فصل: تفسير الآيات (21- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإظهار كلمة {حزب الشيطان} دون ضميرهم لزيادة التصريح ولتكون الجملة صالحة للتمثل به مستقلة بدلالتها.
وضمير الفصل أفاد القصر، وهو قصر ادعائي للمبالغة في مقدار خسرانهم وأنه لا خسران أشد منه فكأن كل خسران غيره عدم فيدعى أن وصف الخاسر مقصور عليهم.
وحزب المرء: أنصاره وجنده ومن يواليهِ.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20)}
موقع هذه الآية بعد ما ذكر من أحوال المنافقين يشبه موقع آية {إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم} [المجادلة: 5].
فالذين يحادون الله ورسوله المتقدم ذكرهم المشركون المعلنون بالمحادّة.
وأما المحادّون المذكورون في هذه الآية فهم المُسرُّون للمحادّة المتظاهرون بالمُوالاة، وهم المنافقون، فالجملة استئناف بياني بينت شيئًا من الخسران الذي قضى به على حزب الشيطان الذي هم في مقدمته.
وبهذا تكتسب هذه الجملة معنى بدل البعض من مضمون جملة {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} [المجادلة: 19]، لأن الخسران يكون في الدنيا والآخرة، وخسران الدنيا أنواع أشدُّها على الناس المذلة والهزيمة، والمعنى: أن حزب الشيطان في الأذَلّين والمغلوبين.
واستحضارهم بصلة {إن الذين يحادون الله ورسوله} إظهار في مقام الإِضمار فمقتضى الظاهر أن يقال: إنهم في الأذلين فأخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر إلى الموصولية لإِفادة مدلول الصلة أنهم أعداء لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإفادة الموصول تعليل الحكم الوارد بعده وهو كونهم أذلِّين لأنهم أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أعداء الله القادر على كل شيء فَعدوُّه لا يكون عزيزًا.
ومفاد حرف الظرفية أنهم كائنون في زمرة القوم الموصوفين بأنهم أذلُّون، أي شديدو المذلة ليتصورهم السامع في كل جماعة يرى أنهم أذلُّون، فيكون هذا النظم أبلغ من أن يقال: أولئك هم الأذّلون.
واسم الإِشارة تنبيه على أن المشار إليهم جديرون بما بعد اسم الإِشارة من الحكم بسبب الوصف الذي قبل اسم الإِشارة مثل {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5].
وتقدم الكلام على {يحادون الله ورسوله} في أوائل هذه السورة [5]. اهـ.

.تفسير الآيات (21- 22):

قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أنزلهم بالحضيض الأسفل، علل ذلك بما يدل على أنه سبحانه لا شريك له بإتمام كلماته بنصر أوليائه على ضعفهم وخذلان أعدائه على قوتهم لأنه سبحانه لا غيب محض لا دلالة عليه إلا بأفعاله فقال: {كتب} أي فعل فعل من أبرم أمرًا ففرغ منه وكتبه فأوجب وحتم وقضى وبت {الله} أي الملك الذي لا كفوء له {لأغلبنَّ} أكد لما لهم من ظن الغلب بالكثرة والقوة {أنا ورسلي} أي بقوة الجدال وشدة الجلاد، فهو صادق بالنسبة إلى من بعث بالحرب، وإلى من بعث بالحجة، وعلل هذا القهر بقوله مؤكدًا لأن أفعالهم مع أوليائه أفعال من يظن ضعفه: {إن الله} أي الذي له الأمر كله {قوي} فهو يفيض من باطن قوته من يظهر به ظاهر قدرته أوليائه، فإن القوي من له استقلال باطن بما يحمله القائم في الأمر ولو ضوعف عليه ما عسى أن يضاعف وحمايته مما يتطرق إلى الإجلال بشدة وبطش منبعث عن ذلك الاستقلال الباطن، وما ظهر من أثر ذلك فهو قدرة، فلا اقتدار يظهر من الخلق إلا بالاستناد إلى القوة بالله، ولا قيام بالحقيقة لباطن إلا بالله الذي بيده ملكوت كل شيء، فلذلك كان بالحقيقة لا قوي إلا هو.
ولما كان القوي من المخلوقات قد يكون غيره أقوى من غيره ولو في وقت، نفى ذلك بقوله: {عزيز} أي غالب غلبة لا يجد معها المغلوب نوع مدافعة وانفلات، ثابت له هذا الوصف دائمًا.
ولما ظهر بهذا كالشمس أن من والاه سبحانه كان فائزًا، ومن عاداه كان خاسرًا، كانت نتيجته قطعًا التحذير من موالاة أعداء الله في سياق النفي المفيد للمبالغة في النهي عنه والزجر عن قربانه فقال: {لا تجد} أي بعد هذا البيان {قومًا} أي ناسًا لهم قوة على ما يريدون محاولته {يؤمنون} أي يجددون الإيمان ويديمونه {بالله} أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى {واليوم الآخر} الذي هو موضع الجزاء لكل عامل بكل ما عمل، الذي هو محط الحكمة {يوادون} أي يحصل منهم ودل لا ظاهرًا ولا باطنًا- بما أشار إليه الإدغام وأقله الموافقة في المظاهرة {من حاد الله} أي عادى بالمناصبة في الحدود الملك الأعلى لذلك فالمحادة لا تخفى وإن كانت باطنة يستتر بها زيادة النفرة منهم {ورسوله} فإن من حاده فقد حاد الذي أرسله، بل لا تجدهم إلا يحادونهم، لا أنهم يوادونهم، وزاد ذلك تأكيدًا بقوله: {ولو كانوا آباءهم} الذين أوجب الله على الأبناء طاعتهم بالمعروف، وذلك كما فعل أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، قتل أباه عبد الله بن الجرح يوم أحد {أو آبناءهم} الذي جبلوا على محبتهم ورحمتهم كما فعل أبو بكر رضي الله عنه فإنه دعا ابنه يوم بدر إلى المبارزة، وقال: دعني يا رسول الله أكن في الرعلة الأولى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «متعنا بنفسك يا أبا بكر، أما تعلم أنك بمنزلة سمعي وبصري» {أو إخوانهم} الذين هم أعضادهم كما فعل مصعب بن عمير رضي الله عنه، قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد وخرق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الصفوف يومئذ على أخيه عتبة بن أبي وقاص غير مرة ليقتله فراع عنه روعان الثعلب، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتريد أن تقتل نفسك وقتل محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه أخاه من الرضاع كعب بن الأشرف اليهودي رأس بني النضير {أو عشيرتهم} الذين هم أنصارهم وأمدادهم كما فعل عمر رضي الله عنه، قتل خاله العاصي بن هشام بن المغيرة يوم بدر وعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم قتلوا يوم بدر بني عمهم عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وعن الثوري أن السلف كانوا يرون أن الآية نزلت فيمن يصحب السلطان- انتهى.
ومدار ذلك على أن الإنسان يقطع رجاءه من غير الله، وإن لم يكن كذلك لم يكن مخلصًا في إيمانه.
ولما كان لا يحمل على البراءة ممن هذا شأنه إلا صريح الإيمان، أنتج قوله: {أولئك} أي الأعظمون شأنًا الأعلون هممًا {كتب} أي وصل وأثبت وصلًا وهو في لحمته كالخرز في الأديم، وكالطراز في الثوب الرقيم، فلا انفكاك له {في قلوبهم الإيمان} فجعلها أوعية له فأثمر ذلك نور الباطن واستقامة الأعمال في الظاهر {وأيدهم} أي قواهم وشددهم وأعانهم وشجعهم وعظمهم وشرفهم {بروح} أي نور شريف جدًا يفهمون به ما أودع في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من كنوز العلم والعمل فهو لقلوبهم كالروح للأبدان، فلا يفعلون شيئًا من أحوال أهل الجاهلية كالمظاهرة، وزاد هذا التأييد شرفًا بقوله: {منه} أي أحياهم به فلا انفكاك لذلك عنهم في وقت من الأوقات فأثمر لهم استقامة المناهج ظاهرًا وباطنًا، فقهروا بالدلائل والحجج، وظهروا بالسيف المفني للمهج، وعملوا الأعمال الصالحة فكانوا للدنيا كالسرج، فلا تجد شيئًا أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، بل هو عين الإخلاص، ومن جنح إلى منحرف عن دينه أو داهن مبتدعًا في عقده نزع الله نور التوحيد من قلبه.
ولما أخبر بما آتاهم في الدنيا وهو غير مفارق لهم في الآخرة، أخبر بما يؤتيهم في الآخرة فقال: {ويدخلهم جنات} أي بساتين يستر داخلها من كثرة أشجارها، وأخبر عن ريها بقوله: {تجري} ولما كانت المياه لو عمت الأرض لم يكن بها مستقر، أثبت الجار فقال: {من تحتها الأنهار} أي فهي لذلك كثيرة الرياض والأشجار والساحات والديار.
ولما كان ذلك لا يلذ إلا بالدوام قال: {خالدين فيها}.
ولما كان ذلك لا يتم إلا برضا مالكها قال: {رضي الله} أي الملك الأعظم الذي له الأمر كله فلا التفات إلى غيره {عنهم} ولما كان ذلك لا يكمل سروره إلا برضاهم ليتم حسن المجاورة قال: {ورضوا عنه} أي لأنه أعطاهم فوق ما يؤملون.
ولما أخبر عنهم بما يسر كل سامع فيشتاق إلى مصاحبتهم ومعاشرتهم ومرافقتهم ومقاربتهم ومدحهم وعرفهم بقوله: {أولئك} أي الذين هم في الدرجة العليا من العظمة لكونهم قصروا ودهم على الله علمًا منهم بأنه ليس النفع والضر إلا بيده {حزب الله} أي جند الملك الأعلى الذي أحاط بجميع صفات الكمال وأولياءه، فإنهم هم يغضبون له ولا يخافون فيه لومة لائم.
ولما تبين مما أعد لهم وأعد لأضدادهم أنهم المختصون بكل خير، قال على طريق الإنتاج مما مضى مؤكدًا لما لأضدادهم من الأنكاد: {ألا إن حزب الله} أي جند الملك الأعلى وهم هؤلاء الموصوفون ومن والاهم {هم} أي خاصة لا غيرهم {المفلحون} أي الذين حازوا الظفر بكل ما يؤملون في الدارين، وقد علم من الرضى من الجانبين والحزبية والإفلاح عدم الانفكاك عن السعادة فأغنى ذلك عن تقييد الخلود بالتأييد، خصهم بذلك لأن له العزة والقوة والعلم والحكمة، فلذلك علم أمر المجادلة ورحم شكواها لأنها من حزبه وسمع لها، ومن سمع له فهو مرضي عنه، وحرم الظهار بسبب شكواها إكرامًا لها بحكمته لأنه منابذ للحكمة لأنه تشبيه خارج عن قادة التشبيهات، وفيه امتهان للأم التي لها في دينه غاية الإكرام بالتسوية بالزوجة التي هي محل الافتراش، وختم آيها بأن من تعدى حدوده فعاود أحوال الجاهلية فهو مجادله سبحانه فهو من حزب الشيطان، فقد عاد آخرها إلى أولها بأدل دليل على أحسن سبيل، لأن هذا القرآن العظيم أشرف حديث وأقوم قيل وهذا مقصود التي بعدها، ولا شك أنه موجب للتنزيه مبعد عن التشريك والتشبيه، فسبحان من أنزله آية دائمة البيان، موجبة للإيمان، قامعة للطغيان، على مدى الدهور وتطاول الأزمان. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ولما شرح ذلهم، بين عز المؤمنين فقال: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قرأ نافع وابن عامر: {أَنَاْ وَرُسُلِي} بفتح الياء، والباقون لا يحركون، قال أبو علي: التحريك والإسكان جميعًا جائزان.
المسألة الثانية:
غلبة جميع الرسل بالحجة مفاضلة، إلا أن منهم من ضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف، ومنهم من لم يكن كذلك، ثم قال: {إِنَّ الله قَوِيٌّ} على نصرة أنبيائه: {عَزِيزٌ} غالب لا يدفعه أحد عن مراده، لأن كل ما سواه ممكن الوجود لذاته، والواجب لذاته يكون غالبًا للممكن لذاته، قال مقاتل: إن المسلمين قالوا: إنا لنرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبي: أتظنون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتموهم، كلا والله إنهم أكثر جمعًا وعدة فأنزل الله هذه الآية.
{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
المعنى أنه لا يجتمع الإيمان مع وداد أعداء الله، وذلك لأن من أحب أحدًا امتنع أن يحب مع ذلك عدوه وهذا على وجهين أحدهما: أنهما لا يجتمعان في القلب، فإذا حصل في القلب وداد أعداء الله، لم يحصل فيه الإيمان، فيكون صاحبه منافقًا والثاني: أنهما يجتمعان ولكنه معصية وكبيرة، وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافرًا بسبب هذا الوداد، بل كان عاصيًا في الله، فإن قيل: أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاشرتهم، فما هذه المودة المحرمة المحظورة؟ قلنا: المودة المحظورة هي إرادة منافسه دينًا ودنيا مع كونه كافرًا، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه، ثم إنه تعالى بالغ في المنع من هذه المودة من وجوه أولها: ما ذكر أن هذه المودة مع الإيمان لا يجتمعان وثانيها: قوله: {وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} والمراد أن الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع الميل، ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مغلوبًا مطروحًا بسبب الدين، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وعمر بن لخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وأبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «متعنا بنفسك» ومصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، وعلي بن أبي طالب وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يوم بدر، أخبر أن هؤلاء لم يوادوا أقاربهم وعشائرهم غضبًا لله ودينه وثالثها: أنه تعالى عدد نعمه على المؤمنين، فبدأ بقوله: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان} وفيه مسألتان: