فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: قتل بني قريظة، قاله الضحاك.
وقيل: هو عامّ في كل من انتقم الله منه بسبب كفره، والأوّل أولى {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: في الآخرة.
ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلًا آخر فقال: {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قال للإنسان اكفر} أي: مثلهم في تخاذلهم وعدم تناصرهم، فهو إما خبر مبتدأ محذوف، أو خبر آخر للمبتدأ المقدّر قبل قوله: {كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ} على تقدير حذف حرف العطف، كما تقول: أنت عاقل، أنت عالم، أنت كريم.
وقيل: المثل الأوّل خاص باليهود، والثاني خاص بالمنافقين، وقيل: المثل الثاني بيان للمثل الأوّل، ثم بيّن سبحانه وجه الشبه فقال: {إِذْ قال للإنسان اكفر} أي: أغراه بالكفر، وزينه له، وحمله عليه، والمراد بالإنسان هنا: جنس من أطاع الشيطان من نوع الإنسان، وقيل: هو عابد كان في بني إسرائيل حمله الشيطان على الكفر، فأطاعه {فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنّى بَرِيء مّنكَ} أي: فلما كفر الإنسان مطاوعة للشيطان، وقبولًا لتزيينه قال الشيطان: إني بريء منك، وهذا يكون منه يوم القيامة، وجملة: {إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} تعليل لبراءته من الإنسان بعد كفره، وقيل: المراد بالإنسان هنا: أبو جهل، والأوّل أولى.
قال مجاهد: المراد بالإنسان هنا: جميع الناس في غرور الشيطان إياهم، قيل: وليس قول الشيطان: {إِنّى أَخَافُ الله} على حقيقته، إنما هو على وجه التبرّي من الإنسان، فهو تأكيد لقوله: {إِنّى بَرِيء مّنكَ} قرأ الجمهور: {إني} بإسكان الياء.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو بفتحها {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا في النار} قرأ الجمهور {عاقبتهما} بالنصب على أنه خبر كان، واسمها {أنهما في النار}.
وقرأ الحسن، وعمرو بن عبيد بالرفع على أنها اسم كان، والخبر ما بعده؛ والمعنى: فكان عاقبة الشيطان، وذلك الإنسان الذي كفر أنهما صائران إلى النار {خالدين فِيهَا} قرأ الجمهور: {خالدين} بالنصب على الحال، وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وزيد بن عليّ، وابن أبي عبلة: {خالدان} على أنه خبر {أنّ}، والظرف متعلق به {وَذَلِكَ جَزَاء الظالمين} أي: الخلود في النار جزاء الظالمين، ويدخل هؤلاء فيهم دخولًا أوّليًا.
ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة فقال: {يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} أي: اتقوا عقابه بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أي: لتنظر أيّ شيء قدّمت من الأعمال ليوم القيامة، والعرب تكني عن المستقبل بالغد، وقيل: ذكر الغد تنبيهًا على قرب الساعة {واتقوا الله} كرّر الأمر بالتقوى للتأكيد {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لا تخفى عليه من ذلك خافية، فهو مجازيكم بأعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ، {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله} أي: تركوا أمره، أو ما قدّروه حق قدره، أو لم يخافوه، أو جميع ذلك {فأنساهم أَنفُسَهُمْ} أي: جعلهم ناسين لها بسبب نسيانهم له، فلم يشتغلوا بالأعمال التي تنجيهم من العذاب، ولم يكفوا عن المعاصي التي توقعهم فيه، ففي الكلام مضاف محذوف، أي: أنساهم حظوظ أنفسهم.
قال سفيان: نسوا حقّ الله، فأنساهم حق أنفسهم، وقيل: نسوا الله في الرخاء، فأنساهم أنفسهم في الشدائد {أُولَئِكَ هُمُ الفاسقون} أي: الكاملون في الخروج عن طاعة الله.
{لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار وأصحاب الجنة} في الفضل، والرتبة، والمراد الفريقان على العموم، فيدخل في فريق أهل النار من نسي الله منهم دخولًا أوّليًا، ويدخل في فريق أهل الجنة الذين اتقوا دخولًا أوّليًا؛ لأن السياق فيهم، وقد تقدّم الكلام في معنى مثل هذه الآية في سورة المائدة، وفي سورة السجدة، وفي سورة ص.
ثم أخبر سبحانه وتعالى عن أصحاب الجنة بعد نفي التساوي بينهم، وبين أهل النار فقال: {أصحاب الجنة هُمُ الفائزون} أي: الظافرون بكلّ مطلوب الناجون من كلّ مكروه.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نافقوا} قال: عبد الله بن أبيّ بن سلول، ورفاعة بن تابوت، وعبد الله بن نبتل، وأوس بن قيظي، وإخوانهم بنو النضير.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر، وأبو نعيم في الدلائل عنه أن رهطًا من بني عوف بن الحارث منهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، ووديعة بن مالك، وسويد وداعس، بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا، وتمنعوا، فإننا لا نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم، ويكفّ عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل إلاّ الحلقة، ففعل، فكان الرجل منهم يهدم بيته، فيضعه على ظهر بعير، فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا في قوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شتى} قال: هم المشركون.
وأخرج عبد الرزاق، وابن راهويه، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن أبي طالب أن رجلًا كان يتعبد في صومعة، وأن امرأة كان لها إخوة، فعرض لها شيء، فأتوه بها فزينت له نفسه فوقع عليها، فحملت، فجاءه الشيطان، فقال: اقتلها، فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت، فقتلها، ودفنها، فجاءوه، فأخذوه، فذهبوا به، فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: إني أنا الذي زينت لك، فاسجد لي سجدة أنجيك، فسجد له، فذلك قوله: {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قال للإنسان اكفر} الآية.
قلت: وهذا لا يدلّ على أن هذا الإنسان هو المقصود بالآية، بل يدلّ على أنه من جملة من تصدق عليه.
وقد أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس بأطول من هذا، وليس فيه ما يدلّ على أنه المقصود بالآية.
وأخرجه بنحوه ابن جرير عن ابن مسعود، وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {كَمَثَلِ الشيطان} قال: ضرب الله مثل الكفار والمنافقين الذين كانوا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{للفقراء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا} الآية قال: هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر، وخرجوا حبًا لله ولرسوله، واختاروا الإِسلام على ما كان فيه من شدة، حتى لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع وإن كان الرجل ليتخذ الحفر في الشتاء ما له دثار غيرها.
قوله تعالى: {والذين تبوّءُو الدار والإِيمان}.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {والذين تبوءُو الدار والإِيمان} إلى آخر الآية، قال: هم هذا الحي من الأنصار أسلموا في ديارهم، وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وأحسن الله عليهم الثناء في ذلك وهاتان الطائفتان الأولتان من هذه الآية أخذتا بفضلهما ومضتا على مهلهما، وأثبت الله حظهما في هذا الفيء، ثم ذكر الطائفة الثالثة، فقال: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا} إلى آخر الآية. قال: إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمروا بسبهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {والذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبلهم} قال: الأنصار نعت سخاوة أنفسهم عندما رأى من ذلك وإيثارهم إياهم ولم يصب الأنصار من ذلك الفيء شيء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن يزيد بن الأصم: أن الأنصار قالوا: يا رسول الله أقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين الأرض نصفين، قال: «لا ولكن يكفونكم المؤنة وتقاسمونهم الثمرة، والأرض أرضكم» قالوا: رضينا فأنزل الله {والذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبلهم} إلى آخر الآية.
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال: فضل المهاجرين على الأنصار فلم يجدوا في صدورهم حاجة قال: الحسد.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن عمر أنه قال: أوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار الذين تبوّءُو الدار والإِيمان من قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم.
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للمدينة عشرة أسماء هي المدينة وهي طيبة وطابة ومسكينة وجابرة ومجبورة وتبدد ويثرب والدار».
قوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
«أتى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا فقال: ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله تعالى: فقال رجل من الأنصار، وفي رواية فقال أبو طلحة الأنصاري: أنا يا رسول الله، فذهب به إلى أهله فقال لامرأته: اكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخرين شيئًا. قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية. قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالى، فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت ثم غدا الضيف على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد عجب الله من فلان وفلانة وأنزل الله فيهما {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}».
وأخرج مسدد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب قري الضيف وابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي رضي الله عنه «أن رجلًا من المسلمين مكث صائمًا ثلاثة أيام، يمسي فلا يجد ما يفطر فيصبح صائمًا حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس رضي الله عنه، فقال لأهله: إني سأجيء الليلة بضيف لي فإذا وضعتم طعامكم فليقم بعضكم إلى السراج كأنه يصلحه فليطفئه ثم اضربوا بأيدكم إلى الطعام كأنكم تأكلون فلا تأكلوا حتى يشبع ضيفنا، فلما أمسى ذهب به فوضعوا طعامهم فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته، ثم جعلوا يضربون أيديهم في الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون حتى شبع ضيفهم، وإنما كان طعامهم ذلك خبزة هي قوتهم، فلما أصبح ثابت غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ثابت لقد عجب الله البارحة منكم ومن ضيفكم» فنزلت فيه هذه الآية {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال: إن أخي فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحدًا إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله: {ولو كان بهم خصاصة} قال: فاقة.
قوله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.
أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلًا قال له: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: إني سمعت الله يقول: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود رضي الله عنه: ليس ذاك بالشح، ولكنه البخل، ولا خير في البخل، وإن الشح الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلمًا.