فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أي ما يكون تناجي ثلاثة من الناس إلا الله مطلع عليهم كرابع لهم، ولا خمسة إلا هو كسادس لهم، ولا أدنى ولا أكثر إلاّ هو كواحد منهم.
وضمائر الغيبة عائدة إلى {ثلاثة} وإلى {خمسة} وإلى {ذلك} و{أكثر}.
والمقصود من هذا الخبر الإِنذار والوعيد وتخصيص عددي الثلاثة والخمسة بالذكر لأن بعض المتناجين الذي نزلت الآية بسببهم كانوا حلفًا بعضها من ثلاثة وبعضها من خمسة.
وقال الفراء: المعنى غير مصمود والعدد غير مقصود.
وفي (الكشاف) عن ابن عباس: نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو (بننِ عمير من ثقيف) وصفوان بن أمية (السلمي حليف بني أسد) كانوا يتحدثون فقال أحدهم: أَترى أن الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضًا ولا يعلم بعضًا.
وقال الثالث: إن كان يعلم بعضًا فهو يعلم كله.
اهـ.
ولم أرَ هذا في غير (الكشاف) ولا مناسبة لهذا بالوعيد في قوله تعالى: {ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة} فإن أولئك الثلاثة كانوا مسلمين وعدّوا في الصحابة وكأنَّ هذا تخليط من الراوي بين سبب نزول آية {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم} في سورة [فصلت: 22].
كما في صحيح البخاري وبين هذه الآية.
وركبت أسماء ثلاثة آخرين كانوا بالمدينة لأن الآية مدنية فآية النجوى إنما هي في تناجي المنافقين أو فيهم وفي اليهود عن ابن عباس.
والاستثناء في {إلا هو رابعهم} {إلا هو سادسهم} {إلا هو معهم} مفرع من أكوان وأحوال دل عليها قوله تعالى: {ما يكون} والجمل التي بعد حرف الاستثناء في مواضع أحوال.
والتقدير: ما يكون من نجوى ثلاثة في حال من علم غيرهم بهم واطلاعه عليهم إلا حالة الله مطلع عليهم.
وتكرير حرف النفي في المعطوفات على المنفي أسلوب عربي وخاصة حيث كان مع كل من المعاطيف استثناء.
وقرأ الجمهور {ولا أكثر} بنصب {أكثر} عطفًا على لفظ {نجوى}.
وقرأه يعقوب بالرفع عطفًا على محل {نجوى} لأنه مجرور بحرف جر زائد.
و {أينما} مركب من (أين) التي هي ظرف مكان و(ما) الزائدة.
وأضيف (أين) إلى جملة {كانوا}، أي في أي مكان كانوا فيه، ونظيره قوله: {وهو معكم أينما كنتم} في سورة [الحديد: 4].
{وثمّ} للتراخي الرتبي لأن إنباءهم بما تكلموا وما عملوه في الدنيا في يوم القيامة أدل على سعة علم الله من علمه بحديثهم في الدنيا لأن معظم علم العالِمين يعتريه النسيان في مثل ذلك الزمان من الطول وكثرة تدبير الأمور في الدنيا والآخرة.
وفي هذا وعيد لهم بأن نجواهم إثم عظيم فنهي عنه ويشمل هذا تحذير من يشاركهم.
وجملة {إن الله بكل شيء عليم} تذييل لجملة {ثم ينبئهم بما عملوا} فأغنت {إنّ} غناء فاء السببية كقول بشار:
................................ ** إن ذاك النجاح في التبكير

وتأكيد الجملة بـ {إن} للاهتمام به وإلا فإن المخاطب لا يتردد في ذلك.
وهذا التعريض بالوعيد يدلّ على أن النهي عن التناجي كان سابقًا على نزول هذه الآية والآيات بعدها. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
هذه الآيات نزلت في منافقين وقوم من اليهود كانوا في المدينة يتمرسون برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ويتربصون بهم الدوائر، ويدبرون عليهم ويتمنون فيهم المكروه ويتناجون بذلك، فنزلت هذه الآيات إلى آخر أمر النجوى فيهم، والمحادة: أن يعطي الإنسان صاحبه حد قوله أو سلاحه وسائر أفعاله. وقال قوم: هو أن يكون الإنسان في حد، وصاحبه في حد مخالف. و: كبت الرجل: إذا بقي خزيان يبصر ما يكره ولا يقدر على دفعه. وقال قوم منهم أبو عبيدة أصله كبدوا، أي أصابهم داء في أكبادهم، فأبدلت الدال تاء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا غير قوي.
و: {الذين من قبلهم} سابقو الأمم الماضية الذين حادوا الرسل قديمًا.
وقوله تعالى: {وقد أنزلنا آيات بينات} يريد في هذا القرآن، فليس هؤلاء المنافقون بأعذر من المتقدمين.
وقوله تعالى: {يوم يبعثهم الله} العامل في: {يوم} قوله: {مهين}، ويحتمل أن يكون فعلًا مضمرًا تقديره: اذكر. وقوله: {ونسوه} نسيان على بابه، لأن الكافر لا يحفظ تفاصيل أعماله ولما أخبر تعالى أنه {على كل شيء شهيد} وقف محمد عليه السلام توقيفًا تشاركه فيه أمته.
وقوله تعالى: {من نجوى ثلاثة}، يحتمل {من نجوى} أن يكون مصدرًا مضافًا إلى {ثلاثة}، كأنه قال: من سرار ثلاثة، ويحتمل {نجوى} أن يكون المراد به جمعًا من الناس مسمى بالمصدر كما قال في آية أخرى: {وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] أي أولو نجوى، فيكون قوله تعالى: {ثلاثة} على هذا بدلًا {من نجوى} وفي هذا نظر.
وقوله تعالى: {إلا هو رابعهم} أي بعلمه وإحاطته ومقدرته.
وقرأ جمهور الناس: {ما يكون} وقرأ أبو جعفر القارئ وأبو جيوة: {ما تكون} بالتاء منقوطة من فوق. وفي مصحف ابن مسعود: {ولا أربعة إلا الله خامسهم}، وكذلك: {إلا الله رابعهم}، و: {إلا الله سادسهم}.
وقرأ جمهور القراء: {ولا أكثر} عطفًا على اللفظ المخفوض، وقرأ الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق: {ولا أكثرُ} بالرفع عطفًا على الموضع، لأن التقدير ما يكون نجوى، ومن جعل النجوى مصدرًا محضًا قدر قبل {أدنى} فعلًا تقديره: ولا يكون أدنى. وقرأ الخليل بن أحمد: {ولا أكبر}، بالباء واحدة من تحت، وباقي الآية بين. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}
قرأ الجمهور: {قد سمع} بالبيان؛ وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن: بالإدغام، قال خلف بن هشام البزار: سمعت الكسائي يقول: من قرأ {قد سمع}، فبين الدال عند السين، فلسانه أعجمي ليس بعربي، ولا يلتفت إلى هذا القول؛ فالجمهور على البيان.
والتي تجادل خولة بنت ثعلبة، ويقال بالتصغير، أو خولة بنت خويلد، أو خولة بنت حكيم، أو خولة بنت دليج، أو جميلة، أو خولة بنت الصامت، أقوال للسلف.
وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة أوس بن الصامت أخو عبادة. وقيل: سلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته.
قالت زوجته: يا رسول الله، أكل أوس شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني، فقال لها: «ما أراك إلا قد حرمت عليه»، فقالت: يا رسول الله لا تفعل، فإني وحيدة ليس لي أهل سواه، فراجعها بمثل مقالته فراجعته، فهذا هو جدالها، وكانت في خلال ذلك تقول: اللهم إن لي منه صبية صغارًا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا.
فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي عند جدالها.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات.
كان بعض كلام خولة يخفى عليّ، وسمع الله جدالها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوس وعرض عليه كفارة الظهار: (العتق)، فقال: ما أملك، و(الصوم)، فقال: ما أقدر، و(الاطعام)، فقال: لا أجد إلا أن تعينني، فأعانه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعًا ودعا له، فكفر بالإطعام وأمسك أهله.
وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، يكرم خولة إذا دخلت عليه ويقول: قد سمع الله لها.
وقال الزمخشري: معنى قد: التوقع، لأنه صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا متوقعين أن يسمع الله مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرح عنها. انتهى.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو: {يظهرون} بشدّهما؛ والأخوان وابن عامر: {يظاهرون} مضارع ظاهر؛ وأبيّ: {يتظاهرون}، مضارع تظاهر؛ وعنه: {يتظهرون}، مضارع تظهر؛ والمراد به كله الظهار، وهو قول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، يريد في التحريم، كأنه إشارة إلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان.
والمعنى أنه لا يعلوها كما لا يعلو أمّه، ولذلك تقول العرب في مقابلة ذلك: نزلت عن امرأتي، أي طلقتها.
وقوله: {منكم}، إشارة إلى توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار، لأنه كان من إيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم.
وقرأ الجمهور: {أمهاتهم}، بالنصب على لغة الحجاز؛ والمفضل عن عاصم: بالرفع على لغة تميم؛ وابن مسعود: {بأمهاتهم}، بزيادة الباء.
قال الزمخشري: في لغة من ينصب. انتهى.
يعني أنه لا تزاد الباء في لغة تميم، وهذا ليس بشيء، وقد رد ذلك على الزمخشري.
وزيادة الباء في مثل: ما زيد بقائم، كثير في لغة تميم، والزمخشري تبع في ذلك أبا عليّ الفارسي رحمه الله.
ولما كان معنى كظهر أمي: كأمي في التحريم، ولا يراد خصوصية الظهر الذي هو من الجسد، جاء النفي بقوله: {ما هنّ أمّهاتهم}، ثم أكد ذلك بقوله: {إن أمّهاتهم}: أي حقيقة، {إلا اللائي ولدنهم} وألحق بهنّ في التحريم أمّهات الرضاع وأمّهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، والزوجات لسن بأمّهات حقيقة ولا ملحقات بهنّ.
فقول المظاهر منكر من القول تنكره الحقيقة وينكره الشرع، وزور: كذب باطل منحرف عن الحق، وهو محرم تحريم المكروهات جدًّا، فإذا وقع لزم، وقد رجى تعالى بعده بقوله: {وإن الله لعفو غفور} مع الكفارة.
وقال الزمخشري: {وإن الله لعفو غفور} لما سلف منه إذ تاب عنه ولم يعد إليه. انتهى، وهي نزغة اعتزالية.
والظاهر أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها.
فلو قال: أنت عليّ كظهر أختي أو ابنتي، لم يكن ظهارًا، وهو قول قتادة والشعبي وداود، ورواية أبي ثور عن الشافعي.
وقال الجمهور: الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي في قول هو ظهار، والظاهر أن الذمي لا يلزمه ظهاره لقوله: {منكم}، أي من المؤمنين وبه قال أبو حنيفة والشافعي لكونها ليست من نسائه.
وقال مالك: يلزمه ظهاره إذا نكحها، ويصح من المطلقة الرجعية.
وقال: المزني لا يصح.
وقال بعض العلماء: لا يصح ظهار غير المدخول بها، ولو ظاهر من أمته التي يجوز له وطئها، لزمه عند مالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يلزم، وسبب الخلاف هو: هل تندرج في نسائهم أم لا؟ والظاهر صحة ظهار العبد لدخوله في يظهرون منكم، لأنه من جملة المسلمين، وإن تعذر منه العتق والإطعام، فهو قادر على الصوم.
وحكى الثعلبي عن مالك أنه لا يصح ظهاره، وليست المرأة مندرجة في الذين يظهرون، فلو ظاهرت من زوجها لم يكن شيئًا.
وقال الحسن بن زياد: تكون مظاهرة.
وقال الأوزاعي وعطاء وإسحاق وأبو يوسف: إذا قالت لزوجها أنت عليّ كظهر فلانة، فهي يمين تكفرها.