فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ عليّ وحاطب بن أبي بلتعة والحسن وابن السميقع: المصور بفتح الواو والراء، وانتصب مفعولًا بالباري، وأراد به جنس المصور.
وعن علي؛ فتح الواو وكسر الراء على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول، نحو: الضارب الغلام. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} أي في كلِّ ما تأتونَ وما تذرونَ {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أيْ أيُّ شيءٍ قدمَتْ من الأعمالِ ليومِ القيامةِ عبرَ عنْهُ بذلكَ لدنوِّهِ أو لأن الدنيا كيومٍ والآخرةُ هي غَدُهُ وتنكيرُهُ لتفخيمِه وتهويلِه كأنه قيلَ لغدٍ لا يُعرفُ كنهُهُ لغايةِ عظمِه، وأما تنكيرُ نفسٍ فلاستقلالِ الأنفسِ النواظرِ فيما قدَّمن لذلكَ اليومَ الهائلِ، كأنه قيلَ ولتنظُر نفسٌ واحدةٌ في ذلكَ.
{واتقوا الله} تكريرٌ للتأكيدِ، أو الأولُ في أداءِ الواجباتِ كما يُشعرُ به ما بعدَهُ من الأمرِ بالعملِ، وهذا في تركِ المحارمِ كما يُؤذنُ بهِ الوعيدُ بقولهِ تعالى: {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي من المعاصِي {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله} أي نَسُوا حقوقَهُ تعالَى وما قدرُوه حقَّ قدرِهِ ولم يراعُوا مواجبَ أوامرِهِ ونواهِيه حقَّ رعايتِهَا {فأنساهم} بسببِ ذلكَ {أَنفُسِهِمْ} أي جعلَهُم ناسينَ لها حتَّى لم يسمعُوا ما ينفعُها ولم يفعَلُوا ما يخلِّصُهَا أو أراهُم يومَ القيامةِ من الأهوالِ ما أنساهُم أنفسَهُم {أُولَئِكَ هُمُ الفاسقون} الكاملونَ في الفسوقِ.
{لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار}
الذينَ نسُوا الله تعالَى فاستحقُّوا الخلودَ في النارِ. {وأصحاب الجنة} الذينَ اتَقوا الله فاستحقُّوا الخلودَ في الجنة، ولعلَّ تقديمَ أصحابِ النارِ في الذكرِ للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ القصورَ الذي ينبئُ عنه عدمُ الاستواءِ من جهتِهِم لا من جهةِ مقابلِيهِم فإن مفهومَ عدمِ الاستواءِ بين الشيئينِ المتفاوتينِ زيادةً ونقصانًا وإن جازَ اعتبارُهُ بحسبِ زيادةُ الزائدِ، لكنْ المتبادرُ اعتبارُهُ بحسبِ نقصانِ الناقصِ، وعليهِ قولهُ تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور} إلى غيرِ ذكلَ منَ المواقعِ وأما قولهُ تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} فلعلَّ تقديمَ الفاضلِ فيهِ لأنَّ صلَتَهُ ملكةٌ لصلةِ المفضولِ والاعدامُ مسبوقةٌ بملكاتِهَا وَلاَ دلالةَ في الآيةِ الكريمةِ على أنَّ المسلمَ لا يقتصُّ بالكافرِ وأنَّ الكفارَ لا يملكونَ أموالَ المسلمينَ بالقهرِ لأنَّ المرادَ عدمُ الاستواءِ في الأحوالِ الأخرويةِ كما ينبئُ عنه التعبيرُ عن الفريقينِ بصاحبيةِ النَّارِ وصاحبيةِ الجنَّةِ وكذا قولهُ تعالى: {أصحاب الجنة هُمُ الفائزون} فإنَّه استئنافٌ مبينٌ لكيفةِ عدمِ الاستواءِ بينَ الفريقينِ أي هُم الفائزونَ بكلِّ مطلوبٍ الناجونَ عنْ كلِّ مكروهٍ.
{لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان} العظيمَ الشأنِ المنطويَ على فنونِ القوارعِ {على جَبَلٍ} من الجبالِ {لَّرَأَيْتَهُ} مع كونِهِ عَلمًا في القسوةِ وعدمِ التأثرِ مما يصادِمُهُ {خاشعا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ الله} أي متشققًا منها. وقرئ {مُصَدَّعًا} بالإدغامِ وهذا تمثيلٌ وتخييلٌ لعلوِّ شأنِ القرآن وقوةِ تأثيرِ ما فيهِ من المواعظِ كما ينطقُ به قولهُ تعالى: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أُريدَ به توبيخَ الإنسانِ على قسوةِ قلبهِ وعدم تخشعِهِ عندَ تلاوتِهِ وقلةِ تدبرِهِ فيه {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} وَحْدَهُ {عالم الغيب والشهادة} أي ما غابَ عن الحسِّ من الجَوَاهِرِ القُدسيةِ وأحوالِهَا وما حضرَ لهُ من الأجرامِ وأعراضِهَا. وتقديمُ الغيبِ على الشهادةِ لتقدمِهِ في الوجودِ وتعلقِ العلمِ القديمِ به. أو المعدُوم والموجودُ أو السرُّ والعلانيةُ {هُوَ الرحمن الرحيم هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} كُرِّرَ لإبرازِ الاعتناءِ بأمرِ التوحيدِ {الملك القدوس} البليغُ في النزاهةِ عما يوجبُ نُقْصانًا مَا. وقرئ بالفتحِ وهي لغةٌ فيهِ {السلام} ذُو السلامةِ من كلِّ نقصٍ وآفةٍ، مصدرٌ وصفَ بهِ للمبالغةِ {المؤمن} واهبُ الأمنِ. وقرئ بالفتحِ بمَعْنَى المُؤْمَنُ بهِ على حذفِ الجارِّ {المهيمن} الرقيبُ الحافظُ لكلِّ شيءٍ مُفَيْعِلٌ منْ الأمن بقلبِ همزتِهِ هاءً {العزيز} الغالبُ {الجبار} الذي جبرَ خلقَهُ على ما أرادَ، أو جبرَ أحوالَهُم، أي أَصْلَحَها {المتكبر} الذي تكبرَ عن كلِّ ما يوجبُ حاجةً أو نُقصانًا، أو البليغُ الكبرياءِ والعظمةِ {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} تنزيهٌ له تعالَى عمَّا يشركُونَهُ به تعالى أو عن إشراكِهِم به تعالى إثرَ تعدادِ صفاتِهِ التي لا يمكِنُ أنْ يشارِكَهُ تعالَى في شيءٍ منها شيءٌ ما أصلًا.
{هُوَ الله الخالق} المقدرُ للأشياءِ على مُقتضى حكمتِهِ {البارئ} الموجدُ لها بريئًا منَ التفاوتِ، وقيلَ المميزُ بعضَهَا من بعضٍ بالأشكالِ المختلفةِ {المصور} الموجدُ لصورِهَا وكيفياتِهَا كما أرادَ {لَهُ الأسماء الحسنى} لدلالتِهَا على المعانِي الحسنةِ {يُسَبّحُ لَهُ مَا في السموات والأرض} ينطقُ بتنزههِ تعالَى عن جميعِ النقائصِ تنزهًا ظاهرًا {وَهُوَ العزيز الحكيم} الجامعُ للكمالاتِ كافةً فإنها معَ تكثرِهَا وتشعبها راجعةٌ إلى الكمالِ في القدرةِ والعلمِ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تبارك وتعالى: {سَبَّحَ للَّهِ مَا في السموات} يعني: صلى لله، ويقال: خضع لله، ويقال: هو التسبيح بعينه {مَا فِي السموات} من الملائكة.
{وَمَا في الأرض} يعني: من الخلق.
{وَهُوَ العزيز} في ملكه، {الحكيم} في أمره.
ثم قال عز وجل: {هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ}، يعني: يهود بني النضير.
{مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن ديارهم}.
وكان بدأ أمر بني النضير، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ثلاثة بعوث، أحد البعوث مرشد بن أبي مرشد الغنوي، وأمره على سبعة نفر إلى بعض النواحي، فساروا حتى جاؤوا بطن الرجيع، فنزلوا عند شجرة، فأكلوا من تمر عجوة كانت معهم، فسقطت نوايات بالأرض، وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار، فكمنوا بالجبل.
فجاءت امرأة من هذيل ترعى الغنم، فرأت النوايات التي سقطت في الأرض، فأنكرت صفرهن فعرفت أنها تمر المدينة، فصاحت في قومها: أنتم أتيتم.
فجاؤوا يطلبونها، فوجدوهم قد كمنوا في الجبل، فقالوا لهم: انزلوا ولكم الأمان.
فقالوا: لا نعطي بأيدينا.
فقاتلوهم، فقتلوا كلهم إلا عبد الله بن طارق، فجرحوه وحسبوا أنه قد مات، فتركوه فنجا من بينهم.
وبقي أخوهم عاصم بن ثابت بن الأفلح، ففرغ جعبته ثم جعل يرميهم ويرتجز، ويقاتلهم حتى فنيت سبله؛ ثم طاعن بالرمح حتى انكسر الرمح وبقي السيف.
ثم قال: اللهم إني قد حميت دينك أول النهار، فاحم جسدي في آخره.
وكانوا يجردون من قتل أصحابه، فلما قتلوا عاصمًا، حمته الدبر وهي الذنابير، حتى جاء السيل من الليل، فذهب به الدبر.
وأسروا خبيب بن عدي ورجل آخر اسمه زيد بن الدثنة، فأما خبيب فذهبوا به إلى مكة، فاشترته امرأة ومعها أناس من قريش قتل لهم قتيل يوم بدر فلما جيء بخبيب أتي به في الشهر الحرام، فحبس حتى انسلخ الشهر الحرام ثم خرجوا به من الحرم ليصلبوه، فقال لهم: اتركوني أصلي ركعتين، فصلاهما.
ثم قال: لولا خشيت أن يقولوا جزع من الموت، لازددت.
فقال: اللهم ليس هاهنا أحد أن يبلغ عني رسولك السلام، فبلغ أنت عني السلام.
ثم التفت إلى وجوههم، وقال: اللهم أحصهم عددًا وأهلكهم بدنًا يعني: متفرقين، ولا تبقي منهم أحدًا.
ثم صلبوه.
وأما صاحبه، الذي أسر معه، اشتراه صفوان بن أمية.
وأما البعث الثاني، فإنه بعث محمد بن سلمة مع أصحابه، فقتل أصحابه عن نحو طريق العراق، وارتث هو من وسط القتلى فنجا.
وأما البعث الثالث، فإن عمرو بن مالك كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إليَّ رجالًا يعلموننا القرآن، ويفقهوننا في الدين، فهم في ذمتي وجواري.
فبعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي في أربعة عشر من المهاجرين والأنصار، فساروا نحو بئر معونة.
فلما ساروا ليلة من المدينة، بلغهم أن عمرو بن مالك مات، فكتب المنذر بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فأمده صلى الله عليه وسلم بأربعة نفر منهم عمرو بن أمية الضمري، والحارث بن الصمة، وسعد بن أبي وقاص، ورجل آخر؛ فساروا حتى بلغوا بئر معونة، وكتبوا إلى ربيعة بن عامر بن مالك: نحن في ذمتك وذمة أبيك، أفنقدم إليك أم لا؟ فقال: أنتم في ذمتي وجواري فأقدموا.
فخرج إليهم عامر بن الطفيل، واستعان برعل وذكوان وعصية فخرجوا إلى المسلمين فقاتلوهم، فقتلوا كلهم إلا عمرو بن أمية الضمري، والحارث بن الصمة، وسعد بن أبي وقاص، كانوا تخلفوا.
فنزلوا تحت شجرة إذ وقع على الشجرة طير، فرمى عليهم بعلقة دم، فعرفوا أن الطير قد شرب الدم، فقال بعضهم لبعض: قد قتل أصحابنا.
فصعدوا أعلى الجبل، فنظروا فإذا القوم صرعى، وقد اعتكفت عليهم الطير، فقال الحارث بن الصمة: أنا لا أنتهي حتى أبلغ مصارع أصحابي.
فخرج إليهم فقاتل القوم، فقتل منهم رجلين.
ثم أخذوه فقالوا له: ما تحب أن نصنع بك؟ فقال لهم: ابلغوا بي مصارع قومي.
فلما بلغ مصارع أصحابه، أرسلوه فقاتلهم، فقتل منهم اثنين.
ثم قتل فرجع عمرو بن أمية الضمري، ورجع معه الرجلان الآخران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رجلان من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مستأمنين، قد كساهما وحملهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أنتما؟ قال: كلابيان.
فقتلهما عمرو بن أمية الضمري، وأخذ سلبهما، ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فقال: «بئس ما صنعت حين قتلتهما».
فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره خبر هذه البعوث الثلاثة في ليلة واحدة، صلى الصبح في ذلك اليوم، وقال في الركعة الثانية: اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم العن رعلان وذكوان وبني لحيان، اللهم غفار، غفر الله لها وسالم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله.
فجاء أناس من بني كلاب يلتمسون من رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الكلابيين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، صالح بني النضير على أن لا يكونوا معه ولا عليه؛ فاستعان النبي صلى الله عليه وسلم في عقل الكلابيين قبائل الأنصار؛ فلما بلغ العالية استعان من بني النضير فقال: «أعينوني في عقل أصابني» فقال: هؤلاء حلفائي.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر، وعمر، وعلي رضي الله عنهم إلى بني النضير، فقال حيي بن أخطب: اجلس يا أبا القاسم حتى نطعمك ونعطيك ما سألتنا.
فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في صفه، ومعه أبو بكر، وعمر، وعلي رضي الله عنهم فقال حيي بن أخطب لأصحابه: إنما هو في ثلاثة نفر لا ترونه أقرب من الآن، فاقتلوه لا تروا شرًا أبدًا.
فنزل جبريل عليه السلام وأخبره، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يريد حاجة، حتى دخل المدينة فجاء إنسان، فسألوه عنه فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم دخل أول البيوت.
فقاموا من هناك، فقال حيي بن أخطب: عجل أبو القاسم عليه، فقد أردنا أن نطعمه ونعطيه الذي سأله.
فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، جمع الناس وجاء بالجيش، واختلفوا في قتل كعب بن الأشرف، فقال بعضهم لبعض: قد كان قتل قبل ذلك، وقال بعضهم: قتل في هذا الوقت.