فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن ابن عباس: {كي يعلم}، وعنه: {لكيلا يعلم}، وعن عبد الله وابن جبير وعكرمة: {لكي يعلم}.
وقرأ الجمهور: {أن لا} يقدرون بالنون، فإن هي المخففة من الثقيلة؛ وعبد الله بحذفها، فإن الناصبة للمضارع، والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{ثُمَّ قَفَّيْنَا على ءاثارهم بِرُسُلِنَا} أي ثُمَّ أرسلنَا بعدَهُم رسلنَا {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ} أي أرسلنَا رسولًا بعد رسولٍ حتَّى انتهى إلى عيسَى ابنِ مريمَ عليه السلام والضميرُ لنوحٍ وإبراهيمَ ومَنْ أُرسِلا إليهم، أو مَنْ عاصرهُما من الرُّسلِ لا للذريةِ فإنَّ الرسلَ المُقفَّى بهم من الذريةِ {وءاتيناه الإنجيل} وقرئ بفتحِ الهمزةِ فإنَّه أعجميٌّ لا يلزمُ فيه مراعاةُ أبنيةِ العربِ {وَجَعَلْنَا في قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً} وقرئ رآفةً على فَعَالةٍ. {وَرَحْمَةً} أي وفَّقناهُم للتراحمِ والتعاطفِ بينهُم ونحوه في شأن أصحابِ النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} {وَرَهْبَانِيَّةً} منصوبٌ إمَّا بفعلٍ مضمرٍ يفسرُه الظاهرُ أيْ وابتدعُوا رهبانيةً {ابتدعوها} وإمَّا بالعطفِ على ما قبلهَا وابتدعُوها صفةٌ لها أي وجعلنَا في قلوبِهم رأفةً ورحمةً ورهبانيةً مبتدعة من عندهم أي وفَّقناهُم للتراحم بينهُم ولابتداعِ الرهبانيةِ واستحداثها وهي المبالغةُ في العبادةِ بالرياضةِ والانقطاع عن النَّاسِ ومعناهَا الفعلةُ المنسوبةُ إلى الرَّهبانِ وهو الخائفُ فَعْلانُ من رَهبَ كخشيانَ من خَشِي، وقرئ بضمِّ الراءِ كأنَّها نسبةٌ إلى الرُّهبانِ وهو جمعُ راهبٍ كراكبٍ ورُكبان وسببُ ابتداعِهم إيَّاها أنَّ الجبابرةَ ظهروُا على المؤمنينَ بعدَ رفعِ عيسَى عليه السلام فقاتلُوهم ثلاثَ مراتٍ فقُتلوا حتَّى لم يبقَ منُهم إلا قليلٌ فخافُوا أنْ يُفتتنُوا في دينِهم فاختارُوا الرَّهبانيةَ في قُللِ الجبالِ فارِّينَ بدينِهم مُخلصينَ أنفسَهُم للعبادةِ. وقوله تعالى: {مَا كتبناها عَلَيْهِمْ} جملةٌ مستأنفةٌ، وقيلَ صفةٌ أُخْرى لرهبانيةٍ والنفيُ على الوجهِ الأولِ متوجِةً إلى أصلِ الفعلِ. وقوله تعالى: {إِلاَّ ابتغاء رضوان الله} استثناءٌ منقطعٌ أي ما فرضناهَا نحنُ عليهم رأسًا ولكنُهم ابتدعُوها ابتغاءَ رضوانِ الله فذمَّهم حينئذٍ بقوله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} من حيثُ أنَّ النذرَ عهدٌ مع الله لا يحلُّ نكثُه لا سيَّما إذَا قُصدَ به رضاهُ تعالى وعلى الوجهِ الثانِي متوجهٌ إلى قيدِه لا إلى نفسِه. والاستثناءُ متصلٌ من أعمِّ العللِ أي ما كتبنَاها عليهم بأنْ وفقناهُم لابتداعِها لشيءٍ من الأشياءِ إلا ليبتغُوا بها رضوانَ الله ويستحقُّوا بها الثوابَ ومن ضرورةِ ذلكَ أن يحافظُوا عليَها ويراعُوها حقَّ رعايتها فما رَعَاها كلُّهم بلْ بعضُهم {فَئَاتَيْنَا الذين ءَامَنُواْ مِنْهُمْ} إيمانًا صحيحًا وهو الأيمانُ برسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَ رعايةِ رهبانيتِهم لا مجردَ رعايتِها فإنَّها بعدَ البعثةِ لغوٌ مَحضٌ وكفرٌ بَحْتٌ وأنَّى لها استتباعُ الأجرِ {أَجْرَهُمْ} أي ما يخُصُّ بهم من الأجرِ {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون} خارجونَ عن حدِّ الاتباعِ، وحملُ الفريقينِ على منِ مضَى من المراعينَ لحقوقِ الرَّهبانيةِ من قبل النسخِ والمخلينَ بها إذْ ذاكَ بالتثليثِ والقول بالاتحادِ وقصدِ السمعةِ من غيرِ تعرضٍ لإيمانِهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكفرِهم به ممَّا لا يساعدُه المقامُ.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ} أي بالرسلِ المتقدمةِ {اتقوا الله} فيما نهاكُم عنْهُ {وَءَامَنُواْ بِرَسُولِهِ} أي بمحمدٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وفي إطلاقهِ إيذانٌ بأنَّه عَلَمٌ فَردٌ في الرسالةِ لا يذهبُ الوهمُ إلى غيرِه {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} نصيبينِ {مّن رَّحْمَتِهِ} لإيمانِكم بالرسولِ وبمَنْ قبلَهُ من الرسلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ لكنْ لا على مَعْنى أنَّ شريعتَهُم باقيةٌ بعد البعثةِ بلْ على أنَّها كانتْ حقَّة قبلَ النسخِ {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} يومَ القيامةِ حسبَما نطقَ به قوله تعالى: {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ما أسلفتُم من الكُفر والمَعَاصِي {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي مبالغٌ في المغفرةِ والرحمةِ. وقوله تعالى: {لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} متعلقٌ بمضمونِ الجملةِ الطلبيةِ المتضمنةِ لمَعْنى الشرطِ إذِ التقديرُ إنْ تتقُوا الله وتُؤمنوا برسوله يُؤتكم كَذَا وكَذَا لئلاَّ يعلمَ الذينَ لم يُسلموا من أهل الكتابِ أي ليعلمُوا ولا مزيدةٌ كما ينبىءُ عنه قراءة {ليعلَم} و{لكي يعلمَ} و{لأن يعلمَ} بإدغامِ النونِ في الياءِ وأنْ في قوله تعالى: {أَن لا يَقْدِرُونَ على شيء مّن فَضْلِ الله} مخففةٌ من الثقيلةِ واسمُها الذي هُو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ والجملةُ في حيز النصبِ على أنَّها مفعولُ يعلمَ أيْ ليعلمُوا أنَّه لا ينالونَ شيئًا مما ذُكِرَ من فضله من الكفلين والنورِ والمغفرةِ ولا يتمكنون من نيله حيثُ لم يأتُوا بشرطه الذي هُو الإيمانُ برسوله. وقوله تعالى: {وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله} عطفٌ على أنْ لا يقدرونَ. وقوله تعالى: {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} خبرٌ ثانٍ لأَنَّ، وقيلَ: هُو الخبرُ والجارُّ حالٌ لازمةٌ. وقوله تعالى: {والله ذُو الفضل العظيم} اعتراضٌ تذييليّ مقررٌ لمضمون ما قبلَهُ وقد جُوِّزَ أنْ يكونَ الأمرُ بالتقوى والإيمانِ لغير أهلِ الكتابِ فالمَعْنى اتقُوا الله واثبتُوا على إيمانكم برسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤتكُم ما وعدَ مَنْ آمنَ مِنْ أهلِ الكتابِ من الكفلينِ في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} ولا ينقصكُم من مثلِ أجرِهم لأنَّكُم مثلُهم في الإيمانينِ لا تفرقون بين أحدٍ من رسلِه. ورُويَ أنَّ مُؤمني أهلِ الكتابِ افتخرُوا على سائرِ المؤمنينَ بأنَّهم يُؤتون أجرَهُم مرتين وادَّعوا الفضل عليهم فنزلت. وقرئ {لِيَلاَ} بقلب الهمزة ياءً لانفتاحها بعد كسرةٍ، وقرئ بسكونِ الياءِ وفتحِ اللامِ كاسمِ المرأةِ، وبكسرِ اللامِ مع سكونِ الياءِ. وقرئ {أنْ لا يقدرُوا}. هَذا وقد قيل: لاَ غيرُ مزيدةٍ وضميرُ لا يقدرونَ للنبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأصحابِه والمَعْنى لئلا يعتقدَ أهلُ الكتابِ أنَّه لا يقدرُ النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمؤمنونَ به على شيءٍ من فضلِ الله الذي هو عبارةٌ عمَّا أُوتُوه من سعادةِ الدارينِ على أنَّ عدمَ علمِهم بعدمِ قُدرتِهم على ذلكَ كنايةٌ عن علمهِم بقدرتِهم عليه فيكونُ قوله تعالى: {وأنَّ الفضلَ بيدِ الله} إلخ عطفًا على {أنْ لا يعلمَ}. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} يعني: ألم يجىء وقت تخاف قلوبهم، فترق قلوبهم.
يقال: إناءً يأني إناءً إذا حان وجاء وقته وأوانه.
قال الفقيه: حدّثنا الخليل بن أحمد، ثنا: أبو جعفر محمد بن إبراهيم الدبيلي، قال: حدّثنا أبو عبيد الله، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن القاسم قال: ملَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة، فقالوا: حدّثنا يا رسول الله، فأنزل الله تعالى: {الذى نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كتابا متشابها} ثم ملوا ملَّة أخرى فقالوا: حدّثنا يا رسول الله. فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} ويقال: إن المسلمين قالوا لسلمان الفارسي: حدّثنا عن التوراة، فإن فيها عجائب.
فنزل {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} فكفوا عن السؤال، ثم سألوه عن ذلك، فنزلت هذه الآية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} يعني: ترق قلوبهم لذكر الله {وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} يعني: القرآن بذكر الحلال والحرام.
قرأ نافع، وعاصم، في رواية حفص {وَمَا نَزَلَ} بالتخفيف.
والباقون: بالتشديد على معنى التكثير، والمبالغة.
ثم وعظهم فقال: {وَلاَ يَكُونُواْ كالذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلُ} يعني: ولا تكونوا في القسوة كاليهود، والنصارى، من قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الامد} يعني: الأجل.
ويقال: خروج النبي صلى الله عليه وسلم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} يعني: جفّت، ويبست قلوبهم عن الإيمان، فلم يؤمنوا بالقرآن إلا قليل منهم {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون} يعني: عاصون.
ويقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} يعني: المنافقين الذين آمنوا بلسانهم دون قلوبهم.
وقال أبو الدرداء: استعيذوا بالله من خشوع النفاق.
قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا، والقلب ليس بخاشع.
قوله تعالى: {اعلموا أَنَّ الله يُحْىِ الأرض} يعني: يصلح الأرض، فاعتبروا بذلك {بَعْدَ مَوْتِهَا} يعني: بعد يبسها، وقحطها، فكذلك يحيي القلوب بالقرآن، ويصلح بعد قساوتها حتى تلين، كما أحيا الأرض كذلك بعد موتها بالمطر.
{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات} يعني: العلامات في القرآن {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} يعني: لكي تعقلوا أمر البعث كذلك إنكم أيضًا تبعثون.
قوله تعالى: {إِنَّ المصدقين والمصدقات} قرأ ابن كثير، وعاصم، في رواية أبي بكر {إِنَّ المصدقين والمصدقات} كليهما بالتخفيف، والباقون: بالتشديد.
فمن قرأ بالتخفيف، فمعناه: إن المؤمنين من الرجال، والمؤمنات من النساء، فمن صدق الله ورسوله ورضي بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن قرأ: بالتشديد. يعني: المتصدقين من الرجال، والمتصدقات من النساء، فأدغمت التاء في الصاد، وشددت.
{وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضًا حَسَنًا} يعني: يتصدقون، محتسبين بطبيعة أنفسهم، صادقين من قلوبهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ} الحسنات، والثواب بكل واحد عشرة إلى سبعمائة، إلى ما لا يحصى، {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} يعني: ثوابًا حسنًا في الجنة.
ثم قال عز وجل: {والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} يعني: صدّقوا بتوحيد الله، وصدقوا بجميع الرسل، {أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون} والصدِّيق: اسم المبالغة في الفعل.
يقال: رجل صدِّيق، كثير الصدق.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: فمن آمن بالله ورسله فهو من الصدِّيقين.
ثم قال: {والشهداء عِندَ رَبّهِمْ} قال مقاتل: هذا استئناف فقال: {الشهداء} يعني: من استشهد عند ربهم.
يعني: يطلب شهادة على الأمم {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} يعني: ثوابهم {وَنُورُهُمْ} ويقال: هذا بناء على الأول.
يعني: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون والشهداء عِندَ رَبّهِمْ} يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة.
ويقال: معناه {أُوْلَئِكَ هُمُ الصديقون} {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الشهداء} عند ربهم، ويكون لهم أجرهم، ونورهم.
قال مجاهد: كل مؤمن صديق، شهيد.
ثم وصف حال الكفار فقال عز وجل: {والذين كَفَرُواْ} يعني: بوحدانية الله تعالى: {وَكَذَّبُواْ بآياتنا} يعني: جحدوا بالقرآن {أولئك أصحاب الجحيم}.
ثم قال عز وجل: {اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} يعني: باطلًا، ولهوًا.
يعني: فرحًا يلهون فيها {وَزِينَةٌ} يعني: زينة الدنيا {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} عن الحسب {وَتَكَاثُرٌ في الاموال والاولاد} تفتخرون بذلك.
وروى إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَامَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
ثم ضرب للدنيا مثلًا آخر فقال: {كَمَثَلِ غَيْثٍ} يعني: كمثل مطر نزل من السماء فينبت به الزرع، والنبات، {أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ} يعني: فرح الزارع بنباته، ويقال: {أَعْجَبَ الكفار} يعني: الكفار بالله، لأنهم أشد إعْجابًا بزينة الدنيا من المؤمنين.
ويقال: {الكفار} كناية عن الزراع، لأن الكَفْر في اللغة هو التغطية، ولهذا سمي الكافر كافرًا لأنه يغطي الحق بالباطل.
فسمي الزراع كفارًا لأنهم يغطون الحب تحت الأرض، وليس ذلك الكفر الذي هو ضد الإيمان، والطريقة الأولى أحسن إن أراد به الكفار، لأن ميلهم إلى الدنيا أشد {ثُمَّ يَهِيجُ} يعني: ييبس فيتغير {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} بعد خضرته {ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} يعني: يابسًا.
ويقال: {حطاما} يعني: هالكًا، فشبّه الدنيا بذلك، لأنه لا يبقى ما فيها، كما لا يبقى هذا النبت {فِى الآخرة عَذَابُ شَدِيدٍ} لمن افتخر بالدنيا، واختارها {وَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله ورضوان} لمن ترك الدنيا، واختار الآخرة على الدنيا.
ويقال: عذاب شديد لأعدائه، ومغفرة من الله لأوليائه.
ثم قال: {وَما الحياة الدنيا إِلاَّ متاع الغرور} يعني: كمتاع الغرور، يعني: كالمتاع الذي يتخذ من الزجاج، والخزف، يسرع إلى الفناء ولا يبقى.
ثم قال عز وجل: {سَابِقُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ} يعني: سارعوا بالأعمال الصالحة.
ويقال: بادروا بالتوبة.
وقال مكحول: سابقوا إلى تكبيرة الافتتاح {وَجَنَّةٍ} يعني: إلى جنة {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض} يعني: لو ألصقت بعضها على بعض.
يعني: سبع سموات، وسبع أرضين، ومدت مد الأديم، لكان عرض الجنة أوسع من ذلك؛ وإنما بين عرضها، ولم يبين طولها.
ويقال: لو جعلت السموات والأرض لكانت الجنة بعد ذلك.
هذا مثل يعني: إنها أوسع شيء رأيتموه {سَابِقُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ} يعني: خلقت، وهيئت للذين صدقوا بوحدانية الله تعالى، وصدقوا برسله، {ذلك فَضْلُ الله} يعني: ذلك الثواب فضل الله على العباد {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} يعني: يعطيه من يشاء من عباده، وهم المؤمنون، {والله ذُو الفضل العظيم} يعني: ذو العطاء العظيم، وذو المَنّ الجسيم.
قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ في الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ} يعني: من قحط المطر، وغلاء السعر، وقلة النبات، ونقص الثمار، {وَلاَ في أَنفُسِكُمْ} من البلايا، والأمراض، والأوجاع.
{إِلاَّ في كتاب} يعني: إلا في اللوح المحفوظ {مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} يعني: من قبل أن نخلق تلك النسمة.
وذكر الربيع بن أبي صالح الأسلمي قال: دخلت على سعيد بن جبير حين جيء به إلى الحَجَّاج أراد قتله، فبكى رجل من قومه فقال سعيد: ما يبكيك؟ قال: لما أصابك من مصيبة. قال: فلا تبك، قد كان في علم الله تعالى أن يكون هذا. ألم تسمع قول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ في الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ في كتاب مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} يعني: من قبل أن نخلقها.
ويقال: قبل أن نخلق تلك النفس {إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} يعني: هينًا، {لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ} يعني: لكيلا تحزنوا {على مَا فَاتَكُمْ} من الرزق والعافية، إذا علمتم أنها مكتوبة عليكم قبل خلقكم، {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتاكم} يعني: بما أعطاكم في الدنيا، ولا تفتخروا بذلك {والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} يعني: متكبرًا، فخورًا، بنعم الله تعالى، ولا يشكروه.
قرأ أبو عمرو {بِمَا ءاتاكم} بغير مدّ.
والباقون: بالمد.
فمن قرأ: بغير مد، فمعناه: لكيلا تفرحوا بما جاءكم من حطام الدنيا، فإنه إلى نفاد.
ومن قرأ: بالمد {بما أعطاكم}.
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس أحد إلا وهو يحزن، ويفرح.
ولكن المؤمن من جعل الفرح والمصيبة صَبْرًا.
ثم قال عز وجل: {الذين يَبْخَلُونَ} يعني: لا يحب الذين يبخلون.
يعني: يمسكون أموالهم، ولا يخرجون منها حق الله تعالى: {وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} ويقال: الذين يبخلون.
يعني: يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرون الناس بالبخل.
يعني: يكتمون صفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته.
{وَمَن يَتَوَلَّ} يعني: يعرض عن النفقة.