فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب. وعن أبي هريرة أنه قال: «سألت خليلي أبا القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم فقال: عليك بآخر سورة الحشر فأكثر قراءتها فأعدت عليه فأعاد علي» وقال جابر بن زيد: إنّ اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية. وما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الحشر غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر» حديث موضوع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القرآن عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة وأهل النار، وبيّن عدم استوائهم في شيء من الأشياء ذكر تعظيم كتابه الكريم، وأخبر عن جلالته، وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب، وترقّ له الأفئدة، فقال: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ الله} أي: من شأنه، وعظمته، وجودة ألفاظه، وقوّة مبانيه، وبلاغته، واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب أنه لو أنزل على جبل من الجبال الكائنة في الأرض لرأيته مع كونه في غاية القسوة، وشدّة الصلابة، وضخامة الجرم خاشعًا متصدعًا، أي: متشققًا من خشية الله سبحانه، حذرًا من عقابه، وخوفًا من أن لا يؤدي ما يجب عليه من تعظيم كلام الله، وهذا تمثيل وتخييل يقتضي علوّ شأن القرآن وقوّة تأثيره في القلوب، ويدلّ على هذا قوله: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فيما يجب عليهم التفكر فيه؛ ليتعظوا بالمواعظ، وينزجروا بالزواجر، وفيه توبيخ، وتقريع للكفار حيث لم يخشعوا للقرآن، ولا اتعظوا بمواعظه، ولا انزجروا بزواجره، والخاشع: الذليل المتواضع.
وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، ولتصدّع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك، وثبتناك له، وقوّيناك عليه، فيكون على هذا من باب الامتنان على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي.
ثم أخبر سبحانه بربوبيته وعظمته، فقال: {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} وفي هذا تقرير للتوحيد ودفع للشرك {عالم الغيب والشهادة} أي: عالم ما غاب من الإحساس وما حضر، وقيل: عالم السرّ والعلانية، وقيل: ما كان وما يكون، وقيل: الآخرة والدنيا، وقدّم الغيب على الشهادة لكونه متقدّمًا وجودًا {هُوَ الرحمن الرحيم} قد تقدّم تفسير هذين الاسمين {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ} كرره للتأكيد والتقرير لكون التوحيد حقيقًا بذلك {الملك القدوس} أي: الطاهر من كل عيب، المنزّه عن كل نقص، والقدس بالتحريك في لغة أهل الحجاز: السطل؛ لأنه يتطهر به، ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء.
قرأ الجمهور: {القدّوس} بضم القاف.
وقرأ أبو ذرّ، وأبو السماك بفتحها، وكان سيبويه يقول: سبوح قدّوس بفتح أوّلهما، وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابيًا فصيحًا يقرأ: {القدّوس} بفتح القاف.
قال ثعلب: كل اسم على فعول فهو مفتوح الأوّل إلاّ السبوح والقدّوس، فإن الضم فيهما أكثر، وقد يفتحان {السلام} أي: الذي سلم من كل نقص وعيب، وقيل: المسلم على عباده في الجنة، كما قال: {سَلاَمٌ قولا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [ياس: 58] وقيل: الذي سلم الخلق من ظلمه، وبه قال الأكثر، وقيل: المسلم لعباده، وهو مصدر وصف به للمبالغة {المؤمن} أي: الذي وهب لعباده الأمن من عذابه، وقيل: المصدّق لرسله بإظهار المعجزات، وقيل: المصدّق للمؤمنين بما وعدهم به من الثواب، والمصدّق للكافرين بما أوعدهم به من العذاب، يقال: أمنه من الأمن وهو ضدّ الخوف، ومنه قول النابغة:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ** ركبان مكة بين الغيل والسند

وقال مجاهد: المؤمن الذي وحد نفسه بقوله: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 18].
قرأ الجمهور: {المؤمن} بكسر الميم، اسم فاعل من آمن بمعنى: أمن.
وقرأ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بفتحها بمعنى: المؤمن به على الحذف كقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] وقال أبو حاتم: لا تجوز هذه القراءة؛ لأن معناه: أنه كان خائفًا فأمنه غيره {المهيمن} أي: الشهيد على عباده بأعمالهم الرقيب عليهم. كذا قال مجاهد، وقتادة، ومقاتل.
يقال: هيمن يهيمن فهو مهيمن: إذا كان رقيبًا على الشيء.
قال الواحدي: وذهب كثير من المفسرين إلى أن أصله مؤيمن من آمن يؤمن، فيكون بمعنى المؤمن، والأوّل أولى، وقد قدّمنا الكلام على المهيمن في سورة المائدة {العزيز} الذي لا يوجد له نظير، وقيل: القاهر، وقيل: الغالب غير المغلوب، وقيل: القويّ {الجبار} جبروت الله: عظمته، والعرب تسمي الملك الجبار، ويجوز أن يكون من جبر: إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير، ويجوز أن يكون من جبره على كذا: إذا أكرهه على ما أراد، فهو الذي جبر خلقه على ما أراد منهم، وبه قال السديّ، ومقاتل، واختاره الزجاج، والفراء، قال: هو من أجبره على الأمر، أي: قهره.
قال: ولم أسمع فعالًا من أفعل إلاّ في جبار من أجبر، ودرّاك من أدرك، وقيل: الجبار: الذي لا تطاق سطوته {المتكبر} أي: الذي تكبر عن كل نقص، وتعظم عما لا يليق به، وأصل التكبر: الامتناع وعدم الانقياد، ومنه قول حميد بن ثور:
عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت ** بها كبرياء الصعب وهي ذلول

والكبر في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذمّ.
قال قتادة: هو الذي تكبر عن كل سوء.
قال ابن الأنباري: المتكبر ذو الكبرياء، وهو الملك، ثم نزه سبحانه نفسه عن شرك المشركين، فقال: {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: عما يشركونه، أو عن إشراكهم به {هُوَ الله الخالق} أي: المقدّر للأشياء على مقتضى إرادته ومشيئته {البارئ} أي: المنشئ المخترع للأشياء الموجد لها.
وقيل: المميز لبعضها من بعض {المصور} أي: الموجد للصور المركب لها على هيئات مختلفة، فالتصوير مترتب على الخلق والبراية وتابع لهما، ومعنى التصوير: التخطيط والتشكيل، قال النابغة:
الخالق البارئ المصور في ال ** أرحام ماء حتى يصير دما

وقرأ حاطب بن أبي بلتعة الصحابي: {المصوّر} بفتح الواو ونصب الراء على أنه مفعول به للبارئ أي: الذي برأ المصوّر، أي: ميزه {لَهُ الأسماء الحسنى} قد تقدّم بيانها، والكلام فيها عند تفسير قوله: {وَللَّهِ الاسماء الحسنى فادعوه بِهَا} [الأعراف 180] {يُسَبّحُ لَهُ مَا في السموات والأرض} أي: ينطق بتنزيهه بلسان الحال أو المقال كل ما فيهما {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي: الغالب لغيره الذي لا يغالبه مغالب، الحكيم في كل الأمور التي يقضي بها.
وقد أخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس، في قوله: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ} قال: يقول: لو إني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدّع، وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع. قال: {كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون}.
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود وعليّ مرفوعًا في قوله: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ} إلى آخر السورة قال: هي رقية الصداع.
رواه الديلمي بإسنادين لا ندري كيف حال رجالهما.
وأخرج الخطيب في تاريخه بإسناده إلى إدريس بن عبد الكريم الحداد قال: قرأت على خلف، فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك، فإني قرأت على حمزة، فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك، فإني قرأت على الأعمش، ثم ساق الإسناد مسلسلًا هكذا إلى ابن مسعود فقال: «فإني قرأت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت هذه الآية قال لي: ضع يدك على رأسك، فإن جبريل لما نزل بها قال لي: ضع يدك على رأسك، فإنها شفاء من كلّ داء إلاّ السام»، والسام: الموت.
قال الذهبي: هو باطل.
وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وابن مردويه عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا إذا آوى إلى فراشه أن يقرأ آخر سورة الحشر وقال: «إن متّ متّ شهيدًا» وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعوّذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، ثم قرأ آخر سورة الحشر بعث الله سبعين ملكًا يطردون عنه شياطين الإنس والجنّ إن كان ليلًا حتى يصبح، وإن كان نهارًا حتى يمسي» وأخرج أحمد، والدارمي، والترمذي وحسنه، والطبراني، وابن الضريس، والبيهقي في الشعب عن معقل بن يسار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح ثلاث مرّات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة».
قال الترمذي بعد إخراجه: غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه.
وأخرج ابن عديّ، وابن مردويه، والخطيب، والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ خواتيم الحشر في ليل أو نهار، فمات من يومه أو ليلته أوجب الله له الجنة» وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {عالم الغيب والشهادة} قال: السرّ والعلانية.
وفي قوله: {المؤمن} قال: المؤمِّن خلقه من أن يظلمهم، وفي قوله: {المهيمن} قال: الشاهد. اهـ.

.قال القاسمي:

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
تقدم القول في تأويل نظيره، ثم أشار إلى بيان بعض آثار عزته تعالى، وإحكام حكمته، إثر وصفه بالعزة القاهرة، والحكمة الباهرة على الإطلاق بقوله: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني بني النضير من اليهود {مِّن دِيَارِهِمْ} أي: من مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول المدينة، لطفًا بهم {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} أي: لأول الجمع لقتالهم. يعني أخرجهم تعالى بقهره لأول ما حشر لغزوهم. والتوقيت به إشارة إلى شدة الأخذ الرباني لهم، وقوة البطش والانتقام، بقذف الرعب في قلوبهم، حتى اضطروا لأول الهجوم عليهم، إلى الجلاء والفرار، كما يأتي.
{مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا} أي: لشدة بأسهم ومنعتهم، فصار آية لكم، لأنه من آثار سنته تعالى في إذلال المفسدين وقهرهم {وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} أي: من بأسه {فَآتَاهُمُ اللّهُ} أي: عذابه، وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} أي: لم يظنوا {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} أي: أنزله إنزالًا شديدًا فيها، لدلالة مادة القذف عليه، كأنه مقذوف الحجارة.
قال القاشاني: أي: نظر بنظر القهر إليهم فتأثروا به، لاستحقاقهم لذلك، ومخالفة الحبيب ومشاقته ومضادته، ولوجود الشك في قلوبهم، وكونهم على غير بصيرة من أمرهم، وبينة من ربهم، إذ لو كانوا أهل يقين ما وقع الرعب في قلوبهم، ولعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور اليقين، وآمنوا به فلم يخالفوه.
{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أي: كيف حل بالمفسدين ما حل ونزل بهم ما نزل، لتعلموا صدق الله في وعده ووعيده.
{وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء} أي: الخروج من أوطانهم {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أي: بالقتل والسبي، كما فعل بإخوانهم بني قريظة.
{وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ} أي: الجلاء والعذاب {بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا} أي: خالفوا {اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: فيما نهاهم عنه من الفساد، ونقض الميثاق.
{وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أي: له في الدنيا والآخرة.