فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



عَفَت مثل ما يعفو الفَصيل فأصبحت ** بها كبرياء الصعب وهي ذلول

والكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم.
وفي الصحيح عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته ثم قذفته في النار» وقيل: المتكبر معناه العالي.
وقيل: معناه الكبير لأنه أجلّ من أن يتكلف كبرًا.
وقد يقال: تظلّم بمعنى ظلم، وتشتّم بمعنى شتم، واستقر بمعنى قرّ.
كذلك المتكبر بمعنى الكبير.
وليس كما يوصف به المخلوق إذا وصف بتفعل إذا نسب إلى ما لم يكن منه.
ثم نَزَّه نفسه فقال: {سُبْحَانَ الله} أي تنزيهًا لجلالته وعظمته {عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
الْحَكِيمُ (24)
قوله تعالى: {هُوَ الله الخالق البارئ المصور}
{الخالق} هنا المقدر.
و{البارئ} المنشئ المخترع.
و{المصور} مصوّر الصور ومركبها على هيئات مختلفة.
فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما.
ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل.
وخلق الله الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خِلَق: جعله عَلَقَةً، ثم مُضْغَةً، ثم جعله صورة وهو التشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها.
فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقال النابغة:
الخالق البارئ المصوّر في ال ** أَرحامِ ماءً حتى يصير دمًا

وقد جعل بعض الناس الخلق بمعنى التصوير، وليس كذلك، وإنما التصوير آخرا والتقدير أوّلًا والبراية بينهما.
ومنه قوله الحق: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} [المائدة: 110].
وقال زُهير:
ولأنتَ تَفْرى ما خَلَقْتَ وبع ** ضُ القوم يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي

يقول: تُقَدِّر ما تُقدِّر ثم تَفْرِيه، أي تُمضيه على وَفْق تقديرك، وغيرك يقدر ما لايتم له ولا يقع فيه مراده، إما لقصوره في تصوّر تقديره أو لعجزه عن تمام مراده.
وقد أتينا على هذا كله في (الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) والحمد الله.
وعن حاطب ابن أبي بَلْتَعَة أنه قرأ {البارئ المصوَّرَ} بفتح الواو ونصب الراء، أي الذي يبرأ المصوَّر، أي يميز ما يصوّره بتفاوت الهيئات.
ذكره الزَّمَخْشَرِيّ.
{لَهُ الأسماء الحسنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم} تقدّم الكلام فيه.
وعن أبي هريرة قال: سألت خليل أبا القاسم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم فقال: «يا أبا هريرة عليك بآخر سورة الحشر فأكثر قراءتها» فأعدت عليه فأعاد عليّ، فأعدت عليه فأعاد عليّ. وقال جابر بن زيد: إن اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية.
وعن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الحشر غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر» وعن أبي أُمامة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قرأ خواتم سورة الحشر في ليل أو نهار فقبضه الله في تلك الليلة أو ذلك اليوم فقد أوجب الله له الجنة». اهـ.

.قال الألوسي:

{هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ}
وحده سبحانه {عالم الغيب} وهو ما لم يتعلق به علم مخلوق وإحساسه أصلًا وهو الغيب المطلق {والشهادة} وهو ما يشاهده مخلوق.
قال الراغب: الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة، وقد يعتبر الحضور مفردًا لكن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع المشاهدة أولى، وحمل الغيب على المطلق هو المتبادر، وأل فيه للاستغراق إذ لا قرينة للعهد، ومقام المدح يقتضيه مع قوله تعالى: {علام الغيوب} [المائدة: 109] فيشمل كل غيب واجبًا كان أو ممكنًا موجودًا أو معدومًا أو ممتنعًا لم يتعلق به علم مخلوق، ويطلق الغيب على ما لم يتعلق به علم مخلوق معين وهو الغيب المضاف أي الغيب بالنسبة إلى ذلك المخلوق وهو على ما قيل: مراد الفقهاء في قولهم: مدعي علم الغيب كافر، وهذا قد يكون من عالم الشهادة كما لا يخفى، وذكر الشهادة مع أنه إذا كان كل غيب معلومًا له تعالى كان كل شهادة معلومًا له سبحانه بالطريق الأولى من باب قوله عز وجل: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]، وقيل: الغيب ما لا يقع عليه الحس من المعدوم أو الموجود الذي لا يدرك، والشهادة ما يقع عليه الإدراك بالحس.
وقال الإمام أبو جعفر رضي الله تعالى عنه: الغيب ما لم يكن والشهادة ما كان، وقال الحسن: الغيب السر.
والشهادة العلانية، وقيل: الأول: الدنيا بما فيها.
والثاني: الآخرة بما فيها، وقيل: الأول: الجواهر المجردة وأحوالها.
والثاني: الأجرام والأجسام وأعراضها، وفيه أن في ثبوت المجردات خلافًا قويًا، وأكثر السلف على نفيها، وتقديم الغيب لأن العلم به كالدليل على العلم بالشهادة، وقيل: لتقدمه على الشهادة فإن كل شهادة كان غيبًا وما برز ما برز إلا من خزائن الغيب، وصاحب القيل الأخير يقول: إن تقديم الغيب لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به، واستدل بالآية على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، ووجهه ما أشرنا إليه، وتتضمن على ما قيل: دليلًا آخر عليه لأنها تدل على أنه لا معبود إلا هو ويلزمه أن يكون سبحانه خالقًا لكل شيء بالاختيار كما هو الواقع في نفس الأمر، والخلق بالاختيار يستحيل بدون العلم، ومن هنا قيل: الاستدلال بها على هذا المطلب أولى من الاستدلال بقوله تعالى: {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} [البقرة: 282] {هُوَ الرحمن الرحيم} برحمة تليق بذاته سبحانه، والتأويل وإن ذكره علماء أجلاء من الماتريدية.
والأشاعرة لا يحتاج إليه سلفي كما حقق في التمييز وغيره.
{هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ}
كرر لإبراز كمال الاعتناء بأمر التوحيد {الملك} المتصرف بالأمر والنهي، أو المالك لجميع الأشياء الذي له التصرف فيها، أو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء ويستحيل عليه الإذلال، أو الذي يولي ويعزل ولا يتصور عليه تولية ولا عزل.
أو المنفرد بالعز والسلطان، أو ذو الملك والملك خلقه، أو القادر أقوال حكاها الآمدي، وحكى الأخير عن القاضي أبي بكر {القدوس} البليغ في النزاهة عما يوجب نقصانًا، أو الذي له الكمال في كل وصف اختص به، أو الذي لا يحدّ ولا يتصور، وقرأ أبو السمال.
وأبو دينار الأعرابي {القدوس} بفتح القاف وهو لغة فيه لكنها نادرة، فقد قالوا: فعول بالضم كثير، وأما بالفتح فيأتي في الأسماء كسمور، وتنور، وهبود اسم جبل باليمامة، وأما في الصفات فنادر جدًا، ومنه سبوح بفتح السين {السلام} ذو السلامة من كل نقص وآفة مصدر وصف به للمبالغة، وعن الجبائي هو الذي ترجى منه السلامة، وقيل: أي الذي يسلم على أوليائه فيسلمون من كل مخوف {المؤمن} قيل: المصدق لنفسه ولرسله عليهم السلام فيما بلغوه عنه سبحانه إما بالقول أو بخلق المعجزة، أو واهب عباده الأمن من الفزع الأكبر أو مؤمنهم منه إما بخلق الطمأنينة في قلوبهم أو بإخبارهم أن لا خوف عليهم، وقيل: مؤمن الخلق من ظلمه، وقال ثعلب: المصدق المؤمنين في أنهم آمنوا، وقال النحاس: في شهادتهم على الناس يوم القيامة؛ وقيل: ذو الأمن من الزوال لاستحالته عليه سبحانه، وقيل: غير ذلك، وقرأ الإمام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم وقيل أبو جعفر المدني {المؤمن} بفتح الميم على الحذف والإيصال كما في قوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أي المؤمن به.
وقال أبو حاتم: لا يجوز إطلاق ذلك عليه تعالى لإيهامه ما لا يليق به سبحانه إذ المؤمن المطلق من كان خائفًا وآمنه غيره، وفيه أنه متى كان ذلك قراءة ولو شاذة لا يصح هذا لأن القراءة ليست بالرأي {المهيمن} الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن بقلب همزته هاءًا، وإليه ذهب غير واحد، وتحقيقه كما في (الكشف) أن أيمن على فيعل مبالغة أمن العدو للزيادة في البناء، وإذا قلت: أمن الراعي الذئب على الغنم مثلًا دل على كمال حفظه ورقبته، فالله تعالى أمن كل شيء سواه سبحانه على خلقه وملحه لإحاطة علمه وكمال قدرته عز وجل، ثم استعمل مجرد الدلالة بمعنى الرقيب والحفيظ على الشيء من غير ذكر المفعول بلا واسطة للمبالغة في كمال الحفظ كما قال تعالى: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] وجعله من ذاك أولى من جعله من الأمانة نظرًا إلى أن الأمين على الشيء حافظ له إذ لا ينبئ عن المبالغة ولا عن شمول العلم والقدرة، وجعله في الصحاح اسم فاعل من آمنه الخوف على الأصل فأبدلت الهمزة الأصلية ياءًا كراهة اجتماع الهمزتين وقلبت الأولى هاءًا كما في هراق الماء، وقولهم في {إياك} [الفاتحة: 5]: هياك كأنه تعالى بحفظه المخلوقين صيرهم آمنين، وحرف الاستعلاء كمهيمنًا عليه لتضمين معنى الاطلاع ونحوه، وأنت تعلم أن الاشتقاق على ما سمعت أولًا أدل والخروج عن القياس فيه أقل، وظاهر كلام الكشف أنه ليس من التصغير في شيء.
وقال المبرد: إنه مصغر، وخطئ في ذلك فإنه لا يجوز تصغير أسمائه عز وجل {العزيز} الغالب.
وقيل: الذي لا مثل له، وقيل: الذي يعذب من أراد، وقيل: الذي عليه ثواب العاملين، وقيل: الذي لا يحط عن منزلته، وقيل: غير ذلك {الجبار} الذي جبر خلقه على ما أراد وقسرهم عليه: ويقال في فعله: أجبر، وأمثلة المبالغة تصاغ من غير الثلاثي لكن بقلة، وقيل: إنه من جبره بمعنى أصلحه، ومنه جبرت العظم فانجبر فهو الذي جبر أحوال خلقه أي أصلحها، وقيل: هو المنيع الذي لا ينال يقال للنخلة إذا طالت وقصرت عنها الأيدي: جبارة، وقيل: هو الذي لا ينافس في فعله ولا يطالب بعلة ولا يحجر عليه في مقدوره.
وقال ابن عباس: هو العظيم، وقيل: غير ذلك {المتكبر} البليغ الكبرياء والعظمة لأنه سبحانه برئ من التكلف الذي تؤذن به الصيغة فيرجع إلى لازمه من أن الفعل الصادر عن تأنق أقوى وأبلغ، أو الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانًا {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} تنزيه لله تعالى عما يشركون به سبحانه، أو عن إشراكهم به عز وجل إثر تعداد صفاته تعالى التي لا يمكن أن يشارك سبحانه في شيء منها أصلًا.
{هُوَ الله الخالق} المقدر للأشياء على مقتضى الحكمة، أو مبدع الأشياء من غير أصل ولا احتذاء، ويفسر الخلق بإيجاد الشيء من الشيء {البارئ} الموجد لها بريئة من تفاوت ما تقتضيه بحسب الحكمة والجبلة، وقيل: المميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة {المصور} الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد.
وقال الراغب: الصورة ما تنتقش بها الأعيان وتتميز بها عن غيرها، وهي ضربان: محسوسة تدركها العامة والخاصة بل الإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الفرس المشاهدة.
ومعقولة تدركها الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء، وإلى الصورتين أشار بقوله سبحانه: {خلقناكم ثُمَّ صورناكم} [الأعراف: 11] إلى آيات أخر انتهى فلا تغفل، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه، وحاطب بن أبي بلتعة، والحسن، وابن السميقع {المصور} بفتح الواو والنصب على أنه مفعول للبارئ، وأريد به جنس المصور، وعن علي كرم الله تعالى وجهه فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول نحو الضارب الغلام، وفي الخانية إن قراءة {المصور} بفتح الواو هنا تفسد الصلاة؛ ولعله أراد إذا أجراه حينئذٍ على الله سبحانه، وإلا ففي دعوى الفساد بعد ما سمعت نظر.