فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال عليه الصلاة والسلام في خطبته الكبرى وهي آخر خطبة خطبها أخرجها الحارث بن أبي أسامة: رقي المنبر وقال: «أيها الناس ادنو وأوسعوا لمن خلقكم»- ثلاث مرات، فدنا الناس وانضم بعضهم إلى بعض، التفتوا فلم يروا أحدًا، فقال رجل منهم بعد الثالثة: لمن نوسع يا رسول الله أللملائكة؟ فقال: «لا إنهم إذ كانوا معكم لم يكونوا بين أيديكم ولا من خلفكم ولكن عن أيمانكم وعن شمائلكم» وعلى ذلك فليسوا في مكان الأيمان هنا والشمائل بل في المكان من ذلك، فالله جل جلاله أعلى وأجل وأنزه مكانة وأكرم استواء- انتهى.
ولما كان الإنسان نساءً ولاسيما إن تمادى به الزمان، قال عاطفًا على ما تقديره، فيضبط عليهم حركاتهم وسكناتهم من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، ويحفظها على طول الزمان كما كان حافظًا لها قبل خلقها ثم أزل الأزل {ثم ينبئهم} أي يخبر أصحابها إخبارًا عظيمًا {بما عملوا} دقيقة وجليلة {يوم القيامة} الذي هو المراد الأعظم من الوجود لإظهار الصفات العلى فيه أتم إظهار.
ولما أخبر تعالى بهذا الأمر العظيم، علله بما هو دليل على الشهادة فقال مؤكدًا لما لهم من الإنكار قولا أو فعلًا بالاشتراك الذي يلزم منه النقص {إن الله} أي الذي له الكمال كله.
ولما كان المقام للإبلاغ في إحاطة العلم، قدم الجار كما مضت الإشارة إليه غير مرة قال: {بكل شيء} مما ذكر وغيره {عليم} أي بالغ العلم فهو على كل شيء قدير، فهو على كل شيء شهيد، لأن نسبة ذاته الأقدس إلى الأشياء كلها على حد سواء لا فرق أصلًا بين شيء وآخر، قال القشيري: معية الحق سبحانه وإن كانت على العموم بالعلم والرؤية وعلى الخصوص بالفضل والنصرة، فلهذا الخطاب في قلوب أهل المعرفة أثر عظيم إلى أن ينتهي الأمر بهم إلى التأويل، فللوله والهيمان في خمار هذا عين رغد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}
ثم إنه تعالى أكد بيان كونه عالمًا بكل المعلومات فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض}.
قال ابن عباس: {أَلَمْ تَرَ} أي ألم تعلم وأقول هذا حق لأن كونه تعالى عالمًا بالأشياء لا يرى، ولكنه معلوم بواسطة الدلائل، وإنما أطلق لفظ الرؤية على هذا العلم، لأن الدليل على كونه عالمًا، هو أن أفعاله محكمة متقنة منتسقة منتظمة، وكل من كانت أفعاله كذلك فهو عالم.
أما المقدمة الأولى: فمحسوسة مشاهدة في عجائب السموات والأرض، وتركيبات النبات والحيوان.
أما المقدمة الثانية: فبديهية، ولما كان الدليل الدال على كونه تعالى كذلك ظاهرًا لا جرم بلغ هذا العلم والاستدلال إلى أعلى درجات الظهور والجلاء، صار جاريًا مجرى المحسوس المشاهد، فلذلك أطلق لفظ الرؤية فقال: {أَلَمْ تَرَ} وأما أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، فلأن علمه علم قديم، فلو تعلق بالبعض دون البعض من أن جميع المعلومات مشتركة في صحة المعلومية لافتقر ذلك العلم في ذلك التخصيص إلى مخصص، وهو على الله تعالى محال، فلا جرم وجب كونه تعالى عالمًا بجميع المعلومات، واعلم أنه سبحانه قال: {يَعْلَمُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} ولم يقل: يعلم ما في الأرض وما في السموات وفي رعاية هذا الترتيب سر عجيب.
ثم إنه تعالى خص ما يكون من العباد من النجوى فقال: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال ابن جني: قرأ أبو حيوة {مَا تَكُون مِن نجوى ثلاثة} بالتاء ثم قال والتذكير الذي عليه العامة هو الوجه، لما هناك من الشياع وعموم الجنسية، كقولك: ما جاءني من امرأة، وما حضرني من جارية، ولأنه وقع الفاصل بين الفاعل والمفعول، وهو كلمة من، ولأن النجوى تأنيثه ليس تأنيثًا حقيقيًا، وأما التأنيث فلأن تقدير الآية: ما تكون نجوى، كما يقال: ما قامت امرأة وما حضرت جارية.
المسألة الثانية:
قوله: {مَّا يَكُونُ} من كان التامة، أي ما يوجد ولا يحصل من نجوى ثلاثة.
المسألة الثالثة:
النجوى التناجي وهو مصدر، ومنه قوله تعالى: {لاَّ خَيْرَ في كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ} [النساء: 114] وقال الزجاج: النجوى مشتق من النجوة، وهي ما ارتفع ونجا، فالكلام المذكور سرًا لما خلا عن استماع الغير صار كالأرض المرتفعة، فإنها لارتفاعها خلت عن اتصال الغير، ويجوز أيضًا أن تجعل النجوى وصفًا، فيقال: قوم نجوى، وقوله تعالى: {وَإِذْ هُمْ نجوى} [الإسراء: 47] والمعنى، هم ذوو نجوى، فحذف المضاف، وكذلك كل مصدر وصف به.
المسألة الرابعة:
جر ثلاثة في قوله: {مِن نجوى ثلاثة} يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون مجرورًا بالإضافة والثاني: أن يكون النجوى بمعنى المتناجين، ويكون التقدير: ما يكون من متناجين ثلاثة فيكون صفة.
المسألة الخامسة:
قرأ ابن أبي عبلة {ثلاثة} و{خمسة} بالنصب على الحال، بإضمار يتناجون لأن نجوى يدل عليه.
المسألة السادسة:
أنه تعالى ذكر الثلاثة والخمسة، وأهمل أمر الأربعة في البين، وذكروا فيه وجوهًا: أحدها: أن هذا إشارة إلى كمال الرحمة، وذلك لأن الثلاثة إذا اجتمعوا، فإذا أخذ اثنان في التناجي والمشاورة، بقي الواحد ضائعًا وحيدًا، فيضيق قلبه فيقول الله تعالى: أنا جليسك وأنيسك، وكذا الخمسة إذا اجتمعوا بقي الخامس وحيدًا فريدًا، أما إذا كانوا أربعة لم يبق واحد منهم فريدًا، فهذا إشارة إلى أن كل من انقطع عن الخلق ما يتركه الله تعالى ضائعًا وثانيها: أن العدد الفرد أشرف من الزوج، لأن الله وتر يحب الوتر، فخص الأعداد الفرد بالذكر تنبيهًا على أنه لابد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور وثالثها: أن أقل مالا بد منه في المشاورة التي يكون الغرض منها تمهيد مصلحة ثلاثة، حتى يكون الإثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات، والثالث كالمتوسط الحاكم بينهما، فحينئذ تكمل تلك المشورة ويتم ذلك الغرض، وهكذا في كل جمع اجتمعوا للمشاورة، فلابد فيهم من واحد يكون حكمًا مقبول القول، فلهذا السبب لابد وأن تكون أرباب المشاورة عددهم فردًا، فذكر سبحانه الفردين الأولين واكتفى بذكرهما تنبيهًا على الباقي ورابعها: أن الآية نزلت في قوم من المنافقين، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين، وكانوا على هذين العددين، قال ابن عباس نزلت هذه الآية في ربيعة وحبيب ابني عمرو، وصفوان بن أمية، كانوا يومًا يتحدثون، فقال أحدهم: هل يعلم الله ما تقول؟ وقال الثاني: يعلم البعض دون البعض، وقال الثالث: إن كان يعلم البعض فيعلم الكل وخامسها: أن في مصحف عبد الله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا الله رابعهم ولا أربعة إلا الله خامسهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا أخذوا في التناجي}.
المسألة السابعة:
قرئ: {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ} بالنصب على أن لا لنفي الجنس، ويجوز أن يكون {وَلاَ أَكْثَرَ} بالرفع معطوفًا على محل (لا) مع (أدنى)، كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله، بفتح الحول ورفع القوة والثالث: يجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء، كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله والرابع: أن يكون ارتفاعهما عطفًا على محل {مِن نجوى} كأنه قيل: ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم، والخامس: يجوز أن يكونا مجرورين عطفًا على {نجوى} كأنه قيل: ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم.
المسألة الثامنة:
قرئ: {وَلا أَكْبَرَ} بالباء المنقطعة من تحت.
المسألة التاسعة:
المراد من كونه تعالى رابعًا لهم، والمراد من كونه تعالى معهم كونه تعالى عالمًا بكلامهم وضميرهم وسرهم وعلنهم، وكأنه تعالى حاضر معهم ومشاهد لهم، وقد تعالى عن المكان والمشاهدة.
المسألة العاشرة:
قرأ بعضهم: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} بسكون النون، وأنبأ ونبأ واحد في المعنى، وقوله: {ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة} أي يحاسب على ذلك ويجازي على قدر الاستحقاق، ثم قال: {أَنَّ الله بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وهو تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض}
فلا يخفى عليه سرٌّ ولا علانية.
{مَا يَكُونُ مِن نجوى} قراءة العامة بالياء؛ لأجل الحائل بينهما.
وقرأ أبو جعفر بن القَعْقاع والأعرج وأبو حَيْوة وعيسى {مَا تَكُونُ} بالتاء لتأنيث الفعل.
والنَّجوى: السِّرَار؛ وهو مصدر والمصدر قد يوصف به؛ يقال: قوم نجوى أي ذوو نجوى؛ ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ هُمْ نجوى} [الإسراء: 47].
وقوله تعالى: {ثَلاَثَةٍ} خفض بإضافة {نَجْوَى} إليها.
قال الفرّاء: {ثَلاَثَةٍ} نعت للنجوى فانخفضت وإن شئت أضفت {نَجْوَى} إليها.
ولو نصبت على إضمار فعل جاز؛ وهي قراءة ابن أبي عبلة {ثَلاَثَةً} و{خَمْسَةً} بالنصب على الحال بإضمار يتناجون؛ لأن نجوى يدل عليه؛ قاله الزمخشري.
ويجوز رفع {ثلاثة} على البدل من موضع {نَجْوَى}.
ثم قيل: كل سِرَار نجوى.
وقيل: النجوى ما يكون من خلوة ثلاثة يسرون شيئًا ويتناجون به.
والسرار ما كان بين اثنين.
{إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} يعلم ويسمع نجواهم؛ يدل عليه افتتاح الآية بالعلم ثم ختمها بالعلم.
وقيل: النجوى من النَّجْوة وهي ما ارتفع من الأرض، فالمتناجيان يتناجيان ويخلوان بسرهما كخلو المرتفع من الأرض عما يتصل به، والمعنى: أنّ سَمْع الله محيط بكل كلام، وقد سمع الله مجادلة المرأة التي ظاهر منها زوجها.
{وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ} قرأ سلاّم ويعقوب وأبو العالية ونصر وعيسى بالرفع على موضع {مِن نجوى} قبل دخول (من) لأن تقديره ما يكون نجوى، و{ثَلاَثَةٍ} يجوز أن يكون مرفوعًا على محل (لاَ) مع {أَدْنَى} كقولك: لا حولَ ولا قوّةٌ إلا بالله بفتح الحول ورفع القوّة.
ويجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء؛ كقولك لا حولٌ ولا قوّة إلا بالله.
وقد مضى في (البقرة) بيان هذا مستوفىً.
وقرأ الزهري وعكرمة {أكبر} بالباء.
والعامة بالثاء وفتح الراء على اللفظ وموضعها جر.
وقال الفرّاء في قوله: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} قال: المعنى غير مصمود والعدد غير مقصود لأنه تعالى إنما قصد وهو أعلم أنه مع كل عدد قلّ أو كثر، يعلم ما يقولون سرًّا وجهرًا ولا تخفى عليه خافية؛ فمن أجل ذلك اكتفى بذكر بعض العدد دون بعض.
وقيل: معنى ذلك أن الله معهم بعلمه حيث كانوا من غير زوال ولا انتقال.
ونزل ذلك في قوم من المنافقين كانوا فعلوا شيئًا سرًّا فأعلم الله أنه لا يخفى عليه ذلك؛ قاله ابن عباس.