فصل: مطلب في تقديم الصّدقة عند مناجاة الرّسول وعفوها وبعض أحوال المنافقين في الدّنيا والآخرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في تقديم الصّدقة عند مناجاة الرّسول وعفوها وبعض أحوال المنافقين في الدّنيا والآخرة:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ} أي إذا أردتم مناجاته والتكلم معه {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً} أي قبل مناجاتكم له تصدقوا ثم ناجوه {ذلِكَ} التصدق قبل المناجاة لحضرته {خَيْرٌ لَكُمْ} في دينكم ودنياكم لما فيها من احترام الرّسول والثناء الحسن والأدب الوافر والأخلاق الكاملة والاعتراف بالفضل والمحبة الصّادقة لحضرته وفي آخرتكم لما فيها من طاعة اللّه ورسوله وامتثال أوامره عن طيب قلب {وَأَطْهَرُ} لأن الصدقة زكاة المال والمتصدق {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} ما تتصدقون به {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (12) بعباده الفقراء، ومن رحمته بهم عفوهم من تقديمها ولهم أن يناجوه بلا تصدق.
لما أكثر النّاس من سؤال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الصّغيرة والكبيرة وشق ذلك عليه أراد اللّه تعالى أن يخفف عنه ويثبط النّاس عن ذلك فأمرهم بالتصدق عند إرادة مناجاته لا عظامها ونفع الفقراء ولئلا يقوم كلّ أحد فيما أهمه وما لم يهمه على سؤاله وليختصروا على الأهم الذي لابد لهم من معرفته أو القضاء به إلّا ببيان الرّسول، فنزلت هذه الآية، فتوقف النّاس لأنهم لم يعرفوا بعد هذه الجهة ولم يعلموا ما هي هذه الصّدقة وكم هي، قال علي كرم اللّه وجهه قال لي الرسول ما ترى في قدر هذه الصّدقة أدينار؟ قلت لا يطيقون، قال فكم؟ قلت شعيرة أي وزنها ذهبا، قال إنك لزهيد أي قليل المال قدرت على قدر حالك فتصدق علي بدينار، ونزلت الرّخصة في الآية الآتية، فكان عليه السلام يقول في خفف اللّه عن هذه الأمة، وقال آية في كتاب اللّه لم يعمل بها أحد غيري وفيها منقبة عظيمة له عليه السلام وهو أبو المناقب، وليس فيها طعن على أحد لأن الزمن لم يتسع للعمل بها، إذ نزلت الرّخصة بتركها فور إذاعة أمر الصّدقة بين النّاس والتحدث بها على أثر تصدق سيدنا علي كرم اللّه وجهه لأن القصد منها زيادة احترام حضرة الرّسول، وقد حصلت بمجرد نزول الآية ووقر في قلوب النّاس معناها وعرفوا المراد من مغزاها وتحاشوا عن كثرة المراجعة له.
قال الكلبي ما كان إلّا ساعة من نهار، وقال مقاتل كان بين هذه الآية وبين آية الرّخصة عشرة أيّام.
وهو الأصح إذ لا يمكن إذاعتها للآفاق دون هذه المدة بالنسبة لذلك الزمن.
قال تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ} مع حضرة الرّسول {صَدَقاتٍ} أي خفتم العيلة والفاقة أم بخلتم بهذه الصّدقة أو خشيتم من أدائها {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} ما أمرتم به من التصدق فقد خفف اللّه عنكم ويسر عليكم وأزال عنكم المؤاخذة على عدمها وسهل لكم مناجاة الرّسول بدونها وجعلها لكم مجانا كما كانت إذا حصل المقصود منها وهو تعظيم حضرة النّبي واحترامه والتباعد عن الإفراط في سؤاله والميزة بين المؤمن والمنافق من حيث تلقي هذا الأمر بالقبول {وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} في عدم مسارعتكم إلى فعل هذه الصّدقة.
وتشير هذه الآية إلى تأخرهم عن أداء تلك الصّدقة حال نزول هذه الآية ذنب بالنسبة لمن هي لأجله وإلى زيادة تعظيم قدر الرّسول عند ربه عز وجل، ولهذا أمرهم بقوله جل قوله: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} تداركا لما فاتكم في المسارعة لإنقاذ أمره قبل إنزال التخفيف والترخيص بعدمه أي إذ فاتكم التصدق في المناجاة وفرطتم بها فلا تفرطوا بإقامة الصّلاة وأداء الزكاة وطاعة اللّه ورسوله فيما يأمركم وينهاكم، بعد بل سارعوا له واغتنموا فعله ولا تقاعسوا ولا تتوانوا عنه أو تعتذروا منه وفيها إشارة إلى فعل أحد هذه الثلاثة قبل المناجاة لحضرة الرّسول بدلا من الصّدقة {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} (11) وهذه إحدى الآيات الثلاث التي نوهنا بها في المقدمة في بحث النّاسخ والمنسوخ وبينا توجيهها هناك وإنها غير ناسخة للآية قبلها والآية الثانية مرت في سورة المزمل والثالثة في سورة الأنفال المارة، راجع بحث النّاسخ والمنسوخ في المقدمة ولما اختلا المنافقون باليهود ونصحوهم (بل غشوهم) عن موالاة الرّسول ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين وقالوا لهم نحن نتولاكم من دونه أنزل اللّه عز وجل: {أَلَمْ تَرَ} يا سيد الرسل {إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود {ما هُمْ} أولئك المنافقون {مِنْكُمْ} أيها المؤمنون لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان {وَلا مِنْهُمْ} أي اليهود الّذين ولوا أمرهم المنافقين وهم كما وصفهم اللّه مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء الآية 43 من سورة النّساء المارة {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ} بأنهم مؤمنون مثلكم {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (14) إنهم كاذبون يحلفهم {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذابًا شَدِيدًا} في الآخرة لكذبهم وحلفهم على الكذب إنه ليس بكذب {إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} (15) في دنياهم هذه إذ {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً} وقاية يتقون بها حفظ أنفسهم من الجلاء والأسر والقتل وأموالهم وأولادهم ونسائهم عن الاستيلاء عليها والسّبي {فَصَدُّوا} الناس {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وأعرضوا عن رسوله في الدّنيا {فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} (16) جزاء ذلك، قالوا إن حضرة الرّسول صلى الله عليه وسلم قال لأحدهم عبد اللّه بن نبتل في قولهم لليهود لا توالوا الرّسول إلخ كما مر آنفا فحلف أنه لم يقل وجاء بأصحابه فحلقوا كذلك فكذبهم اللّه تعالى في هذه الآيات التي أنزلها على رسوله فيما وقع منهم قاتلهم اللّه ما أكذبهم، وهؤلاء أشد من مغالاتهم، لأن حب المال والدّنيا هو الذي حدا بهم إلى ذلك، ولا ريب أن الّذين لا يؤمنون بالآخرة يغريهم حب المال والرّئاسة قال تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولئِكَ} المنافقون المتولون لليهود والحالفون كذبا متخذون إيمانهم وقاية لصون دمائهم وأموالهم وأولادهم، الصادون النّاس عن سبيل اللّه المعرضون عنه هم {أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} (17) أبدا لا يتحولون عنها.
واعلم يا حضرة الرسول أن هؤلاء المنافقين وأصحابهم اليهود {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} في الموقف المهيب فيسألهم عما وقع منهم في الدّنيا من هذه الأحوال وغيرها وهو غني عن سؤالهم لأنه يعلم كلّ ما وقع منهم أزلا ولكن ليفضحهم على رؤوس الأشهاد {فَيَحْلِفُونَ لَهُ} في ذلك المشهد العظيم {كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ} يا أكمل الرسل بأنهم صادقون وهم كاذبون {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ} من قبول أيمانهم الكاذبة عند اللّه كما كانت تقبل منهم بالدنيا ظاهرا، كلّا ليسوا على شيء من ذلك أصلا {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ} (18) في الدّنيا والآخرة تشير أداة التنبيه في مطلع هذه الآية والتوكيد بأن واللام على توغلهم بالنفاق والكذب وتعودهم عليهما وفساد ظنهم على رواج إيمانهم بين يدي علام الغيوب وفضيحتهم على رؤوس الأشهاد.
قال تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ} أي استحوى واستولى عليهم فملك قلوبهم وغلبهم على أمرهم وأحاط بهم من كلّ جانب، وجاء هذا الفصل على خلاف قاعدة اللّغويين من أن الواو إذا تحركت بالفتحة تقلب الفاء على هذه القاعدة يكون استحاذ إلّا أنه جاء على الأصل، ومثله استصوب واستشوف، والأحوذي السّائس الضّابط للأمور، قالت عائشة رضي اللّه عنها كان عمر أحوذيا أي مدبرا للأمور ضابطها وهؤلاء الّذين استولى عليهم الشّيطان {فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} إذ أشغل ليهم عن التفكير والمراقبة بجمع حطام الدّنيا وتدبير شئونها، فأشغل حواسهم الظّاهرة والباطنة وحصرها في أمور الدّنيا وصرفها عما يتعلق بالآخرة فلم يبق في قلوبهم خطرة للتفكير في آلاء اللّه أو لمحة لشكر نعمائه أو حركة للنظر في ملكوت أرضه وسمائه وأشغل ألسنتهم عن ذكر اللّه بالغيبة والنميمة وقول الزور في الكذب والافتراء والبهتان، فلم يترك لها فسحة لتلاوة شيء من ذكره ولا فرجة لتحميده وتسبيحه، وأشغل جوارحهم بالأكل والشّرب واللّباس والمساكن فلم يفسح لهم طريقا للإنفاق وعمل الخير ومساواة الفقراء والمساكين {أُولئِكَ} الّذين هذه صفتهم هم {حِزْبُ الشَّيْطانِ} وأولياؤه وحلفاؤه وأنصاره {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ} (19) في الدّارين.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعادونهما وأوليائهما ويتعدون حدودها ولا يعملون بأوامرها {أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} (20) في جملة من أذلهم اللّه في الدّنيا وإن ما هم عليه من النّعم الفانية لا قيمة لها لأن مرجعهم للآخرة التي سيهانون فيها ويحقرون ويعلمون أن ما رأوه في الدّنيا هو ذلّ أيضا بسبب تكالبهم على جمعها وعدم مبالاتهم بجمعه إذ لا يتورعون عن مغصوب وحرام، فالعز الذي نالوه من هذا المال هو ذل أيضا من حيث النّتيجة.
قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ} في لوحه المحفوظ أذلا {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} المحادين والمخالفين والمعرضين مهما كانوا عليه من قوّة ومنعة {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ} لا يغلب منيع لا ينال {عَزِيزٌ} (21) لا يدرك عظيم لا يرام راجع الآية 172 من الصّافات والآية 56 من المائدة الآتية واعلم يا سيد الرّسل انك {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فإذا رأيت متصفا بالإيمان موادا لهؤلاء فاحكم بنفاقه وبأن إيمانه صوريّ لا ينتفع به، لأن المؤمن لا يوالي الكافر ولا يخالف اللّه ورسوله ولا يحب أعدائهما، لذلك من الممتنع جدا أن تجد قوما مؤمنين متصفين بتلك الصّفات {وَلَوْ كانُوا} أي المحادون {آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} فلا ينبغي أن يوالوهم، بل يجب عليهم أن يخذلوهم ولو كانوا أولى الناس بهم.
ولهذا البحث صلة في الآية 34 من سورة التوبة الآتية فراجعها.
ولهذا فإن عبيدة بن الجراح رضي اللّه عنه قتل أباه يوم أحد، وعبد اللّه استأذن حضرة الرّسول بقتل أبيه عبيد اللّه أبي بن سلول كما مر في الآية 8 من سورة المنافقين، وأبا بكر الصّديق رضي اللّه عنه أراد قتل ابنه يوم بدر فمنعه حضرة الرسول من مبارزته، ومصعب ابن عمر قتل أخاه عبد اللّه وأبو عبيدة بن الجراح وحمزة بن عبد المطلب وعلي كرم اللّه وجهه قتلوا عتبة وشيبة بن ربيعة، والوليد ابن عتبة يوم بدر وهم من عمومتهم، وعمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام ولم تثنهم قراباتهم لهم عن عزمهم لأجل اللّه وصرفهم في اللّه فقتلوهم ابتغاء مرضاة الله وهذا من قوة إيمانهم بالله وشدة الصّدق لرسوله وغاية الوثوق بوعد اللّه ونهاية التمسك بنصرة اللّه رغبة فيما لهم عند اللّه وأمثال هؤلاء هم الّذين تكفل اللّه بنصرتهم ولو يوجد الآن من هؤلاء عصبة لما حل بالمسلمين ما حل من الذل والهوان والقتل والأسر والجلاء والاستيلاء على أوطانهم وأموالهم وذراريهم ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
اللهم ألهم أمة محمد رشدهم ووحد كلمتهم على الحق وانصرهم على عدوهم {أُولئِكَ} الّذين هذا شأنهم الّذين لا تأخذهم في اللّه قرابة ولا صداقة ولا لومة لا ثم في ارحم أو حبيب فيعادون من حادّ اللّه ورسوله ويوالون من والاهما ويحبون من وادّ اللّه ورسوله هؤلاء الأبرار المخلصون {كَتَبَ} الله وأثبت {فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ} للكامل الخالص {وَأَيَّدَهُمْ} قواهم وأعزّهم {بِرُوحٍ مِنْهُ} قذفه في قلوبهم فنورها وقوى عزائمهم وألقى الخوف في قلوب أعدائهم والرّعب فيمن يناوئهم فينصرهم في الدّنيا {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} في الآخرة {خالِدِينَ فِيها} لا يتحولون عنها أبدا إذ {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ} الراضون المرضيون العاملون المخلصون هم {حِزْبُ اللَّهِ} المؤيد بتأييده المنصور بنصره {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22) الناجحون الفائزون الرّابحون فيعملهم فليعمل العاملون وبأوصافهم فليتنافس المتنافسون اللّهم اجعلنا، منهم هذا واللّه أعلم وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم وسلم. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة المجادلة مدنية.
{تحاوركما} كاف وكذا {بصير} و{ما هن أمهاتهم} وهو خبر {الذين يظاهرون}.
{ولدنهم} كاف وكذا {وزورا}.
{غفور} حسن.
{أن يتماسا} كاف وكذا {توعظون به} و{خبير} و{أن يتماسا} و{مسكينا}.