فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكر بعضهم أن الاختيال في الفعل والفخر فيه وفي غيره، والمراد من لا يحب يبغض إذ لا واسطة بين الحب والبغض في حقه عز وجل وأولًا بالإثابة والتعذيب، ومذهب السلف ترك التأويل مع التنزيه، ومن لا يحب كل مختال لا يحب كل فرد فرد من ذلك لا أنه لا يحب البعض دون البعض ويرد بذلك على الشيخ عبد القاهر في قوله: إذا تأملنا وجدنا إدخال كل في حيز النفي لا يصلح إلا حيث يراد أن بعضًا كان وبعضًا لم يكن، نعم إن هذا الحكم أكثري لا كلي، وقوله تعالى: {الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} بدل من {كُلَّ مُخْتَالٍ} [الحديد: 23] بدل كل من كل فإن المختال بالمال يضن به غالبًا ويأمر غيره بذلك، والظاهر أن المراد أنهم يأمرون حقيقة، وقيل: كانوا قدوة فكأنهم يأمرون أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين الخ، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره يعرضون عن الإنفاق الغني عنه الله عز وجل، ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغنى الحميد} فإن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله سبحانه غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره بالتقرب إليه بشيء من نعمه جل جلاله، وقيل: تقديره مستغنى عنهم، أو موعودون بالعذاب أو مذمومون.
وجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار أعني أو على أنه نعت لكل مختال فإنه مخصص نوعًا مّا من التخصيص فساغ وصفه بالمعرفة وهذا ليس بشيء، وقال ابن عطية: جواز مثل ذلك مذهب الأخفش ولا يخفى ما في الجملة من الإشعار بالتهديد لمن تولى، وقرأ نافع وابن عامر فإن الله {الغني} بإسقاط هو وكذا في مصاحف المدينة والشام وهو في القراءة الأخرى ضمير فصل، قال أبو علي: ولا يحسن أن يكون مبتدأ وإلا لم لم يجز حذفه في القراءة الثانية لأن ما بعده صالح لأن يكون خبرًا فلا يكون هناك دليل على الحذف وهذا مبني على وجوب توافق القراءتين إعرابًا وليس بلازم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.
فذلكة لما تقدم من قوله تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم} [الحديد: 12] إلى هنا فذلك مسوق مساق الترغيب فيما به تحصيل نعيم الآخرة والتحذير من فواته وما يصرف عنه من إيثار زينة الدنيا، ولذلك فُصلت الجملة ولم تُعطف، واقتُصر في الفذلكة على الجانب المقصود ترغيبه دون التعرض إلى المحذر منه لأنه المقصود.
وعبر عن العناية والاهتمام بفعل السابقة لإِلهاب النفوس بصرف العناية بأقصى ما يمكن من الفضائل كفعل من يسابق غيره إلى غاية فهو يحرص على أن يكون المجلِّي، ولأن المسابقة كناية عن المنافسة، أي واتركوا المقتصرين على متاع الحياة الدنيا في الآخريات والخوالف.
وتنكير {مغفرة} لقصد تعظيمها ولتكون الجملة مستقلة بنفسها، وإلا فإن المغفرة سبق ذكرها في قوله: {ومغفرة من الله}، فكان مقتضى الظاهر أن يقال: سابقوا إلى المغفرة، أي أكثروا من أسبابها ووسائلها: فالمسابقة إلى المغفرة هي المسابقة في تحصيل أسبابها.
والعَرْض: مستعمل في السعة وليس مقابل الطُور لظهور أنه لا طائل في معنى ما يقابل الطول، وهذا كقوله تعالى: {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} [فصلت: 51]، وقول العُديل لما فَرَّ من وعيد الحجاج:
ودون يد الحجاج من أن تنالني ** بساط بأيدي الناعجات عَريض

وتشبيه عَرْض الجنة بعَرْض السماء والأرض، أي مجموع عرضيهما لقصد تقريب المشبه بأقصى ما يتصوره الناس في الاتساع، وليس المراد تحديد ذلك العرض ولا أن الجنة في السماء حتى يقال: فماذا بقي لمكان جهنم.
وهذا الأمر شامل لجميع المسابقات إلى أفعال البر الموجبة للمغفرة ونعيم الجنة، وشامل للمسابقة الحقيقية مع المجازية على طريقة استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وهي طريقة شائعة في القرآن إكثارًا للمعاني، ومنه الحديث: «لو يعلم الناس ما في الصف الأول لاستبقوا إليه أو استهموا إليه».
وليس في الآية دليل على أن الجنة غير مخلوقة الآن إذ وجه الشبه في قوله: {كعرض السماء والأرض} هو السعة لا المقدار ولا على أن الجنة في السماء الموجودة اليوم ولا عدمه، وتقدم من معنى هذه الآية قوله: {سارعوا إلى مغفرة من ربكم} الآية في سورة [آل عمران: 133].
وظاهر قوله:{أعدت} أن الله خلقها وأعدّها لأن ظاهر استعماله الفعل في الزمان الماضي إن حصل مصدره فيه، فقد تمسك بهذا الظاهر الذين قالوا: إن الجنة مخلوقة الآن، وأما الذين نفوا ذلك فاستندوا إلى ظواهر أخرى وتقدم ذلك في سورة آل عمران.
وعُلم من قوله: {أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} أن غيرهم لاحظَ لهم في الجنة لأن معنى اعداد شيء لشيء قصره عليه.
وجَمْع الرسل هنا يشمل كل أمة آمنوا بالله وبرسولهم الذي أرسله الله إليهم، وليس يلزمها أن تؤمن برسول أرسل إلى أمة أخرى ولم يَدْع غيرها إلى الإِيمان به.
والإِشارة في {ذلك فضل الله} إلى المذكور من المغفرة والجنة.
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}.
لما جرى ذكر الجهاد آنفًا بقوله: {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10] وقوله: {والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} [الحديد: 19] على الوجهين المتقدمين هنالك، وجرى ذكر الدنيا في قوله: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغروب} [الحديد: 20] وكان ذلك كله مما تحدُث فيه المصائب من قتل وقطع وأسر في الجهاد، ومن كوارث تعرض في الحياة من فقد وألم واحتياج، وجرى مَثَل الحياة الدنيا بالنّبات، وكان ذلك ما يعرض له القحط والجوائح، أُتبع ذلك بتسلية المسلمين على ما يصيبهم لأن المسلمين كانوا قد تخلقوا بآداب الدنيا من قبلُ فربما لحقهم ضر أو رزء خارج عن نطاق قدرتهم وَكسبهم فأعلموا أن ذلك مما اقتضاه ارتباط أسباب الحوادث بعضها ببعض على ما سيرها عليه نظام جميع الكائنات في هذا العالم كما أشار إليه قوله تعالى: {إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] كما ستعلمه، فلم يملكهم الغم والحزن، وانتقلوا عن ذلك إلى الإقبال على ما يهمهم من الأمور ولم يلهمهم التحرق على ما فات على نحو ما وقع في قوله: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 154 156]، ولعل المسلمين قد أصابتهم شدة في إحدى المغازي أو حبس مطر أو نحو ذلكم مما كان سبب نزول هذه الآية.
و(ما) نافية و(من) زائدة في النفي للدلالة على نفي الجنس قصدًا للعموم.
ومفعول {أصاب} محذوف تقديره: ما أصابكم أو ما أصاب أحدًا.
وقوله: {في الأرض} إشارة إلى المصائب العامة كالقحط وفيضان السيول وموتان الأنعام وتلف الأموال.
وقوله: {ولا في أنفسكم} إشارة إلى المصائب اللاحقة لذوات الناس من الأمراض وقطع الأعضاء والأسر في الحرب وموت الأحباب وموت المرء نفسه فقد سماه الله مصيبة في قوله: {فأصابتكم مصيبة الموت} [المائدة: 106].
وتكرير حرف النفي في المعطوف على المنفي في قوله: {ولا في أنفسكم} لقصد الاهتمام بذلك المذكور بخصوصه فإن المصائب الخاصة بالنفس أشد وقعًا على المصاب، فإن المصائب العامة إذا اخْطأَتْه فإنما يتأثر لها تأثرًا بالتعقل لا بالحسّ فلا تدوم ملاحظة النفس إياه.
والاستثناء في قوله: {إلا في كتاب} استثناء من أحوال منفية بـ (ما)، إذ التقدير: ما أصاب من مصيبة في الأرض كائنة في حال إلا في حال كونها مكتوبة في كتاب، أي مثبتة فيه.
والكتاب: مجاز عن علم الله تعالى ووجه المشابهة عدم قبوله التبديل والتغيير والتخلف، قال الحارث بن حلزة:
حذر الجور والتطاخي وهل ** ينْقض ما في المهارق الأهواء

ومن ذلك علمه وتقديره لأسباب حصولها ووقت خلقها وترتب آثارها والقصر المفاد بـ (إلاّ) قصر موصوف على صفة وهو قصر إضافي، أي إلا في حال كونها في كتاب دون عدم سبق تقديرها في علم الله ردًّا على اعتقاد المشركين والمنافقين المذكور في قوله تعالى: {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} [آل عمران: 156] وقوله: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا} [آل عمران: 168].
وهذا الكلام يجمع الإِشارة إلى ما قدمناه من أن الله تعالى وضع نظام هذا العالم على أن تترتب المسببات على أسبابها، وقدر ذلك وعلمه، وهذا مثل قوله: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} [فاطر: 11] ونحو ذلك.
والبرءُ: بفتح الباء: الخَلْق ومن أسمائه تعالى البارىء، وضمير النصب في {نبرأها} عائد إلى الأرض أو إلى الأنفس.
وجملة {إن ذلك على الله يسير} ردّ على أهل الضلال من المشركين وبعض أهل الكتاب الذين لا يثبتون لله عموم العلم ويجوّزون عليه البَداء وتمشّي الحِيَل، ولأجل قصد الرد على المنكرين أكد الخبر بـ (إنّ).
والتعليل بلام العلة و(كي) متعلق بمقدر دل عليه هذا الإِخبار الحكيم، أي أعلمناكم بذلك لكي لا تأسوا على ما فاتكم الخ، أي لفائدة استكمال مدركاتكم وعقولكم فلا تجزعوا للمصائب لأن من أيقَنَ أن ما عنده من نعمة دنيوية مفقود يومًا لا محالة لم يتفاقم جزعه عند فقده لأنه قد وطّن نفسه على ذلك، وقد أخذ هذا المعنى كُثّير في قوله:
فقلت لها يا عزّ كل مصيبة ** إذا وُطِّنت يومًا لها النفس ذَلّتِ

وقوله: {ولا تفرحوا بما آتاكم} تتميم لقوله: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} فإن المقصود من الكلام أن لا يأْسَوْا عند حلول المصائب لأن المقصود هو قوله: {ما أصاب من مصيبة إلا في كتاب} ثم يعلم أن المسرات كذلك بطريق الاكتفاء فإن من المسرات ما يحصل للمرء عن غير ترقب وهو أوقع في المسرة كَمُل أدبه بطريق المقابلة.
والفرح المنفي هو الشديد منه البالغ حدّ البطر، كما قال تعالى في قصة قارون {إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [القصص: 76].
وقد فسره التذييل من قوله: {والله لا يحب كل محتال فخور}.
والمعنى: أخبرتكم بذلك لتكونوا حكماء بُصراء فتعلموا أن لجميع ذلك أسبابًا وعللًا، وأن للعالم نظامًا مرتبطًا بعضه ببعض، وأن الآثار حاصلة عقب مؤثراتها لا محالة، وإن إفضاءها إليها بعضه خارججِ عن طوق البشر ومتجاوز حد معالجته ومحاولتِه، وفعل الفوات مشعر بأن الفائتَ قد سعى المفوتُ عليه في تحصيله ثم غُلب على نواله بخروجه عن مِكنته، فإذا رسخ ذلك في علم أحد لم يحزن على ما فاته مما لا يستطيع دفعه ولم يغفل عن ترقب زوال ما يسره إذا كان مما يسره، ومن لم يتخلق بخلُق الإسلام يتخبط في الجوع إذا أصابه مصاب ويُستطار خُيلاء وتطاولًا إذا ناله أمر محبوب فيخرج عن الحكمة في الحالين.
والمقصود من هذا التنبيهُ على أن المفرحات صائرة إلى زوال وأن زوالها مصيبة.
واعلم أن هذا مقام المؤمن من الأدب بعد حلول المصيبة وعند نوال الرغيبة.
وصلة الموصول في {بما آتاكم} مشعرة بأنه نعمة نافعة، وفيه تنبيه على أن مقام المؤمن من الأدب بعد حلول المصيبة وعند انهيال الرغيبة، هو أن لا يحزن على ما فات ولا يبطر بما ناله من خيرات، وليس معنى ذلك أن يترك السعي لنوال الخير واتقاء الشر قائلًا: إن الله كتب الأمور كلها في الأزل، لأن هذا إقدام على إفساد ما فَطر عليه الناس وأقام عليه نظام العالم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذين قالوا أفلا نَتَّكِل «اعمَلوا فكل ميسَّر لما خُلق له».
وقوله: {والله لا يحب كل مختال فخور} تحذير من الفرح الواقع في سياق تعليل الأخبار بأن كل ما ينال المرءَ ثابت في كتاب، وفيه بيان للمراد من الفرح أنه الفرح المفرط البالغ بصاحبه إلى الاختيال والفخر.
والمعنى: والله لا يحب أحدًا مختالًا وفخورًا ولا تتوهمْ أن موقع (كل) بعد النفي يفيد النفي عن المجموع لا عن كل فرد لأن ذلك ليس مما يقصُده أهل اللسان، ووقع للشيخ عبد القاهر ومتابعيه توعم فيه، وقد تقدم عند قوله تعالى: {والله لا يحب كل كفار أثيم} في سورة البقرة (276) ونبهت عليه في تعليقي على دلائل الإِعجاز.
وقرأ الجمهور {آتاكم} بمدّ بعد الهمزة مُحول عن همزة ثانية هي فاء الكلمة، أي ما جعله آتيًا لكم، أي حاصلًا عندكم، فالهمزة الأولى للتعدية إلى مفعول ثان، والتقدير: بما آتاكموه.
والإِتيان هنا أصله مجاز وغلب استعماله حتى ساوَى الحقيقة، وعلى هذه القراءة فعائد الموصول محذوف لأنه ضمير متصل منصوب بفعل، والتقدير: بما آتاكموه، وفيه إدماج المنة مع الموعظة تذكيرًا بأن الخيرات من فضل الله.
وقرأه أبو عمرو وَحدَه بهمزة واحدة على أنه من (أتى)، إذا حَصل، فعائد الموصول هو الضمير المستتر المرفوع بـ (آتى)، وفي هذه القراءة مقابلة {آتاكم} بـ (فاتكم) وهو محسن الطباق ففي كلتا القراءتين محسّن.
{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)}.
يجوز أن يكون {الذين يبخلون} ابتداء كلام على الاستئناف لأن الكلام الذي قبله ختم بالتذييل بقوله: {والله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد: 23] فيكون {الذين يبخلون} مبتدأ وخبره محذوفًا يدل عليه جواب الشرط وهو {فإن الله هو الغني الحميد}.
والتقدير: فإن الله غني عنهم وحامد للمنفقين.
ويجوز أن يكون متصلًا بما قبله على طريقة التخلص فيكون {الذين يبخلون} بدلًا من {كل مختال فخور}، أو خبرًا لِمبتدأ محذوف هو ضمير {كل مختال فخور}.
تقديره: هم الذين يبخلون، وعلى هذا الاحتمال الأخير فهو من حذف المسند إليه اتّباعا للاستعمال كما سماه السكاكي، وفيه وجوه آخر لا نطوِّل بها.
والمراد بـ {الذين يبخلون}: المنافقون، وقد وصفهم الله بمثل هذه الصلة في سورة النساء، وأمرهم الناس بالبخل هو الذي حكاه الله عنهم بقوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} [المنافقون: 7]، أي على المؤمنين.
وجملة {ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد} تذييل لأن {من يتولّ} يعم {الذين يبخلون} وغيرهم فإنّ {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} أي في سبيل الله وفي النفقات الواجبه قد تولوا عن أمر الله و(مَن) شرطية عامة.
وجملة {فإن الله هو الغني الحميد} قائمة مقام جواب الشرط لأن مضمونها علة للجواب، فالتقدير: ومن يتولّ فلا يضر الله شيئًا ولا يضر الفقير لأن الله غني عن مال المتولّين، ولأن له عبادًا يطيعون أمره فيحمدهم.
والغنيّ: الموصوف بالغنى، أي عدم الاحتياج.
ولما لم يذكر له متعلق كان مفيدًا الغنى العام.
والحميد: وصف مبالغة، أي كثير الحمد للمنفقين على نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] الآية.
ووصفه بـ {الحميد} هنا نظير وصفه ب {الشكور} وفي قوله: {إن تقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم} [التغابن: 17]، فإن اسمه {الحميد} صالح لمعنى المحمود فيكون فعيلًا بمعنى مفعول، وصالح لمعنى كثير الحمد، فيكون من أمثلة المبالغة لأن الله يثيب على فعل الخير ثوابًا جزيلًا ويُثني على فاعله ثناء جميلًا فكان بذلك كثير الحمد.