فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القشيري قال الله تعالى: {فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء: 69] فالصدّيقون هم الذين يتلون الأنبياء، والشهداء هم الذين يتلون الصدّيقين، والصالحون يتلون الشهداء، فيجوز أن تكون هذه الآية في جملة من صدّق بالرسل؛ أعني {والذين آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ أولئك هُمُ الصديقون والشهداء}.
ويكون المعنى بالشهداء من شهد لله بالوحدانية، فيكون صدّيق فوق صدّيق في الدرجات؛ كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنات العلا ليراهم من دونهم كما يرى أحدكم الكوكب الذي في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنْعَمَا» وروي عن ابن عباس ومسروق أن الشهداء غير الصدّيقين.
فالشهداء على هذا منفصل مما قبله والوقف على قوله: {الصديقون} حسن.
والمعنى {والشهداء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} أي لهم أجر أنفسهم ونور أنفسهم.
وفيهم قولان أحدهما أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب؛ قاله الكلبي؛ ودليله قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا} [النساء: 41].
الثاني أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة، وفيما يشهدون به قولان: أحدهما أنهم يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة ومعصية.
وهذا معنى قول مجاهد.
الثاني يشهدون لأنبيائهم بتبليغهم الرسالة إلى أممهم؛ قاله الكلبي.
وقال مقاتل قولا ثالثًا: إنهم القتلى في سبيل الله تعالى.
ونحوه عن ابن عباس أيضًا قال: أراد شهداء المؤمنين.
والواو واو الابتداء.
والصدّيقون على هذا القول مقطوع من الشهداء.
وقد اختلف في تعيينهم؛ فقال الضحاك: هم ثمانية نفر؛ أبو بكر وعليّ وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة.
وتابعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم؛ ألحقه الله بهم لما صدق نبيّه صلى الله عليه وسلم.
وقال مقاتل بن حيان: الصدّيقون هم الذين آمنوا بالرسل ولم يكذبوهم طرفة عين، مثل مؤمن آل فرعون، وصاحب آل ياسين، وأبي بكر الصديق، وأصحاب الأخدود.
قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} أي بالرسل والمعجزات {أولئك أَصْحَابُ الجحيم} فلا أجر لهم ولا نور. اهـ.

.قال الثعالبي:

و{المصدقين}: يعني به المتصدقين، وباقي الآية بين.
وقد جاءت آثار صحيحة في الحَضِّ على الصدقة، قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر، وأسند مالك في (الموطأ) عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قال: «يَا نِسَاءَ المُؤْمِنَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا» وفي (الموطأ) عنه صلى الله عليه وسلم: «رُدُّواْ السَّائِلَ وَلَوْ بِظَلِفٍ مُحْْرَّقٍ» قال ابن عبد البر في (التمهيد): ففي هذا الحديث الحَضُّ على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها، وفي قول اللَّه عز وجل: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] أوضح الدلائل في هذا الباب، وتصدقت عائشةُ رضي اللَّه عنها بحبتين من عنب، فنظر إليها بَعْضُ أهل بيتها فقالت: لا تَعْجَبْنَ؛ فكم فيها من مثقال ذرة، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» وإِذا كان اللَّه عز وجل يُرْبي الصدقاتِ، ويأخذ الصدقةَ بيمينه فَيُرَبِّيَهَا، كما يُرَبِّي أَحَدُنَا فَلَوَّه أَوْ فَصِيلَهُ فما بالُ مَنْ عَرَفَ هذا يَغْفُلُ عنه! وما التوفيق إلاَّ باللَّه، انتهى من (التمهيد)، وروى ابن المبارك في (رقائقه) قال: أخبرنا حرملة بن عمران أَنَّهُ سَمِعَ يزيد بن أبى حَبِيبٍ يحدِّثُ أَنَّ أبا الخير حدثه: أَنَّه سمع عقبة بن عامر يقول: سَمِعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ امرئ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَل بَيْنَ النَّاسِ» قال يزيد: فكان أبو الخير لا يخطئه يومٌ إلاَّ تصدق فيه بشيء، ولو كَعْكَةً أو بَصَلَةً أو كذا، انتهى، و{الصديقون}: بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق؛ على ما ذكر الزَّجَّاج.
وقوله تعالى: {والشهداء عِندَ رَبِّهِمْ}: اخْتُلِفَ في تأويله فقال ابن مسعود وجماعة: {والشهداء}: معطوف على: {الصديقون} والكلامُ متَّصل، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في معنى هذا الاتصال، فقال بعضها: وَصَفَ اللَّه المؤمنين بأَنَّهم صديقون وشهداء، فَكُلُّ مؤمن شهيد؛ قاله مجاهد، وروى البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مُؤْمِنُو أُمَّتِي شُهَدَاءُ»، وَتَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآية وإنَّما خَصَّ صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء السبعة تشريفًا لهم؛ لأَنَّهُم في أعلى رتب الشهادة؛ أَلاَ ترى أَنَّ المقتولَ في سبيل اللَّه مخصوصٌ أيضًا من السبعة بتشريف ينفرد به، وقال بعضها: {الشهداء} هنا: من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد، فكأَنَّه قال: هم أهل الصدق والشهداءُ على الأمم، وقال ابن عباس، ومسروق، والضحاك: الكلام تامٌّ في قوله: {الصديقون}، وقوله: {والشهداء}: ابتداءٌ مستأنف، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في معنى هذا الاستئناف، فقال بعضها: معنى الآية: والشهداءُ بأنَّهم صديقون حاضرون عند ربهم، وعَنَى بالشهداء الأنبياء عليهم السلام.
وهذا تأويل بعيد من لفظ الآية، وقال بعضها: قوله: {والشهداء} ابتداء يريد به الشهداءَ في سبيل اللَّه، واستأنف الخبر عنهم بأَنَّهم: {عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} فكأَنَّه جعلهم صِنْفًا مذكورًا وحده.
وأبينُ هذه الأقوال الأوَّلُ، وهذا الأخيرُ، وإنْ صَحَّ حديث البَرَاءِ لم يُعْدَلْ عنه، قال أبو حيان: والظاهر أَنَّ {الشهداء} مبتدأ خبره ما بعده، انتهى.
وقوله تعالى: {وَنُورُهُمْ} قال الجمهور: هو حقيقة حسبما تقدم. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ المصدقين والمصدقات} أي المتصدقين والمتصدقات، وقد قرأ أبيّ كذلك، وقرأ ابن كثير، وأبو بكر، والمفضل، وأبان، وأبو عمر وفي رواية هارون بتخفيف الصاد من التصديق لا من الصدقة كما في قراءة الجمهور أي الذين صدقوا واللاتي صدقن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، والقرءاة الأولى أنسب بقوله تعالى: {وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضًا حَسَنًا} وقيل: الثانية أرجح لأن الإقراض يغني عن ذكر التصدق، وأنت ستعلم إن شاء الله تعالى فائدته، وعطف {أقرضوا} على معنى الفعل من المصدقين على ما اختاره أبو علي والزمخشري لأن أل بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى الفعل فكأنه قيل: إن الذين اصدقوا أو صدقوا على القراءتين {الزكواة وَأَقْرِضُواُ} وتعقبه أبو حيان وغيره بأن فيه الفصل بين أجزاء الصلة إذ المعطوف على الصلة صلة بأجنبي وهو المصدقات، وذلك لا يجوز، وقال صاحب التقريب: هو محمول على المعنى كأنه قيل: إن الناس الذين تصدقوا وتصدقن وأقرضوا فهو عطف على الصلة من حيث المعنى بلا فصل، وتعقب بأنه لا محصل له إلا إذا قيل: إن أل الثانية زائدة لئلا يعطف على صورة جزء الكلمة، وفيه بعد، ولا يخفى أن حديث اعتبار المعنى يدفع ما ذكر، ومن هنا قيل: إنه قريب ولا يبعد تنزيل ما تقدم عن أبي علي، والزمخشري عليه، وقيل: العطف على صلة أل في المصدقات واختلاف الضمائر تأنيثًا وتذكيرًا لا يضر لأن أل تصلح للجميع فيراد بها معنى اللاتي عند عود ضمير جمع الإناث عليها ومعنى الذين عند عود ضمير جمع الذكور عليها وهو كما ترى، ومثله ما قيل: هو من باب كل رجل وضيعته أي إن المصدقين مقرونون مع المصدقات في الثواب والمنزلة، أو يقدر خبر أي إن المصدقين والمصدقات يفلحون {وَأَقْرِضُواُ} في الوجهين ليس عطفًا على الصلة بل مستأنف ويضاعف بعد صفة قرضًا أو استئناف ومن أنصف لم ير ذلك مما ينبغي أن يخرج عليه كلام أدنى الفصحاء فضلًا عن كلام رب العالمين، واختار أبو حيان تخريج ذلك على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه كأنه قيل: والذين أقرضوا فيكون مثل قوله:
فمن يهجر رسول الله منكم ** ويمدحه وينصره سواء

وهو مقبول على رأي الكوفيين دون رأي البصريين فإنهم لا يجوزون حذف الموصول في مثله، وبعض أئمة المحققين بعد أن استقرب توجيه التقريب ولم يستبعد تنزيل ما سمعت عن الزمخشري وأبي علي عليه قال: وأقرب منه أن يقال: إن {المصدقات} منصوب على التخصيص كأنه قيل: {إن المتصدقين} عامًا على التغليب وأخص المتصدقات منهم كما تقول: إن الذين آمنوا ولا سيما العلماء منهم وعملوا الصالحات لهم كذا.
ووجه التخصيص ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار» يحضهن على الصدقة بأنهن إذا فعلن ذلك كان له تعالى أقبل وجزاؤه عنه سبحانه أوفر وأفضل، ثم قال: ولما لم يكن الإقراض غير ذلك التصدق قيل: وأقرضوا أي بذلك التصدق تحقيقًا لكينونته وأنهم مثل ذلك ممثلون عند الله تعالى بمن يعامل مع أجود الأجودين معاملة برضاه، ولو قيل: والمقرضين لفاتت هذه النكتة انتهى.
ولا يخفى أن نصب المصدقات على التخصيص خلاف الظاهر، وأما ما ذكره في نكتة العدول عن المقروضين فحسن وهو متأت على تخريج أبي علي والزمخشري، وعلى تخريج أبي حيان، وقال الخفاجي: القول أي قول أبي البقاء بأن أقرضوا إلخ معترض بين اسم إن وخبرها أظهر وأسهل، وكأن النكتة فيه تأكيد الحكم بالمضاعفة، وزعم أن الجملة حال بتقدير قد أو بدونها من ضميري المصدقين والمصدقات لا يخفى معنى وعربية فتدبر {يُضَاعَفُ لَهُمُ} الضمير لجميع المتقدمين الذكور والإناث على التغليب كضمير أقرضوا، والجار والمجرور نائب الفاعل، وقيل: هو ضمير التصدق أو ضمير القرض على حذف مضاف أي يضاعف ثواب التصدق أو ثواب القرض لهم، وقرأ ابن كثير وابن عامر {يضعف} بتشديد العين، وقرئ {يضاعف} بالبناء للفاعل أي يضاعف الله عز وجل لهم ثواب ذلك {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} قد مر الكلام فيه.
{والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} قد بين كيفية إيمانهم في خاتمة سورة البقرة، والموصول مبتدأ أول، وقوله تعالى: {أولاك} مبتدأ ثان، وهو إشارة إلى الموصول وما فيه من معنى البعد لما مر مرارًا، وقوله سبحانه: {يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ} مبتدأ ثالث، وقوله عز وجل: {الصديقون والشهداء} خبر الثالث، والجملة خبر الثاني وهو مع خبره خبر الأول أو هم ضمير فصل وما بعده خبر الثاني، وقوله تعالى: {عِندَ رَبّهِمْ} متعلق على ما قيل: بالثبوت الذي تقتضيه الجملة أي أولئك عند ربهم عز وجل وفي حكمه وعلمه سبحانه هم الصديقون والشهداء.
والمراد أولئك في حكم الله تعالى بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الرتبة ورفعة المحل وهم الذين سبقوا إلى التصديق ورسخوا فيه واستشهدوا في سبيل الله جل جلاله وسمي من قتل مجاهدًا في سبيله تعالى شهيدًا لأن الله سبحانه وملائكته عليهم السلام شهود له بالجنة، وقيل: لأنه حي لم يمت كأنه شاهد أي حاضر، وقيل: لأن ملائكة الرحمة تشهده، وقيل: لأنه شهد ما أعد الله تعالى له من الكرامة، وقيل: غير ذلك فهو إما فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول على اختلاف التأويل، وقوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} خبر ثان للموصول على أنه جملة من مبتدأ وخبر، أو {لَهُمْ} الخبر وما بعده مرتفع به على الفاعلية وضمير {لَهُمْ} للموصول، والضميران الأخيران للصديقين والشهداء، والغرض بيان ثمرات ما وصفوا به من نعوت الكمال أي أولئك لهم مثل أجر الصديقين والشهداء ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال، وقد حذف أداة التشبيه تنبيهًا على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد كما فعل ذلك أولا حيث قيل: أولئك هم الصديقون والشهداء وليست المماثلة بين ما للفريق الأول من الأجر والنور.
وبين تمام ما للفريقين الأخيرين بل بين تمام للأول من الأصل والإضعاف وبين ما للأخيرين من الأصل بدون الإضعاف، فالإضعاف هو الذي امتاز به الفريقان الأخيران على الفريق الأول وقد لا يعتبر تشبيه بليغ في الكلام أصلا ويبقى على ظاهره والضمائر كلها للموصول أي أولئك هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله تعالى وأخبار رسله عليهم الصلاة والسلام والقائمون بالشهادة لله سبحانه بالوحدانية وسائر صفات الكمال ولهم بما يليق بهم من ذلك لهم الأجر والنور الموعودان لهم، وقال بعضهم: وصفهم بالشهادة لكونهم شهداء على الناس كما نطق به قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} [البقرة: 143] فعند ربهم متعلق بالشهداء، والمراد والشهداء على الناس يوم القيامة، وجوز تعلقه بالشهداء أيضًا على الوجه الأول على معنى الذين شهدوا مزيد الكرامة بالقتل في سبيل الله تعالى يوم القيامة أو في حظيرة رحمته عز وجل أو نحو ذلك، ويشهد لكون الشهداء معطوفًا على الصديقين آثار كثيرة.
أخرج ابن جرير عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مؤمني أمتي شهداء» ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: {والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون والشهداء عِندَ رَبّهِمْ}، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه قال يومًا لقوم عنده: كلكم صديق وشهيد قيل له: ما تقول يا أبا هريرة؟ قال: اقرءوا {والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد قال: كل مؤمن صديق وشهيد ثم تلا الآية، وأخرج عبد بن حميد نحوه عن عمرو بن ميمون، وأخرج ابن حبان عن عمرو بن مرة الجهني قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء» وينبغي أن يحمل الذين آمنوا على من لهم كمال في ذلك يعتدّ به ولا يتحقق إلا بفعل طاعات يعتدّ بها وإلا فيبعد أن يكون المؤمن المنهمك في الشهوات الغافل عن الطاعات صديقًا شهيدًا، ويستأنس لذلك بما جاء من حديث عمر رضي الله تعالى عنه ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعيبوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه قال: ذلك أحرى أن لا تكونوا شهداء، قال ابن الأثير: أي إذا لم تفعلوا ذلك لم تكونوا في جملة الشهداء الذين يستشهدون يوم القيامة على الأمم التي كذبت أنبياءها، وكذا بقوله عليه الصلاة والسلام: «اللعانون لا يكونون شهداء» بناءًا على أحد قولين فيه.
وفي بعض الأخبار ما ظاهره إرادة طائفة من خواص المؤمنين، أخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض مخافة الفتنة على نفسه ودينه كتب عند الله صديقًا فإذا مات قبضه الله شهيدًا وتلا هذه الآية: {والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون والشهداء} ثم قال: هذه فيهم ثم قال: والفرّارون بدينهم من أرض إلى أرض يوم القيامة مع عيسى ابن مريم في درجته في الجنة» ويجوز أن يراد من قوله: (هذه فيهم) أنها صادقة عليهم وهم داخلون فيها دخولًا أوليًا، ويقال: في قوله عليه الصلاة والسلام: «مع عيسى في درجته» المراد معه في مثل درجته وتوجه المماثلة بما مر والخبر إذا صح يؤيد الوجه الأول في الآية.
وروي عن الضحاك أنها نزلت في ثمانية نفر سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وطلحة والزبير وسعد وزيد رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهذا لا يضر في العموم كما لا يخفى، وقيل: الشهداء مبتدأ و{عِندَ رَبّهِمْ} خبره، وقيل: الخبر {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} والكلام عليهما قد تم عند قوله تعالى: {الصديقون}، وأخرج هذا ابن جرير عن ابن عباس.
والضحاك قالا: {والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون} هذه مفصولة سماهم صديقين، ثم قال: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم.
وروي جماعة عن مسروق ما يوافقه، واختلفوا في المراد بالشهداء على هذا فقيل: الشهداء في سبيل الله تعالى.