فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



التبوّء: النزول في المكان، ومنه المباءة للمنزل، والمراد من الدار المدينة، والمراد بالحاجة الحسد والغيظ، و{أوتوا}: أي أعطى المهاجرون دون الأنصار، {ويؤثرون}: أي يقدمون ويفضلون، والخصاصة: الحاجة من خصاص البيت وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج وكذا كل خرق في منخل أو باب أو سحاب أو برقع، والشح: اللؤم وهو أن تكون النفس كزّة حريصة على المنع، قال شاعرهم:
يمارس نفسا بين جنبيه كزّة ** إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا

قال الراغب: البخل: المنع، والشح: الحال النفسية التي تقتضى ذلك، و{غلّا} أي حسدا وبغضا.
{نافقوا}: أي أظهروا غير ما أضمروا، وبالغوا في إخفاء عقائدهم، والإخوان: الأصدقاء واحدهم أخ، والأخ من النسب جمعه إخوة، {لننصرنكم}: أي لنعاوننكم، {ليولنّ الأدبار}: أي ليفرّن هار بين، {أشد رهبة في صدورهم من اللّه}: أي إنهم يخافونكم في صدورهم أشد من خوفهم للّه، {لا يفقهون}: أي لا يعلمون عظمته تعالى حتى يخشوه حق خشيته، {جميعا}: أي مجتمعين، {محصنة}: أي بالدروب والخنادق وغيرها، {جدر}: أي حيطان واحدها جدار، {بأسهم}: أي حربهم، و{شتى}: أي متفرقة، واحدها شتيت، {وبال أمرهم}: أي سوء عاقبتهم، من قولهم: كلأ وبيل: أي وخيم سيئ العاقبة.
{ما قدمت}: أي أيّ شيء قدمت، وغد: هو يوم القيامة سمى بذلك لقربه، فكل آت قريب كما قال: وإن غدا لناظره قريب. {نسوا اللّه}: أي نسوا حقه فتركوا أوامره، ولم ينتهوا عن نواهيه، {فأنساهم أنفسهم}: أي أنساهم حظوظ أنفسهم فلم يقدموا لها خيرا ينفعها.
{خاشعا}: أي منقادا متذللا، {متصدعا}: أي متشققا، {خشية اللّه}: أي خوفه وشديد عقابه، {الغيب}: ما غاب عن الحسّ من العوالم التي لا نراها، {والشهادة}: ما حضر من الأجرام المادية التي نشاهدها، {القدوس}: أي المنزه عن النقص، {السلام}: أي الذي سلم الخلق من ظلمه، إذ جعلهم على نظم كفيلة برقيهم، {المؤمن}: أي واهب الأمن فكل مخلوق يعيش في أمن فالطائر في جوّه، والحية في وكرها، والسمك في البحر تعيش كذلك، ولا يعيش قوم على الأرض ما لم يكن هناك حراس يحرسون قرأهم وإلا هلكوا، {العزيز}: أي الغالب على أمره، {الجبار}: أي الذي جبر خلقه على ما أراد وقسرهم عليه، {المتكبر}: أي البليغ الكبرياء والعظمة، {سبحان اللّه عما يشركون}: أي تنزه ربنا عما يصفه به المشركون، {الخالق}: أي المقدر للأشياء على مقتضى الحكمة، و{البارئ}: أي المبرز لها على صفحة الوجود بحسب السنن التي وضعها والغرض الذي خلقت له، {المصوّر}: أي الموجد للأشياء على صورها ومختلف أشكالها كما أراد، الأسماء الحسنى: أي الأسماء الدالة على محاسن المعاني التي تظهر في مظاهر هذا الوجود، فنظم هذه الحياة وبدائع ما فيها دليل على كمال صفاته، وكمال الصفة يرشد إلى كمال الموصوف. اهـ.. باختصار.

.قال الفراء:

سورة الحشر:
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ يا أُوْلِي الأَبْصَارِ}
قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ...}.
هؤلاء بنو النضير: كانوا قد عاقدوا رسول الله صلى الله عليه عَلَى ألا يكونوا مع، ولا عليه، فلما نُكب المسلمون يوم أُحد غدروا، وركب حُيّى بن أخطب إلى أبى سفيان وَأصحابِه من أهل مكة، فتعاقدوا على النبي صلى الله عليه، وأتاه الوحي بذلك، فقال للمسلمين: أُمرت بقتل حيى، فانتدب له طائفة من المسلمين فقتلوه، وغدا عليهم النبي صلى الله عليه، فتحصنوا في دورهم، وجعلوا ينقبون الدار إلى التي هي أحصن منها، ويرمون النبي صلى الله عليه بالحجارة التي يخرجون منها، وجعل المسلمون يهدمون دورهم ليتسع موضع القتال، فذلك قوله عز وَجل: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} واجتمع القراء على (يُخْرِبون) إِلا عبدالرحمن السلمي، فإنه قرأ (يخرّبون)، كأنَّ يخرّبون: يهدّمون، ويُخْرِبون- بالتخفيف: يخرجون منها يتركونها، ألا ترى أنهم كانوا ينقبون الدار فيعطلونها؟ فهذا معنى: (يُخْرِبون) والذين قالوا (يخرّبون) ذهبوا إلى التهديم الذي كان المسلمون يفعلونه، وكل صواب. والاجتماع من قراءة القراء أحب إلىّ.
وقوله تبارك وتعالى: {فَاعْتَبِرُواْ يا أُوْلِي الأَبْصَارِ...}:
يا أولى العقول، ويقال: يا أولى الأبصار: يا من عاين ذلك بعينه.
وقوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ...}.
هم أول من أجلى عن جزيرة العرب، وهى الحجاز.
{مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}
وقوله: {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ...}.
حدثنا الفراء قال: حدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال: أمر النبي صلى الله عليه بقطع النخل كله ذلك اليوم، يعنى: يوم بني النضير إلاّ العجوة. قال ابن عباس: فكل شيء من النخل سوى العجوة، هو اللين.
قال الفراء: واحدته: لِينة، وفي قراءة عبد الله: {ما قطعتم من لِينَةٍ ولا تركتم قُوَّمًا على أصوله إلا بإذن الله}، يقول: إلا بأمر الله.
وقوله: {أُصوله...}.
ذهب إلى الجمع في اللين كله، ومن قال: أُصُولها- ذهب إلى تأنيث النخل؛ لأنه يذكر ويؤنث.
{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ...}.
كان النبي صلى الله عليه قد أحرز غنيمة بني النضير وقُريظة وفَدَك، فقال له الرؤساء: خذ صفَّيك من هذه، وأفردنا بالربع، فجاء التفسير: إن هذه قُرًى لم يقاتلوا عليها بخيل، ولم يسيروا إليها على الإبل؛ إنما مشيتم إليها على أرجلكم، وكان بينها وبين المدينة ميلان، فجعلها النبي صلى الله عليه لقوم من المهاجرين، كانوا محتاجين وشهدوا بدرًا.
{مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
ثم قال: {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى...}.
هذه الثلاث، فهو لله وللرسول خالص.
ثم قال: {وَلِذِي الْقُرْبَى...}.
لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَالْيَتَامَى}. يتامى المسلمين عامة، وفيها يتامى بني عبدالمطلب {وَالْمَسَاكِينِ} مساكين المسلمين ليس فيها مساكين بني عبدالمطلب.
ثم قال: {كَيْ لا يَكُونَ} ذلك الفَيء {دُولة بين الأغنياء}- الرؤساء- يُعمل به كما كان يعمل في الجاهلية، ونزل في الرؤساء: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ...} فرضُوا. والدُّولة: قرأها الناس برفع الدال إلا السُّلَميّ- فيما أعلم- فإنه قرأ: {دَولة}: بالفتح، وليس هذا للدَّولة بموضع إنما الدُّولة في الجيشين يَهزم هذا هذا، ثم يُهزَم الهازم، فتقول: قد رجعت الدولة على هؤلاء، كأنها المرة، وَالدُّولة في المِلْك والسنن التي تغيَّر وتبدّل على الدهر، فتلك الدُّولة.
وقد قرأ بعض العرب: (دولةٌ)، وأكثرهم نصبها وبعضهم: يكون، وبعضهم: تكون.
{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
وقوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ...}.
يعنى: الأنصار، يحبون من هاجر إليهم لما أُعطىَ المهاجرون ما قسم لهم النبي صلى الله عليه من فيء بني النضير لم يأمن على غيرهم أن يحسدهم إذا لم يقسمْ لهم. فقال النبي صلى الله عليه للأنصار: «إن شئتم قسمتم لهم من دوركم وأموالكم، وقسمت لكم كما قسمت لهم، وإما أن يكون لهم القِسم، ولكم دياركم وأموالكم» فقالوا: لا، بل تقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم في القَسم، فأنزل الله جل وعز هذه الآيات ثناء على الأنصار، فقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ...} يعنى المهاجرين: {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ...} الآية.
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
وفي قراءة عبد الله {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ...} يعنى المهاجرين: يقولون {ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا الذين تبوءوا الإيمان} من قبل، وألّف بين قلوبنا، ولا تجعل فيها غَمَرا للذين آمنوا.
{لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ}
وقوله: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ...}.
يقول: أنتم يا معشر المسلمين أهيب في صدورهم يعنى بني النضير من عذاب الله عندهم، وذلك أن بني النضير كانوا ذوى بأس، فقذف الله في قلوبهم الرعب من المسلمين، ونزل في ذلك: {تَحْسَبُهُمْ} يعنى: بني النضير {جيمعًا}، وقلوبهم مختلفة، وهى في قراءة عبد الله: {وقلوبهم أشت}، أي: أشد اختلافًا.
وقوله: {أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ...}.
قرأ ابن عباس: {جدار}، وسائر القراء: {جدر} على الجمع.
{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}
وقوله: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ...}.
وهى في قراءة عبد الله: {فكان عاقبتهُما أنهما خالدان في النار}، وفي قراءتنا {خَالِدِينَ فِيهَا} نصب، ولا أشتهى الرفع، وإن كان يجوز؛ وذلك أن الصفة قد عادت على النار مرتين، والمعنى للخلود، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت الفعل، فهذا من ذلك، ومثله في الكلام قولك: مررت برجل على بابه متحملا به، ومثله قول الشاعر:
والزعفرانُ على ترائبُها ** شَرِقًا به اللباتُ والنحْرُ

لأن الترائب هي اللبات ها هنا، فعادت الصفة باسمها الذي وقعت عليه أولا، فإذا اختلفت الصفتان: جاز الرفع والنصب على حسن. من ذلك قولك: عبد الله في الدار راغبٌ فيك. ألا ترى أن (في) التي في الدار مخالفة (لفي) التي تكون في الرغبة؛ والحجة ما يعرف به النصب من الرفع، ألا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى، إلاّ أنك تقول: هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه، فلو قلت: هذا أخوك قابضًا عليه في يده درهم لم يجز. وأنت تقول: هذا رجل في يده درهم قائمٌ إلى زيد. ألا ترى أنك تقول: هذا رجل قائم إلى زيد في يده درهم، فهذا يدل على المنصوب إذا امتنع تقديم الآخر، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الآخر.
{لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}
وقوله: {لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ...}.
وفي قراءة عبد الله: {ولا أصحاب النار}، ولا صلةٌ إذا كان في أول الكلام جحد، ووصل بلا من آخره. وأنشد في بعض بني كلاب: