فصل: قال الصابوني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

سورة الممتحنة وآياتها ثلاث عشرة آية.
بين يدي السورة:
* هذه السورة الكريمة من السور المدنية، التي تهتم بجانب التشريع، ومحور السورة يدور حول فكرة (الحب والبغض في الله)الذي هو أوثق عرى الإيمان، وقد نزل صدر السورة عتابا لحاطب بن أبي بلتعة، حين كتب كتابا لأهل مكة، يخبرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تجهز لغزوهم، كما ذكر تعالى حكم موالاة أعداء الله، وضرب الأمثال في إبراهيم والمؤمنين في تبرؤهم من المشركين، وبين حكم الذين لم يقاتلوا المسلمين، وحكم المؤمنات المهاجرات وضرورة امتحانهن، وغير ذلك من الأحكام التشريعية.
* ابتدأت السورة الكريمة بالتحذير من موالاة أعداء الله، الذين آذوا المؤمنين حتى اضطروهم إلى الهجرة، وترك الديار والأوطان {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء..} الآيات.
* ثم بينت السورة أن القرابة والنسب والصداقة في هذه الحياة، لن تنفع الإنسان أبدا يوم القيامة، حيث لا ينفع الإنسان إلا الإيمان والعمل الصالح {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة..} الآيات.
* ثم ضربت المثل في إيمان إبراهيم عليه السلام وأتباعه المؤمنين، حين تبرءوا من قومهم المشركين، ليكون ذلك حافزا لكل مؤمن، على الاقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا..} الآيات.
* وتحدثت السورة عن حكم الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..} وحكم الذين قاتلوا المؤمنين وآذوهم {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين..} الآيات.
* وبينت السورة وجوب امتحان المؤمنات عند الهجرة، وعدم ردهن إلى الكفار، إذا ثبت إيمانهن، وقررت عدم الاعتداد بعصمة الكافر، ثم بين تعالى حكم الهجرة، ومبايعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم وشروط هذه البيعة {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن..} الآيات وقوله: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا..} الآيات.
* وختمت السورة بتحذير المؤمنين من موالاة الكفرة المجرمين أعداء الله {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} وهكذا ختمت السورة بمثل ما بدأت به من التحذير من موالاة أعداء الله، ليتناسق الكلام في البدء والختام. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة الممتحنة مدنية ولا نظير لها في عددها.
وكلمها ثلاث مئة وثمان وأربعون كلمة.
وحروفها ألف وخمس مئة وعشرة أحرف.
وهي ثلاث عشرة آية ليس فيها اختلاف ولا فيها مما يشبه الفواصل شيء.

.ورؤوس الآي:

{السبيل}.
1- {تكفرون}.
2- {بصير}.
3- {المصير}.
4- {الحكيم}.
5- {الحميد}.
6- {رحيم}.
7- {المقسطين}.
8- {الظالمون}.
9- {حكيم}.
10- {مؤمنون}.
11- {رحيم}.
12- {القبور}. اهـ.

.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة الممتحنة:
{تلقون إليهم بالمودة}: أي ترسلون إليهم أخبار الرسول بسبب المودة التي بينكم وبينهم، {يخرجون الرسول وإياكم}: أي من مكة، {أن تؤمنوا باللّه}: أي لأجل إيمانكم باللّه، ضل: أي أخطأ، و{سواء السبيل}: أي الطريق المستوي وهو طريق الحق، {إن يثقفوكم}: أي يظفروا بكم، وأصل الثقف: الحذق في إدراك الشيء وفعله ومنه رجل ثقف لقف، {بالسوء}: أي بما يسوءكم من القتل والأسر والشتم، {وودّوا لو تكفرون}: أي وتمنوا كفركم، {أرحامكم}: أي قراباتكم، {يفصل بينكم}: أي يفرق بينكم من شدة الهول.
الأسوة: (بضم الهمزة وكسرها وبهما قرئ) من يؤتسى به، كالقدوة لمن يقتدى به والجمع أسى، {برآء} واحدهم بريء كظرفاء وظريف: أي متبرئون ومنكرون لما تعملون، {وما تعبدون}: أي الأصنام والكواكب وغيرها، {البغضاء}: أي البغض والكراهة، {لا تجعلنا فتنة للذين كفروا}: أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نحتمله، من قولهم: فتن الفضة: أي أذابها، {يرجو اللّه}: أي يؤمل ثوابه، {واليوم الآخر}، أي مجيئه، {ومن يتولّ}: أي ومن يعص النصيحة.
{عسى}: كلمة تفيد رجاء حصول ما بعدها، فإذا صدرت من اللّه فما بعدها واجب الوقوع، {أن تبروهم}: أي تفعلوا البر والخير لهم، {وتقسطوا إليهم}: أي تعدلوا فيهم بالبر والإحسان، {المقسطين}: أي العادلين، {وظاهروا}: أي ساعدوا، {أن تولوهم}: أي أن تكونوا أولياء وأنصارا لهم.
{فامتحنوهن}: أي فاختبروهن بما يغلب به على ظنكم موافقة قلوبهن لألسنّهن في الإيمان، {علمتموهن}: أي ظننتموهن، {إلى الكفار}: أي إلى أزواجهن الكفار {أجورهن}: أي مهورهن، و{عصم}: واحدها عصمة، وهى ما يعتصم به من عقد وسبب، و{الكوافر}: واحدتهن كافرة: {فعاقبتم}: أي فكانت العقبى لكم، أي الغلبة والنصر لكم، حتى غنمتم منهم.
{يبايعنك}: أي يلتزمن لك الطاعة، {ولا يقتلن أولادهن}: أي ولا يئدن البنات والمراد بالبهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن: الولد الذي كانت ألصقته بزوجها كذبا، والافتراء: الكذب، {في معروف}: أي في أمر برّ وتقوى، {فبايعهن}: أي فالتزم لهن ضمان الثواب إذا وفين بهذه الأشياء.
{غضب اللّه عليهم}: أي طردهم من رحمته، {من الآخرة}: أي من ثوابها ونعيمها، {من أصحاب القبور}: أي من رجوع موتاهم إليهم، لأنهم لا يعتقدون ببعث ولا نشور. اهـ.. باختصار.

.قال الفراء:

سورة الممتحنة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءَكُمْ مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}
قوله عز وجل: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ...}.
دخول الباء في: المودة، وسقوطها سواء، هذا بمنزلة قولك: أظن أنك قائم، وأظن بأنك قائم، وأريد بأن تذهب، وأريد بأن تقوم. وقد قال الله جلَّ وعز:
{ومَنْ يُرِدْ فيه بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ} فأدخل الباء، والمعنى: ومن يرد فيه إلحادا.
أنشدني أبو الجراح:
فلمّا رجتْ بالشُّرب هزَّلها العصا ** شحيحٌ لهُ عند الإزاءِ نهيمُ

معناه: فلما رجت أن تشرب. ونزلت هذه السورة في حاطب بن أبي بلتعة، لما أراد رسول الله صلى الله عليه أن يغزو أهل مكة، قدمت عليه امرأة من موالي بني المطلب، فوصلها المسلمون، فلما أرادت الرجوع أتاها حاطب بن أبي بلتعة، فقال: إني معطيك عشرة دنانير، وكاسيك بردا على أن تبلغي أهل مكة كتابا، فكتب معها، ومضت تريد مكة، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليهما بالخبر، فأرسل عليًّا والزبير في إثرها، فقال: «إن دفَعَتْ إليكما الكتاب وإلا فاضربا عنقها» فلحقاها، فقالت: تنحيا عنى، فإني أعلم أنكما لن تصدقاني حتى تفتشاني، قال: فأخَذَت الكتاب، فجعلته بين قرنين من قرونها، ففتشاها، فلم يريا شيئا، فانصرفا راجعين، فقال على للزبير: ماذا صنعنا؟ يخبرنا رسول الله أن معها كتابا ونصدقها؟ فكرّا عليها، فقالا: لتخرِجِنَّ كتابك أو لنضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجت الكتاب.
وكان فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة:
أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه يريد أن يغزوكم، فخذوا حذركم مع أشياء كتب بها، فدعا رسول الله صلى الله عليه بحاطب، فأقرّ له، وقال: حملني على ذلك أن أهلي بمكة وليس من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يذب عن أهله، فأحببت أن أتقرّب إليهم ليحفظوني في عيالي، ولقد علمت أن لن ينفعهم كتابي، وأن الله بالغ فيهم أمره، فقال عمر بن الخطاب: دعني فأضرب عنقه، قال: فسكت النبي صلى الله عليه، ثم قال: «وما يدريك لعل الله قد نظر إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
قال الفراء: حدثني بهذا حِبان بإسناده.
وقوله: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ...}. مِن صلة الأولياء، كقولك: لاتتخذنّه رجلا تلقى إليه كلّ ما عندك.
وقوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ...}. إِن آمنتم ولإن آمنتم، ثم قال عز وجل: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي...} فلا تتخذونهم أولياء.
{لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
وقوله: {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ...}. قرأها يحيى بن وثاب: {يُفصِّل بينكم}، قال: وكذلك يقرأ أبو زكريا، وقرأها عاصم والحسن يَفْصل، وقرأها أهل المدينة: {يُفْصَل}.
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قول إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}
وقوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...}. يعنى حاطبا، {فيهم} في إبراهيم. يقول: في فعل إبراهيم، والذين معه إذا تبروءا من قومهم. يقول: ألا تأسيت يا حاطب بإبراهيم؛ فتبرأ من أهلك كما برئ إبراهيم؟ ثم قال: {إِلاَّ قول إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} أي: قد كانت لكم أسوة في أفاعيلهم إلاّ في قول إبراهيم: لأستغفرن؛ فإِنه ليس لكم فيه أسوة.
وقوله: {إِنَّا بُرَءاؤاْ مِّنْكُمْ...}. إن تركتَ الهمز من برآء أشرت إليه بصدرك، فقلت: بُرَاء. وقال الفراء: مدّة، وإشارة إلى الهمز، وليس يضبَط إلاّ بالسمع، ولم يجرها. ومن العرب من يقول: إِنا بِراءٌ منكم، فيجرى، ولو قرئت كذلك كان وجها.
وقوله: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا...}. أي: فقولوا هذا القول أنتم، ويقال: إنه من قيل إبراهيم عليه السلام وقومه.
{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
وقوله: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً...}. لا تظهَرنّ علينا الكفار فيروا أنهم على حق، وأنّا على باطل.
{عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
وقوله: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً...}.
يقول: عسى أن ترجع عدواة بينكم إلى المودة، فتزوج النبي صلى الله عليه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، فكانت المصاهرة مودة.
{لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
وقوله: {لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ...}.
هؤلاء خزاعة كانوا عاقدوا النبي صلى الله عليه ألا يقاتلوه، ولا يخرجوه، فأمر النبي صلى الله عليه ببرهم، والوفاء لهم إلى مدة أجلهم، ثم قال: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ...} أن تنصروهم، يعنى الباقين من أهل مكة.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
وقوله: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ...}.
يعني: فاستحلفوهن، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما صالح أهل مكة بالحديبية فلما ختم الكتاب خرجت إليه سُبَيْعة بنت الحارث الأسلمية مُسْلِمَةً، فجاء زوجها فقال: ردَّها علىَّ فإِن ذلك في الشرط لنا عليك، وَهذه طينة الكتابة لم تجفف، فنزلت هذه الآية: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ...}.
فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه: ما أخرجكِ إلينا إلا الحرص على الإسلام والرغبة فيه، ولا أخرجك حدث أحدثتِه، ولا بغض لزوجك، فحلفتْ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه زوجها مهرها، ونزل التنزيل: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ...}.
من كانت له امرأة بمكة أبت أن تُسلم فقد انقطعت العصمة فيما بينها وبين زوجها، ومن خرج إلى المسلمين من نسائهم مُسْلمةً، فقد انقطعت عصمتها من زوجها الكافر، وللمسلمين أن يتزوجوها بغير عدة.
وقوله: {وَاسْأَلُواْ مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ...}.
يقول: اسألوا أهل مكة أن يردوا عليكم مهور النساء اللاتي يخرجن إليهم منكم مرتدات، وليسألوا مهور من خرج إليكم من نسائهم.
وقوله: {وَلاَ تُمْسِكُواْ...}.
قرأها يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة مخففة، وقرأها الحسن: {تُمسّكوا}، ومعناه متقارب.
والعرب تقول: أمسكت بك، ومسكت بك، وتمسّكت بك.
{وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَا أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}
وقوله: {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ...} أعجزكم.
وهى في قراءة عبد الله: {وإن فاتكم أحد من أزواجكم}، وأحدٌ يصلح في موضع- شيء، وشيء يصلح في موضع أحد في الناس، فإذا كانت شيء في غير الناس، لم يصلح أحد في موضعها.
وقوله: {وَإِن فَاتَكُمْ...}.
يقول: أعجزكم إن ذهبت امرأة فلحقت بأهل مكة كافرة، وليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم، يقول: فغنمتم، فأعطوا زوجها مهرها من الغنيمة قبل الخمس.
حدثنا محمد بن الجهم حدثنا الفراء قال: حدثني قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق أنه قرأ {فعاقبتم}، وفسرها: فغنمتم، وقرأها حميد الأعرج: {فعقّبتم} مشددة، وهى كقولك: تصعّر، وتصاعر في حروف قد أنبأتك بها في تآخى: فعلت، وفاعلت.
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
وقوله: {وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ...}.
قرأها السُّلَمي وحده: {ولا يقتّلن أولادهن}، وذكر أن النبي صلى الله عليه لما افتتح مكة قعد على الصفا وإلى جنبه عمر، فجاءه النساء يبايعنه؛ وفيهن بنت عتبة، فلما قال رسول الله صلى الله عليه: {لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} يقول: «لا تعبدن الأوثان، ولا تسرقن، ولا تزنين». قالت هند: وهل تزني الحرة؟ قال: فضحك عمر، ثم قال: لا، لعمري، ما تزني الحرة. قال: فلما قال: «لا تقتلن أولادكن»، هذا فيما كان أهل الجاهلية يئدون، فبويعوا على ألا يفعلوا، فقالت هند: قد ربيناهم صغارا، وقتلتموهم كبارا.
وقوله: {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ...}.
كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هذا ولدى منك. فذلك البهتان المفترى.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}
وقوله: {لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخِرَةِ...}.
يقول: من نعيم الآخرة وثوابها، كما يئس الكفار من أهل القبور، يقول: علموا ألا نعيم لهم في الدنيا، وقد ماتوا ودخلوا القبور.
ويقال: كما يئسَ الكفار من أصحابِ القبورِ: من ثواب الآخرة ونعيمها. اهـ.