فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والزينة: تحسين الذات أو المكان بما يجعل وقعه عند ناظره مُسرًا له، وفي طباع الناس الرغبة في أن تكون مناظرهم حسنة في عين ناظريهم وذلك في طباع النساء أشد، وربّما كان من أسباب شدته فيهن كثرةُ إغراء الرجال لهن بذلك.
ويكثر التزين في طور الفتوة لأن الرجل يشعر بابتداء زوال محاسن شبابه، والمرأة التي كانت غانية تحب أن تكون حالِيَة، وليس ذلك لأجل تعرضها للرجال كما يتوهمه الرجال فيهن غرورًا بأنفسهم بل ذلك لتكون حسنة في الناس من الرجال والنساء.
ويغلب التزين على أحوال الحياة فإن معظم المساكن والملابس يراد منه الزينة، وهي ذاتية ومعنوية، ومن المعنوية ما يسمى في أصول الفقه بالتحسيني.
والتفاخر: الكلام الذي يفخر به، والفخر: حديث المرء عن محامده والصفات المحمودة منها فيه بالحق أو الباطل.
وصيغ منه زنة التفاعل لأن شأن الفخر أن يقع بين جانبين كما أنبأ به تقييده بظرف {بينكم}.
والناس يتفاخرون بالصفات المحمودة في عصورهم وأجيالهم وعاداتهم، فمن الصفات ما الفخر به غير باطل.
وهو الصفات التي حقائقها محمودة في العقل أو الشرع.
ومنها ما الفخر به باطل من الصفات والأعمال التي اصطلح قوم على التمدح بها وليست حقيقة بالمدح مثل التفاخر بالإِغلاء في ثمن الخمور وفي الميسر والزنى والفخر بقتل النفوس والغارة على الأموال في غير حق.
وأغلب التفاخر في طور الكهولة واكتمال الاشُدَّ لأنه زمن الإِقبال على الأفعال التي يقصد منها الفخر.
والتفاخر كثير في أحوال الناس في الدنيا، ومنه التباهي والعُجب، وعنه ينشأ الحسد.
والتكاثر: تفاعل من الكثرة، وصيغة التفاعل هنا للمبالغة في الفعل بحيث ينزل منزلة من يغالب غيره في كثرة شيء، فإنه يكون أحرص على أن يكون الأكثر منه عنده فكان المرء ينظر في الكثرة من الأمر المحبوب إلى امرئ آخر له الكثرة منه، ألا ترى إلى قول طرفة:
فلو شاء ربي كنت قيس بن عاصم ** ولو شاء ربي كنت عمرو بن مَرثد

فأصبحت ذا مال كثير وطافَ بي ** بنونَ كرامٌ سَادة لمسوَّد

ثم شاع إطلاق صيغة التكاثر فصارت تستعمل في الحرص على تحصيل الكثير من غير مراعاة مغالبة الغير ممن حصل عليه، قال تعالى: {ألهاكم التكاثر} [التكاثر: 1].
و{في} من قوله: {في الأموال والأولاد}: إما مستعملة في التعليل، وإما هي الظرفية المجازية، فإن جُعلت الأموال كالظرف يحصل تكاثر الناس عنده كمن ينزع في بئر.
والمعنى: أن الله أقام نظام أحوال الناس في الحياة الدنيا على حكمة أن تكون الحياة وسيلة لبلوغ النفوس إلى ما هيّأَها الله له من العروج إلى سمو المَلَكِيَّة كما دل عليه قوله: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30]، فكان نظام هذه الحياة على أن تجري أمور الناس فيها على حسب تعالى م الهدى للفوز بالحياة الأبدية في النعيم الحق بعد الممات والبعث، فإذا الناسُ قد حرفوها عن مهيعها، وقد تضمن ذلك قوله تعالى: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97].
{والاولاد كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ}.
يجوز أن يكون في موضع خبر من مبتدأ محذوف، أي هي كمثللِ غيث فتكون الجملة استئنافًا، وحَذفُ المسند إليه من النوع الذي سماه السكاكي متابعةَ الاستعمال.
ويجوز أن يكون الكاف في موضع الحال و{كمثل} معناه كحال، أي حال الحياة الدنيا كحال غيث الخ، فشبهت هيئة أهل الدنيا في أحوالهم الغالبة عليهم والمشار إلى تنويعها بقوله: {لعب ولهو} إلى آخره بهيئة غيث أنبت زرعًا فأينع ثم اصفر ثم اضمحلّ وتحطم، أي تشبيه هيئة هذه الأحوال الغالبة على الناس في الحياة في كونها محبوبة للناس مزهية لهم وفي سرعة تقضيها بهيئةِ نبات جديد أنبته غيث فاستوى واكتمل وأُعجب به من رآه فمضت عليه مدة فيبس وتحطم.
والمقصود بالتمثيل هو النبات، وإنما ابتدىء بغيث تصويرًا للهيئة من مبادئِها لإِظهار مواقع الحسن فيها لأن ذلك يكتسب منه المشبه حُسنًا كما فعل كعب بن زهير في تحسين أوصاف الماء الذي مُزجت به الراح في قوله:
شُجت بذي شَيم من ماء مَحنية ** صاففٍ بأبطحَ أضحَى وهو مشمول

تَنفي الرياحُ القَذى عنه وأفرطَه ** من صَوْب ساريةٍ بيضٌ يعاليل

وعن ابن مسعود: أن الكفار: الزُرَّاع، جمع كافر وهو الزارع لأنه يَكفر الزريعة بتراب الأرض، والكفر بفتح الكاف الستر، أي ستر الزريعة، وإنما أوثر هذا الاسم هنا وقد قال تعالى في سورة [الفتح: 29]: {يعجب الزراع}، قصدا هنا للتورية بالكفار الذين هم الكافرون بالله لأنهم أشد إعجابًا بمتاع الدنيا إذ لا أمل لهم في شيء بعده.
وقال جمع من المفسرين: الكفار جمع الكافر بالله لأنهم قصروا إعجابهم على الأعمال ذات الغايات الدنيا دون الأعمال الدينية، فذكر الكفار تلويح إلى أن المثل مسوق إلى جانبهم أوّلًا.
والنبات: اسم مصدر نَبت قال تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} [نوح: 17]، وهو هنا أطلق على النابت من إطلاق المصدر على الفاعل وهو كثير، وأصله أن يراد به المبالغة، وقد يشيع فيزول قصد المبالغة به.
وقوله: {ثم يهيج} تضافرت كلمات المفسرين على تفسير يهيج بـ (ييبس) أو يجف، ولم يستظهروا بشاهد من كلام العرب يدل على أن من معاني الهياج الجفاف، وقد قال الراغب: يقال: هاج البقل، إذا اصفَرّ وطاب، وفي (الأساس): من المجاز هاج البقل، إذا أخذ في اليبس.
وهذان الإِمامان لم يجعلا (هاج) بمعنى (يبس) وكيف لفظ الآية {ثم يهيج فتراه مصفرًا}، فالوجه أن الهياج: الغلظ ومقاربة اليبس، لأن مادة الهياج تدل على الاضطراب والثوران وسميت الحرب الهيجاء، وقال النابغة:
أهاجك من سُعداك مغنى المعاهد

والزرع إذا غلظ يكون لحركته صوت فكأنه هائج، أي ثائر وذلك ابتداء جفافه، وذلك كقوله تعالى: {كزرع أخرج شطأه فئازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع} في سورة [الفتح: 29].
وعطفت جملة: {يهيج} بـ (ثم) لإِفادة التراخي الرتبي لأن اصفرار النبات أعظم دلالة على التهيّؤ للزوال، وهذا هو الأهم في مقام التزهيد في متاع الدنيا.
وعطف {فتراه مصفرًا} بالفاء لأن اصفرار النبت مقارب ليبسه، وعطف {ثم يكون حطامًا} بـ (ثم) كعطف {ثم يهيج}.
والحُطام: بضم الحاء ما حطم، أي كُسر قطعًا.
فضرب مثل الحياة الدنيا لأطوار ما فيها من شباب وكهولة وهرم ففناء، ومن جدة وتبذّل وبلى، ومن إقبال الأمور في زمن إقبالها ثم إدبارها بعد ذلك، بأطوار الزرع.
وكلُّهَا أعراض زائلة وآخرها فناء.
وتندرج فيها أطوار المرء في الحياة المذكورة في قوله: {لعب ولهو} إلى {والأولاد} كما يظهر بالتأمل.
وهذا التمثيل مع كونه تشبيه هيئة مركّبة بهيئةٍ مثلها هو صالح للتفريق ومقابلة أجزاء الهيئة المشبهة بأجزاء الهيئة المشبه بها، فيشبَّه أول أطوار الحياة وإقبالها بالنبات عقب المطر، ويشبّه الناس المنتفعون بإقبال الدنيا بناس زُراع، ويشبّه اكتمال أحوال الحياة وقوة الكهولة بهياج الزرع، ويشبّه ابتداء الشخوخة ثم الهرم وابتداء ضعف عمل العامل وتجارة التاجر وفلاحة الفلاح باصفرار الزرع وتهيئه للفناء، ويشبه زوال ما كان للمرء من قوة ومال بتحطم الزرع.
ويفهم من هذا أن ما كان من أحوال الحياة مقصودًا لوجه الله فإنه من شؤون الآخرة فلا يدخل تحت هذا التمثيل إلا ظاهرًا.
فأعمال البِر ودراسة العلم ونحو ذلك لا يعتريها نقصٌ ما دام صاحبها مقبلًا عليها، وبعضها يزداد نماء بطول المدة، وتقدم نظير هذه الآية في سورة الزمر.
{وَفِى الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله ورضوان وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ متاع}.
كان ذكر حال الحياة الدنيا مقتضيًا ذكر مقابلة على عادة القرآن، والخبرُ مستعمل في التحذير والتحريض بقرينة السياق، ولذلك لم يبين أصحاب العذاب وأصحاب المغفرة والرضوان لظهور ذلك.
وكنِيَ عن النعيم بمغفرة من الله ورضوان لأن النعيم قسمان مادي وروحاني، فالمغفرةَ والرضوان أصل النعيم الروحاني كما قال تعالى: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72] وهما يقتضيان النعيم الجسماني لأن أهل الجنة لما ركبت ذواتهم من أجسام وأودعت فيها الأرواح كان النعيمان مناسبين لهم تكثيرًا للذات، وما لذة الأجسام إلا صائرة إلى الأرواح لأنها المدركة اللذات، وكان رضوان الله يقتضي إعطائهم منتهى ما به التذاذهم، ومغفرته مقتضية الصفح عما قد يعوق عن بعض ذلك.
وعطف {وما الحياة الدنيا إلاَّ متاع الغرور} على {وفي الآخرة عذاب شديد} للمقابلة بين الحالين زيادة في الترغيب والتنفير.
والكلام على تقدير مضاف، أي وما أحوال الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
والحصر ادعائي باعتبار غالب أحوال الدنيا بالنسبة إلى غالب طالبيها، فكونها متاعًا أمر مطرد وكون المتاع مضافًا إلى الغرور أمر غالب بالنسبة لما عدا الأعمال العائدة على المرء بالفوز في الآخرة.
والغُرور: الخديعة، أي إظهار الأمر الضار الذي من شأنه أن يحترز العاقل منه في صورة النافع الذي يرغب فيه.
وإضافة {متاع} إلى {الغرور} على معنى لام العاقبة، أي متاع صائر لأجل الغرور به، أي آيل إلى أنه يغرّ الناظرين إليه فيسرعون في التعلق به. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله}.
ومعنى: {ألم يأن} ألم يحن، ويقال: أنى الشيء يأني، إذا حان ومنه قول الشاعر: الوافر:
تمخضت المنون له بيوم ** أنى ولكل حاملة تمام

وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {ألما يأن}. وروي عنه أنه قرأ {ألم يين}.
وهذه الآية على معنى الحض والتقريع، قال ابن عباس: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وسمع الفضل بن موسى قارئًا يقرأ هذه الآية، والفضل يحاول معصية، فكانت الآية سبب توبته. وحكى الثعلبي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاء التوفيق. والخشوع: الإخبات والتطامن، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر. وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول ما يرفع من الناس الخشوع».
وقوله تعالى: {لذكر الله} أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم، ويحتمل أن يكون المعنى: لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم.
وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع: {وما نزَل} مخفف الزاي. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: {نزّل} بشد الزاي على معنى: نزّل الله من الحق. وقرأ أبو عمرو في رواية عباس وهي قراءة الجحدري وابن القعقاع: {نزِّل} بكسر الزاي وشدها. وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر: {ولا يكونوا} بالياء على ذكر الغيب.
وقرأ حمزة فيما روى عنه سليم: {ولا تكونوا} بالتاء على مخاطبة الحضور.
والإشارة في قوله: {أوتوا الكتاب} إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام، وذلك قال: {من قبل} وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي. و: {الأمد} قيل معناه: أمد انتظار الفتح، وقيل أمد انتظار القيامة وقيل أمد الحياة. و: {قست} معناه: صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله، ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم.
وقوله تعالى: {اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها} الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع، وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير، رقيق وتقريب بليغ، أي لا يبعد عنكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به، {فإن الله يحيي الأرض بعد موتها}، فكذلك يفعل بالقلوب، يردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منه كما تحيى الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء. وباقي الآية بين جدًا.
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)}.
قرأ جمهور القراء: {إن المصَّدقين} بشد الصاد المفتوحة على معنى المتصدقين، وفي مصحف أبيّ بن كعب: {إن المتصدقين}، فهذا يؤيد هذه القراءة، وأيضًا فيجيء قوله تعالى: {وأقرضوا الله قرضًا حسنًا} ملائمًا في الكلام للصدقة. وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم {إن المصَدقين} بتخفيف الصاد على معنى: إن الذين صدقوا رسول الله فيما بلغ عن الله وآمنوا به، ويؤيد هذه القراءة أنها أكثر تناولًا، لأن كثيرًا ممن لا يتصدق يعمه اللفظ في التصديق. ثم إن تقييدهم بقوله: {وأقرضوا} يرد مقصد القراءتين قريبًا بعضه من بعض.
وقوله: {أقرضوا} معطوف على المعنى، لأن معنى قوله: {إن المصدقين والمصدقات} إن الذين تصدقوا، ولا يصح هنا عطف لفظي، قاله أبو علي في الحجة. وقد تقدم معنى القرض، ومعنى المضاعفة التي وعد الله بها هذه الأمة. وقد تقدم معنى وصف الأجر بالكريم، كل ذلك في هذه السورة.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد عندي قراءة من قرأ: {إن المصّدقين} بشد الصاد. إن الله تعالى حض في هذه الآية على الإنفاق وفي سبيل الله تعالى. ثم ذكر في هذه أهل الصدقة ووعدهم، ثم ذكر أهل الإيمان والتصديق في قوله: {والذين آمنوا بالله ورسله} وعلى قراءة من قرأ: {إن المصَدقين} بتخفيف الصاد فذكر المؤمنين مكرر في اللفظ، وكون الأصناف منفردة بأحكامها من الوعد أبين.
والإيمان بمحمد يقتضي الإيمان بجميع الرسل، فلذلك قال: {ورسله}. و{الصديقون} بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق على ما ذكر الزجاج، وفعيل لا يكون فيما أحفظ إلا من فعل ثلاثي، وقد أشار بعض الناس إلى أنه يجيء من غير الثلاثي. وقال: مسيك من أمسك، وأقول إنه يقال: مسك الرجل وقد حكى مسك الشيء، وفي هذا نظر.
وقوله تعالى: {والشهداء عند ربهم} اختلف الناس في تأويل ذلك، فقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة: {والشهداء} معطوف على قوله: {الصديقون} والكلام متصل. ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاتصال، فقال بعضها: وصف الله المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء، فكل مؤمن شهيد، قاله مجاهد. وروى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مؤمنو أمتي شهداء»، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، وإنما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء السبعة تشريفًا، ولأنهم في أعلى رتب الشهادة، ألا ترى أن المقتول في سبيل الله مخصوص أيضًا من السبعة بتشريف ينفرد به. وقال بعضها: وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء لكن من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد، وذلك نحو قوله تعالى: