِي الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرحيم الغفور} [سبأ: 2].
قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}.
قد قدمنا إيضاحه وبينا الآيات القرآنية الدالة على المعية العامة. والمعية الخاصة، مع بيان معنى المعية في آخر سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128].
وقوله تعالى: {هُوَ الذي يُنَزِّلُ على عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور}.
ذكر جل وعلا في هذه الآيةالكيمة أنه هو الذي ينزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم آيات بينات، أي واضحات، وهي هذا القرآن العظيم، ليخرج الناس بهذا القرآن العظيم المعبر عنه بالآيات البينات من الظلمات، أي من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور التوحيد والهدى، وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء مبينًا في قوله تعالى في الطلاق: {فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إِلَى النور} [الطلاق: 10- 11] وآية الطلاق هذه بينت أن آية الحديد من العام المخوص، وأنه لا يخرج بهذا القرآن العظيم من الظلمات إلى النور إلا من وفقهم الله للإيمان والعمل الصالح، فقوله في الحديد: {لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلِمَاتِ} أي بشرط الإيمان والعمل الصالح بدليل قوله: {لِّيُخْرِجَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات}، الآية.
فالدعوة إلى الإيمان بالقرآن والخروج بنوره من ظلمات الكفر عامة، ولكن التوفيق إلى الخروج به من الظلمات إلى النور خاص بمن وفقهم الله، كما دلت عليه آيات الطلاق المذكورة والله جل وعلا يقول: {والله يدعوا إلى دَارِ السلام وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون القرآن نورًا يخرج الله به المؤمنين من الظلمات إلى النور، جاء موضحًا في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: 174] وقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15- 16] وقوله تعالى: {فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا} [التغابن: 8] وقوله تعالى: {فالذين آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ أولئك هُمُ المفلحون} [الأعراف: 157] وقوله تعالى: {لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] الآية.
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السماوات}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا} [مريم: 40]. الآية.
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين يوم القيامة، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، وهو جمع يمين، وأنهم يقال لهم: {بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم}.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة مما ذكرنا، جاء موضحًا في آيات أخر، أما سعي نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فقد بينه تعالى في سورة التحريم، وزاد فيه بيان دعائهم الذين يدعون به في ذلك الوقت وذلك في قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: 8] الآية.
وأما تبشيرهم بالجنات، فقد جاء موضحًا في مواضع أخر، وبين الله فيها أن الملائكة تبشرهم وأن ربهم أيضًا يبشرهم كقوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 21- 22] وقوله تعالى: {إِنَّ الذين قالواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]- إلى قوله- {نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصلت: 32] إلى غير ذلك من الآيات.