فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأعله عبد الحق بالانقطاع، وأن سليمان لم يدرك سلمة، حكى ذلك الترمذي عن البخاري، وقال الترمذي: إن سلمة بن صخر يقال له سلمان أيضًا، ورواه الإمام أحمد أيضًا من طريق أخرى قال حدثنا عبد الله بن إدريس- هو الأودي- عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه قال: «كنت أمرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت فتظاهرت من امرأتي في الشهر فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن وقعت عليها، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال حرر رقبة، فقلت: والذي بعثك بالحق، ما أملك غير رقبتي، قال: صم شهرين متتابعين، قلت: وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟ قال: فأطعم ستين مسكينًا» وهذا سند حسن متصل إن شاء الله إن سلم من تدليس ابن إسحاق، وروى الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق، وروى الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن «أن سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه جعل امرأته عليه كظهر أمه إن غشيها حتى يمضي رمضان، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اعتق رقبة» وقصة سلمة هذه أصل الظهار المؤقت، وقد دلت على أنه لا عود فيه لا كفارة عليه إلا بوطئها في مدة الظهار، وروى أبو داود عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها قال: «ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت رضي الله عنه فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكوا إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن {قد سمع الله} إلى الفرض، فقال: يعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: يصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله، إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال فليطعم ستين مسكينًا، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به قالت: فأتي ساعتئذ بعرق منّ تمر، قلت: يا رسول الله، فإني أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنت أذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينًا، وارجعي إلى ابن عمك» قال: والعرق ستون صاعًا، وفي رواية: والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعًا، وروى الدارقطني أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «إن أوس بن الصامت رضي الله عنه ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة رضي الله عنها فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ظاهر مني حين كبر سني ورق عظمي، فأنزل الله آية الظهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس اعتق رقبة، قال: مالي بذلك يدان، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: أما إني إذا أخطأني أن آكل في اليوم مرتين يكل بصري، قال فأطعم ستين مسكينًا، قال: ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعًا حتى جمع الله له، والله رحيم. قال: وكانوا يرون أن عنده مثلها، وذلك لستين مسكينًا»، وللدراقطني أيضًا والبيهقي «أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها رآها زوجها وهو أوس بن الصامت أخو عبادة رضي الله عنهما وهي تصلي فراودها فأبت فغضب، وكان به لمم وخفة فظاهر منها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أوسًا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيَّ، فلما خلا سني ونثرت له بطني جعلني عليه كأمه» وللطبراني من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: «كانت خولة بنت ثعلبة تحت أوس بن الصامت وكان به لمم، فقال في بعض هجراته: أنت عليّ كظهر أمي، قال: ما أظنك إلا قد حرمت عليّ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوس بن الصامت أبو ولديَّ وأحب الناس إليّ والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقًا، قال: ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله لا تقل كذلك والله ما ذكر طلاقًا، فرادّت النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا، ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك فاقتي ووحدتي وما يشق عليّ من فراقه»
الحديث، ومن طريق أبي العالية قال: فجعل كلما قال لها «حرمت عليه» هتفت وقالت: أشكو إلى الله، فلم ترم مكانها حتى نزلت الآية، وروى أبو داود عن هشام بن عروة أن جميلة كانت تحت أوس ابن الصامت وكان رجلًا به لمم فكان إذا اشتد به لممه ظاهر من امرأته فأنزل الله عز وجل فيه كفارة الظهار، وأخرجه من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها مثله.
وقال القشيري: وفي الخبر أنها قالت: يا سول الله إن أوسًا تزوجني شابة غنية ذات أهل ومال كثير، فلما كبر عنده سني، وذهب مالي وتفرق أهلي، جعلني عليه كظهر أمه، وقد ندم وندمت، وإن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، يعني ففرج الله عنها، وقد حصل من هذا مسألة، وهو أن كثيرًا من الأشياء ظاهر العلم يحكم فيه بشيء ثم الضرورة تغير ذلك الحكم لصاحبها، قال البغوي: وكان هذا أول ظهار في الإسلام، وقال أبو حيان: وكان عمر رضي الله عنه يكرم خولة رضي الله عنها إذا دخلت عليه ويقول: سمع الله لها، فالمظاهرة في حديث سلمة رضي الله عنه ومن نحا نحوه رهبانية مبتدعة لم ترع حق رعايتها كرهبانية النصارى، ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداعها حق الاتباع، وأما في قصة خولة رضي الله عنها فهي مصيبة كأن ينبغي فيها التسليم وعدم الحزم كما في آية {لكيلا تأسوا} [الحديد: 23] الآية على أن امتناعها من زوجها حين راودها فيه إلمام بالرهبانية، وإزالة شكايتها مع أنها امرأة ضعيفة من عظيم الفضل، وزاده عظمًا جعله حكمًا عامًا لمن وقع فيه من جميع الأمة.
ولما أتم تعالى الخبر عن إحاطة العلم، استأنف الإخبار عن حكم الأمر المجادل بسببه، فقال ذامًا للظهار، وكاسيًا له ثوب العار: {الذين} ولما كان الظهار منكرًا لكونه كذبًا، عبر بصيغة التفعل الدالة عليه فقال: {يظهرون} أي يوجدون الظهار في أي رمضان كان وكأنه أدغم تاء التفعل والمفاعلة لأن حقيقته أنه يذهب ما أحل الله له من مجامعة زوجته.
ولما كان الظهار خاصًا بالعرب دون سائر الأمم، نبه على ذلك تهجينًا له عليهم وتقبيحًا لعادتهم فيه، تنبيهًا على أن اللائق بهم أن يكونوا أبعد الناس من هذا الكلام لأن الكذب لم يزل مستهجنًا عندهم في الجاهلية، ثم ما زاده الإسلام إلا استهجانًا فقال: {منكم} أي أيها العرب المسلمون الذين يستقبحون الكذب ما لا يستقبحه غيرهم وكذا من دان دينهم {من نسائهم} أي يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم بأن يقول أحدهم لزوجته شيئًا من صرائحه مثل أنت عليّ كظهر أمي وكناياته كأنت أمي، وكل زوج صح طلاقه صح ظهاره من حر أو عبد مسلم أو ذمي دخل بالزوجة أو لا قادرًا على الجماع أو عاجزًا، صغير كانت الزوجة أو كبيرة، عاقلة كانت أم مجنونة، سليمة كانت أو رتقاء، مسلمة كانت أو ذميمة، ولو كانت رجعية.
ولما كان وجه الشبه التحريم، وكان للتحريم رتبتان: عليا موصوفة بالتأبيد والاحترام، ودنيا خالية عن كل من الوصفين، وكان التقدير خبرًا للمبتدأ: مخطئون في ذلك لأنه كذب، لأن التشبيه إن أسقطت أداته لم يكن حمله على الحقيقة ليكون من الرتبة العليا ولو على أدنى أحوالها من أنه طلاق لا رجعة فيه، كما كانوا يعتقدونه، وإن أثبتت ليكون من الدنيا لم يكن صحيحًا لأنه ممنوع منه لأن التشريع إنما هو لله، والله لم يكن يشرع ذلك، وكان تعليل شقي التشبيه يفيد معنى الخبر بزيادة التعليل، حذف الخبر، واكتفى بالتعليل فقال معللًا له مهجنًا للظهار الذي تعوده العرب من غير أن يشاركهم فيه أحد من الأمم: {ما هن} أي نساؤهم {أمهاتهم} على تقدير إرادة أحدهم أعلى رتبتي التحريم، والحاصل أنهم لما كانوا يعتقدون أنه طلاق لا رجعة فيه جعلوا معتقدين أن المرأة أم لأن الحرمة المؤبدة من خصائص الأم فخوطبوا بذلك تقريعًا لهم لأنه أردع، وفي سورة الأحزاب ما يوضح هذا.
ولما كانوا قد مرنوا على هذا الحكم في الجاهلية، واستقر في أنفسهم استقرارًا لا يزول إلا بغاية التأكيد، ساق الكلام كذلك في الشقين فقال: {إن} أي ما {أمهاتهم} أي حقيقة {إلا اللاَّئي ولدنهم} ونساؤهم لم تلدهم، فلا يحرمن عليهم حرمة مؤبدة للإكرام والاحترام، ولا هن ممن ألحق بالأمهات بوجه يصح وكأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات لما لهن من حق الإكرام والاحترام والإعظام ما لم يكن لغيرهن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم في أبوة الدين من أب النسب وكذلك المرضعات لما لهن من الإرضاع الذي هو وظيفة الأم بالأصالة، وأما الزوجة فمباينة لجميع ذلك.
ولما فرغ من تعليل الشق الأول على أتم وجه، أتبعه تعليل الآخر كذلك، فقال عاطفًا عليه مؤكدًا لأنهم كانوا قد ألفوا قوله فأشربته قلوبهم: {وإنهم} أي المظهرون {ليقولون} أي في هذا التظهر على كل حالة {منكرًا من القول} ينكره الحقيقة والأحكام، قال ابن الملقن في عمدة المحتاج: وهو حرام اتفاقًا كما ذكره الرافعي في الشهادات.
{وزورًا} أي قولا مائلًا عن السداد، منحرفًا عن القصد، لأن الزوجة معدة للاستمتاع الذي هو في الغاية من الامتهان، والأم في غاية البعد عن ذلك لأنها أهل لكل احترام، فلا هي أم حقيقة ولا شبيهة بها بأمر نصبه الشارع للاحترام كالإرضاع، وكونها فراشًا لعظيم كالنبي أو للأب أو للحرمة كاللعان، فقد علم أن ذلك الكلام ليس بصدق ولا جاء به مسوغ، فهو زور محض، وأخصر من هذا أن يقال: ولما كان ظهارهم هذا يشتمل على فعل وقول، وكان الفعل هو التحريم الذي هو موضع وجه الشبه، وكانت العادة في وجه الشبه أن يقنع منه بأدنى ما ينطلق عليه الاسم، وكانوا قد خالفوا ذلك فجعلوه في أعلى طبقاته وهو الحرمة المؤبدة التي يلزم منها أن تكون المشابهة من كل وجه في الحرمة مع أن ذلك بغير مستند من الله تعالى الذي لا حكم لغيره، ألزمهم أن يكون الشبه من كل وجه مطلقًا ليكونوا جاعلين الزوجة إما حقيقة لا دعوى كما جعلوا الحرمتين كذلك من غير فرق بل أولى لأن الشبه إنما وقع بين الحيثيتين لا بين الحرمتين- ثم وقفهم على جهلهم فيه فقال: {ما هن} إلى آخره، ولما وقفهم على جهلهم في الفعل وقفهم على جهلهم في القول: فقال: وأنهم إلى آخره، قال النووي في الروضة: قال الأصحاب: الظهار حرام، وله حكمان: أحدهما تحريم الوطء إذا وجبت الكفارة إلى أن يكفر، والثاني وجوب الكفارة بالعود- انتهى، وهذا القول وإن أفاد التحريم فإنه يفيد لكونه ممنوعًا منه على وجه ضيق حرج المورد عسر المخرج ليكون عسره زاجرًا عن الوقوع فيه، قال أبو عبد الله القزاز في ديوانه الجامع: وظاهر الرجل امرأته وظاهر من امرأته إذا قال: أنت عليّ كظهر أمي أو كذاب محرم، وإنما استخصوا الظهر في الظهار لأن الظهر موضع الركوب، والمرأة مركب الرجل في النكاح فكني به عن ذلك، فكأنه قال: ركوبك عليّ للنكاح كركوب أمي، وكان الظهار في الجاهلية طلاقًا، ولذلك أشكل معنى قوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} وقال ابن الأثير في النهاية: ظاهر الرجل من امرأته ظهارًا وتظهر وتظاهر إذا قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، وكان في الجاهلية طلاقًا، وقيل: إنهم أرادوا أنت عليّ كبطن أمي أي كجماعها، فكنوا بالظهر عن البطن للمجاورة، وقيل إن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان حرامًا عندهم، وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد الرجل المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر ثم لم يقنع بذلك حتى جعلها كظهر أمه، وإنما عدى الظهار بـ {من} لأنهم كانوا إذا ظاهروا المرأة تجنبوها كما يتجنبون المطلقة ويحترزون منها، فكأن قوله: ظاهر من امرأته، أي بعد واحترز منها كما قيل: آلى من امرأته، لما ضمن معنى التباعد عدى بـ {من}- انتهى، قال: وقال ابن الملقن في العمدة شرح المنهاج: وكان طلاقًا في الجاهلية، ونقل عن صاحب الحاوي أنه عندهم لا رجعة فيه، قال: فنقل الشارع حكمه إلى تحريم بعد العود ووجوب الكفارة- انتهى وقال أبو حيان: قال أبو قلابة وغيره: كان الظهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤبدة.
ولما كان التقدير: فإن الله حرمه، عطف عليه مرغبًا في التوبة وداعيًا إليها قوله مؤكدًا لأجل ما يعتقدون من غلظه وأنه لا مثنوية فيه {وإن الله} أي الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه في شرع ولا غيره {لعفو} من صفاته أن يترك عقاب من شاء {غفور} من صفاته أن يمحو عين الذنب وأثره حتى أنه كما لا يعاقب عليه لا يعاتب، فهل من تائب طلبًا للعفو عن زلله، والإصلاح لما كان من خلله. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات: