فصل: تفسير الآيات (16- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنه يقال في العلم: باب كذا، وهذا العلم باب إِلى كذا أي يتوصّل إِليه.
وقد يقال: أَبواب الجنَّة وأَبواب جهنَّم للأَسباب التي يتوصّل بها إِليهما.
وبابات الكتاب: سطوره لا واحد له.
وهذا بابته أي يصلح له؛ قال الشاعر:
تركت النبيذ وشُرَّابة ** وصرتُ حبيبًا لمن عابَهُ

شراب يُضلّ سبيل الرّشاد ** ويفتح للشرّ أَبوابَه

. اهـ.

.تفسير الآيات (16- 17):

قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا وعظًا شافيًا لسقام القلوب، وكاشفًا لغطاء الكروب، انتج قوله حاثًا على الإقبال على كتابه الذي رحم به عباده بإنزاله على لسان نبيه- صلى الله عليه وسلم- على وجه معلم بإعجازه أنه كلام مستعطفًا لهم إلى جنابه زاجرًا لهم عما سألهم بعضهم فيه سلمان- رضى الله عنه- من أن يحدثهم عن التوراة والإنجيل، فكانوا كلما سألوه عن شيء أنزل سبحانه آية يزجرهم بها وينبههم على أن هذا القرآن فيه كل ما يطلب إلى أن أنزل هذه الآية زاجرة هذا الزجر العظيم لئلا يظن ظان أن القرآن غير كاف، مخوفًا لهم بما وقع لأهل الكتاب من الإعراض عن كتابهم، قال الكلبي نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وقال ابن عباس- رضى الله عنهما ـ: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال: {ألم يأن} أي يحن وينتهي ويدرك إلى غاية {للذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان بألسنتهم صدقًا أو كذبًا {أن تخشع} أي أن يكون لهم رتبة عالية في الإيمان بأن تلين وتسكن وتخضع وتذل وتطمئن فتخبت فتعرض عن الفاني وتقبل على الباقي {قلوبهم لذكر الله} أي الملك الأعظم الذي لا خير إلا منه فيصدق في إيمانه من كان كاذبًا ويقوى في الدين من كان ضعيفًا، فلا يطلب لذلك دينه دواء ولا لمرض قلبه شفاء في غير القرآن، فإن ذكر الله يجلو أصداء القلوب ويصقل مرائيها.
ولما كان الذكر وحده كافيًا في الخشوع والإنابة والخضوع لأنه مجمع لكل رغبة ومنبع لكل رهبة، وكان من الناس من لا نفوذ له فيما له سبحانه من الجلال والإكرام قال: {وما نزل} أي الله تعالى بالتدريج- على قراءة الجماعة بالتشديد، وما وجد إنزاله من عند الله على خاتم رسله- صلى الله عليه وسلم- على قراءة نافع وحفص عن عاصم ورويس بخلف عنه عن يعقوب بالتخفيف {من الحق} أي من الوعد والوعيد والوعظ وغير ذلك على نبيكم- صلى الله عليه وسلم- من القرآن إشارة إلى أن غير هذا الذكر دخله الدخيل، وأما هذا فثابت ثباتًا لا يقدر أحد على إزالته.
ولما كان للمسابقة والمنافسة أمر عظيم في تحريك الهمم لأهل الأنفة وأولي المعالي قال: {ولا يكونوا كالذين} ولما كان العلم بمجرده كافيًا في إعلاء الهمة فكيف إذا كان من عند الله فكيف إذا كان بكتاب، إشارة إلى ذلك بالبناء للمجهول فقال: {أوتوا الكتاب} أي لو كان الإتيان من عند غير الله لكان جديرًا بالهداية فكيف وهو من عنده.
ولما كان إنزال الكتب لم يكن إلا على بني إسرائيل فلم يكن مستغرقًا للزمان الماضي أدخل الجارّ فقال: {من قبل} أي قبل ما نزل إليكم وهم اليهود والنصارى.
ولما كانوا في كل قليل يعبرون قال عاطفًا على {أوتوا الكتاب}: {فطال عليهم الأمد} أي الزمان الذي ضربناه لشرفهم ومددناه لعلوهم من أول إيتائهم الكتاب الذي من شأنه ترقيق القلوب، والأمد الأجل، وكل منهما يطلق على المدة كلها وعلى آخرها، وكذا الغاية بقول النحاة: (من) لابتداء الغاية و(إلى) لانتهائها، والمراد جميع المدة {فقسمت} أي بسبب الطول {قلوبهم} أي صلبت واعوجت حتى كانت بحيث لا تنفعل للطاعات والخير فكانوا كل قليل في تعنت شديد على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام يسألونهم المقترحات، وأما بعد ايتائهم فأبعدوا في القساوة، فمالوا إلى دار الكدر بكلياتهم وأعرضوا عن دار الصفاء فانجروا إلى الهلاك باتباع الشهوات، قال القشيري: وقسوة القلب إنما تحصل من اتباع الشهوة وإن الشهوة والصفوة لا تجتمعان.
ولما كان التقدير: فبعضهم ثبت على تزلزل، عطف عليه قوله: {وكثير منهم} أخرجته قساوته عن الدين أصلًا ورأسًا فهم {فاسقون} أي عريقون في وصف الإقدام على الخروج من دائرة الحق التي عداها لهم الكتاب، وعن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- أنه قال: (لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلاّ أربع سنين) رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمي: وفيه موسى بن يعقوب الربعي وثقه ابن معين وغيره وضعفه ابن المديني وبقية رجاله رجال الصحيح.
انتهى.
ولما كان الموجب الأعظم للقسوة إنكار البعث، وكان العرب يزيدون على أهل الكتاب من موجبات القسوة به، وكان عمل العامل بما يدل على القسوة عمل من ينكره، قال مهددًا به مقررًا لما ابتدأ به السورة من أمر الإحياء مشيرًا إلى القدر على إحياء القلوب ممثلًا لإزالة القسمة عنها بصقل الذكر والتلاوة ترغيبًا في إدامة ذلك: {اعلموا} أي يا من آمن بلسانه {أن الله} أي الملك الأعظم الذي له الكمال كله فلا يعجزه شيء {يحيي} أي على سبيل التجديد والاستمرار كما تشاهدونه {الأرض} اليابسة بالنبات.
ولما كان هذا الوصف ثابتًا دائمًا بالفعل وبالقوة أخرى، وكان الجار هنا مقتضيًا للتعميم قال: {بعد موتها} من غير ذكر الجارّ وكما أنه يحييها فيخرج بها النبات بعد أن كان قد تفتت وصار ترابًا فكذلك يحيي بجمع أجسامهم وإفاضة الأرواح كما فعل بالنبات وكما فعل بالأجسام أول مرة سواء، لا فرق بوجه إلا بأن يقال: الابتداء أصعب في العادة، فاحذروا سطوته واخشوا غضبه وارجوا رحمته لإحياء القلوب، فإنه قادر على إحيائها بروح الوحي كما أحيا الأرض بروح الماء لتصير بإحيائها بالذكر خاشعة بعد قسوتها كما صارت الأرض بالماء رابية بعد خشوعها وموتها.
ولما انكشف الأمر بهذا غاية الانكشاف، أنتج قوله: {قد بينا} أي على ما لنا من العظمة، ولما كان العرب يفهمون من لسانهم ما لا يفهم غيرهم فكانوا يعرفون- من إعجاز القرآن بكثرة فوائده وجلالة مقاصده ودقة مسالكه وعظمة مداركه، وجزالة تراكيبه ومتانة أساليبه وغير ذلك من شؤونه وأنواعه وفنونه، المنتج لتحقق أنه كلام الله- ما لا يعلمه غيرهم فكأنما كانوا مخصوصين بهذا البيان، فقدم الجارّ فقال: {لكم الآيات} أي العلامات المنيرات.
ولما كان السياق للبعث، وكان من دعائم أصول الدين، وكان العقل كافيًا في قياسه على النبات، وكان الفعل الذي لا يعود إلى سعادة الآخرة ناقصًا، وكان العقل الذي لا ينجي صاحبه مساويًا للعدم، قال معبرًا بأداة التراخي بخلاف ما سبق في آل عمران فإنه من مصالح النفس التي اختفت، ودواع تدعو إلى فهمها، وتبعث إلى إتقان علمها {لعلكم تعقلون} أي لتكونوا عند من يعلم ذلك ويسمعه من الخلائق على رجاء من حصول العقل لكم بما يتجدد لكم من فهمه على سبيل التواصل الدار بالاستمرار. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قرأ الحسن: {ألما يأن}، قال ابن جني: أصل لما لم، ثم زيد عليها ما فلم نفي لقوله أفعل، ولما نفي لقوله قد يفعل، وذلك لأنه لما زيد في الإثبات قد لا جرم زيد في نفيه ما، إلا أنهم لما ركبوا لم مع ما حدث لها معنى ولفظ، أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفًا، فقالوا: لما قمت قام زيد، أي وقت قيامك قام زيد، وأما اللفظ فإنه يجوز أن تقف عليها دون مجزومها، فيجوز أن تقول: جئت ولما، أي ولما يجيء، ولا يجوز أن يقول: جئت ولم.
وأما الذين قرأوا: {أَلَمْ يَأْنِ} فالمشهور ألم يأن من أنى الأمر يأني إذا جاء إناء أتاه أي وقته.
وقرئ: {ألم يئن}، من أن يئين بمعنى أنى يأني.
المسألة الثانية:
اختلفوا في قوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} فقال بعضهم: نزل في المنافقين الذين أظهروا الإيمان وفي قلوبهم النفاق المباين للخشوع، والقائلون بهذا القول لعلهم ذهبوا إلى أن المؤمن لا يكون مؤمنًا في الحقيقة إلا مع خشوع القلب، فلا يجوز أن يقول تعالى ذلك إلا لمن ليس بمؤمن، وقال آخرون: بل المراد من هو مؤمن على الحقيقة، لكن المؤمن قد يكون له خشوع وخشية، وقد لا يكون كذلك، ثم على هذا القول تحتمل الآية وجوهًا أحدها: لعل طائفة من المؤمنين ما كان فيهم مزيد خشوع ولا رقة، فحثوا عليه بهذه الآية وثانيها: لعل قومًا كان فيهم خشوع كثير، ثم زال منهم شدة ذلك الخشوع فحثوا على المعاودة إليها، عن الأعمش قال: إن الصحابة لما قدموا المدينة أصابوا لينًا في العيش ورفاهية، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا بهذه الآية وعن أبي بكر: أن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديدًا، فنظر إليهم فقال: هكذا كنا حتى قست القلوب، وأما قوله: {لِذِكْرِ الله} ففيه قولان: الأول: أن تقدير الآية، أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم لذكر الله، أي مواعظ الله التي ذكرها في القرآن، وعلى هذا الذكر مصدر أضيف إلى الفاعل والقول الثاني: أن الذكر مضاف إلى المفعول، والمعنى لذكرهم الله، أي يجب أن يورثهم الذكر خشوعًا، ولا يكونوا كمن ذكره بالغفلة فلا يخشع قلبه للذكر، وقوله تعالى: {وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} فيه مسائل:
المسألة الأولى:
(ما) في موضع جر بالعطف على الذكر وهو موصول، والعائد إليه محذوف على تقدير وما نزل من الحق، ثم قال ابن عباس في قوله: {وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} يعني القرآن.
المسألة الثانية:
قال أبو علي: قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم، {وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} خفيفة، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم، {وَمَا نَزَلَ}، مشددة، وعن أبي عمرو {وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} مرتفعة النون مكسورة الزاي، والتقدير في القراءة الأولى: أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولما نزل من الحق، وفي القراءة الثانية ولما نزله الله من الحق، وفي القراءة الثالثة ولما نزل من الحق.
المسألة الثالثة:
يحتمل أن يكون المراد من الحق هو القرآن لأنه جامع للوصفين الذكر والموعظة وإنه حق نازل من السماء، ويحتمل أن يكون المراد من الذكر هو ذكر الله مطلقًا، والمراد بما نزل من الحق هو القرآن، وإنما قدم الخشوع بالذكر على الخشوع بما نزل من القرآن، لأن الخشوع والخوف والخشية لا تحصل إلا عند ذكر الله، فأما حصولها عند سماع القرآن فذاك لأجل اشتمال القرآن على ذكر الله، ثم قال تعالى: {وَلاَ يَكُونُواْ} قال الفراء: هو في موضع نصب معناه: ألم يأن أن تخشع قلوبهم، وأن لا يكونوا، قال: ولو كان جزمًا على النهي كان صوابًا، ويدل على هذا الوجه قراءة من قرأ بالتاء على سبيل الالتفات، ثم قال: {كالذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلُ} يريد اليهود والنصارى: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
ذكروا في تفسير طول الأمد وجوهًا أحدها: طالت المدة بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم وثانيها: قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله وثالثها: طالت أعمارهم في الغفلة فحصلت القسوة في قلوبهم بذلك السبب ورابعها: قال: ابن حبان: الأمد هاهنا الأمل البعيد، والمعنى على هذا طال عليهم الأمد بطول الأمل، أي لما طالت آمالهم لا جرم قست قلوبهم وخامسها: قال مقاتل بن سليمان: طال عليهم أمد خروج النبي عليه السلام وسادسها: طال عهدهم بسماع التوراة والإنجيل فزال وقعهما عن قلوبهم فلا جرم قست قلوبهم، فكأنه تعالى نهى المؤمنين عن أن يكونوا كذلك، قاله القرظي.
المسألة الثانية:
قرئ {الأمد} بالتشديد، أي الوقت الأطول، ثم قال: {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون} أي خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين، وكأنه إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسق في آخر الأمر.
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)}.
وفيه وجهان الأول: أنه تمثيل والمعنى أن القلوب التي ماتت بسبب القساوة، فالمواظبة على الذكر سبب لعود حياة الخشوع إليها كما يحيي الله الأرض بالغيث والثاني: أن المراد من قوله: {يحيي الأرض بعد موتها} بعث الأموات فذكر ذلك ترغيبًا في الخشوع والخضوع وزجرًا عن القساوة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا} أي يقرب ويحين، قال الشاعر:
أَلَمْ يَأَنِ ليِ يَا قَلْبُ أَنْ أَتْركَ الْجَهْلاَ ** وأن يُحْدِثَ الشَّيبُ المبينُ لنا عَقْلاَ

وماضيه أَنَى بالقصر يَأنى.
ويقال: آن لك بالمد أن تفعل كذا يَئِين أَيْنًا أي حان، مثل أَنَى لك وهو مقلوب منه.
وأنشد ابن السِّكيت:
أَلَمَّا يئِنْ ليِ أَنْ تَجَلَّى عَمَايَتيِ ** وأَقْصُرُ عن لَيْلَى بَلَى قَدْ أَنَى لِيَا

فجمع بين اللغتين، وقرأ الحسن {أَلَمَّا يَأْنِ} وأصلها (أَلَمْ) زيدت (ما) فهي نفي لقول القائل: قد كان كذا؛ و(لم) نفي لقوله: كان كذا.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} إلا أربع سنين.
قال الخليل: العتاب مخاطبة الإِدلال ومذاكرة المَوْجِدة؛ تقول عاتبته معاتبة {أَن تَخْشَعَ} أي تذل وتلين {قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} روي أن المزاح والضحِك كثر في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لما ترفَّهوا بالمدينة، فنزلت الآية؛ ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يستبطئكم بالخشوع. فقالوا عند ذلك: خَشَعنا» وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن.
وقيل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة.
وذلك أنهم سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} [يوسف: 1-2] إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 3] الآية؛ فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم، فكفّوا عن سلمان، ثم سألوه مثل الأول فنزلت: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان.