فصل: قال الصابوني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يليها في سياق السورة توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله- وهم أعداء الجماعة المسلمة التي تعيش في كنف الله- مكتوب عليهم الكبت والقهر في الأرض، والعذاب المهين في الآخرة، مأخوذون بما عملوا مما أحصاه الله عليهم، ونسوه هم وهم فاعلوه! {والله على كل شيء شهيد}..
ثم توكيد وتذكير بحضور الله-سبحانه- وشهوده لكل نجوى في خلوة، يحسب أصحابها أنهم منفردون بها. والله معهم أينما كانوا: {ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}.. وهي صورة تملأ القلب كذلك بوجود الله وحضوره، كما تملؤه برقابته واطلاعه.
وهذا التوكيد مقدمة لتهديد الذين يتناجون في خلواتهم لتدبير المكايد للمسلمين، وملء قلوبهم بالحزن والهم والتوجس. تهديد بأن أمرهم مكشوف، وأن عين الله مطلعة عليهم، ونجواهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول مسجلة، وأن الله آخذهم بها ومعذبهم عليها. ونهي للمسلمين عن التناجي بغير البر والتقوى، وتربية نفوسهم وتقويمها بهذا الخصوص.
ثم يستطرد في تربية هذه النفوس المؤمنة؛ فيأخذها بأدب السماحة وبالطاعة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالس العلم والذكر. كما يأخذها بأدب السؤال والحديث مع الرسول صلى الله عليه وسلم والجد في هذا الأمر والتوقير.
أما بقية السورة بعد هذا فتنصرف إلى الحديث عن المنافقين الذين يتولون اليهود؛ ويتآمرون معهم، ويدارون تآمرهم بالكذب والحلف للرسول وللمؤمنين. وتصورهم في الآخرة كذلك حلافين كذابين؛ يتقون بالحلف والكذب ما يواجههم من عذاب الله، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا ما يواجههم من غضب رسول الله والمؤمنين! مع توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله كتب الله عليهم أنهم في الأذلين وأنهم هم الأخسرون. كما كتب أنه ورسله هم الغالبون. وذلك تهوينا لشأنهم، الذي كان بعض المنتسبين إلى الإسلام- وبعض المسلمين- يستعظمه، فيحافظ على مودته معهم، ولا يدرك ضرورة تميز الصف المسلم تحت راية الله وحدها، والاعتزاز برعاية الله وحده، والاطمئنان إلى حراسته الساهرة للفئة التي يصنعها على عينه، ويهيئها لدورها الكوني المرسوم.
وفي ختام السورة تجيء تلك الصورة الوضيئة لحزب الله. هذه الصورة التي كان يمثلها بالفعل أولئك السابقون من المهاجرين والأنصار. والتي كانت الآية الكريمة تشير لها كي ينتهي إليها أولئك الذين ما زالوا بعد في الطريق!
{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..} إلخ الآية... كما وردت في أول هذا التقديم. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة المجادلة مدنية وآياتها اثنان وعشرون آية.
بين يدي السورة:
* سورة المجادلة مدنية، وقد تناولت أحكاما تشريعية كثيرة كأحكام الظهار، والكفارة التي تجب على المظاهر، وحكم التناجي، وآداب المجالس، وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم مودة أعداء الله، إلى غير ذلك، كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود.
* ابتدأت السورة الكريمة ببيان قصة المجادلة (خولة بنت ثعلبة) التي ظاهر منها زوجها- على عادة أهل الجاهلية في تحريم الزوجة بالظهار- وقد جاءت تلك المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها وقالت يا رسول الله: أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني. ورسول الله، يقول لها: «ما أراك إلا قد حرمت عليه»، فكانت تجادله وتقول يا رسول الله: ما طلقني ولكنه ظاهر مني، فيرد عليها قوله السابق، لم قالت: اللهم إني أشكو إليك، فاستجاب الله دعاءها، وفرج كربتها وشكواها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله..} الآيات.
* ثم تناولت حكم كفارة الظهار {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور..} الآيات.
* ثم تحدثت عن موضوع التناجي، وهو الكلام سرا بين اثنين فأكثر، وقد كان هذا من دأب اليهود والمنافقين لإيذاء المؤمنين، فبينت حكمه وحذرت المؤمنين من عواقبه {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم..} الآيات.
* وتحدثت السورة عن اليهود اللعناء، الذين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فيحيونه بتحية ملغزة، ظاهرها التحية والسلام، وباطنها الشتيمة والمسئة، كقولهم: السام عليك يا محمد يعنون الموت {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله} الآيات.
* وتناولت السورة الحديث عن المنافقين بشيء من الإسهاب، فقد اتخذوا اليهود بخاصة أصدقاء، يحبونهم ويوالونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، فكشفت الستار عن هؤلاء المذبذبين وفضحتهم: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم..} الآيات.
* وختمت السورة الكريمة ببيان حقيقة الحب في الله، والبغض في الله، الذي هو أصل الإيمان، وأوثق عرى الدين، ولابد في اكتمال الإيمان من معاداة أعداء الله {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان...} إلى آخر السورة الكريمة. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة المجادلة مدنية ونظيرتها في غير المدني الأخير والمكي البروج وفي الأخير والمكي الليل.
وكلمها أربع مئة وثلاث وسبعون كلمة.
وحروفها ألف وسبع مئة واثنان وتسعون حرفا.
وهي إحدى وعشرون آية في المدني الأخير والمكي واثنتان وعشرون في عدد الباقين.
اختلافها آية {أولئك في الأذلين} لم يعدها المدني الأخير والمكي وعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل موضع واحد وهو {شديدا}.

.ورؤوس الآي:

{بصير}.
1- {غفور}.
2- {خبير}.
3- {أليم}.
4- {مهين}.
5- {شهيد}.
6- {عليم}.
7- {المصير}.
8- {تحشرون}.
9- {المؤمنون}.
10- {خبير}.
11- {رحيم}.
12- {تعملون}.
13- {يعلمون}.
14- {يعملون}.
15- {مهين}.
16- {خالدون}.
17- {الكاذبون}.
18- {الخاسرون}.
19- {عزيز}.
21- {المفلحون}. اهـ.

.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة المجادلة:
{سمع}: أي أجاب وقبل، كما يقال سمع اللّه لمن حمده، و{التي تجادلك في زوجها}: هي خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية، و{تجادلك}: أي تراجعك الكلام في أمره وفيما صدر منه في شأنها، و{تشتكى إلى اللّه}: أي تبثّ إليه ما انطوت عليه نفسها من غمّ وهمّ وتضرع إليه أن يزيل كربها، و{زوجها}: هو أوس بن الصامت أخو عبادة ابن الصامت، والسمع: صفة تدرك بها الأصوات أثبتها اللّه تعالى لنفسه، والتحاور: المرادّة في الكلام، والكلام المردّد، كما يقال كلمته فما رجع إلىّ حوارا: أي ماردّ علىّ بشيء، والظهار: لغة من ظاهر ويراد به معان مختلفة باختلاف الأغراض فيقال ظاهر فلان فلانا: أي نصره، وظاهر بين ثوبين: أي لبس أحدهما فوق الآخر، وظاهر من امرأته: أي قال لها أنت علىّ كظهر أمي، أي محرمة، وقد كان هذا أشدّ طلاق في الجاهلية، والظهار شرعا: تشبيه المرأة أو عضو منها بامرأة محرمة نسبا أو رضاعا أو مصاهرة بقصد التحريم لا بقصد الكرامة، ولهذا المعنى نزلت الآية، {إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ}: أي ما أمهاتهم، والمنكر: ما ينكره الشرع والعقل والطبع، {وزورا}: أي كذبا، {فتحرير رقبة}: أي عتق عبد أو جارية، {أن يتماسا}: أي يجتمعا اجتماع الأزواج، {متتابعين}: أي متواليين، {فمن لم يستطع}: أي لم يقدر على ذلك لكبر سنّ أو ضعف أو شبق إلى النساء، {حدود اللّه}: أي أحكام شريعته، {وللكافرين}: أي للذين يتعدّون الأحكام ولا يعملون بها.
{يحادون}: أي يشاقون ويعادون، وأصل المحادّة الممانعة ومنه قيل للبواب حداد، {كبتوا}: أي خذلوا، وقال المبرد: كبت اللّه فلانا إذا أذله، والمردود بالذل: مكبوت، {آيات بينات}: أي حججا وبراهين مبينة لحدود شرائعنا، {مهين}: أي يلحق بهم الهوان والذل، {فينبئهم بما عملوا}: أي يخبرهم بأعمالهم توبيخا وتقريعا لهم، {أحضاه اللّه}: أي أحاط به عدّا لم يغب عنه شيء منه، {شهيد}: أي مشاهد لا يخفى عليه شيء.
{ألم تر}: أي ألم تعلم، ما يكون: أي ما يوجد، و{النجوى}: التناجي والمسارّة كما قال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ}
وقد يستعمل في المتناجين كما قال: {وَإِذْ هُمْ نَجْوى} أي أصحاب نجوى.
{الذين نهوا عن النجوى}: هم اليهود والمنافقون، {بالإثم}: أي بما هو معصية وذنب، {والعدوان}: الاعتداء على غيرهم كمعصية الرسول ومخالفته، {لولا يعذبنا اللّه}: أي هلا يعذبنا بسبب ذلك، {حسبهم جهنم}: أي عذاب جهنم كاف لهم، {يصلونها}: أي يقاسون حرّها.
{تفسحوا}: أي توسعوا وليفسح بعضكم عن بعض، من قولهم: افسح عنى أي تنحّ، {يفسح اللّه لكم}: أي في رحمته ويوسع لكم في أرزاقكم، {انشزوا}: أي انهضوا للتوسعة على المقبلين، {فانشزوا} أي فانهضوا ولا تتباطئوا، {يرفع اللّه الذين آمنوا}: أي يرفع منزلتهم يوم القيامة، ويرفع الذين أوتوا العلم درجات، أي ويرفع العالمين منهم خاصة درجات في الكرامة وعلوّ المنزلة.
{ناجيتم الرسول}: أي أردتم مناجاته والحديث معه، {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}: أي فتصدقوا قبلها، {أطهر}: أي أزكى، لتعويد النفس بذل المال وعدم الضنّ به، أشفقتم: أي خفتم، {تاب اللّه عليكم}: أي رخص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة.
{ألم تر}: أي أخبرني وهو أسلوب من الكلام يراد به التعجب وإظهار الغرابة المخاطب، والمراد من الذين تولوا: المنافقون، والتولي: من الموالاة وهى المودة والمحبة، والقوم: هم اليهود، و{غضب اللّه}: سخطه والطرد من رحمته، {ما هم منكم ولا منهم}: أي لأنهم مذبذبون، {على الكذب}: أي على أنهم معكم على الإيمان، {جنة}: أي وقاية وسترا عن المؤاخذة، {على شيء}: أي من جلب منفعة أو دفع مضرة، استحوذ على الشيء: حواه وأحاط به قال المبرد ويقال حاوزت الإبل وحزتها إذا استوليت عليها وجمعتها، قالت عائشة: كان عمر أحوذيا نسيج وحده: أي سائسا ضابطا للأمور لا نظير له، {فأنساهم ذكر اللّه}: أي لم يمكنهم من ذكره بما زين لهم من الشهوات، و{حزب الشيطان}: جنوده وأتباعه.