فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ذكر جل علا في هذه الآية الكريمة أن الذين يحادون الله ورسوله داخلون في جملة الأذلين، لا يوجد أحد أذل منهم وقوله: {يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَه} أي يعادون ويحالفون ويشاقون، وأصله مخالفة حدود الله التي حدها.
وقوله: {فِي الأذلين} أي الذين هم أعظم الناس ذلًا. والذل: الصغار والهوان والحقارة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الذين يحادون الله ورسوله هم أذل خلق الله، بينه جل وعلا في غير هذا الموضع، وذلك بذكره أنوع عقوبتهم المفضية إلى الذل والخزي والهوان، كقوله تعالى: {أَلَمْ يعلموا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذلك الخزي العظيم} [التوبة: 63] وقوله تعالى: {إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} [المجادلة: 5]، وقوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابُ النار ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا الله وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ الله فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الحشر: 3- 4] وقوله تعالى: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (*) ذلك بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا الله وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار} [الأنفال: 12- 14] إلى غير ذلك من الآيات.
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)}
قد دلت هذه الآية الكريمة على أن رسل الله غالبون لكل من غالبهم، والغلبة نوعان: غلبة بالحجة والبيان، وهي ثابتة لجميع الرسل، وغلبة بالسيف والسنان، وهي ثابتة لمن أمر بالقتال منهم دون من لم يؤمر به.
وقد دلت هذه الآية الكريمة، وأمثالها من الآية كقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 171- 173] أنه لن يقتل نبي في جهاد قط، لأن المقتول ليس بغالب، لأن القتل قسم مقابل للغلبة، كما بينه تعالى في قوله: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} [النساء: 74] الآية. وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} [غافر: 51] الآية. وقد نفى عن المنصور كونه مغلوبًا نفيًا باتًا في قوله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160].
وبهذا تعلم أن الرسل الذين جاء في القرآن أنهم قتلوا كقوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنْفُسُكُمْ استكبرتم فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87] وقوله تعالى: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بالبينات وبالذي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} [آل عمران: 183] ليسوا مقتولين في جهاد، وأن نائب الفاعل في قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146]، على قراءة قتل بالبناء للمفعول، هو ربيون لا ضمير النبي.
وقد أوضحنا هذا غاية الإيضاح بالآيات القرآنية في سورة آل عمران في الكلام على قوله: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] وذكرنا بعضه في الصافات في الكلام على قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} [الصافات: 171].
قوله تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
وردت هذه الآية الكريمة بلفظ الخبر، والمراد بها الإنشاء، وهذا النهي البليد، والزجر العظيم مولاة أعداء الله، وإيراد الإنشاء بلفظ الخبر أقوى وأوكد، من إيراده الإنشاء، كما هو معلوم في محله، ومعنى قوله: {يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَه}: أي يحبون ويوالون أعداء الله ورسوله.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي والزجر العظيم عن مولاة أعداء الله جاء موضحًا في آيات أخر كقوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ والذين مَعَهُ إِذْ قالواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء أَبَدًا حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]. وقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} [المائدة: 54]. وقوله تعالى: {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] الآية. وقوله تعالى: {يا أيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَوْ كانوا آبَاءَهُم} زعم بعضهم أنها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح قائلًا: إنه قتل أباه كافرًا يوم بدر أو يوم أُحد، وقيل: نزلت في ابن عبد الله بن عبد الله بن أُبي المنافق المشهور، وزعم من قال: إن عبد الله استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه عبد الله بن أبي فنهاه، وقيل: نزلت في أبي بكر، وزعم من قال إن أباه أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه فضربه ابنه أبو بكر حتى سقط.
وقوله: {أو أبناءهم}، زعم بعضهم أنها نزلت في أبي بكر حين طلب مبارزة ابنة عبد الرحمن يوم بدر.
وقوله: {أَوْ إِخْوَانَهُمْ} زعم بعضهم أنها نزلت في مصعب بن عمير قالوا: قتل أخاه عبيد بن عمير. وقال بعضهم: مر بأخيه يوم بدر يأسره رجل من المسلمين، فقال: شدد عليه الأسر، علم أن أمه ملية وستفديه.
وقوله: {أَوْ عَشِيرَتُهُمْ} قال بعضهم: نزلت في عبيدة بن الحارث بن المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، ولعي بن أبي طالب رضي الله عنهم، لما قتلوا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، في المبارزة يوم بدر، وهم بنو عمهم، لأنهم أولاد ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. وعبد شمس أخوهاسم كما لا يخفى، وقوله تعالى: {أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان} [المجادلة: 22] أي ثبته في قلوبهم بتوفيقه.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تثبيت الإيمان في قلوبهم جاء موضحًا في قوله تعالى: {ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان أولئك هُمُ الراشدون فَضْلًا مِّنَ الله وَنِعْمَةً} [الحجرات: 7- 8]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)}
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قومًا} الآية قال: بلغنا أنها نزلت في عبد الله بن نبتل، وكان رجلًا من المنافقين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {ألم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم} قال: هم اليهود والمنافقون ويحلفون على الكذب، وهم يعلمون حلفهم أنهم لمنكم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {ألم تر إلى الذين تولوا قومًا} الآية قال: هم المنافقون تولوا اليهود {يوم يبعثهم الله} الآية قال: يحالف المنافقون ربهم يوم القيامة كما حالفوا أولياءه في الدنيا.
وأخرج أحمد والبزار والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين فقال: إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان، فإذا جاءكم فلا تكلمونه، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور فقال، حين رآه: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم فحلفوا واعتذروا فأنزل الله {يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم} الآية والتي بعدها».
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)}
أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من ثلاثة في قرية ولابد ولا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} قال: كتب الله كتابًا فأمضاه.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه وابن عساكر عن عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله فنزلت {لا تجد قومًا يؤمنون بالله} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: «حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه أبو بكر صكه فسقط، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفعلت يا أبا بكر؟ فقال: والله لو كان السيف مني قريبًا لضربته»، فنزلت {لا تجد قومًا} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ثابت بن قيس بن الشماس أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يزور خاله من المشركين فأذن له، فلما قدم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأناس حوله {لا تجد قومًا يؤمنون بالله} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عطية عن رجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدًا ولا نعمة فإني وجدت فيما أوحيته إليّ {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}» قال سفيان: يرون أنها أنزلت فيمن يخالط السلطان.
وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أحب في الله وأبغض في الله وعاد في الله ووال في الله فإنما تنال الله بذلك، ثم قرأ {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون} الآية.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن قل لفلان العابد أما زهدك في الدنيا فتعجلت راحة نفسك، وأما انقطاعك إليّ فتعززت بي، فماذا عملت في ما لي عليك؟ قال يا رب: وما لك عليّ؟ قال: هل واليت لي وليًا أو عاديت لي عدوًا؟».
وأخرج الحكيم الترمذي عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث الله يوم القيامة عبدًا لا ذنب له فيقول له: بأيّ الأمرين أحب إليك أن أجزيك بعملك أم بنعمتي عليك؟ قال: رب أنت تعلم أني لم أعصك، قال: خذوا عبدي بنعمة من نعمي فما يبقى له حسنة إلا استغرقتها تلك النعمة، فيقول: رب بنعمتك ورحمتك، فيقول: بنعمتي وبرحمتي ويؤتى بعبد محسن في نفسه لا يرى أن له سيئة فيقال له: هل كنت توالي أوليائي؟ قال: يا رب كنت من الناس سلمًا. قال: هل كنت تعادي أعدائي قال: يا رب لم أكن أحب أن يكون بيني وبين أحد شيء، فيقول الله تبارك وتعالى: وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوال أوليائي ويعاد أعدائي».
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإِيمان الحب في الله والبغض في الله».
وأخرج الديلمي من طريق الحسن عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل لفاجر عندي يدًا ولا نعمة فيوده قلبي، فإني وجدت فيما أوحيت إليّ {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة المجادلة:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم)
(بسم الله) كلمة من عرفها بذل الروح في طلبها، وإن لم يحظ بوصولها، كلمة من طلبها اكتفى بالطلب من قبولها.
كلمة جبارة لا تنظر إلى كل أحد، كلمة قهارة لا يوجد من دونها ملتحد.