فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
المسألة الْخَامِسَةُ:
الْإِيثَارُ بِالنَّفْسِ فَوْقَ الْإِيثَارِ بِالْمَالِ، وَإِنْ عَادَ إلَى النَّفْسِ وَمِنْ الْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ: وَالْجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الْجُودِ وَمِنْ عِبَارَاتِ الصُّوفِيَّة فِي حَدِّ الْمَحَبَّةِ: إنَّهَا الْإِيثَارُ، أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ لَمَا تَنَاهَتْ فِي حُبِّهَا لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السلام آثَرَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا بِالتَّبْرِئَةِ، فَقالتْ: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ}.
وَأَفْضَلُ الْجُودُ بِالنَّفْسِ الْجُودُ عَلَى حِمَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ تَرَّسَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَطَلَّعُ فَيَرَى الْقَوْمَ، فَيَقول لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا تُشْرِفْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا يُصِيبُونَك، نَحْرِي دُونَ نَحْرِك. وَوَقَى بِيَدِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشُلَّتْ.
المسألة السَّادِسَةُ:
الْإِيثَارُ هُوَ تَقْدِيمُ الْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ فِي حُظُوظِهَا الدُّنْيَوِيَّةِ رَغْبَةً فِي الْحُظُوظِ الدِّينِيَّةِ، وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ قُوَّةِ النَّفْسِ، وَوَكِيدِ الْمَحَبَّةِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ؛ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُؤْثَرِينَ؛ كَمَا رُوِيَ فِي الْآثَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَالَهُ وَمِنْ عُمَرَ نِصْفَ مَالِهِ، وَرَدَّ أَبَا لُبَابَةَ وَكَعْبًا إلَى الثُّلُثِ، لِقُصُورِهِمَا عَنْ دَرَجَتَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ إذْ لَا خَيْرَ لَهُ فِي أَنْ يَتَصَدَّقَ ثُمَّ يَنْدَمَ، فَيُحْبِطُ أَجْرَهُ نَدَمُهُ.
المسألة السَّابِعَةُ:
قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الشُّحِّ وَالْبُخْلِ عَلَى قوليْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قال: إنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قال: لَهُمَا مَعْنَيَانِ: فَالْبُخْلُ مَنْعُ الْوَاجِبِ؛ لِقولهِ عَلَيْهِ السلام: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقُ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، فَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا فَيُوَسِّعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ».
وَالشُّحُّ: مَنْعُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ؛ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْحديث؛ فَذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ذَهَابِ الشُّحِّ؛ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ؛ فَإِنَّ كُلَّ حَرْفٍ يُفَسَّرُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَوْ مَعْنًى يُعَبَّرُ عَنْهُ بِحَرْفَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ يُوضَعُ مَوْضِعَ صَاحِبِهِ جَمْعًا أَوْ فَرْقًا، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ، وَلَمْ يَقُمْ هَاهُنَا دَلِيلٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
الْآيَةُ التَّاسِعَةُ قوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّك رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى: فِي تَعْيِينِ هَؤُلَاءِ:
وَفِي ذَلِكَ قولانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ غَيْرُ ذَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ وَالْأُمَمِ وَمِنْ الصَّحَابَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ التَّابِعُونَ بَعْدَ قَرْنِ الصَّحَابَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَوَاهُ عَنْهُ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمَا؛ قالوا: قال مَالِكٌ: مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْفَيْءِ قال اللَّهُ تعالى: {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}.
المسألة الثَّانِيَةُ:
فِي تَحْقِيقِ الْقول: هَذِهِ نَازِلَةٌ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهَا قَدِيمًا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا افْتَتَحَ الْفُتُوحَ عَلَى عُمَرَ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَاسْتَحَقَّ بِكِتَابِ اللَّهِ الْغَنِيمَةَ، فَسَأَلُوهُ الْقِسْمَةَ، فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْهَا، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ، فَقال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ.
فَمَا حَالَ الْحَوْلُ إلَّا وَقَدْ مَاتُوا.
وَقال عُمَرُ: لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانَا مَا تَرَكْت قَرْيَةً اُفْتُتِحَتْ إلَّا قَسَمَتْهَا بَيْنَ أَهْلِهَا.
وَرَأَى الشَّافِعِيُّ الْقِسْمَةَ كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَرَأَى مَالِكٌ أَقْوَالًا أَمْثَلُهَا أَنْ يَجْتَهِدَ الْوَالِي فِيهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحديث، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ قِسْمَةُ الْمَنْقول وَإِبْقَاءُ الْعَقَارِ وَالْأَرْضِ سَهْلًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، إلَّا أَنْ يَجْتَهِدَ الْوَالِي فَيُنْفِذَ أَمْرًا، فَيَمْضِي عَمَلُهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ عَلَيْهِ.
وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ الْفَيْءِ، وَجَعَلَهُ لِثَلَاثِ طَوَائِفَ: الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ مَعْلُومُونَ، {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} فَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التَّابِعِينَ وَالْآتِينَ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِبَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهَا.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَقال: «السلام عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْت أَنِّي رَأَيْت إخْوَانَنَا».
فَقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَلَسْنَا بِإِخْوَانِك، فَقال: «بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ».
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ إخْوَانَهُمْ كُلُّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ.
وَهَذَا تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ فِي الْمُرَادِ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.
الْآيَةُ الْعَاشِرَةُ قوله تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى:
فِي الْمُرَادِ بِهَا، فَقِيلَ: إنَّهُمْ الْيَهُودُ، وَقِيلَ: هُمْ الْمُنَافِقُونَ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآيَاتِ مُبْتَدَأَةٌ بِذِكْرِهِمْ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقولونَ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إلَى قولهِ: {الظَّالِمِينَ}.
وَعَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الْيَهُودَ بِالنَّصْرِ، وَضَمِنَ لَهُمْ أَنَّ بَقَاءَهُ بِبَقَائِهِمْ وَخُرُوجَهُ بِخُرُوجِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَا وفي بِهِ، بَلْ أَسْلَمَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، فَكَانَ كَمَا قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قال لِلْإِنْسَانِ اُكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قال إنِّي بَرِيءٌ مِنْك إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} فَغَرَّ أَوَّلًا، وَكَذَبَ آخِرًا.
الثَّانِي: أَنَّ الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ وَاحِدَةً عَلَى مُعَادَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ تَكُنْ لِإِحْدَاهُمَا فِئَةٌ تُخَالِفُ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ.
وَالشَّتَّى: هِيَ الْمُتَفَرِّقَةُ قال الشَّاعِرُ:
إلَى اللَّهِ أَشْكُو نِيَّةً شَقَّتْ الْعَصَا ** هِيَ الْيَوْمُ شَتَّى وَهِيَ بِالْأَمْسِ جُمَّعُ

المسألة الثَّانِيَةُ:
تَعَلَّقَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَنْعِ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى صُورَةِ التَّكْبِيرِ وَالْأَفْعَالِ، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي النِّيَّةِ.
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ ذَلِكَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَيَشْمَلُهُ هَذَا اللَّفْظُ، وَيَنَالُهُ هَذَا الظَّاهِرُ.
وَهَذَا كَانَ يَكُونُ حَسَنًا، بَيْدَ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِهِ اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ، وَالصُّورَةُ فِي اخْتِلَافِ النِّيَّةِ وَاتِّفَاقِ الْفِعْلِ وَالْقول فِيهِمَا وَاحِدٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي الطَّاعَاتِ، وَأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ اخْتِلَافِ الْمُنَافِقِينَ فِي الْإِذَايَةِ لِلدِّينِ وَمُعَادَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
الْآيَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ}.
تَعَلَّقَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فِي الْقِصَاصِ لِأَجْلِ عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ، وَحَقَّقْنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي التَّعَلُّقِ بِمِثْلِ هَذَا الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ التَّعْمِيمِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا عَقَبَ الْآيَةَ بِهِ مِنْ قولهِ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ} يَعْنِي وَأَصْحَابُ النَّارِ هُمْ الْهَالِكُونَ؛ فَفِي هَذَا الْقَدْرِ انْتَفَتْ التَّسْوِيَةُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قال: خُصُوصُ آخِرِهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ عُمُومِ أَوَّلِهَا، وَذَلِكَ مُحَقَّقٌ هُنَالِكَ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الحشر:
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}
قوله: {مِنْ أَهْلِ الكتاب}: {مِنْ} يجوزُ أَنْ تكونَ للبيانِ، فتتعلَّق بمحذوفٍ، أي: أعني من أهل الكتاب. والثاني: أنها حالٌ من {الذين كفروا}.
قوله: {مِن دِيَارِهِمْ} متعلق ب {أَخْرَجَ} ومعناها ابتداءُ الغايةِ. وصَحَّتْ إضافةُ الديارِ إليهم لأنهم أَنْشَؤُوها.
قوله: {لأَوَّلِ الحشر} هذه اللامُ تتعلقُ ب {أَخْرَجَ} وهي لامُ التوقيتِ كقوله: {لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78]، أي: عند أول الحشر. قال الزمخشري: وهي اللامُ في قوله تعالى: {ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24] وقولك (جئتُ لوقْتِ كذا). قلت: سيأتي الكلامُ على هذه اللامِ في الفجرِ، إنْ شاءَ الله تعالى.
قوله: {مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم} فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ {حصونُهم} مبتدًا، و{مانِعَتُهم} خبرٌ مقدمٌ. والجملة خبر {أنهم} لا يُقال: لم لا يُقال: {مانِعَتُهم} مبتدأٌ؛ لأنه معرفةٌ و{حصونُهم} خبرُه. ولا حاجةَ لتقديمٍ ولا تأخيرٍ؛ لأنَّ القصدَ الإِخبارُ عن الحصون، ولأنَّ الإِضافةَ غيرُ مَحْضَةٍ، فهي نكرةٌ. والثاني: أَنْ يكونَ {مانِعَتُهم} خبرَ {أنهم} و{حصونُهم} فاعلٌ به. نحو: إنَّ زيدًا قائمٌ أبوه، وإنَّ عَمْرًا قائمةٌ جاريتُه. وجعله الشيخ أَوْلى؛ لأنَّ في نحو: قائمٌ زيد على أَنْ يكونَ خبرًا مقدمًا ومبتدًا مؤخرًا خلافًا والكوفيون يمنعونَه فمحلُّ الوِفاق أَوْلى.
وقال الزمخشري: فإنْ قلتَ: أيُّ فَرْقٍ بين قولك وظنُّوا أنَّ حصونَهم تمنعُهم، أو مانِعَتُهم، وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت: في تقديمِ الخبرِ على المبتدأ دليلٌ على فَرْطِ وُثوقِهم بحَصانتِها ومَنْعِها إياهم، وفي تصييرِ ضميرِهم اسمًا ل {أنَّ} وإسناد الجملة إليه دليلٌ على اعتقادِهم في أنفسِهم أنَّهم في عِزَّةٍ ومَنَعَة لا يُبالى معها بأحد يَتَعرَّضُ لَهم، وليس ذلك في قولك (حُصُونهم تَمْنعهم) انتهى. وهذا الذي ذكره إنما يَتأتَّى على الإِعرابِ الأولِ، وقد تقدَّم أنه مَرْجوحٌ، وتَسَلَّطَ الظنُّ هنا على {أنَّ} المشددةِ، والقاعدةُ أنه لا يعملُ فيها ولا في المخففةِ منها إلاَّ فعلُ عِلْمٍ ويقينٍ، إجراءً له مُجْرى اليقين لشدَّتِه وقوتِه وأنَّه بمنزلةِ العلم.
قوله: {يُخْرِبُونَ} يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفًا للإِخبار به، وأن يكونَ حالًا مِنْ ضميرِ {قلوبِهم} وليس بذاك. وقرأ أبو عمرو {يُخَرِّبون} بالتشديد وباقيهم بالتخفيفِ وهما بمعنى واحدٍ؛ لأن خرَّب عَدَّاه أبو عمروٍ بالتضعيف، وهم بالهمزة. وعن أبي عمروٍ أنه فَرَّق بمعنىً آخرَ فقال: خرَّب بالتشديد: هَدَم وأَفْسد، وأَخْرَبَ بالهمزة: تَرَكَ الموضعَ خرابًا وذهَب عنه. واختار الهذليُّ قراءة أبي عمروٍ لأجل التكثير. ويجوزُ أَنْ يكونَ {يُخْرِبون} تفسيرًا للرعب فلا مَحَلَّ له أيضًا.
{وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)}
قوله: {الجلاء}: العامَّةُ على مَدَّة وهو الإِخراجُ، أَجْلَيْتُ القومَ إجلاءً، وجلا هو جلاءً. وقال الماوردي: الجَلاءُ أخصُّ من الخروجِ؛ لأنه لا يُقال إلاَّ لجماعةٍ، والإِخراجُ يكون للجماعةِ والواحد. وقال غيرُه: الفرقُ بينهما أنَّ الجلاءَ ما كان مع الأهلِ والولدِ بخلاف الإِخراجِ فإنه لا يَسْتلزِمُ ذلك.
وقرأ الحسن وعلي ابنا صالح {الجَلا} بألفٍ فقط. وطلحة مهموزًا من غيرِ ألفٍ كالنبأ. وقرأ طلحة {ومَنْ يُشاقِقْ} بالفكِّ كالمتفق عليه في الأنفال.
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)}
قوله: {مَا قَطَعْتُمْ}: {ما} شرطيةٌ في موضع نصب ب {قَطَعْتم} و{مِنْ لينةٍ} بيانٌ له. و{فبإِذنِ اللهِ} جزاء الشرطِ. ولابد مِنْ حذفٍ، أي: فقَطْعُها بإذنِ الله، فيكون {بإذنِ الله} الخبرَ لذلك المبتدأ. واللينةُ فيها خلافٌ كثير، قيل: هي النخلةُ مطلقًا، وأُنْشِد: