فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} {ذلكم} مبتدأ والإشارة إلى الحكم المذكور وجملة {توعظون} خبر فإن الغرامات زواجر عن اقتراف الجنايات {واللّه} مبتدأ و{بما} متعلق بخبير وجملة {تعملون} صلة و{خبير} خبر {اللّه}.
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} الفاء عاطفة ومن اسم موصول مبتدأ و{لم} حرف نفي وقلب وجزم و{يجد} فعل مضارع مجزوم بلم والفاعل مستتر تقديره هو، {فصيام} الفاء رابطة وصيام مبتدأ و{شهرين} مضاف إليه و{متتابعين} صفة والخبر محذوف أي عليه والجملة خبر من، و{من قبل أن يتماسّا} تقدم إعرابها.
{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} تقدم إعرابها و{مسكينا} تمييز.
{ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} {ذلك} مبتدأ والإشارة إلى ما سلف من البيان والتعليم، و{لتؤمنوا} لام التعليل ومدخولها خبر ذلك ويجوز أن تعرب اسم الإشارة نصبا بمضمر أي فعلنا ذلك لتؤمنوا و{باللّه} متعلقان بتؤمنوا {ورسوله} عطف على اللّه.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ} الواو عاطفة و{تلك} مبتدأ و{حدود اللّه} خبر والواو عاطفة و{للكافرين} خبر مقدم و{عذاب} مبتدأ مؤخر و{أليم} نعت لعذاب.

.البلاغة:

في آية الظهار فن عجيب من فنون البلاغة وهو السلب والإيجاب وقد تقدمت الإشارة إليه وأنه بناء الكلام على نفي الشيء من جهته وإيجابه من جهة أخرى أو أمر بشيء من جهة ونهي عنه من جهة ثانية وفي قوله: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} نفي لصيرورة المرأة أما بالظهار وإثبات الأمومة للتي ولدت الولد.

.الفوائد:

قال في الكشاف: «قالت عائشة رضي اللّه عنها: الحمد للّه الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كلّمت المجادلة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وأنا عنده لا أسمع وقد سمع لها»، وعن عمر «أنه كان إذا دخلت عليه أكرمها وقال: قد سمع اللّه لها» أما المرأة فهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت ابن عمّها رآها تصلّي وكانت قسيمة حسنة الجسم فلما سلّمت طلب وقاعها فأبت فغضب وكان به لمم فقال: أنت عليّ كظهر أمي فأتت رسول اللّه وشكت إليه أمرها، وروي أنها قالت له إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا فقال: «ما عندي في أمرك شيء»، وروي أيضا أنه قال لها: «ما أراك إلا قد حرّمت عليه ولم أؤمر في شأنك بشيء» فقالت: أشكو إلى اللّه فاقتي ووجدي فنزلت هذه الآيات. وأحكام الظهار ومذاهب الأئمة فيه مبسوطة في كتب الفقه فارجع إليها إن شئت.

.[المجادلة: الآيات 5- 7]

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)}

.اللغة:

{يُحَادُّونَ} يعادون ويشاقون، وعبارة الزجّاج: المحادة أن تكون في حدّ يخالف حدّ صاحبك، فتكون المحادة كناية عن المعاداة لكونها لازمة للمعاداة. وفي معاجم اللغة حاده: عاداه وغاضبه.
{كُبِتُوا} أخذوا وأهلكوا وقيل ذلّوا وفي المصباح: كبت اللّه العدو كبتا من باب ضرب أهانه وأذلّه وكبته لوجهه صرعه.

.الإعراب:

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كلام مستأنف مسوق لزفّ البشرى إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بكبت أعدائهم وإذلالهم وفصم عراهم وشقّ عصاهم. وإن واسمها وجملة {يحادون} صلة و{اللّه} مفعول به {ورسوله} عطف على {اللّه} وجملة {كبتوا} خبر إن وكما نعت لمصدر محذوف وجملة {كبت} لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي و{الذين} نائب فاعل و{من قبلهم} متعلقان بمحذوف صلة {الذين}.
{وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ} الواو حالية و{قد} حرف تحقيق و{أنزلنا} فعل وفاعل و{آيات} مفعول به و{بيّنات} صفة لآيات {وللكافرين} خبر مقدم و{عذاب} مبتدأ مؤخر و{مهين} نعت.
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} يجوز أن يتعلق الظرف بمهين وقيل عامله {عذاب} وقيل عامله الاستقرار الذي تعلق به الخبر وهو {للكافرين} وقيل منصوب بإضمار اذكر، وجملة {يبعثهم} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{اللّه} فاعل {يبعثهم} و{جميعا} حال، {فينبئهم} عطف على {يبعثهم} و{بما عملوا} في موضع المفعول الثاني وجملة {عملوا} صلة الموصول وجملة {أحصاه اللّه} استئنافية والواو حالية وجملة نسوه في محل نصب على الحال من مفعول أحصى بإضمار قد أو بدونها.
{وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} {اللّه} مبتدأ و{على كل شيء} متعلقان بشهيد و{شهيد} خبر {اللّه}.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} الهمزة للاستفهام التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم و{تر} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وأن واسمها وجملة {يعلم} خبرها وقد سدّت مسدّ مفعولي {تر} و{ما} مفعول {يعلم} و{في السموات} متعلقان بمحذوف صلة الموصول {وما في الأرض} عطف على {ما في السموات}.
{ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ...}... على الحال فالاستثناء مفرغ من أعمّ الأحوال.
{ولا خمسة إلا هو سادسهم} عطف على ما تقدم,
{وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا} الواو عاطفة و{لا} نافية و{أدنى} عطف على لفظ {نجوى} وقرئ بالرفع عطفا على محلها وقيل على الابتداء، و{من ذلك} متعلق بأدنى، {ولا أكثر} عطف على {ولا أدنى} و{إلا} أداة حصر و{هو} مبتدأ و{معهم} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر والجملة حالية على قراءة النصب أو العطف على المحل وخبر للمبتدأ على قراءة الرفع و{أينما} ظرف مكان متعلق بالاستقرار الذي تعلق به معهم أي مصاحب لهم بعلمه في أي مكان استقروا فيه و{كانوا} فعل وفاعل فهي كان التامة والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها لأن {ما} زيدت فيه، ويجوز أن تكون ما مصدرية فتكون الجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي.
{ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} {ثم} حرف عطف للترتيب و{ينبئهم} فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {اللّه} و{بما} في موضع المفعول الثاني وجملة {عملوا} لا محل لها و{يوم القيامة} متعلق بينبئهم وإن واسمها وخبرها.

.البلاغة:

في قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم} فن الانفصال وقد تقدمت الإشارة إليه ونعيده هنا لإتمام الفائدة فنقول: هو فنّ فحواه أن يقول المتكلم كلاما يتوجه عليه فيه دخل فلا يقتصر عليه حتى يأتي بما ينفصل به عن ذلك إما ظاهرا أو باطنا يظهره التأويل، فإن هذه الآية الكريمة يتوجه على ظاهرها عدد من الأسئلة منها:
1- لم ألغي فيها الابتداء بالاثنين وهي أول رتبة بين المتناجيين؟
2- لم انتقل من الثلاثة إلى الخمسة وعدل عن الترتيب في الانتقال من الثلاثة إلى الأربعة؟
3- لم لم يتجاوز الخمسة كما تجاوز الثلاثة؟
4- لم لم يقل من نجوى ثلاثة ويقف عند ذلك ويستغني بقوله بعدها {ولا أدنى من ذلك ولا أكثر} فيتناول الأدنى من الاثنين والأكثر من الأربعة إلى ما لا نهاية له من الأعداد؟
5- لم عدل عن الأوجز إلى الأطول مع توفية الأوجز بالمعنى المراد؟ وقبل أن نبيّن الانفصال عن ذلك لابد من ذكر لمحة تاريخية ينجلي بها الرين وقد اختلف في سبب نزولها فقيل:
اجتمع المشركون جماعات على هذين العددين ثلاثة ثلاثة وخمسة خمسة يتناجون في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهم يظنّون أن ذلك يخفى عنه فنزلت ليعلم اللّه نبيّه بحالهم.
وقيل: إنه اجتمع ثلاثة نفر من قريش وهم ربيعة وحبيب ابنا عمرو وصفوان بن أمية يوما كانوا يتحدثون فقال أحدهم: أترى اللّه يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضا ولا يعلم بعضا وقال الثالث: إن كان يعلم بعضا فهو يعلم الكل فنزلت، وقد صحّح أهل التفسير هذه الرواية الثانية.
و قال الزمخشري في الجواب عن بعض ما تقدم من الاعتراض على ظاهر الآية بعد نقل سبب النزول الذي ذكرناه أن البارئ عزّ وجلّ قصد وهو أعلم أن يذكر ما جرت به العادة من أعداد أهل النجوى وأهل الشورى والمنتدبون لذلك ليسوا كل الناس وإنما هم طائفة مجتباة من أهل النهي والأحلام ورهط من أولي التجارب والرأي وأول عددهم الاثنان فصاعدا إلى الستة على ما تقتضيه الحال ويحكم به الاستصواب، ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ترك الشورى في ستة ولم يتجاوز بها إلى سابع، هذا نص كلام الزمخشري حكيته بلفظه، لم أغادر منه شيئا، ولم تتبدل فيه لفظة بلفظة، وأما ما حكاه من الرواية الأولى فلا إشكال فيه ولا دخل عليه وأما الرواية الثانية التي وقع التصحيح فيها وهي مرويّة عن ابن عباس رضي اللّه عنه فيتوجه عليها الإشكال. وأما قول الزمخشري: إن الكلام جاء على عادة العرب في أهل النجوى وأهل الشورى لأن عدد هاتين الطائفتين لا يتجاوز الستة، وأما استشهاده بقضية عمر وجعله الشورى في ستة وتأكيده ذلك بقوله:
ألا تراه لم يتجاوز بها معنى الشورى إلى سابع فما أدري من أين له ذلك؟ وكيف تصحّ دعواه في أن عادة العرب إنما يكون أهل النجوى وأهل الشورى على هذين العددين دون سائر الأعداد، وقد جاء القرآن العزيز بخلاف ذلك قال اللّه تعالى في الإخبار عن أولاد يعقوب: {فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا} وكانوا عشرة فسمى سبحانه محاورتهم تناجيا، وقال عزّ وجلّ حكاية عن ملأ فرعون {وأسروا النجوى} {إن هذان لساحران} وكانوا لا يحصون كثرة وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} ومناجو الرسول يحتمل أن يكونوا هم الاثنين فصاعدا إلى منتهى عدد الأمة، فإن الخطاب لكافة المؤمنين والمناجون لم يحصر سبحانه عددهم في كمية معينة، وقال سبحانه: {فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول} غير حاصر ذلك في عدد مضبوط وقال سبحانه: {وأمرهم شورى بينهم} لغير عدد معين، وبعض هذه الآيات وإن نزلت في واقعة مخصوصة فقد أنزل اللّه معناها بلفظ العموم لتتناول كل الأمة فالحكم فيها عام، وأما قضية عمر رضي اللّه عنه فمن المعلوم أنه لم يجعل الأمر شورى في تلك الستة مراعاة لهذا العدد وإنما راعى من يصلح للأمر فإن الستة الذين جعل الأمر فيهم هم أعيان الصحابة وأفضل من بقي بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبعد الشيخين وأنه لا يجوز أن يخرج هذا الأمر عنهم ولا يتجاوزهم إلى غيرهم ولو كان الصلحاء لهذا الأمر أكثر من هذا العدد أو أقل لجعل الأمر فيهم ولم يقل نقصوا عن هذه العدّة أم زادوا عليها والذي يصلح أن يكون جوابا ينفصل به عن الإشكال المقرر في أول الكلام أن يقال: الذين صحّ نزول الآية فيهم هم الثلاثة الذين سمّاهم ابن عباس رضي اللّه عنهما ولما كان هذا العدد أعني الثلاثة هو المقصود بالآية ذكر مقدما فيها على العدد الأخير ليعلم أئمتهم به فإن المتكلم إذا كانت له عناية بشيء قدّم ذكره في كلامه على غيره في مثل هذه المعاني، ثم ذكر الأدنى والأكثر ليرفع الاحتمال الذي قدّمناه وإذا كانت هذه هي الواقعة التي نزلت الآية بسببها سقط السؤال الأول الذي قيل فيه: لم لم يذكر أول رتب المتناجين واستغنى بذكر الأدنى بعد ذكر الثلاثة ليتناول الاثنين أو الأكثر لتناول ما فوق الثلاثة.