فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي قوله تعالى: {إلا ابتغاء رضوان الله} قولان.
أحدهما: أنه يرجع إلى قوله تعالى: {ابتدعوها}، وتقديره: ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، ذكره علي بن عيسى، والرماني عن قتادة، وزيد بن أسلم.
والثاني: أنه راجع إلى قوله تعالى: {ما كتبناها} ثم في معنى الكلام قولان.
أحدهما: ما كتبناها عليهم بعد دخولهم فيها تطوعًا إلا ابتغاء رضوان الله.
قال الحسن: تطوَّعوا بابتداعها ثم كتبها الله عليهم.
وقال الزجاج: لما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع لزمهم إِتمامه، كما أن الإنسان إِذا جعل على نفسه صومًا لم يفترض عليه، لزمه أن يتمَّه.
قال القاضي أبو يعلى: والابتداع قد يكون بالقول، وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه، وقد يكون بالفعل بالدخول فيه.
وعموم الآية تتضمن الأمرين، فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة، قولا، أو فعلًا، فعليه رعايتها وإِتمامها.
والثاني: أن المعنى: ما أمرناهم منها إِلا بما يرضي الله عز وجل، لا غير ذلك، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {فما رَعَوْها حق رعايتها} في المشار إليهم قولان.
أحدهما: أنهم الذين ابتدعوا الرهبانية، قاله الجمهور.
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم ما رَعَوْها لتبديل دينهم وتغييرهم له، قاله عطية العوفي.
والثاني: لتقصيرهم فيما ألزموه أنفسهم.
والثالث: لكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لما بُعث، ذكر القولين الزجاج.
والثاني: أنهم الذين اتبعوا مبتدعي الرهبانية في رهبانيتهم، ما رَعوها بسلوك طريق أوليهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قوله تعالى: {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} فيهم ثلاثة أقوال.
أحدها: الذين آمنوا بمحمد {وكثير منهم فاسقون} وهم الذين لم يؤمنوا به.
والثاني: أن الذين آمنوا: المؤمنون بعيسى، والفاسقون: المشركون.
والثالث: أن الذين آمنوا: مبتدعو الرهبانية، والفاسقون: متبعوهم على غير القانون الصحيح.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله} عامة المفسرين على أن هذا الخطاب لليهود والنصارى.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم {يؤتكم كفلين} أي: نصيبين، وحظَّين {من رحمته} قال الزجاج: الكفل: كساء يمنع الراكب أن يسقط، فالمعنى: يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي.
وقد بينا معنى {الكفل} في سورة [النساء: 85] وفي المراد بالكفلين هاهنا قولان.
أحدهما: لإيمانهم بمن تقدَّم من الأنبياء، والآخر: لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس.
والثاني: أن أحدهما: أجر الدنيا، والثاني: أجر الآخرة، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {ويجعل لكم نورًا} فيه أربعة أقوال:
أحدها: القرآن، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: نورًا تمشون به على الصراط، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: الهدى، قاله مجاهد.
والرابع: الإيمان، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {لئلا يعلم} (لا) زائدة.
قاله الفراء: والعرب تجعل (لا) صلة في كل كلام دخل في آخره أو أوله جحد، فهذا مما جُعل في آخره جحد.
والمعنى: ليعلم {أهل الكتاب} الذين لم يؤمنوا بمحمد {ألاَّ يقدرون} أي: أنهم لا يقدرون {على شيءٍ من فضل الله} والمعنى: أنه جعل الأجرين لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ليعلم من لم يؤمن به أنه لا أجر لهم ولا نصيب في فضل الله {وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء} فآتاه المؤمنين.
هذا تلخيص قول الجمهور في هاتين الآيتين.
وقد ذهب قوم إلى أنه لما نزل في مُسلمة أهل الكتاب {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} إلى قوله تعالى: {أولئك يؤتَون أجرهم مرتين} [القصص: 54، 52] افتخروا على المسلمين بزيادة الأجر، فشق ذلك على المسلمين، فنزلت هاتان الآيتان، وهذا المعنى في رواية أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.
فعلى هذا يكون الخطاب للمسلمين، ويكون المعنى: يؤتكم أجرين ليعلم مؤمنو أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي خصَّكم، فإنه فضَّلكم على جميع الخلائق.
وقال قتادة: لما نزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله} الآية، حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل الله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب} الآية. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}.
قيل نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم قالوا لسلمان الفارسي ذات يوم حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزل {نحن نقص عليك أحسن القصص} فأخبرهم أن القرآن أحسن من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم عادوا فسألوه مثل ذلك فنزل {الله نزل أحسن الحديث} الآية فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فسألوه فنزلت هذه الآية فعلى هذا القول يكون تأويل قوله: {ألم يأن للذين آمنوا} يعني في العلانية باللسان ولم يؤمنوا بالقلب، وقيل نزلت في المؤمنين وذلك أنهم لما قدموا المدينة أصابوا من لين العيش ورفاهيته ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا ونزل في ذلك ألم يأن للذين آمنوا الآية قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين أخرجه مسلم وقال ابن عباس إن الله تعالى استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال ألم يأن يعني أما حان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم أي ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله أي لمواعظ الله {وما نزل من الحق} يعني القرآن {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل} يعني اليهود والنصارى، {فطال عليهم الأمد} أي الزمان الذي بينهم وبين أنبيائهم {فقست قلوبهم} قال ابن عباس مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ القرآن والمعنى أن الله نهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر روي عن أبي موسى الأشعري أنه بعث إلى قراء البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم قاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم {وكثير منهم فاسقون} يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم قوله: {اعلموا أن الله يحيي الأرض} أي بالمطر {بعد موتها} أي يخرج منها النبات بعد يبسها فكذلك يقدر على إحياء الموتى وقال ابن عباس يلين القلوب بعد قسوتها فيجعلها مخبتة منيبة وكذلك يحيي القلوب الميتة بالعلم والحكمة وإلا فقد علم إحياء الأرض بالمطر مشاهدة {قد بينا لكم الآيات} أي الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا {لعلكم تعقلون إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا} أي بالنفقة والصدقة في سبيل الله {يضاعف لهم} أي ذلك القرض {ولهم أجر كريم} أي ثواب حسن وهو الجنة.
{والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون} أي الكثير والصدق قال مجاهد كل من آمن بالله ورسوله فهو صديق وتلا هذه الآية فعلى هذا الآية عامة في كل من آمن بالله ورسوله وقيل إن الآية خاصة في ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام وهم أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته، {والشهداء عند ربهم} قيل أراد بالشهداء المؤمنين المخلصين قال مجاهد كل مؤمن صديق شهيد وتلا هذه الآية وقيل هم التسعة الذين تقدم ذكرهم وقيل تم الكلام عند قوله: {هم الصديقون} ثم ابتدأ {والشهداء عند ربهم} وهم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يروى ذلك عن ابن عباس وقيل هم الذين استشهدوا في سبيل الله، {لهم أجرهم} أي بما عملوا من العمل الصالح {ونورهم} يعني على الصراط {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} لما ذكر حال المؤمنين أتبعه بحال الكافرين.
قوله: {اعلموا أنما الحياة الدنيا} أي مدة الحياة في هذه الدار الدنيا وإنما أراد من صرف حياته في غير طاعة الله فحياته مذمومة ومن صرف حياته في طاعة الله فحياته خير كلها ثم وصفها بقوله: {لعب} أي باطل لا حاصل له كلعب الصبيان {ولهو} أي فرح ساعة ثم ينقضي عن قريب {وزينة} أي منظر يتزينون به {وتفاخر بينكم} يعني إنكم تشتغلون في حياتكم بما يفتخر به بعضكم على بعض {وتكاثر في الأموال والأولاد} أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد وقيل بجمع ما لا يحل له فيتطاول بماله وخدمه وولده على أولياء الله تعالى وأهل طاعته ثم ضرب لهذه الحياة مثلًا فقال تعالى: {كمثل غيث أعجب الكفار} أي الزراع إنما سمي الزراع كفارًا لسترهم الأرض بالبذر {نباته} أي ما نبت بذلك الغيث {ثم يهيج} أي ييبس {فتراه مصفرًّا} أي بعد خضرته {ثم يكون حطامًا} أي يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى {وفي الآخرة عذاب شديد} أي لمن كانت حياته بهذه الصفة قال أهل المعاني زهد الله بهذه الآية في العمل للدنيا وهذه صفة حياة الكافرين وحياة من يشتغل باللعب واللهو ورغب في العمل للآخرة بقوله: {ومغفرة من الله ورضوان} أي لأوليائه وأهل طاعته وقيل عذاب شديد لأعدائه ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه لأن الآخرة إما عذاب وإما جنة {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} أي لمن عمل لها ولم يعمل للآخرة فمن اشتغل في الدنيا بطلب الآخرة في له بلاغ إلى ما هو خير منه وقيل متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة.
قوله: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} معناه لتكن مفاخرتكم ومكاثرتكم في غير ما أنتم عليه بل احرصوا على أن تكون مسابقتكم في طلب الآخرة والمعنى سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار إلى مغفرة أي إلى ما يوجب المغفرة وهي التوبة من الذنوب وقيل سابقوا إلى ما كلفتم به من الأعمال فتدخل فيه التوبة وغيرها، {وجنة عرضها كعرض السماء والأرض} قيل إن السموات السبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح وألزق بعضها ببعض لكان عرض الجنة في قدرها جميعًا وقال ابن عباس إن لكل واحد من المطيعين جنة بهذه السعة وقيل إن الله تعالى شبه عرض الجنة بعرض السموات والأرضين ولا شك أن الطول يكون أزيد من العرض فذكر العرض تنبيهًا على أن طولها أضعاف ذلك وقيل إن هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه ويقع في نفوسهم وأفكارهم وأكثر ما يقع في نفوسهم مقدار السموات والأرض فشبه عرض الجنة بعرض السموات والأرض على ما يعرفه الناس، {أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} فيه أعظم رجاء وأقوى أمل لأنه ذكر أن الجنة أعدت لمن آمن بالله ورسله ولم يذكر مع الإيمان شيئًا آخر يدل عليه قوله في سياق الآية {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} فبين أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله تعالى لا بعمله، {والله ذو الفضل العظيم}.
(ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدًا منكم الجنة عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل رحمته» وقد تقدم الكلام على معنى هذا الحديث والجمع بينه وبين قوله: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} في تفسير سورة النحل.
قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض} يعني عدم المطر وقلة النبات ونقص الثمار، {ولا في أنفسكم} يعني الأمراض وفقد الأولاد {إلا في كتاب} يعني في اللوح المحفوظ {من قبل أن نبرأها} أي من قبل أن نخلق الأرض والأنفس وقال ابن عباس من قبل أن نبرأ المصيبة {إن ذلك على الله يسير} أي إثبات ذلك على كثرته هين على الله: {لكيلا تأسوا} أي تحزنوا {على ما فاتكم} من الدنيا {ولا تفرحوا} أي لا تبطروا {بما آتاكم} أي أعطاكم قال عكرمة ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا قال صاحب الكشاف: إن قلت ما من أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح قلت المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله ورجاء ثواب الصابرين والفرح المطغي الملهي عن الشكر فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر فلا بأس بهما والله أعلم وقال جعفر بن محمد الصادق يا ابن آدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت، {والله لا يحب كل مختال} أي متكبر بما أوتي من الدنيا {فخور} أي بذلك الذي أوتي على الناس {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} قيل هذه الآية متعلقة بما قبلها والمعنى والله لا يحب الذين يبخلون يريد إذا رزقوا مالًا وحظًا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم يبخلون به ولا ينفقونه في سبيل الله ووجوه الخير ولا يكفيهم أنهم بخلوا به حتى يأمروا الناس بالبخل وقيل إن الآية كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله وإنها في صفة اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وبخلوا ببيان نعته {ومن يتول} قال ابن عباس عن الإيمان {فإن الله هو الغني} أي عن عباده {الحميد} أي إلى أوليائه.
{ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} معناه أنه تعالى شرف نوحًا وإبراهيم بالرسالة وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب فلا يوجد نبي إلا من نسلهما {فمنهم} أي من الذرية {مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا} أي اتبعنا {على آثارهم برسلنا} والمعنى بعثنا رسولًا بعد رسول إلى أن انتهت الرسالة إلى عيسى ابن مريم وهو قوله تعالى: {وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه} أي على دينه، {رأفة ورحمة} يعني أنهم كانوا متوادين بعضهم لبعض، {ورهبانية ابتدعوها} ليس هذا عطفًا على ما قبله والمعنى أنهم جاؤوا بها من قبل أنفسهم وهي ترهبهم في الجبال والكهوف والغيران والديرة فروا من الفتنة وحملوا أنفسهم المشاق في العبادة الزائدة وترك النكاح واستعمال الخشن في المطعم والمشرب والملبس مع التقلل من ذلك {ما كتبناها عليهم} أي ما فرضناها نحن عليهم {إلا ابتغاء رضوان الله} أي لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله {فما رعوها حق رعايتها} يعني أنهم يرعوا تلك الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وضموا إليها التثليث والاتحاد وكفروا بدين عيسى ودخلوا في دين ملوكهم وأقام أناس منهم على دين عيسى حتى أدركوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فآمنوا به فذلك قوله تعالى: {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} وهم الذين ثبتوا على الدين الصحيح، {وكثير منهم فاسقون} وهم الذين تركوا الرهبانية وكفروا بدين عيسى صلى الله عليه وسلم وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن مسعود قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن مسعود «اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرهن: فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى فأخذوهم وقتلوهم، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا أن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله فيهم {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}» قال صلى الله عليه وسلم: «من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون» وعنه قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي «يا ابن أم عبد هل تدري من أين أخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ قلت الله ورسوله أعلم قال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل فقالوا إن ظهرنا لهؤلاء فتنونا ولم يبق أحد يدعو إليه تعالى فتعالوا لنتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى به- يعنون محمدًا صلى الله عليه وسلم- فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا الرهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية {ورهبانية ابتدعوها} إلى {فآتينا الذين آمنوا منهم}».