فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لَهُ الأسماء الحسنى} الدالة على محاسن المعاني {يُسَبّحُ لَهُ مَا في السماوات والأرض} من الموجودات بلسان الحال لما تضمنته من الحكم والمصالح التي يضيق عن حصرها نطاق البيان، أو بلسان المقال الذي أوتيه كل منها حسبما يليق به على ما قاله كثير من العارفين، وقد تقدم الكلام فيه {وَهُوَ العزيز الحكيم} الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى كمال القدرة المؤذن به {العزيز} بناءًا على تفسيره بالغالب وإلى كمال العلم المؤذن به {الحكيم} بناءًا على تفسيره بالفاعل بمقتضى الحكمة، وفي ذلك إشارة إلى التحلية بعد التخلية كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] فتأمل ولا تغفل.
ولهذه الآيات فضل عظيم كما دلت عليه عدة روايات.
وأخرج الإمام أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والطبراني وابن الضريس والبيهقي في (الشعب) عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات ذلك اليوم مات شهيدًا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة».
وأخرج الديلمي عن ابن عباس مرفوعًا «اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر».
وأخرج أبو علي عبد الرحمن بن محمد النيسابوري في فوائده عن محمد بن الحنفية أن البراء بن عازب قال لعلي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه: أسألك بالله إلا ما خصصتني بأفضل ما خصك به رسول الله عليه الصلاة والسلام مما خصه به جبريل مما بعث به الرحمن عز وجل، قال: يا براء إذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فاقرأ من أول الحديد عشر آيات وآخر الحشر، ثم قال: يا من هو هكذا وليس شيء هكذا غيره أسألك أن تفعل لي كذا وكذا فوالله يا براء لو دعوت علي لخسف بي.
وأخرج الديلمي عن علي كرم الله تعالى وجهه.
وابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعًا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال في قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا} [الحشر: 21] إلى آخر السورة هي رقية الصداع، وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه قال: أنبأنا أبو عبيد الحافظ أنبأ أبو الطيب محمد بن أحمد يوسف بن جعفر المقري البغدادي يعرف بغلام ابن شنبوذ أنبأ إدريس بن عبد الكريم الحداد قال: قرأت على خلف فلما بلغت هذه الآية {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ} [الحشر: 21] قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على حمزة فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الأعمش فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على يحيى بن وثاب فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك فإني قرأت على علقمة والأسود فلما بلغت هذه الآية قالا ضع يدك على رأسك فإنا قرأنا على عبد الله رضي الله تعالى عنه فلما بلغنا هذه الآية قال ضعا أيديكما على رءوسكما فإني قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت هذه الآية قال لي: «ضع يدك على رأسك فإن جبريل عليه السلام لما نزل بها إلي قال: ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت» إلى غير ذلك من الآثار، والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}
هذا مما نزل به القرآن الكريم من ذكر اللّه، وهو مما لو نزل على جبل لخشع وتصدّع من خشية اللّه..
فهذه الآية والآيات التي بعدها إلى آخر السورة، قد خلصصت لذكر بعض أسماء اللّه سبحانه وتعالى، وصفاته.. لم يذكر مع أسماء اللّه وصفاته غيرهما..
وهذا يعنى أن القرآن كله، هو دعوة إلى اللّه سبحانه، وإلى تجلى أسمائه وصفاته على عباده..
فالقرآن الكريم كلام اللّه، وكلامه- سبحانه- صفة من صفاته..
ففي كلمات اللّه تتجلّى صفاته على القلوب المؤمنة، التي من شأنها أن تخشع لذكر اللّه..
والتفرد بالألوهية، هو أول صفة للّه سبحانه، ولهذا كانت هذه الحقيقة أول ما بدئ به من صفات اللّه تعالى..
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ}..
فهذا التفرد هو الذي يجعل الكمال المطلق لصفات اللّه.. فإذا تفرد- سبحانه- بالألوهية، تفرد بالكمال المطلق في كل شيء.. وكان من أول مراتب الكمال بعد التفرد بالألوهية {العلم} الذي يحيط بكل ما في الوجود من غائب أو حاضر، وباطن، أو ظاهر..
فمن كمال الذات، كمال العلم الذي تتصف به، وبهذا العلم الكامل تقوم الربوبية على كل ذرة في هذا الوجود، ما ظهر منه، وما بطن..
ومن صفات الإله الواحد المتفرد بالألوهية وبالعلم- الرحمة، التي بها وجد.
ولهذا جاء قوله تعالى: {لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا} جامعا بين اليهود جميعا، في كل زمان ومكان، على تلك الصفة التي وصفهم اللّه سبحانه بها، وأنهم لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر.. كذلك كان سلفهم، وكذلك يكون خلفهم..
قوله تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}- إشارة إلى حال اليهود فيما بينهم، وأنهم أشد الناس شراسة، وأقساهم قلبا، وأقدرهم على الفتك، حيث يقاتل بعضهم بعضا، ويفتك بعضهم ببعض.. إنهم حينئذ يكونون أشبه بالحيات ينهش بعضها بعضا، ويفتك بعضها ببعض، فهى أعلم بمواطن الضعف في أبناء جنسها، وهى لهذا أشد جسارة، وأكثر إقداما من غيرها على هذا نفث السمّ الكامن فيها..
وقوله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}.. أي تبدو حال هؤلاء اليهود في ظاهرها، أنهم جمع واحد، ويد واحدة..
هكذا هم فيما يضمهم من مكان.. أما قلوبهم فهى أشتات موزعة، تذهب في أودية مختلفة، كل قلب منها يذهب في واد غير الذي يذهب فيه صاحبه..
وهذا يعنى أن كل واحد منهم إنما ينظر إلى نفسه، وبهتم بسلامتها قبل كل شيء.. لا يعنيه أن يسلم أصحابه أو يعطبوا.. إنهم في ساعة الخطر أشبه بالغنم يهجم عليها ذئب، فتتطاير هنا وهناك كما يتطاير الشرر..
وقوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}.. أي لا عقل لهم، ولو عقلوا لعلموا أن السلامة في اجتماعهم عند الخطر، وفي لقائهم له كيانا واحدا، وأن تفرقهم هو الذي يجعل يد الخطر مبسوطة عليهم متمكنة منهم جميعا.. فهم في هذا الفرار الذي يطلب به كل واحد منهم السلامة لنفسه، إنما يردون به موارد الهلكة جميعا..
المعتقد هو فيصل ما بين الإيمان والكفر.. وإنه لا يضرّ مع الإيمان شيء، كما لا ينفع مع الكفر شيء!.
و{الملك} هو المالك المطلق لكل شيء.. لا ينازعه أحد في ملك شيء من هذا الوجود، إذ أن أي موجود لا يملك وجود نفسه، فكيف يكون له مع اللّه ملك في ملكه الذي هو- أي هذا الموجود- بعض منه؟
و{القدوس}.. هو المنزه عن كل نقص، المبرأ من كل عيب.
و{السلام}.. هو من سلمت ذاته، وصفاته، وأفعاله، من أي عارض من عوارض النقص.. و{المؤمن} هو الطاهر الذي لا تعلق به شائبة.. ومنه سمى المؤمن مؤمنا.. و{المهيمن} هو القائم على الوجود، المسيطر على كل ذرة فيه.. و{العزيز} هو المتفرد بالعزة، والسلطان.. و{الجبار} هو القوىّ، الذي يخضع لجبروته كل جبار. و{المتكبر} هو المتعالى الذي لا يطاول.. فهذه ثمان صفات، جاءت متتابعة من غير حرف عطف، لأنها جميعها صفة واحدة، لموصوف واحد.. فكما أن اللّه سبحانه واحد في ذاته، هو واحد في صفته، وهى الألوهية.. وليس هذا التعدد في الصفات إلا من حيث نظرنا نحن إلى الذات، وما ينبغى أن نراه فيها من صفات الكمال..
فنحن بعقولنا البشرية هذه، لا يمكن أن نعرف الذات الإلهية، ولا أن نخشع لجلالها وسلطانها، إلّا بقدر ما نتمثل لها من صفات الكمال، وإنه بغير هذه الصفات التي نتمثلها، لا يمكن أن تقوم بيننا وبين الخالق جلّ وعلا علاقة ذات أثر وتأثير فينا.. {سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزه اللّه سبحانه، وتعالى عما يشرك به المشركون، بما يعبدون من دونه من معبودات.
قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}..
ـ {هُوَ اللَّهُ}.
توكيد بعد توكيد، لذات اللّه الواحد الذي لا إله إلا هو..
ـ {الْخالِقُ}.
أي الذي تفرد بالخلق.. فكل ما في الوجود مخلوق له.. {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [54: الأعراف]..
فكل ما في الوجود مخلوق للّه، والمخلوق لا يخلق، وما يبدو من المخلوقين أنه خلق، وابتكار، وابتداع- هو عمل فيما خلق اللّه، بالحلّ والتركيب في عالم المادة، وفيما أودع الخالق سبحانه فيها من قوى وما أخضعها له من قوانين.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [73: الحج]..
- {الْبارِئُ}.. أي الذي خلق ما خلق ابتداء على غير مثال سبق..
- {الْمُصَوِّرُ}.. أي الذي يبدع في خلقه، ويصور كيف يشاء..
- {لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}.. أي أنه سبحانه، مسمّى بكل اسم حسن، يليق به، لأن حسن الاسم من حسن المسمّى، حيث يسمى الشيء عادة بالاسم الذي يدل على أوضح صفة فيه.. وفي قاموس اللغة في أي لسان، تجد تشابها كثيرا بين اللغات المختلفة في اختيار الأسماء للأشياء التي بين أيدى الناس، هذا الاختيار الذي يقوم على أن يعطى الاسم دلالة واضحة على أبرز صفة في هذا الشيء، من حيث الشكل، أو اللون، أو الطعم، أو الوظيفة التي يقوم بها.. إلى غير هذا مما يميز بين الشيء والشيء..
ولعل هذا ما يفهم من قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} بمعنى أن اللّه تعالى أقدر آدم على أن يتعرف على الأشياء، وأن يجعل لكل شيء مفهوما، وأن يتخذ من هذا المفهوم اسما يجعله شارة لهذا الشيء يذكره به غائبا، وحاضرا..
وهذا هو ما كان من الإنسان، فإنه لم يدع شيئا يقع تحت حواسه، إلا استدعاه إليه باسم خاص به، مهما بلغت هذه الأشياء من الكثرة والتعدد..
بل إن الإنسان لم يقف عند هذا، بل وضع لكل جزء من أجزاء الشيء الواحد اسما يدل عليه، كما نرى ذلك في الإنسان، والأسماء التي لا تحصى لأعضائه الظاهرة والباطنة.. وهكذا صنع الإنسان بأدوات طعامه، وشرابه، ولباسه، ونومه وصيده، وحربه، إلى غير ذلك مما تلده الحياة كل يوم من مواليد فنونه ومخترعاته..
فإذا تعامل الإنسان، مع اللّه- سبحانه- وتعالى- بأسماء يدعوه بها، وجب أن تكون هذه الأسماء دالة على ما للّه سبحانه وتعالى، من كمال، وعظمة، وجلال، وسلطان قائم على هذا الوجود.. كما يقول سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها}.. ف في أسماء اللّه الحسنى التي ندعوه بها تتجلى لنا صفات الكمال التي له سبحانه.. ولهذ، فإن أسماء اللّه سبحانه، هي صفاته.. وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا من هذه الأسماء المباركة للّه وصفاته وهى متفرقة في آيات الكتاب الكريم، وقد جمعها الحديث الشريف في تسعة وتسعين اسما.. فيجب علينا أن نقف عندها، لا نتجاوزها، ولا نعدل عنها إلى غيرها، إذ كانت هي أكمل الأسماء، وأكمل الصفات التي تليق به سبحانه.. في قاموس اللغة العربية.
أسماء اللّه الحسنى:
روى البخاري، ومسلم، عن أبى هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه قال: «إن للّه تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر».