فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} أي استولى عليهمْ منْ حُذتُ الإبلَ إذَا استوليتُ علَيها وجمعتها وهوَ مما جاء على الأصلِ كاستصوبَ واستنوقَ أي ملَكهُم {فأنساهم ذِكْرَ الله} بحيثُ لم يذكرُوه بقلوبِهم ولا بألسنتِهم {أولئك} الموصوفونَ بما ذكرَ من القبائحِ {حِزْبُ الشيطان} أيْ جنودُهُ وأتباعُهُ {إِلا أَنْ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخاسرون} أي الموصوفونَ بالخُسرانِ الذي لا غايةَ وراءَهُ حيثُ فوتُوا على أنفسهِم النعيمَ المقيمَ وأخذُوا بدَلَهُ العذابَ الأليمَ، وفي تصدير الجملةِ بحرفي التنبيهِ والتحقيقِ وإظهارِ المضافينِ معًا في موقعِ الإضمارِ بأحدِ الوجهينِ وتوسيطِ ضميرِ الفصلِ منْ فنونِ التأكيد ما لا يخفى {إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ} استئنافٌ مسوقٌ لتعليلِ ما قبلَهُ من خسرانِ حزبِ الشيطانِ عبرَ عنهُمْ بالموصولِ للتنبيهِ بما في حيزِ الصلةِ عَلى أنَّ مُوادةَ مَنْ حَادَّ الله ورسولَهُ محادّةٌ لَهُمَا والإشعارِ بعلةِ الحُكمِ {أولئك} بما فعلُوا منَ التولِي والموادةِ {في الأذلين} أيْ في جُملةِ منْ هُو أذلُّ خلقِ الله منَ الأولينَ والآخرينَ لأنَّ ذلةَ أحدِ المتخاصمينَ على مقدارِ عزةِ الآخرِ وحيثُ كانتْ عزةُ الله عزَّ وجلَّ غير متناهيةٍ كانتُ ذلةُ من يحادُّهُ كذلك.
{كتاب الله} استئنافٌ واردٌ لتعليلِ كونِهمْ في الأذلينَ أيْ قَضَى وأثبتَ في اللوحِ وحيثُ جَرَى ذلكَ مَجرى القسمِ أجيبَ بما يجابُ به فقيلَ: {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} أيْ بالحجةِ والسيفِ وما يجري مجراهُ أو بأحدِهِمَا ونظيرُهُ قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} وقرئ {ورسليَ} بفتح الياء {إِنَّ الله قَوِىٌّ} عَلَى نصرِ أنبيائِهِ {عَزِيزٌ} لا يُغلب عليهِ في مرادِهِ.
{لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر} الخطابُ للنبيِّ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ أوْ لكُلِّ أحدٍ وتجدُ إمَّا متعدٍ إلى اثنينِ فقولهِ تعالى: {يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ} مفعولُه الثاني أوْ إلى واحدٍ فهو حالٌ من مفعولِه لتخصصهُ بالصفةِ وقيلَ: صفةٌ أُخرى لَهُ أيْ قومًا جامعينَ بينَ الإيمانِ بالله واليومِ الآخرِ وبينَ موادةِ أعداءِ الله ورسولِه والمرادُ بنفيِ الوجدانِ نفيُ الموادةِ عَلى مَعْنَى أنهُ لا ينبغي أنْ يتحققَ ذلكَ وحقُّه أن يمتنعَ ولا يوجدَ بحالٍ وإنْ جدَّ في طلبهِ كلُّ أحدٍ {وَلَوْ كَانُواْ} أيْ مَنْ حادَّ الله ورسولَهُ والجمعُ باعتبارِ معَنَى مَنْ كَمَا أنَّ الإفرادَ فيما قبلَهُ باعتبارِ لفظها {ءابَاءهُمُ} آباءُ الموادِّينَ {أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} فإنَّ قضيةَ الإيمانِ بالله تعالى أَنْ يهجرَ الجميعَ بالمرةِ والكلامُ في لَوْ قَدْ مرَّ على التفصيل مرارًا {أولئك} إشارةٌ إلى الذينَ لا يوادونهم وإنْ كانُوا أقربَ النَّاسِ إليهم وأمسَّ رحمًا وما فيه من معَنى البعدِ لرفعةِ درجتهم في الفضلِ وهُوَ مبتدأ خبرُهُ {كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان} أي أثبتَهُ فيها وفيهِ دلالةٌ عل خروجِ العملِ منْ مفهومِ الإيمانِ فإنَّ جزءَ الثابتِ في القلبِ ثابتٌ فيهِ قَطْعًا ولا شيءَ من أعمالِ الجوارحِ يثبتُ فيهِ {وَأَيَّدَهُمْ} أيْ قوَّاهُم {بِرُوحٍ مّنْهُ} أيْ مِنْ عندِ الله تعالى وهُوَ نورُ القلبِ أوِ القرآن أو النصرُ على العدوِّ وقيلَ: الضميرُ للإيمانِ لحياةِ القلوبِ بهِ فمنْ تجريديةٌ وقولهُ تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ} إلخ بيانٌ لآثارِ رحمتهِ الأخرويةِ إثرَ بيانِ ألطافهِ الدنيويةِ أيْ ويدخلهُم في الآخرةِ {جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} أبدَ الآبدينَ وقوله تعالى: {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ}
استئنافٌ جارٍ مَجْرَى التعليلِ لما أفاضَ عليهمْ مِنْ آثارِ رحمتِهِ العاجلةِ والآجلةِ وقوله تعالى: {وَرَضُواْ عَنْهُ} بيانٌ لابتهاجِهم بما أوتُوه عاجلًا وآجلًا وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله} تشريفٌ لهُمْ ببيانِ اختصاصِهم بهِ عزَّ وجلَّ وقوله تعالى: {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} بيانٌ لاختصاهِهم بالفوزِ بسعادةِ الدارينِ والفوزِ بسعادةِ النشأتينِ والكلامُ في تحليةِ الجملةِ بفنونِ التأكيدِ كَمَا مَرَّ فِي مثلِها. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ الله قول التي تُجَادِلُكَ} يعني: تخاصمك، {في زَوْجِهَا} يعني: من قبل زوجها.
وروى أبو العالية الرياحي: أن الآية نزلت في شأن أوس بن الصامت وفي امرأته خويلة بنت دعلج، وعن عكرمة أنه قال: نزلت في امرأة اسمها خويلة بنت ثعلبة وفي زوجها أوس بن الصامت، جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أرَاكِ إلاَّ وَقَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ».
قالت: انظر يا نبي الله، جعلني الله فداك يا نبي الله في شأني، وجعلت تجادله، وعائشة رضي الله عنها تغسل رأس النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة رضي الله عنها: اقصري حديثك ومجادلتك يا خويلة، أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تربّد ليوحى إليه، فأنزل الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ الله قول التي تُجَادِلُكَ}.
وروى سفيان، عن خالد، عن أبي قلابة، قال: كان طلاقهم في الجاهلية الظهار والإيلاء، فلما جاء الإسلام جعل الله تعالى في الظهار ما جعل، وجعل في الإيلاء ما جعل.
ثم قال: {وَتَشْتَكِى إِلَى الله} يعني: تتضرع المرأة إلى الله مخافة الفرقة {والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما} يعني: محاورتكما ومراجعتكما {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يعني: سميعًا لمقالة خويلة بصير بأمرها، وقال مقاتل فهي خويلة بنت ثعلبة.
قوله تعالى: {الذين يظاهرون مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ} قرأ عاصم {يظاهرون} بضم الياء وكسر الهاء، والتخفيف من ظاهر يظاهر، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، {يَظْهَرُونَ} بنصب الياء، مع التشديد، وهو في الأصل يتظهرون، فأدغمت التاء في الظاء، والمعنى في هذا كله واحد، يقال: ظاهر من امرأته، وتظهَّر منها، وأظهر منها،، إذا قال لها: أنت عليّ كظهر أمي.
ثم قال: {مَّا هُنَّ أمهاتهم} وروى الفضل عن عاصم، أمهاتُهم بضم التاء، لأنه خبر ما، كقولك ما زيد عالم، وقرأ الباقون بالكسر، لأن التاء في موضع النصب، فصار خفضًا لأنها تاء الجماعة، وهي لغة أهل الحجاز، فينصبون خبر (ما)، كقوله ما هذا بشرًا، ما هن كأمهاتهم في الحرمة {أمهاتهم إِنْ} يعني: ما أمهاتهم {إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} يعني: الأم التي ولدته، والأم التي أرضعته، لأنه قال في موضع آخر {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وَبَنَاتُ الاخ وَبَنَاتُ الاخت وأمهاتكم الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ وأخواتكم مِّنَ الرضاعة وأمهات نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَائِكُمُ اللاتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وحلائل أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاختين إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 23].
ثم قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَقولونَ مُنكَرًا مّنَ القول وَزُورًا} يعني: قولا منكرًا وكذبًا {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} يعني: ذو تجاوز {غَفُورٌ}، حيث جعل الكفارة لرفع الحرمة، ولم يجعل فرقة بينهما.
ثم قال: {والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} يعني: يعودون لنقض ما قالوا، ولرفع ما قالوا في الجاهلية {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} يعني: فعليه تحرير رقبة، ويقال: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} فيه تقديم وتأخير، يعني: ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا ويقال: معناه ثم يعودون لما قالوا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يتكلمون بهذا القول فيرجعون إلى ذلك القول بعد الإسلام، وقال بعضهم: لا تجب الكفارة حتى يقول مرتين، لأنه قال: ثم يعودون لما قالوا، يعني: يعودون مرة أخرى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} هذا القول خلاف جميع أهل العلم، وإنما تجب الكفارة إذا قال مرة واحدة.
والكفارة ما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] يعني: عتق رقبة {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} يعني: من قبل أن يجامعها.
ويقال من قبل أن يمس كل واحد منهما صاحبه {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} يعني: هذا الحكم الذي تؤمرون به {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} من الوفاء وغيره.
وقوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} يعني: من لم يجد الرقبة {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} يعني: فعليه صيام شهرين متتابعين، لا يفصل بينهما {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} يعني: من قبل أن يمس كل واحد منهما صاحبه.
وفي الآية دليل أن المرأة لا يسعها أن تدع الزوج يقربها قبل الكفارة، لأنه نهاهما جميعًا عن المسيس قبل الكفارة، واتفقوا على أنه إذا أفطر في شهرين يومًا بغير عذر عليه أن يستقبل، واختلفوا فيمن أفطر لمرض، أو عذر، أو غيره.
قال عطاء إذا أفطر من مرض، فالله أعذره بالعذر يبدله، ولا يستأنف، وقال طاوس: يقضي ولا يستأنف، وهكذا قال سعيد بن المسيب: فهؤلاء كلهم قالوا: لا يستقبل، وقال إبراهيم النخعي والزهري والشعبي: يستقبل، وهكذا قال عطاء الخراساني، والحكم بن كيسان، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم.
ثم قال: {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} الصيام {فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينًا} يعني: فعليه في قول أهل المدينة لكل مسكين صاع من الحنطة.
أو التمر.
وفي قول أهل العراق منوان من حنطة، أو صاع من تمر، بدليل ما روى سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر البياض، قال: كنت أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من أهلي، فتظاهرت من أهلي حتى ينسلخ الشهر، فبينما هي تخدمني ذات ليلة، إذ انكشف لي منها شيء، فواقعتها، فلما أصبحت أخبرت قومي، فقلت: اذهبوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما نذهب وما نأمن أن ينزل فيك قرأن، فأتيته فأخبرته، فقال: «حَرِّرْ رَقَبَةً» فقلت ما أملك إلا رقبتي، قال: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ» قلت: وهل أصابني إلا من قبل الصيام، قال: «فأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قلت: والذي بعثك بالحق نبيًا لقريش ما لنا طعام.
ثم قال: «انْطَلِقْ إلى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَلْيَدْفَعْهَا إلَيْكَ» فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم، فقد بين في هذا الخبر أنه يجب وسقًا من تمر، والوسق ستون صاعًا، بالاتفاق.
ثم قال: {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بالله} يعني: لتصدقوا بوحدانية الله تعالى: {وَرَسُولُهُ} يعني: وتصدقوا برسوله {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} يعني: هذه فرائض الله، وأحكامه {وللكافرين عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني: الذين لا يؤمنون بالله وبرسوله، وروي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها، إن المرأة لتناجي النبي صلى الله عليه وسلم يسمع بعض كلامها، ويخفى عليه بعضه، إذ أنزل الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ الله قول التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا} وهكذا قال الأعمش.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ} يعني: يعادون، ويشاقون الله ورسوله، ويقال يشاقون أولياء الله ورسوله، يعني: الذين يشاقون أولياء الله، لأن أحدًا لا يعادي الله، ولكن من عادى أولياء الله فقد عادى الله تعالى.
ثم قال: {كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} قال مقاتل: أخذوا كما أخذ الذين من قبلهم من الأمر ويقال: عذبوا كما عذب الذين من قبلهم، وقال أبو عبيد: أهلكوا ويقال: غيظوا كما غيظ الذين من قبلهم والكبت هو الغيظ، ويقال: أحزنوا، وقال الزجاج: أذلوا وغلبوا {وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايات بينات} يعني: القرآن فيه بيان أمره ونهيه ويقال: آيات واضحات {وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون فيه، ثم قال: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا} الأولين والآخرين يبعثهم الله من قبورهم {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ} من خير أو شر ليعلموا وجوب الحجة عليهم {أحصاه الله وَنَسُوهُ} يعني: حفظ الله عليهم أعمالهم وهم نسوا أعمالهم ويقال: {وَنَسُوهُ} يعني: وتركوا العمل في الدنيا {والله على كُلّ شيء شَهِيدٌ} يعني: شاهدًا بأعمالهم ثم قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ} يعني: ألم تعلم، اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التقرير يعني: أنك تعلم، ويقال: معناه إني أعلمتك أن الله يعلم.
{مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض}.
يعني: سر أهل السَّموات وسر أهل الأرض {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} يعني: لا يتناجى ثلاثة فيما بينهم، ولا يتكلمون فيما بينهم بكلام الشر إلا هو رابعهم، لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم.