فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول} في المخاطبين بهذه الآية قولان أحدهما أنه خطاب للمؤمنين وذلك أنه لما ذم اليهود والمنافقين على التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول أتبعه بأن نهى المؤمنين أن يسلكوا مثل طريقهم وأن يفعلوا كفعلهم فقال لا تتناجوا بالإثم وهو ما يقبح من القول والعدوان وهو ما يؤدي إلى الظلم ومعصية الرسول وهو ما يكون خلافًا عليه.
والقول الثاني: وهو الأصح أنه خطاب للمنافقين والمعنى.
يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم وقيل آمنوا بزعمهم كأنه قال لهم لا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول {وتناجوا بالبر والتقوى} أي بالطاعة وترك المعصية {واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان} أي من تزيين الشيطان وهو ما يأمرهم به.
من الإثم والعدوان ومعصية الرسول {ليحزن الذين آمنوا} إنما يزين ذلك ليحزن المؤمنين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث» زاد ابن مسعود في رواية: «فإن ذلك يحزنه» وهذه الزيادة لأبي داود {وليس بضارهم شيئًا} يعني ذلك التناجي وقيل الشيطان ليس بضارهم شيئًا {إلا بإن الله} أي إلا ما أراد الله تعالى وقيل إلا بإذن الله في الضر {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} أي فليكل المؤمنون أمرهم إلى الله تعالى ويستعيذوا به من الشيطان فإن من توكل على الله لا يخيب أمله ولا يبطل سعيه.
قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا} الآية قيل في سبب نزولها «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس منهم يومًا وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فرد عليهم ثم سلموا على القوم فردوا عليهم ثم قاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا وشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله قم يا فلان وأنت يا فلان فأقام من المجلس بقدر أولئك النفر الذين كانوا بين يديه من أهل بدر فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم فأنزل الله هذه الآية» وقيل نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقد تقدمت القصة في سورة الحجرات، وقيل كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبون القرب منه فكانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلًا تضاموا في مجلسهم فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض وقيل كان ذلك يوم الجمعة في الصفة والمكان ضيق والأقرب أن المراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يتضامون فيه تنافسًا على القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصًا على استماع كلامه فأمر الله المؤمنين بالتواضع وأن يفسحوا في المجلس لمن أراد الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم ليتساوى الناس في الأخذ بالحظ منه وقرئ {في المجلس} لأن لكل واحد مجلسًا ومعناه ليفسح كل رجل في مجلسه فافسحوا أي فأوسعوا في المجلس أمروا بأن يوسعوا في المجالس لغيرهم، {يفسح الله لكم} أي يوسع الله لكم في الجنة والمجالس فيها عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقيمن أحدكم رجلًا من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا يفسح الله لكم» عن جابر بن عبد الله قال: «لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول افسحوا»
ذكره الحميدي في أفراد مسلم موقوفًا على جابر ورفعه غير الحميدي وقيل في معنى الآية إن هذا في مجالس العرب ومقاعد القتال كان الرجل يأتي القوم وهم في الصف فيقول توسعوا فيأبون عليه لحرصهم على القتال ورغبتهم في الشهادة فأمروا بأن يوسعوا لإخوانهم لأن الرجل الشديد البأس قد يكون متأخرًا عن الصف الأول والحاجة داعية إلى تقدمه فلابد من التفسح له ثم يقاس على ذلك سائر المجالس كمجالس العلم والقرآن والحديث والذكر ونحو ذلك لأن كل من وسع على عباد الله أنواع الخير والراحة وسع الله عليه خيري الدنيا والآخرة.
{يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} يعني إذا أردتم مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا أمام ذلك صدقة وفائدة ذلك إعظام مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الإنسان إذا وجد الشيء بمشقة استعظمه وإن وجده بسهولة استحقره ونفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة قال ابن عباس إن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثروا حتى شق عليه فأراد الله تعالى أن يخفف على نبيه صلى الله عليه وسلم ويثبطهم على ذلك فأمرهم أن يقدموا صدقة على مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فلما أمروا بالصدقة كفوا عن مناجاته فأما الفقراء وأهل العسرة فلم يجدوا شيئًا وأما الأغنياء وأهل الميسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة وقال مجاهد نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب تصدق بدينار وناجاه ثم نزلت الرخصة فكان علي يقول آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية المناجاة.
وعن علي بن أبي طالب قال: «لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى دينارًا قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال إنك لزهيد قال فنزلت {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} الآية قال فبي خفف الله عن هذه الأمة» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قوله قلت شعيره أي وزن شعيرة من ذهب وقوله «إنك لزهيد» يعني قليل المال قدرت على قدر حالك.
فإن قلت في هذه الآية منقبة عظيمة لعلي بن أبي طالب إذ لم يعمل بها أحد غيره.
قلت هو كما قلت وليس فيها طعن على غيره من الصحابة ووجه ذلك أن الوقت لم يتسع ليعملوا بهذه الآية ولو اتسع الوقت لم يتخلفوا عن العمل بها وعلى تقدير اتساع الوقت ولم يفعلوا ذلك إنما هو مراعاة لقلوب الفقراء الذين لم يجدوا ما يتصدقون به لو احتاجوا إلى المناجاة فيكون ذلك سببًا لحزن الفقراء إذ لم يجدوا ما يتصدقون به عند مناجاته ووجه آخر وهو أن هذه المناجاة لم تكن من المفروضات ولا من الواجبات ولا من الطاعات المندوب إليها بلى إنما كلفوا هذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة ولما كانت هذه المناجاة أولى بأن تترك لم يعملوا بها وليس فيها طعن على أحد منهم، وقوله: {ذلك خير لكم} يعني تقديم الصدقة على المناجاة لما فيه من طاعة الله وطاعة رسوله {وأطهر} أي لذنوبكم {فإن لم تجدوا} يعني الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به {فإن الله غفور رحيم} يعني أنه تعالى رفع عنهم ذلك {أأشفقتم} قال ابن عباس أبخلتم والمعنى أخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم وهو قوله: {أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا} أي ما أمرتم به، {وتاب الله عليكم} أي تجاوز عنكم ونسخ الصدقة قال مقاتل بن حيان كان ذلك عشر ليال ثم نسخ، وقال الكلبي ما كان إلا ساعة من نهار ثم نسخ {فأقيموا الصلاة} أي المفروضة {وآتوا الزكاة} أي الواجبة {وأطيعوا الله ورسوله} أي فيما أمر ونهى {والله خبير بما تعملون} أي إنه محيط بأعمالكم ونيتكم.
قوله: {ألم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم} نزلت في المنافقين وذلك أنهم تولوا اليهود ونصحوهم ونقلوا أسرار المؤمنين إليهم فأراد بقوله قومًا غضب الله عليهم اليهود {ما هم} يعني المنافقين {منكم} أي من المؤمنين في الدين والولاء {ولا منهم} يعني ولا من اليهود {ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} أي أنهم كذبة «نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق وكان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفع حديثه إلى اليهود فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره إذ قال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار ينظر بعيني شيطان فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق العينين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فأنزل الله هذه الآية {أعد الله لهم عذابًا شديدًا إنهم ساء ما كانوا يعملون}» {اتخذوا أيمانهم} يعني الكاذبة {جنة} أي يستجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم {فصدوا عن سبيل الله} يعني أنهم صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم بسبب أيمانهم، وقيل معناه صدوا الناس عن دين الله الذي هو الإسلام {فلهم عذاب مهين} يعني في الآخرة.
{لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم} يوم القيامة {من الله شيئًا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون له} يعني كاذبين أنهم ما كانوا مشركين {كما يحلفون لكم} أي في الدنيا وقيل كان الحلف جنة لهم في الدنيا فظنوا أنه ينفع في الآخرة أيضًا {ويحسبون أنهم على شيء} يعني من أيمانهم الكاذبة {ألا إنهم هم الكاذبون} يعني في أقوالهم وأيمانهم، {استحوذ عليهم الشيطان} أي غلب واستولى عليهم وملكهم {فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين} يعني في جملة من يلحقهم الذل في الدنيا والآخرة لأن ذل أحد الخصمين على حسب عز الخصم الثاني.
ولما كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من ينازعه غير متناهية {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} أي قضى ذلك قضاء ثابتًا قيل غلبة الرسل على نوعين فمنهم من يؤمر بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة، {إن الله قوي} أي على نصر رسله وأوليائه {عزيز} أي غالب على أعدائه.
قوله تعالى: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} أخبر الله تعالى أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكافرين وأن من كان مؤمنًا لا يوالي من كفر لأن من أحب أحدًا امتنع أن يحب عدوه فإن قلت قد أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالفتهم ومعاشرتهم فما هذه المودة المحظورة قلت المودة المحظورة هي مناصحتهم وإرادة الخير لهم دينًا ودنيا مع كفرهم، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه ثم إنه تعالى بالغ في الذكر عن مودتهم بقوله: {ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} يعني أن الميل إلى هؤلاء من أعظم أنواع الميل ومع هذا فيجب أن يطرح الميل إلى هؤلاء والمودة لهم بسبب مخالفة الدين قيل نزلت هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة وستأتي قصته في سورة الممتحنة وروي عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية قال ولو كانوا آباءهم يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه الجراح يوم أحد أو أبناءهم يعني أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دعا ابنه يوم بدر إلى البراز وقال يا رسول الله دعني أكن في الرعلة الأولى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «متعنا بنفسك يا أبا بكر» أو إخوانهم يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبد الله بن عمير أو عشيرتهم يعني عمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وعلي بن أبي طالب وحمزة وأبا عبيدة قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر، {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} أي أثبت التصديق في قلوبهم فهي مؤمنة موقنة مخلصة وقيل حكم لهم بالإيمان وإنما ذكر القلوب لأنها موضعه {وأيدهم بروح منه} أي قواهم بنصر منه وإنما سمى نصره إياهم روحًا لأن به حيي أمرهم.
وقيل الإيمان وقيل بالقرآن وقيل بجبريل وقيل برحمته {ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه} إنما ذكر رضوانه عليهم بعد دخولهم الحنة لأنه أعظم النعم وأجل المراتب ثم لما ذكر هذه النعم اتبعه بما يوجب ترك المودة لأعداء الله سبحانه وتعالى فقال: {أولئك حزب الله إلا إن حزب الله هم المفلحون} والله أعلم بمراده. اهـ.

.قال النسفي:

{قَدْ سَمِعَ الله قول التي تُجَادِلُكَ}
{تحاورك} وقرئ بها، وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم، فلما سلمت راودها فأبت فغضب فظاهر منها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أوسًا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ فلما خلا سني ونثرت بطني أي كثر ولدي جعلني عليه كأمه.