فصل: الحكم التاسع: هل تتغلظ الكفارة بالمسيس قبل التكفير؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا يجزئ عند مالك والشافعي أن يطعم أقل من ستين مسكينا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أطعم مسكينا واحدا كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه.

.الحكم التاسع: هل تتغلظ الكفارة بالمسيس قبل التكفير؟

أ- ذهب أبو حنيفة: إلى أن المظاهر إذا جامع زوجته قبل أن يكفر أثم وعصى الله، وتسقط عنه الكفارة لفوات وقتها.
ب- وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه أثم وعصى ويستغفر ويتوب ويمسك عن زوجه حتى يكفر كفارة واحدة.
قال أبو بكر الرازي: إن الظهار لا يوجب كفارة، وإنما يوجب تحريم الوطء، ولا يرتفع إلا بالكفارة، فإذا لم يرد وطأها فلا كفارة عليه، وإن ماتت أو عاشت فلا شيء عليه إذ كان حكم الظهار إيجاب التحريم فقط مؤقتا بأداء الكفارة، وأنه متى لم يكفر فالوطء محظور عليه، فإن وطئ سقط الظهار والكفارة، وذلك لأنه علق حكم الظهار وما أوجب به من الكفارة بأدائها قبل الوطء لقوله: {من قبل أن يتماسا} فمتى وقع المسيس فقد فات الشرط فلا تجب الكفارة بالآية، لأن كل فرض محصور بوقت أو معلق على شرط، فإنه متى فات الوقت، وعدم الشرط، لم يجب باللفظ الأول واحتيج إلى دلالة أخرى في إيجاب مثله في الوقت الثاني، فهذا حكم الظهار إذا وقع المسيس قبل التكفير إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا ظاهر من امرأته فوطئها قبل التكفير ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «استغفر الله ولا تعد حتى تكفر»، فصار التحريم الذي بعد الوطء واجبا بالسنة.
الترجيح: والصحيح ما ذهب إليه الجمهور أنه يأثم بهذا الفعل وتجب عليه كفارة واحدة والله أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولا: استجابة الله دعاء الشاكي الصادق إذا أخلص الدعاء.
ثانيا: عدم جواز تشبيه الزوجة بمحرم من المحرمات على التأبيد.
ثالثا: عدم جواز مس المرأة قبل أداء كفارة الظهار.
رابعا: خصال الكفارة مرتبة لا يصار إلى التالية قبل العجز عن التي قبلها.
خامسا: حدود الله يجب التزامها، ولا يجوز تعديها.

.حكمة التشريع:

لقد شرع الإسلام الزواج عقدا دائما غير مؤقت، لا يقطعه إلا هاذم اللذات، أو أبغض الحلال إلى الله، وبالزواج يحل للرجل كل شيء من زوجه، في حدود ما أباحه الله تعالى له، فإذا جاء الإنسان يريد أن يغير ما أباحه الله له فيجعل الحلال حراما، فقد ارتكب كبيرة لا محالة، وتجاوز بذلك الحدود التي شرعها الله له، فلهذا كان عقابه كبيرا، وكانت أولى خصال الكفارة ما فيه فائدة للمجتمع، ألا وهي تحرير رقاب العبيد، وهذه إحدى سبل تحريرهم، فإذا لم يستطع شراء العبد وعتقه، فليصم شهرين متتابعين، والصوم مدرسة تهذب خلقه، وتربي نفسه، وتقوم ما أعوج من تربيته.
هذا إن كان صحيح الجسم، موفور الصحة، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالمريض الذي لا يستطيع الصوم، ينتقل الواجب في حقه إلى المجتمع أيضا فيطعم ستين مسكينا، وهكذا تنتقل خصال الكفارة بين فائدة المجتمع، وفائدة الرجل نفسه.
هذا جزاء من حرم حلالا، فليتعظ المؤمنون بهذا الجزاء الزاجر. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}
أخرج سعيد بن منصور والبخاري تعليقًا وعبد بن حميد والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه في سننه عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت لا أسمع ما تقول فأنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} وهو أوس بن الصامت.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن زيد قال: لقي عمر بن الخطاب امرأة يقال لها خولة وهو يسير مع الناس فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل يا أمير المؤمنين: حبست رجال قريش على هذه العجوز، قال: ويحك وتدري من هذه؟ قال: لا. قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها.
وأخرج البخاري في تاريخه وابن مردويه عن ثمامة بن حزن قال: بينما عمر بن الخطاب يسير على حماره لقيته امرأة فقالت: قف يا عمر، فوقف، فأغلظت له القول، فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم، فقال: وما يمنعني أن أستمع إليها وهي التي استمع الله لها أنزل فيها ما نزل {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال: حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت: «فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه فدخل عليّ يومًا فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني عن نفسي، قلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فما برحت حتى نزل القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سرّي عنه، فقال لي: يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ثم قرأ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى قوله: {عذاب أليم} فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة قلت يا رسول الله: ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين، قلت: والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر، قلت: والله ما ذاك عنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنا سنعينه بعرق من تمر، قلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، قال: فقد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرًا. قالت: ففعلت».
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه والبيهقي عن عطاء بن يسار «أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، وكان أوس بن لمم، فنزل القرآن {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} فقال لامرأته: مريه فليعتق رقبة، فقالت يا رسول الله: والذي أعطاك ما أعطاك ما جئت إلا رحمة له إن له فيّ منافع والله ما عنده رقبة ولا يملكها، قالت: فنزل القرآن وهي عنده في البيت، قال: مريه فليصم شهرين متتابعين، فقالت: والذي أعطاك ما أعطاك ما قدر عليه، فقال: مريه فليتصدق على ستين مسكينًا، فقالت: يا رسول الله ما عنده ما يتصدق به، فقال: يذهب إلى فلان الأنصاري فإن عنده شطر وسق تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فليأخذ منه ثم ليتصدق على ستين مسكينًا».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في السنن عن عائشة أن خولة كانت امرأة أوس بن الصامت، وكان إمرأ به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته فأنزل الله فيه كفارة الظهار.
وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: «كان الرجل في الجاهلية لو قال لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي حرمت عليه، وكان أول من ظاهر في الإِسلام أوس بن الصامت، وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خولة فظاهر منها فأسقط في يده وقال: ما أراك إلا قد حرمت عليّ فانطلقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسأليه، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فأخبرته فقال: يا خولة ما أمرنا في أمرك بشيء، فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا خولة ابشري قالت: خيرًا قال: خيرًا فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} الآيات».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس «أن خولة أو خويلة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي ظاهر مني، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت أشكو إلى الله فاقتي، فأنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله}».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال في القرآن ما أنزل الله جملة واحدة {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} كان هذا قبل أن تخلق خولة لو أن خولة أرادت أن لا تجادل لم يكن ذلك لأن الله كان قد قدر ذلك عليها قبل أن يخلقها.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس «في قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} وذلك أن خولة امرأة من الأنصار ظاهر منها زوجها، فقال: أنت عليّ كظهر أمي فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي كان تزوجني وأنا أحب الناس إليه حتى إذا كبرت ودخلت في السن قال: أنت عليّ كظهر أمي وتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني وإياه بها فحدثني بها، قال: والله ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن، ولكن ارجعي إلى بيتك فإن أومر بشيء لا أعميه عليك إن شاء الله، فرجعت إلى بيتها فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب رخصتها ورخصة زوجها فقال: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى قوله: {عذاب أليم} فأرسل إلى زوجها، فقال: هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: إذن يذهب مالي كله، الرقبة غالية وأنا قليل المال، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: والله لولا أني آكل كل يوم ثلاث مرات لكلّ بصري، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا والله إلا أن تعينني، قال: إني معينك بخمسة عشر صاعًا».
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه «أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ظاهر مني زوجي حين كبر سني ودق عظمي فأنزل الله آية الظهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة قال: مالي بذلك يدان، فصم شهرين متتابعين، قال: إني إذا أخطأني أن آكل في اليوم ثلاث مرات يكل بصري، فأطعم ستين مسكينًا قال: ما أجد إلا أن تعينني فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر صاعًا حتى جمع الله له أهله».
وأخرج ابن مردويه عن الشعبي قال: المرأة التي جادلت في زوجها خولة بنت ثعلبة وأمها معاذة التي أنزل الله فيها {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} [النور: 33] وكانت أمة لعبد الله بن أبيّ.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال: «إن أول من ظاهر في الإِسلام زوج خويلة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي ظاهر مني وجعلت تشكو إلى الله فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما جاءني في هذا شيء، قالت: فإلى من يا رسول الله إن زوجي ظاهر مني، فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} حتى بلغ {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها، فقالت: لا يجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو ذاك فبينما هي كذلك إذا نزل الوحي {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاها عليها فقالت: لا يستطيع أن يصوم يومًا واحدًا قال: هو ذاك فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا} فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقالت: لا يجد يا رسول الله قال: إنا سنعينه».