فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والأسماء الحسنى كما أحصاها العلماء هى:
اللّه لا إله إلا هو.. الرحمن.. الرحيم.. الملك.. القدوس.. السلام.. المؤمن.. المهيمن.. العزيز.. الجبار.. المتكبر.. الخالق.. البارئ.. المصور.. الغفار.. القهار.. الوهاب.. الرزاق.. الفتاح.. العليم.. القابض.. الباسط.. الخافض.. الرافع.. المعز.. المذل.. السميع.. البصير.. الحكم.. العدل.. اللطيف.. الخبير.. الحليم.. العظيم.. الغفور.. الشكور.. العلى.. الكبير.. الحفيظ.. المقيت.. الحسيب.. الجليل.. الكريم.. الرقيب.. المجيب.. الواسع.. الحكيم.. الودود.. المجيد.. الباعث.. الشهيد.. الحق.. الوكيل.. القوى.. المتين.. الولي.. الحميد.. المحصى.. المبدئ.. المعيد.. المحيي.. المميت.. الحي.. القيوم.. الواجد.. الماجد.. الواحد.. الصمد.. القادر.. المقتدر.. المقدم.. المؤخر.. الأول.. الآخر.. الظاهر.. الباطن.. الوالي.. المتعال.. البر.. التواب.. المنتقم.. العفو.. الرءوف.. مالك الملك ذو الجلال والإكرام.. المقسط.. الجامع.. الغنى.. المغني.. المعطى.. المانع.. الضار.. النافع.. النور.. الهادي.. البديع.. الباقي.. الوارث.. الرشيد.. الصبور.
قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي أن كل ما في السموات والأرض من عوالم، يسبح للّه، ويحمد له، ويتعبد لذاته، كما يقول سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [44: الإسراء].
وقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}- إشارة إلى ما للّه سبحانه وتعالى من عزة يخضع لها كل ما في هذا الوجود.. {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [10: فاطر] فإن من كمال الإله الواحد، المتفرد بالسلطان- أن يخضع لسلطانه كل شيء {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ}.. وهذه العزة القاهرة للّه، هي عزة الحكيم الذي يقيم كل شيء بعزته وسلطانه على ميزان الحكمة والعدل والإحسان، لا على الهوى، والجور، والإذلال، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا..
هذا ويلاحظ أن الآيات الثلاث التي عرضت هذه الأسماء الكريمة للّه سبحانه وتعالى، قد جاءت متلاحمة، من غير أن يصل بعضها ببعض حرف عطف، أو أن يتوسل إلى وصل بعضها ببعض بعاطف يجمع بينها، إذ أنها في حقيقتها اسم واحد، أو صفة واحدة للإله الواحد.. وكما أنه قد استغنت الآيات فيما بينها عن رابط غير رباط الوحدة التي تجمعها جميعا في مضمون واحد، هو وحدة اللّه سبحانه، وتفرده ذاتا، وصفة- كذلك استغنت كل آية عن أن يدخل بين مفرداتها عاطف يصل بين أفراد المتآخيه..
واتل أيها المؤمن الآيات الكريمات:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السلام الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وانظر في وجهها الكريم، فإنك لا تجد فيها حرف عطف واحدا، إذ كانت مستغنية بما بينها من تلك الوحدة الجامعة لها جميعا من الكمال والجلال عن أن يدخل عليها ما ليس منها.. إنها نور إلى نور، وما كان النور أن يحتاج إلى شيء يمزج شعاعاته بعضها بعض، أو يصل بعضها ببعض..
فهذه الصفات الكريمة هي صفة واحدة في تفرقها واجتماعها.. وكل صفة منها تجمع جميع الصفات.. فهى صفة في صفات، وصفات في صفة، وما هذا التعدد إلا من وجهة نظرنا نحن البشر، حسب ما يبدو لعقولنا من تجليات اللّه سبحانه وتعالى علينا، وذلك أشبه- من غير تشبيه- بما يقع لأبصارنا من الضوء يمر خلال منشور زجاجى، فتنعكس لأبصارنا عليه ألوان الطيف، وليس ثمة.
في الحقيقة- إلا هذا الضوء المشع الذي يفيض من عالم النور. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}
لما تكرر في هذه السورة ذكر اسم الله وضمائره وصفاته أربعين مرة منها أربع وعشرون بذكر اسم الجلالة وست عشرة مرة بذكر ضميره الظاهرِ، أو صفاته العلية.
وكان ما تضمنته السورة دلائل على عظيم قدرة الله وبديع تصرفه وحكمته.
وكان مما حوته السورة الاعتبارُ بعظيم قدرة الله إذْ أيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ونصرَهم على بني النضير ذلك النصرَ الخارق للعادة، وذِكر ما حل بالمنافقين أنصارهم وأن ذلك لأنهم شاقُّوا الله ورسوله وقوبل ذلك بالثناء على المؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذين نصروا الدّين، ثم الأمر بطاعة الله والاستعداد ليوم الجزاء، والتحذير من الذين أعرضوا عن كتاب الله ومن سوء عاقبتهم، وختم ذلك بالتذكير بالقرآن الدال على الخير، والمعرّف بعظمة الله المقتضية شدة خشيته، عقب ذلك بذكر طائفة من عظيم صفات الله ذات الآثار العديدة في تصرفاته المناسبة لغرض السورة زيادة في تعريف المؤمنين بعظمته المقتضية للمزيد من خشيته.
وبالصفات الحسنى الموجبة لمحبته، وزيادةً في إرهاب المعاندين المعرضين من صفات بطشه وجبروته، ولذلك ذُكر في هذه الآيات الخواتم للسورة من صفاته تعالى ما هو مختلف التعلق والآثار للفريقين حظ مَا يليق به منها.
وفي غضون ذلك كله دلائل على بطلان إشراكهم به أصنامهم.
وسنذكر مراجع هذه الأسماء إلى ما اشتملت عليه السورة فيما يأتي.
فضمير الغيبة الواقع في أول الجملة عائد إلى اسم الجلالة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} [الحشر: 18]، و{هو} مبتدأ واسم الجلالة خبر عنه و{الذي} صفة لاسم الجلالة.
وكان مقتضى الظاهر الاقتصار على الضمير دون ذكر اسم الجلالة لأن المقصود الإِخبار عن الضمير بـ {الذي لا إله إلا هو} وبما بعد ذلك من الصفات العلية، فالجمع بين الضمير وما يساوي معادَة اعتبار بأن اسم الجلالة يجمع صفات الكمال لأن أصله الإله ومدلول الإله يقتضي جميع صفات الكمال.
ويجوز أن يجعل الضمير ضمير الشأن ويكون الكلام استئنافًا قُصد منه تعليم المسلمين هذه الصفات ليتبَصَّرُوا فيها وللردّ على المشركين إشراكهم بصاحب هذه الصفات معه أصنافًا ليس لواحد منها شيء من مثل هذه الصفات، ولذلك ختمت طائفة منها بجملة {سبحان الله عما يشركون} [الحشر: 23]، لتكون ختامًا لهذه السورة الجليلة التي تضمنت منة عظيمة، وهي منة الفتح الواقع والفتح الميسّر في المستقبل، لا جرم أنه حقيق بأن يعرفوا جلائل صفاته التي لتعلقاتها آثار في الأحوال الحاصلة والتي ستحصل من هذه الفتوح وليعلمَ المشركون والكافرون من اليهود أنهم ما تعاقبت هزائمهم إلاّ من جرّاء كفرهم.
ولما كان شأن هذه الصفات عظيمًا ناسب أن تفتتح الجملة بضمير الشأن، فيكون اسم الجلالة مبتدأ و{الذي لا إله إلا هو} خبر.
والجملة خبر عن ضمير الشأن فيكون اسم الجلالة مبتدأ و{الذي لا إله إلا هو} خبرًا والجملة خبرًا عن ضمير الشأن.
وابتدئ في هذه الصفات العلية بصفة الوحدانية وهي مدلول {الذي لا إله إلا هو} وهي الأصل فيما يتبعها من الصفات.
ولذلك كثر في القرآن ذكرها عقب اسم الجلالة كما في آية الكرسي، وفاتحة آل عمران.
وثني بصفة {عالم الغيب} لأنها الصفة التي تقتضيها صفة الإلهية إذ علم الله هو العلم الواجب وهي تقتضي جميع الصفات إذ لا تتقوّم حقيقة العلم الواجب إلا بالصفات السَّلبية، وإذْ هو يقتضي الصفات المعنوية، وإنما ذكر من متعلقات علمه أمور الغيب لأنه الذي فارق به علمُ الله تعالى علمَ غيره، وذكر معه علم الشهادة للاحتراس تَوهُّم أنه يعلم الحقائق العالية الكلية فقط كما ذهب إليه فريق من الفلاسفة الأقدمين ولأن التعريف في {الغيب والشهادة} للاستغراق.
أي كل غيب وشهادة، وذلك مما لا يشاركه فيه غيره.
وهو علم الغيب والشهادة، أي الغائب عن إحساس الناس والمشاهد لهم.
فالمقصود فيهما بمعنى اسم الفاعل، أي عالم ما ظهر للناس وما غاب عنهم من كل غائب يتعلق به العلم على ما هو عليه.
والتعريف في {الغيب والشهادة} للاستغراق الحقيقي.
وفي ذكر الغيب إيماء إلى ضلال الذين قصَروا أنفسهم على المشاهدات وكفروا بالمغيبات من البعث والجزاء وإرسال الرسل، أمّا ذكر علم الشهادة فتتميم على أن المشركين يتوهمون الله لا يطلع على ما يخفونه.
قال تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم} إلى قوله: {من الخاسرين} [فصلت: 22- 23].
وضمير {هو الرحمن الرحيم} ضمير فصل يفيد قصر الرحمة عليه تعالى لعدم الاعتداد برحمة غيره لقصورها قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: 156].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الرحمة في مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا. فمن ذلك الجُزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشيةَ أن تصيبه».
وقد تقدم الكلام على {الرحمن الرحيم} في سورة [الفاتحة: 3].
ووجه تعقيب صفة عموم العلم بصفة الرحمة أن عموم العلم يقتضي أن لا يغيب عن علمه شيء من أحوال خلقه وحاجتهم إليه، فهو يرحم المحْتاجين إلى رحمته ويُهْمِل المعاندين إلى عقاب الآخرة، فهو رحمان بهم في الدنيا، وقد كثر إتباع اسم الجلالة بصفتي الرحمن الرحيم في القرآن كما في الفاتحة.
{هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجَبّارُ المتُتَكَبِرُّ}.
القول في ضمير {هو} كالقول في نظيره في الجملة الأولى.
وهذا تكرير للاستئناف لأن المقام مقام تعظيم وهو من مقامات التكرير، وفيه اهتمام بصفة الوحدانية.
و{الملك}: الحاكِم في الناس، ولا مَلِك على الإِطلاق إلاّ الله تعالى وأما وصف غيره بالمَلِك فهو بالإِضافة إلى طائفة معيَّنة من الناس.
وعُقب وصفا الرحمة بوصف {الملك} للإِشارة إلى أن رحمته فضل وأنه مطلق التصرف كما وقع في سورة الفاتحة.
و{القدوس} بضم القاف في الأفصح، وقد تفتح القاف قال ابن جنّي: فَعُّول في الصفة قليل، وإنما هو في الأسماء مثل تَنُّور وسَفُّود وعَبُّود.
وذكر سيبويه السَّبُّوح والقَدوس بالفتح، وقال ثعلب: لم يَرد فَعُّول بضم أوله إلا القُدوس والسُّبوح.
وزاد غيره الذُّرُّوح، وهو ذُباب أحمر متقطع الحمرة بسواد يشبه الزنبور.
ويسمى في اصطلاح الأطباء ذباب الهند.
وما عداهما مفتوح مثل سَفُّود وكَلُّوب.
وتَنُّور وسَمُّور وشَبُّوط (صنف من الحوت) وكأنه يريد أن سبوح وقدوس صارا اسمين.
وعقب بـ {القدوس} وصف {الملك} للاحتراس إشارة إلى أنه مُنزه عن نقائص الملوك المعروفة من الغرور، والاسترسال في الشهوات ونحو ذلك من نقائص النفوس.
و{السلام} مصدر بمعنى المسالَمَة وُصف الله تعالى به على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة في الوصف، أي ذو السلام، أي السلامة، وهي أنه تعالى سالَمَ الخلقَ من الظلم والجور.
وفي الحديث: «إن الله هو السلام ومنه السلام» وبهذا ظهر تعقيب وصف {الملك} بوصف {السلام} فإنه بعد أن عُقب بـ {القدوس} للدلالة على نزاهة ذاته، عُقب بـ {السلام} للدلالة على العدل في معاملته الخلق، وهذا احتراس أيضًا.
و{المؤمن} اسم فاعل من آمن الذي همزته للتعدية، أي جعل غيره آمنًا.
فالله هو الذي جعل الأمان في غالب أحوال الموجودات، إذ خلق نظام المخلوقات بعيدًا عن الأخطار والمصائب، وإنما تَعْرِض للمخلوقات للمصائب بعوارض تتركب من تقارن أو تضاد أو تعارض مصالح، فيرجَع أقواها ويَدحض أدناها، وقد تأتي من جرّاء أفعال الناس.