فصل: عاشرًا: مصطلحات وحدود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.عاشرًا: مصطلحات وحدود:

الواقع أن هذه الآية لها اتصال وثيق ببعض المصطلحات الفقهية، منها ما هو قديم مثل السَلَم، ومنها ماهو حديث مثل البيع بالتقسيط، ولقد رأيت من المناسب أن أشير إلى هذه المصطلحات، وأُعرِّف بها تعريفًا موجزًا يكشف النقاب عنها، وبالقدر الذي يتناسب مع طبيعة هذه الدراسة البلاغية، مع الإشارة إلى أن جميع هذه المصطلحات متصل بدائرة الديون من قريب أو من بعيد.
قال الشافعي رحمه الله: قول الله تعالى: {إذا تداينتم بدين} يحتمل كل دين، ويحتمل السلف خاصة، وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف.....وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياسًا عليه لأنه في معناه.
ويقول القرطبي: قال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السلم خاصة، معناه: أن سَلَم أهل المدينة كان سبب الآية، ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعًا.
وأول ما ينبغي الوقوف عنده هو مصطلح:

.الدَّيْن:

وحقيقته: عبارة عن معاملة كان أحد العوضين فيها نقدًا، والآخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرًا، والدين ما كان غائبًا، قال الشاعر:
لترمِ بي المنايا حيث شاءت ** إذا لم ترم بي في الحُفرتين

إذا ما أوقدوا حطبًا ونارًا ** فذاك الموت نقدا غير دَيْن

وقد بيّن الله تعالى هذا المعنى في قوله سبحانه: {إلى أجل مسمى}.
ويستعمل الفقهاء كلمة الدَّيْن بمعنيين: أحدهما أعمّ من الآخر.
أما بالمعنى الأعم فيريدون به مطلق الحق اللازم في الذمة؛ بحيث يشمل كل ما يثبت في الذمة من أموال، أيًا كان سبب وجوبها، أو حقوق محضة كسائر الطّاعات: من صلاة، وصوم، وحج... إلخ.
وأما بالمعنى الأخص- أي في الأموال- فهو ما يثبت في الذمة من مال في معاوضة، أو إتلاف، أو قرض.
ومن صفات الله تعالى الديان، وقيل من أسمائه، وفي معناه يقول ابن منظور: هو القهار، وقيل: هو الحاكم، والقاضي، وهو فَعَّال من: دان الناس؛ أي: قهرهم على الطاعة، يقال: دنتهم فدانوا؛ أي قهرتهم فأطاعوا.. ومنه: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، أي: أذلها واستعبدها، وقيل: حاسبها، وفيه: ثلاثة حق على الله عونهم- منهم: المدين الذي يريد الأداء، والمديان: الكثير الدين، الذي علته الديون، وهو مفعال من الدَّين للمبالغة.

.القرض:

وهو نوع من السلف، وهو جائز بالسنُّة والإجماع وقيل: هو كل ما يضمن بالمثل عند الاستهلاك، وقيل: هو في اللغة: ما تعطيه لتتقاضاه، وقيل: هو دفع المال لمن ينتفع به على أن يرد بدله.
ويصح القرض بلفظ السلف، والقرض؛ لورود الشرع بهما.
أما الفرق بين القرض والدين: فهو أن القرض أكثر ما يستعمل في العين والورق، وهو أن نأخذ من مال الرجل درهمًا لترد عليه بدله درهمًا، فيبقى دينًا عليك إلى أن ترده؛ فكل قرض دين، وليس العكس، وذلك أن أثمان ما يشترى بالنسئ ديون وليست بقروض، فالقرض يكون من جنس ما اقترض وليس كذلك الدين.
ويجوز أن نفرق بينهما فنقول: قولنا: يداينه، يفيد أنه يعطيه ذلك ليأخذ منه بدله، ولهذا يقال: قضيت قرضه، وأديت دينه، وواجبه، ومن أجل ذلك أيضًا يقال: أديت صلاة الوقت، وقضيت ما نسيت من الصلاة؛ لأنه منزلة القرض.

.السلم:

بالتحريك: السلف، وأسلم في الشيء، وسلم، وأسلف، بمعنى واحد، والاسم: السلم وهو أن يعطي ذهبا وفضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم، فكأنك قد أسلمت الثمن، بمعنى السلف، ويقول: الإسلام لله عز وجل، كأنه ضن بالاسم الذي هو موضع الطاعة، والانقياد لله عز وجل عن أن يسمى به غيره، وأن يستعمل في غير طاعة الله، ويذهب به إلى معنى السلف.
وعند القرطبي: حدّ علماؤنا السلم فقالوا: هو بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة، بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلى أجل معلوم. فتقييده بمعلوم في الذمة يفيد التحرُّز من المجهول، ومن السلم في الأعيان المعيَّنة مثل الذي كانوا يستلفون في المدينة حين قدم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يستلفون في ثمار نخيل بأعينها، فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر؛ إذ قد تخلف تلك الأشجار فلا تثمر شيئا.
وقولهم: محصور في الصفة تحرز عن المعلوم على الجملة دون التفصيل كما لو أسلم في تمر أو ثياب أو حيتان ولم يبين نوعها ولا صفتها المعينة.
وقولهم: بعين حاضرة تحرز من الدين بالدين.
وقولهم: أو ما هو في حكمها تحرز من اليومين، أو الثلاثة التي يجوز تأخير رأس مال السلم إليه؛ فإنه يجوز تأخيره عندنا، ذلك القدر، بشرط، وبغير شرط لقرب ذلك.
وقولهم: إلى أجل مسمى تحرز من السلم الحال؛ فإنه لا يجوز على المشهور.
ووصف الأجل بالمعلوم: تحرز من الأجل المجهول الذي كانوا في الجاهلية يسلمون إليه.
وقيل في السلم: أن يسلم عوضا حاضرًا في عوض موصوف في الذمة إلى أجل مسمى، ويسمى سلمًا وسلفًا، يقال: أسلم، وسلّف، وهو نوع من البيع ينعقد بما ينعقد به البيع،... ويعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في البيع، وهو جائز بالكتاب والسنة، أما الكتاب، فقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}.
وروى سعيد بإسناده عن ابن عباس أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأهذه الآية.
ولأن هذا اللفظ- أي الدين- يصلح للسلم، ويشمله بعمومه.
وأما السنة، فروى ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال: «من أسلف في شيء، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم» متفق عليه.
وروى البخاري عن محمد بن أبي مجاهد قال: أرسلني أبو بردة وعبد الله بن أبي شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، فقلت: أكان لهم زرع، أم لم يكن لهم زرع؟
قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.
وأما الإجماع: فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنهم من أهل العلم على أن السلم جائز؛ ولأن الثمن في البيع أحد عوضي العقد،فجاز أن يثبت في الذمة، ولأن بالناس حاجة إليه؛ لأن أرباب الزروع، والثمار، والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم، وعليها لتكمل، وقد تعوزهم النفقة، فجوّز لهم السلم ليرتفقوا، ويرتفق المسلم بالاسترخاص.

.السلف:

سلف يسلُف سلفًا وسلوفًا، يجيء على معان: السلف: القرض، والسلم، والسلف أيضا كل عمل قدمه العبد. وأسلف في الشيء: سلم، والاسم منها: السلف، وهو نوع من البيوع يعجل فيه الثمن، وتضبط السلعة بالوصف إلى أجل معلوم.
والسلف: القرض، يقال: أسلفته مالًا؛ أي: أقرضته.
قال الأزهري: كل مال قدمته في سلعة مضمونة اشتريتها بصفة فهو سلف وسلم، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سلّف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم».
أراد: من قدم مالًا، ودفعه إلى أجل في سلعة مضمونة.
والسلف في المعاملات له معنيان:
أحدهما: القرض الذي لامنفعة للمقرض فيه غير الأجر والشكر، وعلى المقترض رده كما أخذه.
والعرب تسمي القرض سلفًا كما ذكره الليث.
والمعنى الثاني: هو أن يعطي مالًا في سلعة إلى أجل معلوم بزيادة في السعر الموجود عند السلف؛ وذلك منفعة للمسلف، ويقال له سلم دون الأول؛ وفي الحديث: «أنه استسلف من أعرابي بَكْرًا؛ أي: استقرض».
وقيل: السَلَف بفتحتين هو: السلم وزنًا ومعنىً، قيل هو لغة أهل العراق، والسلف لغة أهل الحجاز.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّ الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى».
والتعبير بأخذ أموال الناس يشمل أخذها بالاستدانة، وأخذها لحفظها، والمراد من إرادته التأدية: قضاؤها في الدنيا، وتأدية الله تعالى عنه يشمل تيسيره لقضائها في الدنيا، بأن يسوق إلى المستدين ما يقضي به دينه، وقضاؤها في الآخرة: بإرضائه غريمه بما شاء الله تعالى.
وقوله: «يريد إتلافها»: الظاهر أنه من يأخذها بالاستدانة فعلًا، لا لحاجة، ولا لتجارة، بل لا يريد إلا إتلاف ما أخذ على صاحبه ولا ينوي قضاءها.
وقوله: «أتلفه الله»: الظاهر إتلاف الشخص نفسه في الدنيا بإهلاكه، وهو يشمل ذلك ويشمل إتلاف طيب عيشه، وتضييق أموره، وتعسر مطالبه، ومحق بركته، ويحتمل إتلافه في الآخرة- بتعذيبه:
وقد يلحظ فرق آخر بين السلف والسلم؛ ذاك أن السلف أعم، فالسلف: تقديم رأس المال، والسلم: تسليمه في المجلس.

.العينة:

هي في اللغة السلف، يقال: تعيَّن فلان من فلان عينه؛ أي: تسلف، وقد فسر الفقهاء العينة بأن يبيع المرء شيئا من غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه بائعه قبل قبض الثمن بنقد حالٍ أقل من ذلك القدر.
وحقيقة العينة: قرض في صورة بيع لاستحلال الفضل مقابل الأجَل؛ إذ تؤول العملية إلى قرض عشرة لرد خمسة عشر، والبيع وسيلة صورية إلى تلك الزيادة، وقد قيل لهذا البيع: عينة؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها من البائع عينًا؛ أي نقدا حاضرًا، واستحسن الدسوقي أن يقال: إنما سُميت عينة لإعانة أهلها للمضطر على تحصيله مطلوبه التحليل بدفع قليل في كثير.
وهكذا تتشابك هذه المعاملات وتدخل في زمرة الديون، وهذا يعني أن كل معاملة بين اثنين يبقى شيء منها في ذمة الآخر تنطبق عليها الآية؛ فالآية من إعجازها أنها شملت الكثير من أوجه التعامل، ولعل ذلك من أسباب طولها وكثرة التفصيل فيها.

.البيع بالتقسيط:

وهو لون من ألوان بيع النسيئة، فهو: بيع يُتفق فيه على تعجيل السلعة، وتأجيل الثمن كله، أو بعضه، على أقساط معلومة لآجال معلومة، وهذه الآجال قد تكون منتظمة المدة في كل شهر، أو في كل سنة، أو غير ذلك.
كما أنها قد تكون متساوية المقدار، أو متزايدة، أو متناقصة.
_ وهذا كله يجوز متى كان ثمة تراهن بين المتبايعين، وإذا كان الثمن مؤجلا، وزاد البائع فيه من أجل التأجيل جاز؛ لأن للأجل حصة من الثمن.