فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: يعرض عن الإيمان {فَإِنَّ الله هُوَ الغنى الحميد} يعني: غنيٌّ عن نفقتهم، وعن إيمانهم، {الحميد} في فعاله.
قرأ حمزة، والكسائي، {وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} بنصب الخاء، والباء.
وقرأ الباقون: بضم الباء، وإسكان الخاء، ومعناهما واحد.
قرأ نافع، وابن عامر: {فَإِنَّ الله الغنى الحميد} الذي لا غني مثله.
والباقون: {فَإِنَّ الله هُوَ الغنى الحميد} بإثبات هو.
ثم قال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات} يعني: بالأمر، والنهي، والحلال، والحرام، {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب} يعني: أنزلنا عليهم الكتاب ليعلموا أمتهم {والميزان} يعني: العدل.
ويقال: هو الميزان بعينه، أنزل على عهد نوح عليه السلام {لِيَقُومَ الناس بالقسط} يعني: لكي يقوم الناس {بالقسط} يعني: بالعدل {وَأَنزْلْنَا الحديد} يعني: وجعلنا الحديد {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} يعني: فيه قوة شديدة في الحرب.
وعن عكرمة أنه قال: {وَأَنزْلْنَا الحديد} يعني: أنزل الله تعالى الحديد لآدم عليه السلام، العلاة، والمطرقة، والكلبتين فيه بأس شديد.
ثم قال عز وجل: {ومنافع لِلنَّاسِ} يعني: في الحديد {منافع لِلنَّاسِ} مثل السكين، والفأس، والإبرة.
يعني: من معايشهم.
{وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ} يعني: ولكن يعلم الله من ينصره على عدوه {وَرُسُلَهُ بالغيب} بقتل أعدائه كقوله: {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} ويقال: لكي يرى الله من استعمل هذا السلام في طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بالغيب.
يعني: يصدق بالقلب {إِنَّ الله قَوِىٌّ} في أمره {عَزِيزٌ} في ملكه.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وإبراهيم} يعني: بعثناهما إلى قومهما، {وَجَعَلْنَا في ذُرّيَّتِهِمَا} يعني: في نسليهما {النبوة والكتاب} وكان فيهم الأنبياء مثل موسى، وهارون، وداود، ويونس، وسليمان، وصالح، ونوح، وإبراهيم عليهم السلام {فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فاسقون} يعني: كثير من ذريتهم تاركون للكتاب.
قوله عز وجل: {ثُمَّ قَفَّيْنَا على ءاثارهم} يعني: وصلنا، وأَتْبَعْنَا على آثارهم {بِرُسُلِنَا} واحدًا بعد واحد {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ} يعني: وأرسلنا على آثارهم بعيسى ابن مريم {وَقَفَّيْنَا على} يعني: أعطيناه الإنجيل {وَجَعَلْنَا في قُلُوبِ الذين اتبعوه} يعني: الذين آمنوا به، وصدقوه، واتبعوا دينه، {رَأْفَةً وَرَحْمَةً} يعني: المودة.
والمتوادين الذين يود بعضهم بعضًا.
ويقال: الرأفة على أهل دينهم، يرحم بعضهم بعضًا، وهم الذين كانوا على دين عيسى، لم يتهوَّدوا، ولم يتنصروا.
ثم استأنف الكلام فقال: {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها} يعني: ابتدعوا رهبانية {مَا كتبناها عَلَيْهِمْ} يعني: لم تكتب عليهم الرهبانية {إِلاَّ ابتغاء رضوان الله} وذلك أنه لما كثر المشركون، خرج المسلمون منهم، فهربوا، واعتزلوا في الغيران، واتبعوا الصوامع، فطال عليهم الأمد، ورجع بعضهم عن دين عيسى ابن مريم، وابتدعوا النصرانية.
قال الله تعالى: {ابتدعوها} يعني: الرهبانية، والخروج إلى الصوامع، والتبتل للعبادة {مَا كتبناها عَلَيْهِمْ} يعني: ما أوجبنا عليهم، ولم نأمرهم إلا ابتغاء رضوان الله.
يعني: أمرناهم بما يرضي الله تعالى لا غير ذلك.
ويقال: {ابتدعوها} لطلب رضى الله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} يعني: لم يحافظوا على ما أوجبوا على أنفسهم.
ويقال: فما أطاعوا الله حين تهودوا، وتنصَّروا.
قال الله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا على ءاثارهم بِرُسُلِنَا} في الآخرة {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون} يعني: عاصين. وهم الذين تهودوا.
وفي هذه الآية دليل وتنبيه للمؤمنين أن من أوجب على نفسه شيئًا، لم يكن واجبًا عليه أن يتبعه، ولا يتركه، فيستحق اسم الفسق.
وروي عن بعض الصحابة أنه قال: عليكم بإتمام هذه التراويح، لأنها لم تكن واجبة عليكم.
فقد أوجبتموها على أنفسكم فإنكم إن تركتموها صرتم فاسقين ثم قرأ هذه الآية {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون}.
ثم قال عز وجل: {مّسْتَقِيمٍ يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} يعني: أطيعوه فيما يأمركم به، وفيما ينهاكم عنه، {يا أيها الذين} محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: اثبتوا على الإسلام بعد نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ويقال يا أيها الذين آمنوا بعيسى ابن مريم: آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} يعني: أجرين من فضله، ويقال: لما نزلت في أهل مكة {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} [القصص: 54]، حزن المسلمون، فنزل فيهم {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} وأصل الكِفْل النصيب، يعني: نصيبين من رحمته، أحدهما: بإيمانه بنبيه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عز وجل: {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} يعني: يجعل لكم سبيلًا واضحًا تهتدون به، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} يعني: يغفر لكم ذنوبكم، {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعني: يغفر الذنوب للمؤمنين {رَّحِيمٌ} بهم، {لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شيء مّن فَضْلِ الله} ولا مؤكدة في الكلام، ومعناه لأن يعلموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ورحمته، يعني: مؤمني أهل الكتاب، يعلمون أنهم لا يقدرون من فضل الله إلا برحمته لا برحمته، {وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله} يعني: الثواب من الله تعالى: {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} من كان أهلًا لذلك من العبادة {والله ذُو الفضل العظيم} يعني: هو المعطي وهو المانع والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا} الآية.
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدّثنا عمّا في التوراة فإن فيها العجائب، فنزلت الآية {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} [يوسف: 1] إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 3] فخبّرهم بأن هذا القرآن أحسن من غيره وأنفع لهم، فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزلت {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} [الزمر: 23] الآية. فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم (عادوا) أيضًا فسألوا فقالوا: حدّثنا عن التوراة فإن فيها العجائب، ونزلت هذه الآية.
فعلى هذا القول يكون تأويل الآية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا} في العلانية واللسان.
وقال غيرهما: نزلت في المؤمنين.
قال عبد الله بن مسعود: مَلَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله لو حدّثتنا فأنزل الله عزّ وجل: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} [الزمر: 23] الآية.
فقالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا فأنزل الله عزّ وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 3] الآية.
فقالوا: يا رسول الله لو ذكّرتنا ووعظتنا. فأنزل الله عزّ وجل هذه الآية.
وقال ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلاّ أربع سنين، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضًا.
وقال ابن عباس: إن الله تعالى استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال: {أَلَمْ يَأْنِ} يحن {لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ} ترق وتلين وتخضع {قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ}.
قرأ شيبة ونافع وعاصم برواية المفضل وحفص: خفيفة الزاي، غيرهم: مشددة.
{مِنَ الحق} وهو القرآن، قال مجاهد: نزلت هذه الآية في المتعرّبين بعد الهجرة.
أخبرنا عبد الله بن حامد، حدّثنا محمد بن خالد، حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد بن حميد، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا الحسام بن المصك عن الحسن عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يرفع من الناس الخشوع».
{وَلاَ يَكُونُواْ} يعني وألاّ يكونوا، محله نصب بالعطف على {تَخْشَعَ} قال الأخفش: وإن شئت جعلته نهيًا فيكون مجازه: ولا يكونن، ودليل هذا التأويل رواية يونس عن يعقوب أنه قرأ: {ولا تكونوا} بالتاء.
{كالذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلُ} وهم اليهود والنصارى. {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد} الزمان والدهر والغاية بينهم وبين أنبيائهم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
روى الأعمش عن عمارة بن عمير عن الربيع بن عُميلة، حدّثنا عبد الله حدّثنا، ما سمعت حدّثنا هو أحسن منه إلاّ كتاب الله عزّ وجل أو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم فاخترعوا كتابًا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقالوا: إعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن تابعوكم فأتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم، ثم قالوا: لا بل أرسلوا إلى فلان رجلا من علمائهم فاعرضوا عليه الكتاب فإن تابعكم فلن يخالفكم أحد بعده وإن خالفكم فإقتلوه فلن يختلف عليكم بعده أحد.
فأرسلوا إليه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله عزّ وجل ثم جعلها في قَرن ثم علّقها في عنقه، ثم لبس عليه الثياب، ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب فقالوا: أتؤمن بهذا؟ فأومأ إلى صدره فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أومن بهذا؟ يعني الكتاب الذي في القَرن، فخلّوا سبيله.
وكان له أصحاب يغشونه، فلما مات نبشوه فوجدوا القَرن ووجدوا فيه الكتاب، فقالوا: ألا ترون قوله: آمنت بهذا، ومالي لا أوُمن بهذا؟ إنما عني هذا الكتاب؟ فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة، وخير مللهم أصحاب ذي القَرن.
قال عبد الله: وإن من بقي منكم سيرى منكرًا، وبحسب أمرى يرى منكرًا لا تستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره.
وقال مقاتل بن حيان: إنما يعني بذلك مؤمني أهل الكتاب قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد} يعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} يعني الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع، ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ومنهم طائفة رجعت عن دينها وهم الذين فسّقهم فكفروا بدين عيسى ولم يؤمنوا بمحمد (عليه السلام).
وقال محمد بن كعب: كانت الصحابة بمكة مجدبين، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ففتروا عمّا كانوا فيه، فقست قلوبهم، فينبغي للمؤمنين أن يزدادوا إيمانًا ويقينًا وإخلاصًا في طول صحبة الكتاب.
أنبأني عبد الله بن حامد، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس الضبّي، أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله النيّري، حدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن وائل بن بكر قال: قال عيسى (عليه السلام): (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فَتقسوَ قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإنما الناس رجلان مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية).
أخبرنا أبو الحسن عبدالرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدّثنا أبو عبد الله المقرىء قال: سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: سمعت أبا عمار الحسين ابن حريث يقول: سمعت الفضل بن موسى السيناني يقول: كان سبب توبة الفضل بن عياض أنه عشق جارية فواعدته ليلا، فبينما هو يرقى الجدران إليها إذ سمع قارئًا يقرأ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} فرجع القهقرى.
وهو يقول: بلى فلان بلى والله فلان. فأواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة، وإذا بعضهم يقول لبعض بالفارسية: فضيل بدر أهست در ما راه بُرّذ.
فقال الفضيل في نفسه: الا أراني أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين يخافونني؟ اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام.
ثم أقبل عليهم فقال لهم بالفارسية: منم فضيل كناه كار أز من ترسيد يدأكنون مترسيد.
قال الفضل بن موسى: ثم خرج فجاور.
وحدّثنا أبو سعد بن أبي عثمان الزاهد، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن أبي عمران بمكة، حدّثنا أبو يعقوب البزاز، حدّثنا محمد بن حاتم السمرقندي، حدّثنا أحمد بن زيد، حدّثنا حسين ابن الحسن قال: سئل ابن المبارك وأنا حاضر عن أول زهده فقال: إني كنت في بستان، وأنا شاب مع جماعة من أترابي، وذلك في وقت الفواكه، فأكلنا وشربنا وكنت مولعًا بضرب العود فقمت في بعض الليل، فإذا غصن يتحرك عند رأسي فأخذت العود لأضرب به فإذا بالعود ينطق وهو يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} قال: فضربت بالعود الأرض فكسرته وصرفت ما عندي من جميع الأمور التي كنت عليها مما شُغلت عن الله، وجاء التوفيق من الله عزّ وجل فكان ما سُهل لنا من الخير بفضل الله.
{اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ إِنَّ المصدقين والمصدقات}. قرأ ابن كثير وعاصم برواية أبي بكر والمفضل بتخفيف الصادين من التصديق مجازه: إن المؤمنين والمؤمنات.
وقرأ الباقون: بتشديدهما بمعنى أن المتصدقين والمتصدقات، فأدغم التاء في الصاد كالمزمل والمدثر، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتبارًا لقراءة أُبي: {إن المتصدقين والمتصدقات واقرضوا الله قرضًا حسنًا} بالصدقة والنفقة في سبيله.
قال الحسن: كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع وإنما عطف بالفعل على الاسم لأنه في تقدير الفعل، مجازه: إن الذين صدقوا وأقرضوا يضاعف لهم أمثالها.
قراءة العامة: بالألف وفتح العين. وقرأ الأعمش: {يضاعفه} بكسر العين وزيادة هاء.
وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو جعفر {يضعّف} بالتشديد.
{وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} وهو الجنة {والذين آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ أولئك هُمُ الصديقون} واحدهم: صديق وهو الكثير الصدق.
قال الضحاك: هم ثمانية نفر سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد وحمزة بن عبد المطلب، تاسعهم عمر بن الخطاب ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نبيّه.
{والشهداء عِندَ رَبِّهِمْ} اختلف العلماء في نظم هذه الآية وحكمها، فقال قوم: تمام الكلام عند قوله: {الصديقون} ثم ابتدأ فقال: {والشهداء} وأراد بهم شهداء المؤمنين خاصة، والواو فيه واو الاستثناء، وهذا قول ابن عباس ومسروق وجماعة من العلماء. وقال الآخرون: هي متصلة بما قبلها، والواو فيه واو النسق.