فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مقاتل بن حيان: إنما كان ذلك عشر ليال.
قال قتادة: ما كان إلا ساعة من نهار.
قوله تعالى: {ألم ترى إلى الذين تولَّوا قومًا غضب الله عليهم} نزلت في المنافقين الذين تولَّوا اليهود، ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين.
وقال السدي، ومقاتل: «نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق، وذلك أنه كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفع حديثه إلى اليهود، فدخل عليه يومًا، وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فعلت فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبّوه، فأنزل الله هذه الآيات».
وروى الحاكم أبو عبد الله في (صحيحه) من حديث ابن عباس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ظل حُجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين، فقال: إنه سيأتيكم إِنسان ينظر إِليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تُكلِّموه، فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون...} الآية».
فأما التفسير، فالذين تولَّوا: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود {ما هم منكم} يعني: المنافقين ليسوا من المسلمين، ولا من اليهود {ويحلفون على الكذب} وهو ما ذكرنا في سبب نزولها وقال بعضهم حلفوا أنهم ما سبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تولَّوْا اليهود {وهم يعلمون} أنهم كَذَبة {اتخذوا أَيْمانهم جُنَّةً} أي: سترة يَتَّقُون بها القتل.
قال ابن قتيبة: المعنى: استتروا بالحلف فكلما ظهر لهم شيء يوجب معاقبتهم حلفوا كاذبين، {فصدُّوا عن سبيل الله} فيه قولان.
أحدهما: صَدُّوا النَّاس عن دين الإسلام قاله السدي.
والثاني: صَدُّوا عن جهادهم بالقتل وأخذ مالهم.
قوله تعالى: {فيحلفون له} قال مقاتل، وقتادة: يحلفون لله في الآخرة أنهم كانوا مؤمنين، كما حلفوا لأوليائه في الدنيا {ويحسبون أنهم على شيءٍ} من أَيمانهم الكاذبة {ألا إنهم هم الكاذبون} في قولهم وأَيمانهم.
قوله تعالى: {استحوذ عليهم الشيطان} قال أبو عبيدة: غلب عليهم، وحاذهم، وقد بينا هذا في سورة النساء عند قوله تعالى: {نستحوذ عليكم} [آية: 141] وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: {أولئك في الأَذَلِّين} أي: في المغلوبين، فلهم في الدنيا ذُلُّ، وفي الآخرة خِزْيٌ.
قوله تعالى: {كتب الله} أي: قضى الله {لأغلبن أنا ورسلي} وفتح الياء نافع، وابن عامر.
قال المفسرون: من بُعث من الرسل بالحرب، فعاقبة الأمر له، ومن لم يبعث بالحرب، فهو غالب بالحجة {إن الله قويٌّ عزيزٌ} أي: مانع حزبه من أن يذل.
قوله تعالى: {لا تجد قومًا...} الآية.
اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه يوم أُحد، وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، فقال: يا رسول الله دعني أكون في الرَّعلة الأولى، فقال: متِّعنا بنفسك يا أبا بكر، وفي مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن حمنة يوم أُحد، وفي عمرو قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر، وفي علي وحمزة قتلا عتبة وشيبة يوم بدر، قاله ابن مسعود.
والثاني: أنها نزلت في أبي بكر الصِّدِّيق، وذلك أن أبا قحافة سَبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصكَّه أبو بكر الصديق صَكَّةً شديدةً سقط منها، ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو فَعلته؟» قال: نعم.
قال: «فلا تعُد إِليه» فقال أبو بكر: والله لو كان السيف قريبًا مني لقتلته، فنزلت هذه الآية، قاله ابن جريج.
والثالث: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ، وذلك أنه كان جالسًا إلى جنب رسول الله، فشرب رسول الله ماءً، فقال عبد الله: يا رسول الله أبق فضلة من شرابك، قال: وما تصنع بها؟ قال: أسقيها أبي، لعل الله سبحانه يطهر قلبه، ففعل فأتى بها أباه، فقال: ما هذا؟ قال: فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها، لعل الله يطهر قلبك، فقال: هلا جئتني ببول أُمِّكَ! فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: ائذن لي في قتل أبي، قال: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفق به، وأحسن إليه»، فنزلت هذه الآية قاله السدي.
والرابع: أنها نزلت في حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزم على قصدهم، قاله مقاتل، واختاره الفراء، والزجاج.
وهذه الآية قد بَيَّنتْ أن مودَّة الكفار تقدح في صحة الإيمان، وأن من كان مؤمنًا لم يوالِ كافرًا وإِن كان أباه أو ابنه أو أحدًا من عشيرته.
قوله تعالى: {أولئك} الذين، يعني: الذين لا يوادُّون من حادَّ الله ورسوله {كَتب في قلوبهم الإيمان} وقرأ المفضل عن عاصم {كُتِبَ} برفع الكاف والنون من {الإيمان}.
وفي معنى {كتب} خمسة أقوال.
أحدها: أثبت في قلوبهم الإيمان، قاله الربيع بن أنس.
والثاني: جعل، قاله مقاتل.
والثالث: كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان حكاه الماوردي.
والرابع: حكم لهم بالإيمان.
وإنما ذكر القلوب، لأنها موضع الإيمان، ذكره الثعلبي.
والخامس: جمع في قلوبهم الإيمان حتى استكملوه، قاله الواحدي.
قوله تعالى: {وأيَّدهم} أي: قوَّاهم {بروحٍ منه} وفي المراد (بالروح) هاهنا خمسة أقوال:
أحدها: أنه النصر، قاله ابن عباس، والحسن.
فعلى هذا سمي النصر روحًا، لأن أمرهم يحيا به.
والثاني: الإيمان، قاله السدي.
والثالث: القرآن، قاله الربيع.
والرابع: الرحمة، قاله مقاتل.
والخامس: جبريل عليه السلام أيَّدهم به يوم بدر، ذكره الماوردي.
فأما {حِزْب الله} فقال الزجاج: هم الداخلون في الجمع الذين اصطفاهم وارتضاهم، و(ألا) كلمة تنبيه وتوكيد للقصة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}
«نزلت في خولة بنت ثعلبة وقيل اسمها جميلة وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت وكان به لمم وكانت هي حسنة الجسم فأرادها فأبت عليه فقال لها أنت عليّ كظهر أمي ثم ندم على ما قال وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية فقال ما أظنك إلا قد حرمت عليّ فقالت والله ما ذاك طلاق فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شق رأسه فقالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات أهل ومال حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني وقد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه وتنعشني به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فقالت يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي قد طالت له صحبتي ونثرت له بطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراك إلا قد حرمت عليه ولم أومر في شأنك بشيء فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه هتفت وقالت أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي وشدة حالي وإن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول اللهم أشكو إليك اللهم فأنزل على لسان نبيك فرجي وهذا كان أول ظهار في الإسلام، فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر فقالت انظر في أمري جعلني الله فداءك يا نبي الله فقالت عائشة أقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات فلما قضي الوحي قال ادعي لي زوجك فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الآية» عن عائشة قالت الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمته في جانب البيت وما أسمع ما تقول فأنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} الآية وأما تفسير الآية فقوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك} أي تحاورك وتخاصمك وتراجعك {في زوجها} أي في أمر زوجها {وتشتكي إلى الله} أي شدة حالها وفاقتها ووحدتها، {والله يسمع تحاوركما} أي مراجعتكما الكلام {إن الله سميع} أي لمن يناجيه ويتضرع إليه {بصير} أي بمن يشكو إليه ثم ذم الظهار.
{الذين يظاهرون منكم من نسائهم} يعني يقولون لهن أنتن كظهور أمهاتنا {ما هن أمهاتهم} أي ما اللواتي يجعلونهن من زوجاتهن كالأمهات بأمهات والمعنى ليس هن بأمهاتهم {إن أمهاتهم} أي ما أمهاتهم {إلا اللائي ولدنهم وإنهم} يعني المظاهرين {ليقولون منكرًا من القول} يعني لا يعرف في الشرع {وزورًا} يعني كذبًا وقيل إنما وصفه بكونه منكرًا من القول وزورًا لأن الأم محرمة تحريمًا مؤبدًا والزوجة لا تحرم عليه بهذا القول تحريمًا مؤبدًا فلا جرم صار ذلك منكرًا من القول وزورًا {وإن الله لعفو غفور} عفا الله عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم.
فصل في أحكام الظهار:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في معناه لغة قيل إن مشتق من الظهر وهو العلو وليس هو من ظهر الإنسان إذ ليس الظهر بأولى من سائر الأعضاء التي هي مواضع التلذذ والمباضعة فثبت بهذا أنه مأخوذ من الظهر الذي هو العلو لأن امرأة الرجل مركب له وظهر يدل عليه قول العرب في الطلاق نزلت عن امرأتي أي طلقتها وفي قولهم أنت علي كظهر أمي حذف وإظمار لأن تأويله ظهرك علي أي ملكي إياك وعلوي عليك حرام كعلوي أمي وعلوه عليها حرام.
المسألة الثانية:
كان الظهار من أشد طلاق أهل الجاهلية لأنه في التحريم آكد ما يمكن فإن كان ذلك الحكم صار مقررًا بالشرع كانت الآية ناسخة له وإلا لم يعد نسخًا لأن النسخ إنما يدخل في الشرائع لا في أحكام الجاهلية وعادتهم.
المسألة الثالثة:
في الألفاظ المستعملة لهذا المعنى في الشريعة وعرف الفقهاء الأصل في هذا قوله أنت عليّ كظهر أمي وأنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي وكذا لو قال أنت عليّ كبطن أمي أو كرأس أمي أو كيد أمي أو قال بطنك أو رأسك أو يدك عليّ كظهر أمي أو شبه عضوًا منها بعضو من أعضاء أمه يكون ذلك ظهارًا وقال أبو حنيفة إن شبهها ببطن أمه أو بفرجها أو بفخذها يكون ظهارًا وإن بشبهها بعضو غير هذه الأعضاء لا يكون ظهارًا ولو قال أنت عليّ كأمي أو كروح أمي وأراد به الإعزاز والإكرام لا يكون ظهارًا حتى ينويه ويريده ولو شبهها بجدته فقال أنت عليّ كظهر جدتي يكون ظهارًا وكذلك لو شبهها بامرأة محرمة عليه بالقرابة بأن قال أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهارًا على الأصح.
المسألة الرابعة:
فيمن يصح ظهاره قال الشافعي الضابط في هذا أن كل من صح طلاقه صح ظهاره فعلى هذا يصح ظهار الذمي وقال أبو حنيفة لا يصح احتج الشافعي بعموم قوله: {والذين يظاهرون من نسائهم} واحتج أبو حنيفة بأن هذا خطاب للمؤمنين فيدل على أن الظهار مخصوص بالمؤمنين وأجيب عنه بأن هذا خطاب يتناول جميع الحاضرين فلم قلتم إنه مختص بالمؤمنين.