فصل: فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

سورة الممتحنة:
قوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ}، الآية/ 1.
فيه دلالة على أن خوف الجائحة على المال والولد لا يبيح التقية في دين اللّه تعالى، وأن العذر الذي أبرزه حاطب بن أبي بلتعة لا أثر له.
ويحتمل أن يقال إن ذلك لم يكن إكراما، وإنما كان توددا إليهم، لما كان يأمل من نفع من جهتهم.
قوله تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}، الآية/ 8.
فيه دليل على جواز التصدق على أهل الذمة دون أهل الحرب، ووجوب النفقة للأب الكافر الذمي، وأما الحربي فيجب قتله.
قوله تعالى: {إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ}، الآية/ 10.
كان الشرط في صلح الحديبية أن يرد على المشركين من هاجر إلى المدينة، ممن كان مسلما، ونزلت سورة الممتحنة عن الصلح فكان من أسلم من نسائهن تسأل: ما أخرجك؟ فإن كانت خرجت هربا من زوجها ردت عليه، وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت وردت على زوجها ما أنفق عليها.
وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}، الآية/ 10، أو بظاهر قولها.
وفيه دليل على ارتفاع النكاح، فإنه تعالى منع ردها إلى زوجها، وأوجب عليها رد ما أنفق عليها.
وفيه تنبيه على أن المنع من الرد لمكان الإسلام، فإنه تعالى قال: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}، فلم يجعل الفرقة لاختلاف الدارين على ما قاله أبو حنيفة، وإنما جعل للإسلام.
قوله تعالى: {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ}، الآية/ 12.
قال ابن عباس: لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم.
قوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}، الآية/ 12.
هو عموم في جميع طاعات اللّه تعالى، وقد علم اللّه تعالى أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بمعروف، إلا أنه شرط في النهي عن عصيانه إذا أمرهن بالمعروف، لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين إذا لم تكن طاعة للّه تعالى، إذ شرط في طاعة خير العالمين أن يأمر بالمعروف، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وكذلك لا يجب طاعة أئمة العلم فيما يتعلق بالأغراض المتأولة، ولا يسوغ لمسلم اتباعهم.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من اتبع مخلوقا في معصية الخالق سلط اللّه عليه ذلك المخلوق». وفي لفظ آخر: «عاد حامده من الناس ذاما». اهـ.

.قال القنوجي:

سورة الممتحنة ثلاث عشرة آية.
وهي مدنيّة، قال القرطبي: في قول الجميع.

.[الآيتان: الأولى والثانية]:

{لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}.
{لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}: بدل من الموصول بدل اشتمال.
{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}: يقال أقسط إلى الرجل إذا عاملته بالعدل.
قال الزجاج: المعنى وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (8): أي العادلين. ومعنى الآية أن اللّه سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال، وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم، ولا ينهى عن معاملتهم.
قال ابن زيد: كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ.
قال قتادة: نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
وقيل: هذا الحكم كان ثابتا في الصلح بين النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم وبين قريش فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم. وقيل: هي خاصة في خلفاء النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ومن بينه وبينه عهد، قاله الحسن.
قال الكلبي: هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناة.
وقال مجاهد: هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا. وقيل: هي خاصة بالنساء والصبيان.
وحكى القرطبي عن أكثر أهل التأويل أنها محكمة.
ثم بيّن سبحانه من لا يحل بره ولا العدل في معاملته، فقال: {إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ}: وهم صناديد الكفر من قريش.
{وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ} أي عاونوا الذين قاتلوكم وأخرجوكم على ذلك، وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم.
{أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (9): أي الكاملون في الظلم لأنهم تولوا من يستحق العداوة لكونه عدوا للّه ولرسوله ولكتابه وجعلوهم أولياءهم.

.[الآيتان: الثالثة والرابعة]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ}: من بين الكفار، وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم لما صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاءهم من المسلمين فلما هاجر إليه النساء أبى اللّه أن يرددن إلى المشركين، وأمر بامتحانهن فقال: {فَامْتَحِنُوهُنَّ}: أي فاختبروهن.
وقد اختلف فيما كان يمتحن به؟ فقيل: كنّ يستحلفن باللّه ما خرجن من بغض زوج ولا رغبة من أرض إلى أرض ولا لالتماس دنيا، بل حبا للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم، ورغبة في دينه فإذا حلفت كذلك أعطى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها إليه. وقيل: الامتحان هو أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه. وقيل: ما كان الامتحان إلا بأن يتلو عليهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم الآية، وهي {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ} إلى آخرها.
واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عهد الهدنة أم لا؟ على قولين: فعلى القول بالدخول تكون هذه الآية مخصصة لذلك العهد، وبه قال الأكثر. وعلى القول بعدمه لا نسخ ولا تخصيص.
{اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ}: هذه الجملة معترضة لبيان أن حقيقة حالهن لا يعلمها إلا اللّه سبحانه. ولم يتعبدكم بذلك وإنما تعبدكم بامتحانهن حتى يظهر لكم ما يدل على صدق دعواهن في الرغوب في الإسلام.
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ}: أي علمتم ذلك، بحسب الظاهر بعد الامتحان الذي أمرتم به.
{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}: أي إلى أزواجهن الكافرين.
{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}: تعليل للنهي عن إرجاعهن.
وفيه دليل على أن المؤمنة لا تحل لكافر، وأن إسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها لا مجرد هجرتها، والتكرير لتأكيد الحرمة أو الأول لبيان زوال النكاح القديم، والثاني لامتناع النكاح الجديد.
{وَآتُوهُمْ}: أي وأعطوا أزواج هؤلاء اللاتي هاجرن وأسلمن.
{مثل ما أَنْفَقُوا}: عليهن من المهور. قال الشافعي: إذا طلبها غير الزوج من قراباتها منع منها بلا عوض.
{وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} لأنهنّ قد صرن من أهل دينكم.
{إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}: أي مهورهن، وذلك بعد انقضاء عدتهن كما تدل عليه أدلة وجوب العدة.
{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ}: قد قرأ الجمهور بالتخفيف من الإمساك. واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231].
وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو عمرو بالتشديد من التمسك.
والعصم: جمع عصمة وهي ما يعتصم به. والمراد هنا عصمة عقد النكاح.
والمعنى أن من كانت له امرأة كافرة فليست له بامرأة لانقطاع عصمتها باختلاف الدين.
قال النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر. وكان الكفار يزوجون المسلمين والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك لهذه الآية. وهذا خاص بالكوافر المشركات دون الكوافر من أهل الكتاب، وقيل: عامة في جميع الكوافر، مخصصة بإخراج الكتابيات منها.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه إذا أسلم وثنيّ أو كتابيّ لا يفرق بينهما إلا بعد انقضاء العدة.
وقال بعض أهل العلم: يفرق بينهما بمجرد إسلام الزوج، وهذا إنما هو إن كانت المرأة مدخولا بها، وأما إذا كانت غير مدخول بها فلا خلاف بين أهل العلم في انقطاع العصمة بينهما بالإسلام، إذ لا عدة عليها.
{وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا}: أي اطلبوا مهور نسائكم اللاحقات بالكفار.
قال المفسرون: كان من ذهب من المسلمات مرتدة إلى الكفار من أهل العهد، يقال للكفار: هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين إذا جاءت امرأة من الكفار إلى المسلمين وأسلمت: ردوا مهرها على زوجها الكافر.
{ذلِكُمْ}: أي المذكور من إرجاع المهور من الجهتين.
{حُكْمُ} اللَّهِ، ورسوله.
{يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (10). قال القرطبي: وكان هذا مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة، بإجماع المسلمين.
ولما نزلت الآية المتقدمة قال المسلمون: رضينا بحكم اللّه، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا، فنزل قوله: {وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ}: أي مما دفعتم.
{مِنْ أَزْواجِكُمْ} أي من مهور نسائكم المسلمات. وقيل: المعنى وإن انفلت منكم أحد من نسائكم.
{إِلَى الْكُفَّارِ}: فارتدت المسلمة.
{فَعاقَبْتُمْ}: قال الواحدي، قال المفسرون: أي فغنمتم.
وقال الزجاج: تأويله وكانت العقبى لكم، أي كانت الغنيمة لكم حتى غنمتم.
{فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا}: من مهر المهاجرة التي تزوجوها ودفعوه إلى الكفار ولا تؤتوه زوجها الكافر.
قال قتادة ومجاهد: إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح.
وقال قوم: بل محكمة.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (11): أي احذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب العقوبة عليكم، فإن الإيمان الذي أنتم متصفون به يوجب على صاحبه ذلك.