فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أبو يعلى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات {رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}».
وأخرج البيهقي في الشعب عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن جبير عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه وابن نصر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن الله كتب عليكم صيام شهر رمضان ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه فدوموا عليه ولا تتركوه، فإن ناسًا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها وتلا هذه الآية {ورهبانية ابتدعوها}.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ورهبانية ابتدعوها} قال: ذكر لنا أنهم رفضوا النساء واتخذوا الصوامع.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}.
أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحدًا فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم أحد، فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا يا رسول الله: إنا أهل ميسرة فائذن لنا نجيء بأموالنا نواسي بها المسلمين فأنزل الله فيهم {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} إلى قوله: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا} فجعل لهم أجرين، قال: {ويدرءون بالحسنة السيئة} قال: أي النفقة التي واسوا بها المسلمين فلما نزلت هذه الآية قالوا: يا معاشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به ويغفر لكم} فزادهم النور والمغفرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: لما نزلت {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا} فخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لنا أجران ولكم أجر، فاشتد ذلك على الصحابة فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب وسوى بينهم في الأجر.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: أجرين {ويجعل لكم نورًا تمشون به} قال: القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: ضعفين {ويجعل لكم نورًا تمشون به} قال: هدى.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {كفلين} قال: أجرين.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {كفلين} قال: حظين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {كفلين} قال: ضعفين.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى في قوله: {كفلين} قال: ضعفين، وهي بلسان الحبشة.
وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: الكفل ثلاثمائة جزء وخمسون جزءًا من رحمة الله.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة في قوله: {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: الكفل ثلاثمائة جزء من الرحمة.
وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير {ويجعل لكم نورًا تمشون به} قال: القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن يزيد بن حازم قال: سمعت عكرمة وعبد الله بن أبي سلمة رضي الله عنهما قرأ أحدهما {لئلا يعلم أهل الكتاب} وقرأ الآخر {ليعلم أهل الكتاب}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قسم العمل وقسم الأجر، وفي لفظ: وقسم الأجل، فقيل لليهود: اعملوا فعملوا إلى نصف النهار، فقيل: لكم قيراط، وقيل للنصارى: اعملوا فعملوا من نصف النهار إلى العصر، فقيل: لكم قيراط، وقيل للمسلمين: اعملوا فعملوا من العصر إلى غروب الشمس فقيل: لكم قيراطان، فتكلمت اليهود والنصارى في ذلك، فقالت اليهود: أنعمل إلى نصف النهار فيكون لنا قيراط؟ وقالت النصارى: أنعمل من نصف النهار إلى العصر فيكون لنا قيراط؟ ويعمل هؤلاء من العصر إلىغروب الشمس فيكون لهم قيراطان؟ فأنزل الله: {لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل اللهْ} إلى آخر الآية ثم قال: إن مثلكم فيما قبلكم من الأمم كما بين العصر إلى غروب الشمس».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} الآية حسدهم أهل الكتاب عليها فأنزل الله: {لئلا يعلم أهل الكتاب} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال: قالت اليهود: يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي والأرجل، فلما خرج من العرب كفروا فأنزل الله: {لئلا يعلم أهل الكتاب} الآية يعني بالفضل النبوة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قرأ {كي لا يعلم أهل الكتاب} والله أعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الحديد:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
سماع بسم الله الرحمن الرحيم شراب يسقي به الحق سبحانه وتعالى قلوب أحبائه، فإذا شربوا طربوا، وإذا طربوا انبسطوا ثم لشهود حقه تعرضوا وبنسيم قربه استأنسوا، وعند الإحساس بهم غابوا. فعقولهم تستغرق في لطفه، وقلوبهم تستهلك في كشفه.
قوله جلّ ذكره: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
التسبيحُ التقديسُ والتنزيه، ويكون بمعنى سباحة الأسرار في بحار الإجلال، فيظفرون بجواهر التوحيد ويَنْظِمونها في عقود الإيمان، ويُرَصِّعونها في أطواق الوصلة:
وقله {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} المردُ به (من) في السموات والأرض، يسجدون لله طوعًا وكرهًا؛ طوعًا تسبيحَ طاعةٍ وعبادة، وكرهًا تسبيح علامة ودلالة.
وتُحْملُ (ما) عل ظاهرها فيكون لمعنى: ما من مخلوقٍ من عينٍ أو أَثَرِ إلا ويَدُلُّ على الصانع، وعلى إثبات جلاله، وعلى استحقاقه لنعوت كبريائه.
ويقال: يُسبح لله ما في السموات والأرض، كلٌّ واقفٌ على الباب بشاهدِ الطّلَبِ... ولكنه- سبحانه عزيزٌ.
ويقال: ما تَقَلّب أحدُ من جاحدٍ أو ساجدٍ إلا في قبضة العزيز الواحد، فما يُصَرِّفهم إلا مَنْ خَلَقَهم؛ فمِنْ مُطيعٍ أَلْبَسَه نطاق وفاقه- وذلك فَضْلُه، ومِنْ عاصٍ رَبَطَه بمثقلة الخذلان- وذلك عَدْلُه.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: العزيز: المُعِزُّ لِمَنْ طَلَبَ الوصول، بل العزيز: المتقدِّسُ عن كل وصول.. فما وَصَلَ مَنْ وَصَلَ إلا حظِّه ونصيبه وصفته على ما يليق به.
قوله جلّ ذكره: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ}.
المُلْك مبالغةٌ من المِلْك، وهو القدرةعلى الإبداع، ولا مالكَ إلا الله. وإذا قيل لغيره: مالك فعلى سبيل المجاز؛ فالأحكام المتعلقة في الشريعة على مِلْكَ الناس صحيحةٌ في الشرع، ولكنَّ لفظَ المِلْك فيها توسُّعٌ كما ان لفظَ التيمم في استعمال التراب- عند عدم الماء- في السفر مجازٌ، فالمسائل الشرعية في التيمم صحيحة، ولكن لفظ التيمم في ذلك مجاز.
{يُحْىِ وَيُمِيتُ}: يحيي النفوس ويميتها. يُحْيي القلوبَ بإِقباله عليها، ويميتها بإعراضه عنها. ويقال: يحييها بنظره وتفضُّله، ويميتها بقهره وتعزُّزه.
{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)}.
{الأول}: لاستحقاقه صفة القِدَم، و{الآخرِ} لاستحالة نعت العدَم.
و{الظاهر}: بالعلو والرفعة، و{الباطن}: بالعلم والحكمة.
ويقال: {الأول} فلا افتتاحَ لوجوده و{الآخر} فلا انقطاعَ لثبوته.
{الظاهر} فلا خفاءَ في جلال عِزِّه، {الباطن} فلا سبيل إلى إدراك حقِّه.
ويقال: {الأول} بلا ابتداء، و{الآخِر} بلا انتهاء، و{الظاهر} بلا خفاء، و{الباطن} بنعت العلاء وعِزِّ الكبرياء.
ويقال: {الأول} بالعناية، {والآخر} بالهداية، و{الظاهر} بالرعاية، و{الباطن} بالولاية. ويقال: {الأول} بالخَلْق، و{الآخِر} بالرزق، و{الظاهر} بالإحياء، و{الباطن} بالإماتة والإفناء. قال تعالى: {اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40]. ويقال: {الأول} لا بزمان، و{الآخر} لا بأوان، و{الظاهر} بلا اقتراب، و{الباطن} بلا احتجاب.
ويقال: {الأول} بالوصلة، و{الآخر} بالخلّة، و{الظاهر} بالأدلة، و{الباطن} بالبعد عن مشابهة الجملة.
ويقال: {الأول} بالتعريف، و{والآخر} بالتكليف، و{والظاهر} بالتشريف و{والباطن} بالتخفيف.
ويقال: {الأول} بالإعلام، {والآخر} بالإلزام، {والظاهر} بالإنعام {والباطن} بالإكرام.
ويقال: {الأول} بأن اصطفاك {والآخر} بأن هداك، {والظاهر} بأن رعاك، {والباطن} بأن كفاك.
ويقال: مَنْ كان الغالبُ عليه اسمه {الأول} كانت فكرته في حديث سابقته: بماذا سمَّاه مولاه؟ وما الذي أجرى له في سابق حُكْمه؟ أبسعادته أم بشقائه؟
ومَنْ كان الغالبُ على قلبه اسمه {الآخِر} كانت فكرته فيه: بماذا يختم له حالَه؟ وإلام يصير مآلُه؟ أَعَلى التوحيد يَخْرُجُ من دنياه أو- والعياذُ بالله- في النارِ غدًا- مثواه؟
ومَن كان الغالبُ عل قلبه اسمُه {الظاهر} فاشتغاله بشكر ما يجرى في الحال من توفيق الإحسان وتحقيق الإيمان وجميل الكفاية وحُسْنِ الرعاية.
ومَنْ كان الغلبُ على قلبه اسمه {الباطن} كانت فكرتُه في استبهام أمره عليه فيتعثَّر ولا يدري... أَفَضْلٌ ما يعامله به ربُّ أم مَكْرٌ ما يستدرجه به ربُّه؟
ويقال: {الأول} علم ما يفعله عبادُه ولم يمنعه عِلْمُه من تعريفهم، {والآخِر} رأى ما عَمِلوا ولم يمنعه ذلك من غفرانهم {والظاهر} ليس يَخْفَى عليه شيءٌ من شأنهم، وليس يَدَعُ شيئًا من إحسانهم {والباطن} يعلم ما ليس لهم به عِلْمٌ من خسرانهم ونقصانهم فيدفع عنهم فنونَ مَحَنهم وأحزانهم.
قوله جلّ ذكره: {هُوَ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ}. مضى الكلام في ذلك.
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا}.
أي ما يدخل فيها من القَطْرِ، والكنوزِ، والبذورِ، والأموات الذين يُدْفَنون فيها، {وما يخرج منها} من النبات وانفجار العيون وما يُسْتَخْرَجُ من المعادن.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ}.
من المطر والأرزاق. أو ما يأتي به الملائكةُ من القضاء والوحي.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}.
أي وما يصعد إليها من الملائكة، وطاعاتِ العِباد، ودعوات الخَلْقِ، وصحف المُكَلَّفين، وأرواح المؤمنين.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
{وهو معكم} بالعلم والقدرة.
ويقال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأَرْضِ} إِذا دُفِنَ العَبْدُ فاللَّه سبحانه يعلم ما الذي كان في قلبه من إخلاصٍ في توحيدهِ، ووجوهِ أحزانه خسرانه، وشَكِّه وجحوده، واوصافه المحمودة والمذمومة... ونحو ذلك مما يخفى عليكم.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} على قلوب أوليائه من الألطاف والكشوفات وفنون الأحوال العزيزة.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من أنفاس الاولياء إذا تصاعدت، وحسراتهم إذا عَلَت.
قوله جلّ ذكره: {يُولِجُ الَّيْلَ في النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ في الَّيْلِ}.
مضى معناه.
{ءَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}.
صَدَّقوا باللَّهِ ورسولِهِ، وتَصَدَّقوا {مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} بتمليككم ذلك وتصييره إليكم. والذين آمنوا منكم وتصدَّقوا على الوجه الذي أُمروا به لهم ثوابٌ عظيمٌ؛ فإنَّ ما تحويه الأيدي مُعَرَّضٌ للزوال فالسَّعيدُ مَنْ قَدَّمَ في دنياه مَالَه في الآخرة عمارة حاله، والشقيُّ من سار فيما له في الآخرة وَبالُ مآله.
قوله جلّ ذكره: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
أي شيء لكم في تَرْكِكُم الإيمان بالله وبرسوله، وما أتاكم به من الحشر والنشر، وقد أزاح العِلَّةَ بأنْ ألاَحَ لكم الحُجَّة، وقد أخَذَ ميثاقَكم وقتَ الذَّرِّ، وأوجب عليكم ذلك بحُكم الشَّرْع.
قوله جلّ ذكره: {هُوَ الذي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
ليخرِجَكم من ظلماتِ الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الشكِّ إلى نور اليقين.
وكذلك يُريهم في أنفسهم من الآياتِ بكشوفاتِ السِّرِّ وما يحصل به التعريف مما يجدون فيه النفع والخيرَ؛ فيخرجهم من ظلمات التدبير إلى سعة فضاء التفويض، وملاحظة فنون جريان المقادير.
وكذلك إذا أرادت النَّفْس الجنوحَ إلى الرُّخصِ والأخذِ بالتخفيف وما تكون عليه المطالبةُ بالأشَقِّ- فإن بادَرَ إلى ما تدعوه الحقيقةُ إليه وَجَدَ في قلبه من النور ما يَعْلَمُ به ظلمةَ هواجس النَّفْسِ.
قوله جلّ ذكره: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيَراثُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ}.
ما في أيديكم ميراثُه الله، وعن قريبٍ سيُنْقَلُ إلى غيركم ولا تبقون بتطاول أحمالكم. وهو بهذا يحثهم علىلصدقةِ والبدارِ إلى الطاعة وتَرْكِ الإخلاد إلى الأمل.. ثم قال:
قوله جلّ ذكره: {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.