فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الحسن، وأبو العالية {إيمانهم} بكسر الهمزة أي: جعلوها تصديقهم جنة من القتل، فآمنت ألسنتهم من خوف القتل، ولم تؤمن قلوبهم {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي: منعوا الناس عن الإسلام بسبب ما يصدر عنهم من التثبيط، وتهوين أمر المسلمين، وتضعيف شوكتهم، وقيل المعنى: فصدّوا المسلمين عن قتالهم بسبب إظهارهم للإسلام {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أي: يهينهم ويخزيهم، قيل: هو تكرير لقوله: {أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} للتأكيد، وقيل: الأوّل عذاب القبر، وهذا عذاب الآخرة، ولا وجه للقول بالتكرار، فإن العذاب الموصوف بالشدّة غير العذاب الموصوف بالإهانة.
{لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئًا} أي: لن تغني عنهم من عذابه شيئًا من الإغناء.
قال مقاتل: قال المنافقون: إن محمدًا يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذن، فوالله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا، وأموالنا، وأولادنا إن كان قيامة، فنزلت الآية {أولئك} الموصوفون بما ذكر {أصحاب النار} لا يفارقونها {هُمْ فِيهَا خالدون} لا يخرجون منها {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا} الظرف منصوب بقوله: {مُّهِينٌ}، أو بمقدّر، أي: اذكر {فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} أي: يحلفون لله يوم القيامة على الكذب كما يحلفون لكم في الدنيا، وهذا من شدّة شقاوتهم ومزيد الطبع على قلوبهم، فإن يوم القيامة قد انكشفت الحقائق وصارت الأمور معلومة بضرورة المشاهدة، فكيف يجترئون على أن يكذبوا في ذلك الموقف ويحلفون على الكذب {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْء} أي: يحسبون في الآخرة أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما يجلب نفعًا، أو يدفع ضررًا، كما كانوا يحسبون ذلك في الدنيا {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} أي: الكاملون في الكذب المتهالكون عليه البالغون فيه إلى حدّ لم يبلغ غيرهم إليه بإقدامهم عليه، وعلى الأيمان الفاجرة في موقف القيامة بين يدي الرحمن.
{استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} أي: غلب عليهم واستعلى واستولى.
قال المبرّد: استحوذ على الشيء: حواه وأحاط به، وقيل: قوي عليهم، وقيل: جمعهم، يقال: أحوذ الشيء، أي: جمعه وضمّ بعضه إلى بعض، والمعاني متقاربة؛ لأنه إذا جمعهم فقد قوي عليهم وغلبهم واستعلى عليهم واستولى، وأحاط بهم {فأنساهم ذِكْرَ الله} أي: أوامره والعمل بطاعاته، فلم يذكروا شيئًا من ذلك، وقيل: زواجره في النهي عن معاصيه، وقيل: لم يذكروه بقلوبهم ولا بألسنتهم، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المذكورين الموصوفين بتلك الصفات، وهو مبتدأ، وخبره {حِزْبُ الشيطان} أي: جنوده، وأتباعه، ورهطه {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخاسرون} أي: الكاملون في الخسران حتى كأن خسران غيرهم بالنسبة إلى خسرانهم ليس بخسران لأنهم باعوا الجنة والهدى بالضلالة، وكذبوا على الله وعلى نبيه، وحلفوا الأيمان الفاجرة في الدنيا والآخرة {إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ} تقدّم معنى المحادّة لله ولرسوله في أوّل هذه السورة، والجملة تعليل لما قبلها {أُوْلَئِكَ في الأذلين} أي: أولئك المحادّون لله ورسوله، المتصفون بتلك الصفات المتقدّمة من جملة من أذله الله من الأمم السابقة واللاحقة؛ لأنهم لما حادّوا الله ورسوله صاروا من الذلّ بهذا المكان.
قال عطاء: يريد الذلّ في الدنيا، والخزي في الآخرة.
{كَتَبَ الله لأغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها مع كونهم في الأذلين، أي: كتب في اللوح المحفوظ، وقضى في سابق علمه: لأغلبنّ أنا ورسلي بالحجة والسيف.
قال الزجاج: معنى غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب، فهو غالب في الحرب، ومن بعث منهم بغير الحرب، فهو غالب بالحجة.
قال الفراء: كتب بمعنى قال، وقوله: {أَنَاْ} توكيد، ثم ذكر مثل قول الزجاج.
{إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ} فهو قويّ على نصر أوليائه غالب لأعدائه لا يغلبه أحد.
{لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له أي: يحبون ويوالون من عادى الله ورسوله وشاقهما، وجملة: {يُوَادُّونَ} في محل نصب على أنها المفعول الثاني لتجد إن كان متعدّيًا إلى مفعولين، أو في محل نصب على الحال إن كان متعدّيًا إلى مفعول واحد، أو صفة أخرى لـ: {قومًا}، أي: جامعون بين الإيمان والموادّة لمن حادّ الله ورسوله {وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أي: ولو كان المحادّون لله ورسوله آباء الموادّين، إلخ، فإن الإيمان يزجر عن ذلك، ويمنع منه، ورعايته أقوى من رعاية الأبوّة والبنوّة والأخوّة والعشيرة {أُوْلَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان} يعني: الذين لا يوادّون من حادّ الله ورسوله، ومعنى {كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان}: خلقه، وقيل: أثبته، وقيل: جعله، وقيل: جمعه، والمعاني متقاربة {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ} قوّاهم بنصر منه على عدوّهم في الدنيا، وسمى نصره لهم روحًا لأن به يحيا أمرهم، وقيل: هو نور القلب.
وقال الربيع بن أنس: بالقرآن والحجة، وقيل: بجبريل، وقيل: بالإيمان، وقيل: برحمة.
قرأ الجمهور: {كتب} مبنيًا للفاعل، ونصب الإيمان على المفعولية.
وقرأ زرّ بن حبيش، والمفضل عن عاصم على البناء للمفعول، ورفع الإيمان على النيابة.
وقرأ زرّ بن حبيش: {عشيراتهم} بالجمع، ورويت هذه القراءة عن عاصم {وَيُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} على الأبد {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ} أي: قبل أعمالهم، وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة {وَرَضُواْ عَنْهُ} أي: فرحوا بما أعطاهم عاجلًا وآجلًا {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله} أي: جنده الذين يمتثلون أوامره، ويقاتلون أعداءه، وينصرون أولياءه، وفي إضافتهم إلى الله سبحانه تشريف لهم عظيم، وتكريم فخيم {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} أي: الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة، الكاملون في الفلاح الذين صار فلاحهم هو الفرد الكامل، حتى كان فلاح غيرهم بالنسبة إلى فلاحهم كلا فلاح.
وقد أخرج أحمد، والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظلّ حجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين، فقال: «إنه سيأتيكم إنسان، فينظر إليكم بعين شيطان، فإذا جاءكم، فلا تكلموه»، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق، فقال حين رآه: «علام تشتمني أنت وأصحابك»؟ فقال: ذرني آتيك بهم، فحلفوا، واعتذروا، فأنزل الله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} الآية والتي بعدها.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في سننه عن عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة بن الجرّاح يتقصد لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة، فقتله، فنزلت: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله} الآية. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
روى الإمام أحمد عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسِع سمعه الأصوات؛ لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه، وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول! فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللّهُ} إلى آخر الآية، ورواه البخاري معلقًا. وفي رواية لابن أبي حاتم عن عائشة أنها قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني أسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله! أكل شباب، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني! اللهم إني أشكو إليك. قالت: فما برحت، حتى نزل جبريل بهذه الآية {قَدْ سَمِعَ} إلخ. قال ابن كثير: ويقال فيها: خولة بنت مالك بن ثعلبة، وقد تصغر فيقال: خويلة. ولا منافاة بين هذه الأقوال، فالأمر فيها قريب. وفي (العناية). المراد من قوله: {قَدْ سَمِعَ اللّهُ} إلخ قَبِل قولها وأجابه، كما في: سمع الله لمن حمده، مجازًا بعلاقة السببية أو كناية. انتهى.
وقوله: {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} أي: تشتكي المجادلة ما لديها من الهمِّ بظِهار زوجها منها، إلى الله، وتسأله الفرَج.
ومعنى {تَحَاوُرَكُمَا} ترجيعكما الكلام في هذه النازلة. وذلك أن الظهار كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية، فإذا تكلم به لم يرجع إلى امرأته أبدًا. وقد طمعت المشتكية أن يكون غير قاطع علقة النكاح. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبتَّ لها في الأمر، حتى ينزل الوحي الذي يردّ التنازع إليه. ثم أنزل تعالى فيه قوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم} يعني قول الرجل لإمراته إذا غضب عليها: أنت عليّ كظهر أمي، يعني: في حرمة الركوب.
{مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} أي: ما نساؤهم اللاتي ظاهروا منهن بأمهاتهم، أي: يصرن بهذا القول كأمهاتهم في التحريم الأبدي.
قال المهايميّ: ما هن أمهاتهم بالحقيقة، ولا في حكمهن بالمجاز، إذ لا يقتضي المجاز أن يكون في حكم الحقيقة، إلا بقلب الحقائق، لكنها لا تنقلب.
{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} أي: فلا يشبه بهن في الحرمة الأزواج {وَإِنَّهُمْ لَيَقولونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقول} أي: قولا تنكره العقلاء، وتتجافاه الكرماء.
{وَزُورًا} أي: باطلًا لا حقيقة له؛ لأنه يتضمن إلحاقها بالأمّ المنافي لمقتضى الزوجية {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي: لذنوب عباده، إذا تابوا منها وأنابوا، فلا يعاقبهم عليها بعد التوبة.
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [3- 4]
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا} أي: يرجعون إلى لفظ الظهار ثانية، فالقول على حقيقته، أو يعزمون على غشيانهن ووطئهن رغبة في تحليلهن، بعد تحريمهن، فالقول بمعنى المقول فيه {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [4] روى الإمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن خويلة بنت ثعلبة قالت: فيّ والله! وفي أوس بن صامت أنزل اللهُ صدرَ سورة المجادلة قالت: كنت عنده، وكان شيخًا كبيرًا، قد ساء خلقه وضجر، فدخل عليّ يومًا فراجعته بشيء، فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل عليّ، فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: قلت: والذي نفس خويلة بيده! لا تخلص إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكم. قالت: فواثبني، فامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني. قال: ثم خرجت إلى بعض جاراتي، فاستعرت منها ثيابها ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه. قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا خويلة! ابن عمك شيخ كبير، فاتقي الله فيه». قالت: فوالله! ما برحت حتى نزل فيّ القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سرّي عنه، فقال لي: «يا خويلة! قد أنزل الله فيك وفي صاحبك...» ثم قرأ عليّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} إلى قوله: {وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُريه فليعتق رقبة». قالت: فقلت: يا رسول الله! ما عنده ما يعتق! قال: «فليصم شهرين متتابعين». قال: فقلت: والله! إنه لشيخ كبير، ما به من صيام. قال: «فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر». قالت: فقلت: والله! يا رسول الله ما ذاك عنده. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنا سنعينه بفرق من تمر». قالت: فقلت: يا رسول الله! وأنا سأعينه بفرق آخر. قال: «قد أصبت وأحسن، فاذهبيي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا». قالت: ففعلت. ورواه أبو داود: وعنده خولة بنت ثعلبة، ولا منافاة كما تقدم فإن العرب كثيرًا ما تصغّر الأعلام. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليّ كظهر أمي، حرمت في الإسلام. فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس، وكانت تحته ابنة عم له يقال لها: خويلة بنت ثعلبة، فظاهر منها، فأسقط في يديه، وقال: ما أراك إلا قد حرمت عليّ، وقالت له مثل ذلك. قال: فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه، فأخبرته فقال: «يا خويلة! ما أمرنا في أمرك بشيء»، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا خويلة! أبشري». قالت: خيرًا. قال: فقرأ عليها {قَدْ سَمِعَ اللّهُ} إلى قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} قالت: وأي رقبة لنا؟ والله! ما نجد رقبة غيري؟ قال: «{فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}» قالت: والله! لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره. قال: