فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الديلمي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسم الله الأعظم في ستة آيات من آخر سورة الحشر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {عالم الغيب والشهادة} قال: السر والعلانية، وفي قوله: {المؤمن} قال: المؤمن خلقه من أن يظلمهم وفي قوله: {المهيمن} قال: الشاهد.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {عالم الغيب} قال: ما يكون وما هو كائن وفي قوله: {القدوس} قال: تقدسه الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخفى العظمة في قوله: {القدوس} قال: المبارك {السلام المؤمن} قال: المؤمن من آمن به {المهيمن} الشهيد عليه {العزيز} في نقمته إذا انتقم {الجبار} جبر خلقه على ما يشاء المتكبر عن كل سوء.
وأخرج ابن المنذر عن زيد بن علي قال: إنما سمي نفسه {المؤمن} لأنه آمنهم من العذاب.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن محمد بن كعب قال: إنما تسمى {الجبار} أنه يجبر الخلق على ما أراده. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الحشر:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم)
(بسم الله) اسم عزيز- الكون بجملته في طلبه.. وهو عزيز الشموس والأقمار، والليل والنهار، وجميع ما خلق الله من الأعيان والآثار متنادية على أنفسها، نحن عبيده.. نحن عبيد من لم يزل.. تزيد من لم يزل.
قوله جل ذكره: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
قدَّس الله ونزَّهَهُ كُلُّ شيءٍ خَلَقه؛ فكلُّ ما خَلَقَه جَعَلَه على وحدانيته دليلًا، ولِمَنْ أراد أن يَعْرِفَ إليهتَه طريقًا وسبيلًا.
أتقن كلَّ شيءٍ وذلك دليلُ عِلْمِه وحكمته، ورَتَّبَ كُلَّ شيءٍ، وذلك شاهِدٌ على مشيئته و(إرادته).
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فلا شبيه يساويه، ولا شريكِ له في المُلْكِ ينازِعُه ويُضاهيه.
{الْحَكِيمُ} الحاكم الذي لا يُوجَدُ في حُكْمِه عَيْبٌ، ولا يتوجَّه عليه عَتْبٌ.
قوله جل ذكره: {هُوَ الذي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ}.
هم أهل النضير، وكانوا قد عاهدوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ يكونوا عليه، ثم بعد أُحُد نقضوا العَهْدَ، وبايعوا أبا سفيان وأهل مكة، فأخبر اللَّهُ تعالى رسولَه بذلك، فبعثَ صلوات الله عليه إليهم محمد بن مسلمة، فأوهم أنه يشكو من الرسول في أخذ الصَّدَقَة. وكان رئيسهم كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة (غيلةً)، وغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عن حصونهم المنيعة وأخرجهم إلى الشام، وما كان المسلمون يَتَوَقَّعون الظَّفرَ عليهم لكثرتهم، ولِمَنَعَةِ حصونهم.
وظلُّوا يهدمون دورَهم بأيديهم ينقبون ليخرجوا، ويقطعون اشجارهم ليسدوا النقب، فسُّمُّوا أولَ الحشر، لأنهم أول من أُخْرِجَ من جزيزة العرب وحُشِرَ إلى الشام.
قال جل ذكره: {فَاعْتَبِرُواْ يَأُوْلِى الأَبْصَارِ}.
كيف نَصَرَ المسلمين- مع قِلَّتهم- عليهم- مع كثرتهم. وكيف لم تمنعهم حصونُهم إذا كانت الدائرةُ عليهم. وإذا أراد اللَّهُ قَهْرَ عدوِّ استنوق أسَدُه.
ومن مواضع العِبْرةِ في ذلك ما قاله: {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} بحيث داخلتكم الرِّيبةُ في ذلك لِفَرْطِ قُوَّتِهم- فصَانَهُم بذلك عن الإعجاب.
ومن مواضع العبرة في ذلك أيضًا ما قاله: {وَظَنُّواْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} فلم يكن كما ظنُّوه- ومَنْ تَقَوَّ بمخلوقٍ أسْلَمَه ذلك إلى صَغَارِه ومذَلّتِه.
ومن الدلائلة الناطقة ما أُلْقِي في قلوبهم من الخوفِ والرُّعب، ثم تخريبُهم بيوتهم بأيديهم علامةُ ضَعْف أحوالهم، وبأيدي المؤمنين لقوة أحالهم، فتمت لهم الغلبةُ عليهم والاستيلاء على ديارهم وإجلاؤهم.
هذا كلُّ لابد أن يحصل به الاعتبارُ- والاعتبارُ أحَدُ قوانين الشَّرْع.
ومَنْ لم يَعْتَبِرْ بغيره اعتَبَرَ به غيرُه.
ويقال: يُخَرّبون بيوتهم بأيديهم، وقلوبهم باتِّباع شهواتِ نفوسِهم، ودِينهم بما يمزجونه به من البِدَع.
قوله جل ذكره: {وَلَوْلآ أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ في الدَّنْيَا وَلَهُمْ في الأَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}.
لولا أن قضى اللَّهُ عليهم أن يخرجوا لعذَّبهم اللَّهُ بالقتل والاستئصال، ثم في الآخرة لهم عذابُ النار.
{ذَلِكَ بَِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
ذلك بأنهم خالفوا أمرَ الله. والمشاقّة أن يتحول المرء إلى شِقٍّ آخر.
فالعاصي إذا انتقل من المطيعين إلى العاصين فقد شاقَّ الله، ولِمَنْ شاقَّ الله عذابُ النار.
قوله جل ذكره: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَركْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ}.
اللِّينة: كلُّ نوعٍ من النخيل ما عدا العجوة والبَرْنِيّ.
لمَّا أمر سولُ الله صلى الله عليه وسلم بقَطْعِ بعض نخيل بني النضير قالت اليهود: ما فائدة هذا؟!
فبقي المسلمون عن الجواب، فأنزل الله تعالى هذه الآية ليوضِّح أن ذلك بإذن الله... فانقطعَ الكلامُ.
وفي هذا دليلٌ على أن الشريعةً غيرُ مُعَلّلةٍ، وأنَّ الأمرَ الشرعيَّ إذا جاء بَطَلَ التعليلُ، وسَكَتَتْ الألسنةُ عن المطالبة ب (لِمَ؟) وخُطُورُ الاعتراضِ أو الاستقباحِ خروجٌ عن حَدِّ العرفان. والشيوخُ.
قالوا: مَنْ قال لأستاذِه وشيخه: (لِمَ؟) لا يفلح. وكلُّ مريدٍ يكون لأمثالِ هذه الخواطر في قلبِه جَوَلان لا يجيءُ منه شيءٌ. ومَنْ لم يتجرَّدْ قلبُه من طَلَبِ التعليل، ولم يباشِرْ حُسْنَ الرضا بكلِّ ما يجري واستحسانَ ما يبدوا من الغيب لِسٍرِّه وقلبِه- فليس من الله في شيء.
قوله جل ذكره: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عِلِيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ}.
يريد بذلك أموالَ بني النضير، فقد كانت من جملة الفَيْء لا من الغنيمة؛ فالفيءُ ما صار إلى المسلمين من أموالِ الكفَّارِ من غيرِ قتالٍ ولا إيجافِ خَيْلٍ ورِكابٍ، وتدخل في جملته أموالُهم إذا ماتوا وصاروا إلى بيت المال. والغنيمة ما كانت بقتالٍ وإيجاف خيلٍ وركابٍ. وقد خَصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأموالِ هؤلاء فقراء المهاجرين، وستأثر لنفسه بما شاء، فطابت نفوسُ الأنصارِ بذلك، وشَكَرَ الله لهم. ذلك لأن تحرُّرَ القلب من الأعواضِ والأملاكِ صِفَةُ السادة والأكابر، ومَنْ أَسَرَتُهُ الأخطارُ وبقي في شُحِّ نَفْسِه فهو في تضييقه وتدنيقه، وهو في مصادقته ومعاملته ومطالبته مع الناس دائمًا يبحث في استيفاء حظوظه- وهذا ليس له من مذاقات هذه الطريقة شيءٌ.
وأهلُ الصفاء لم تَبْقَ عليهم من هذه الأشياء بقيةٌ، وأمَّا مَنْ بَقِيَ عليه منها شيءٌ فمُتَرسِّمٌ سُوقِيٌّ... لا مُتَحَقَّقٌ صوفيٌّ.
قوله جل ذكره: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
هذا أصل من أصولِ وجوبِ متابعتِه، ولزومِ طريقته وسيرته- وفي العِلْم تفصيلُه.
والواجبُ على العبدِ عَرْضُ ما وقع له من الخواطر وما يُكاشَفُ به من الأحوالِ على العلم- فما لا يقبله الكتابُ والسُّنَّة فهو في ضلال.
قوله جل ذكره: {للفقراء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.
يريد أن هذا الفيء لهؤلاء الفقراء الذين كانوا مقدارَ مائةِ رجلٍ.
{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ} وهو الرزق {وَرِضْوَانًا} بالثواب في الآخرة.
فمحصول خواطرهم، ومكاشفاتهم من خلال أحوالهم... كل ذلك ينبغى ألا يكون مرفوضا من الشرع. ومحاولة عقد لقاء بين الحقيقة والشريعة عنصر أساسى آخر في مذهب القشيري- رحمه اللّه.
وينصرون دين الله، {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}: والفقيرُ الصادقُ هو الذي يترك كلَّ سببٍ وعلاقة، ويفرغ أوقاته لعبادة الله، ولا يعطف بقلبه على شيء سوى الله، ويَقِفُ مع الحقِّ راضيًا بِجَرَيَانِ حُكْمه فيه.
قوله جل ذكره: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
نزلت هذه الآية في الأنصار. {تَبَوَّءُو الدَّارَ} أي سكنوا المدينة قبل المهاجرين.. {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} من أهل مكة.
{وَلاَ يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حَاجَةً} مما خُصِّصَ به المهاجرون من الفيء، ولا يحسدونهم على ذلك، ولا يَعْترِضون بقلوبهم على حُكْمِ الله بتخصيص المهاجرين، حتى لو كانت بهم حاجةٌ أو اختلالُ أحوالٍ.
{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
قيل نزلت الآية في رجلٍ منهم أُهْدِيَتْ له رأسُ شاةٍ فطاف على سبعة أبيات حتى انتهى إلى الأول.
وقيل نزلت في رجلٍ منهم نزل به ضيفٌ فقرَّب منه الطعامَ وأطفأ السراجَ ليُوهِمَ ضيفَه أنه يأكل، حتى يؤثِرَ به الضيفَ عَلَى نفسه وعَلَى عياله، فأنزل الله الآية في شأنه.
ويقال: الكريمُ مَنْ بني الدار لضيفانه وإخوانه (واللئيمُ من بناها لنفسه).
وقيل: لم يقل اللهُ: ومَنْ يَتَّقِ شحَّ نفسه بل قال: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ}.
ويقال: صاحبُ الإيثارِ يُؤْثر الشبعانَ على نفسه- وهو جائع.
ويقال: مَنْ مَيَّزَ بين شخصٍ وشخصٍ فليس بصاحبِ إيثارٍ حتى يؤثِرَ الجميع دون تمييز.
ويقال: الإيثار أنْ تَرَى أنَّ ما بأيدي الناسِ لهم، وأن ما يحصل في يدك ليس إلا كالوديعة والأمانة عندك تنتظر الإذنَ فيها.
ويقال: مَنْ رَاى لنفسه مِلْكًا فليس من أهل الإيثار.
ويقال: العابدُ يؤثِر بدنياه غيرَه، والعارفُ يؤثِر بالجنة غيرَه.
وعزيزٌ مَنْ لا يطلبُ مِنَ الحقِّ لنَفْسِه شيئًا: لا في الدنيا من جاهٍ أو مالٍ، ولا في الجنَّة من الأفضال، ولا منه أيضًا ذَرَّةً من الإقبال والوصال وغير ذلك من الأحوال.
وهكذا وصفُ الفقير؛ يكون بسقوطِ كلِّ أرَبٍ.
قوله جل ذكره: {وَالَّذِينَ جَاءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَآ اغْفِر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
أي والذين هاجروا من بعدهم، ثم أجيالُ المؤمنين من بعد هؤلاء إلى يوم القيامة. كلهُم يَتَرَحَّمون على السلف من المؤمنين الذين سبقوهم، ويسلكون طريقَ الشفقة على جميع المسلمين، ويستغفرون لهم، ويستجيرون من الله أن يجعلَ لأحدٍ من المسلمين في قلوبهم غِلًا أي حِقْدًا. ومَنْ لا شفقةَ له على جيمع المسلمين فليس له نصيبٌ من الدَّين.
قوله جل ذكره: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقولونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
يريد بهم منافقي المدينة؛ ظاهروا بني النضير وقريظة، وعاهَدوهم على الموافقة بكلِّ وَجْهٍ، فأخبر اللَّهُ-سبحانه- أنهم ليسوا كما قالوا وعاهدوا عليه، وأخبرَ أَنَّهم لا يتناصرون، وأنَّهم يتخاذلون، ولئنْ ساعدوهم في بعضِ الحروب فإنهم يتخاذلون إن رأوهم ينهزمون أمام مَنْ يجاهدونهم.