فصل: (سورة الحديد: آية 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحديد: آية 28]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يجوز أن يكون خطابا للذين آمنوا من أهل الكتاب والذين آمنوا من غيرهم، فإن كان خطابا لمؤمنى أهل الكتاب. فالمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد {يُؤْتِكُمْ} اللّه {كِفْلَيْنِ} أي نصيبين {مِنْ رَحْمَتِهِ} لإيمانكم بمحمد وإيمانكم بمن قبله {وَيَجْعَلْ لَكُمْ} يوم القيامة {نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} وهو النور المذكور في قوله: {يَسْعى نُورُهُمْ}. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ما أسلفتم من الكفر والمعاصي.

.[سورة الحديد: آية 29]:

{لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}.
{لِئَلَّا يَعْلَمَ} ليعلم {أَهْلُ الْكِتابِ} الذين لم يسلموا، ولا مزيدة {أَلَّا يَقْدِرُونَ} أن مخففة من الثقيلة، أصله: أنه لا يقدرون، يعنى: أنّ الشأن لا يقدرون {عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي: لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله من الكفلين: والنور والمغفرة، لأنهم لم يؤمنوا برسول اللّه، فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله، ولم يكسبهم فضلا قط. وإن كان خطابا لغيرهم، فالمعنى:
اتقوا اللّه واثبتوا على إيمانكم برسول اللّه يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله: {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} ولا ينقصكم من مثل أجرهم، لأنكم مثلهم في الإيمانين لا تفرقون بين أحد من رسله. روى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعث جعفرا رضى اللّه عنه في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه، فقدم جعفر عليه فدعاه فاستجاب له، فقال ناس ممن آمن من أهل مملكته وهم أربعون رجلا. ائذن لنا في الوفادة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأذن لهم فقدموا مع جعفر وقد تهيأ لوقعة أحد، فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة: استأذنوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فرجعوا وقدموا بأموال لهم فآسوا بها المسلمين، فأنزل الله: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ}... إلى قوله... {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} فلما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله: {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} فخروا على المسلمين وقالوا: أما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرّتين، وأما من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم، فما فضلكم علينا؟ فنزلت. وروى أنّ مؤمنى أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرّتين، وادعوا الفضل عليهم، فنزلت. وقرئ {لكي يعلم}. و{لكيلا يعلم}. و{ليعلم} و{لأن يعلم}: بإدغام النون في الياء. و{لين يعلم}: بقلب الهمزة ياء وإدغام النون في الياء. وعن الحسن: {ليلا يعلم}، بفتح اللام وسكون الياء. ورواه قطرب بكسر اللام. وقيل في وجهها: حذفت همزة أن، وأدغمت نونها في لام لا، فصار (للا) ثم أبدلت من اللام المدغمة ياء، كقولهم: ديوان، وقيراط. ومن فتح اللام فعلى أن أصل لام الجرّ الفتح، كما أنشد:
أريد لأنسى ذكرها

وقرئ: {أن لا يقدروا بِيَدِ اللَّهِ في ملكه وتصرفه}. واليد مثل {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ} ولا يشاء إلا إيتاء من يستحقه. عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا باللّه ورسله». اهـ.

.قال الماوردي:

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}.
وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها نزلت في قوم موسى عليه السلام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن حيان.
الثاني: في المنافقين آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، قاله الكلبي.
الثالث: أنها في المؤمنين من أمتنا، قاله ابن عباس وابن مسعود، والقاسم بن محمد.
ثم اختلف فيها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما رواه أبو حازم عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال: ما كان بين أن أسلمنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول ما أحدثنا. قال الحسن: يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه.
الثاني: ما رواه قتادة عن ابن عباس أن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشرة سنة، فقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} الآية.
الثالث: ما رواه المسعودي عن القاسم قال: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقالوا يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله تعالى: {نَحنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسنَ الْقَصَصِ} ثم ملوا مرة فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله: {أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}.
قال شداد بن أوس: كان يروى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الخُشُوعُ». ومعنى قوله: {أَلَمْ يَأْنِ} ألم يحن، قال الشاعر:
ألم يأن لي يا قلب أن اترك الجهلا ** وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا

وفي {أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْر اللَّهِ} ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن تلين قلوبهم لذكر الله.
الثاني: أن تذل قلوبهم من خشية الله.
الثالث: أن تجزع قلوبهم من خوف الله.
وفي ذكر الله ها هنا وجهان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل.
الثاني: أنه حقوق الله، وهو محتمل.
{وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: القرآن، قاله مقاتل.
الثاني: الحلال والحرام، قاله الكلبي.
الثالث: يحتمل أن يكون ما أنزل من البينات والهدى.
{اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يلين القلوب بعد قسوتها، قاله صالح المري.
الثاني: يحتمل أنه يصلح الفساد.
الثالث: أنه مثل ضربه لإحياء الموتى. روى وكيع عن أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيى الله الأرض بعد موتها؟ فقال: «يَا أَبَا رُزَينَ أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ مُمْحَلٍ ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضْرَةً؟ قال: بلى، قال كَذَلِكَ يُحْيي اللَّهُ المَوتَى».
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: المصدقين لله ورسوله.
الثاني: المتصدقين بأموالهم في طاعة الله.
{وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أَوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} أي المؤمنون بتصديق الله ورسله.
{وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} فيه قولان:
أحدهما: أن الذين آمنوا بالله ورسله هم الصديقون وهم الشهداء عند ربهم، قاله زيد بن أسلم.
الثاني: أن قوله: {أَوْلئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} كلام تام.
وقوله: {وَالشُّهَدَاءُ عِنَدَ رَبِّهِمْ} كلام مبتدأ وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب، قاله الكلبي.
الثاني: أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة.
وفيما يشهدون به قولان:
أحدهما يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة ومعصية، وهذا معنى قول مجاهد.
الثاني: يشهدون لأنبيائهم بتبليغ الرسالة إلى أممهم، قاله الكلبي.
وقال مقاتل قولا ثالثًا: أنهم القتلى في سبيل الله لهم أجرهم عند ربهم يعني ثواب أعمالهم.
{وَنُورُهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: نورهم على الصراط.
الثاني: إيمانهم في الدنيا، حكاه الكلبي.
{اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أكل وشرب، قاله قتادة.
الثاني: أنه على المعهود من اسمه، قال مجاهد: كل لعب لهو.
ويحتمل تأويلًا ثالثًا: أن اللعب ما رغَّب في الدنيا، واللهو ما ألهى عن الآخرة.
ويحتمل رابعًا: أن اللعب الاقتناء، واللهو النساء.
{وَزِينَةٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الدنيا زينة فانية.
الثاني: أنه كل ما بوشر فيها لغير طاعة.
{وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بالخلقة والقوة.
الثاني: بالأنساب على عادة العرب في التنافس بالآباء.
{وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ} لأن عادة الجاهلية أن تتكاثر بالأموال والأولاد، وتكاثر المؤمنين بالإيمان والطاعات.
ثم ضرب لهم مثلًا بالزرع {كَمَثَلٍ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمََّ يَهِيْجُ} بعد خضرة.
{فَتَرَاهُ مُصْفَرًَّا ثُمَّ حُطَامًا} بالرياح الحطمة، فيذهب بعد حسنه، كذلك دنيا الكافر.
{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَبِّكُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: النبي صلى الله عليه وسلم، قاله أبو سعيد.
الثاني: الصف الأول، قاله رباح بن عبيد.
الثالث: إلى التكبيرة الأولى مع الإمام، قاله مكحول.
الرابع: إلى التوبة: قاله الكلبي.
{وَجَنَةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ} ترغيبًا في سعتها، واقتصر على ذكر العرض دون الطول لما في العرض من الدلالة على الطول، ولأن من عادة العرب أن تعبر عن سعة الشيء بعرضه دون طوله، قال الشاعر:
كأن بلاد الله وهي عريضة ** على الخائف المطلوب حلقة خاتم

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مِن يَشَاءُ} فيه وجهان:
أحدهما: الجنة، قاله الضحاك. الثاني: الدين، قاله ابن عباس.
وفي {مَن يَشَاءُ} قولان:
أحدهما: من المؤمنين، إن قيل إن الفضل الجنة.
الثاني: من جيمع الخلق، إن قيل إنه الدين.
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: الجوائح في الزرع والثمار.
الثاني: القحط والغلاء.
{وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: في الدين، قاله ابن عباس.
الثاني: الأمراض والأوصاب، قاله قتادة.
الثالث: إقامة الحدود، قاله ابن حبان.
الرابع: ضيق المعاش، وهذا معنى رواية ابن جريج.
{إِلاَّ فِي كِتَابٍ} يعني اللوح المحفوظ.
{مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} قال سعيد بن جبير: من قبل أن نخلق المصائب ونقضيها.
{لِكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: من الرزق الذي لم يقدر لكم، قاله ابن عباس، والضحاك.
الثاني: من العافية والخصب الذي لم يقض لكم، قاله ابن جبير.
{وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَاكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: من الدنيا، قاله ابن عباس.
الثاني: من العافية والخصب، وهذا مقتضى قول ابن جبير.
وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَاكُمْ} قال: ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرًا، والخير شكرًا.
{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: الذين يبخلون يعني بالعلم، ويأمرون الناس بالبخل بألا يعلموا الناس شيئًا، قاله ابن جبير.
الثاني: أنهم اليهود بخلوا بما في التوارة من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي، والسدي.
الثالث: أنه البخل بأداء حق الله من أموالهم، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: أنه البخل بالصدقة والحقوق، قاله عامر بن عبد الله الأشعري.
الخامس: أنه البخل بما في يديه، قال طاووس.
وفرق أصحاب الخواطر بين البخيل والسخي بفرقين:
أحدهما: أن البخيل الذي يلتذ بالإمساك، والسخي الذي يلتذ بالعطاء.
الثاني: أن البخيل الذي يعطي عند السؤال، والسخي الذي يعطي بغير سؤال.
{وَأنزَلْنَا الْحَدِيدَ} فيه قولان:
أحدهما: أن الله أنزله مع آدم. روى عكرمة عن ابن عباس قال: ثلاث أشياء نزلت مع آدم: الحجر الأسود، كان أشد بياضًا من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع مثل طول موسى، والحديد، أنزل معه ثلاثة أشياء: السندان والكلبتان والميقعة وهي المطرقة.
الثاني: أنه من الأرض غير منزل من السماء، فيكون معنى قوله: {وَأَنزَلْنَا} محمولًا على أحد وجهين:
أحدهما: أي أظهرن اهـ.
الثاني: لأن أصله من الماء المنزل من السماء فينعقد في الأرض جوهره حتى يصير بالسبك حديدًا.
{فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} فيه وجهان:
أحدهما: لأن بسلاحه وآلته تكون الحرب التي هي بأس شديد.
الثاني: لأن فيه من خشية القتل خوفًا شديدًا.
{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} يحتمل وجهين: