فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة الممتحنة:
روي «أن مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارة، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتجهز للفتح فقال لها: أمسلمة جئت؟ قالت: لا.
قال: أفمهاجرة جئت؟ قالت: لا.
قال: فما جاء بك؟ قالت: احتجت حاجة شديدة فحث عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وزودوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردًا واستحملها كتابًا إلى أهل مكة نسخته: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة اعلموا أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم.
فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا وعمارًا وعمر وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وكانوا فرسانًا وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها، فإن أبت فاضربوا عنقها، فأدركوها فجحدت وحلفت فهموا بالرجوع فقال علي: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّ سيفه وقال: أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك، فأخرجته من عقاص شعرها.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم، فاستحضر برسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبًا وقال: ما حملك عليه؟ فقال: يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكني كنت امرأ ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيري، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدًا وقد علمت أن الله ينزل عليهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئًا فصدقه وقبل عذره.
فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر رضي الله عنه فنزل {يا أيّها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء}»
.
عدي (اتخذ) إلى مفعوليه وهما {عَدُوّى} و{أَوْلِيَاء} والعدوّ فعول من عدا كعفوّ من عفا ولكنه على زنة المصدر، أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد، وفيه دليل على أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان {تُلْقُونَ} حال من الضمير في {لاَ تَتَّخِذُواْ} والتقدير لا تتخذوهم أولياء ملقين {إِلَيْهِمْ بالمودة} أو مستأنف بعد وقف على التوبيخ.
والإلقاء عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم.
والباء في {بالمودة} زائدة مؤكدة للتعدي كقوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195] أو ثابتة على أن مفعول {تُلْقُونَ} محذوف معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم {وَقَدْ كَفَرُواْ} حال من {لاَ تَتَّخِذُواْ} أو من {تُلْقُونَ} أي لا تتولوهم أو توادونهم وهذه حالهم {بِمَا جَاءكُمْ مّنَ الحق} دين الإسلام والقرآن {يُخْرِجُونَ الرسول وإياكم} استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوهم أو حال من {كَفَرُواْ} {أَن تُؤْمِنُواْ} تعليل لـ: {يُخْرِجُونَ} أي يخرجونكم من مكة لإيمانكم {بالله رَبّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ} متعلق بـ: {لاَ تَتَّخِذُواْ} أي لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي.
وقول النحويين في مثله هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه {جِهَادًا في سَبِيلِي} مصدر في موضع الحال أي إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي {وابتغاء مَرْضَاتِي} ومبتغين مرضاتي {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أي تفضون إليهم بمودتكم سرًا أو تسرون إليهم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة وهو استئناف {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ} والمعنى أي طائل لكم في أسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي وأنا مطلع رسولي على ما تسرون {وَمَن يَفْعَلْهُ} أي هذا الإسرار {مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل} فقد أخطأ طريق الحق والصواب.
{إِن يَثْقَفُوكُمْ} إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم {يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء} خالصي العداوة ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم {وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء} بالقتل والشتم {وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} وتمنوا لو ترتدون عن دينكم فإذًا موادة أمثالهم خطأ عظيم منكم.
والماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع ففيه نكتة كأنه قيل: ودّوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض وردكم كفارًا أسبق المضار عندهم وأولها لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم، لأنكم بذالون لها دونه، والعدو أهم شيء عنده أن يقصد أهم شيء عند صاحبه.
{لَن تَنفَعَكُمْ أرحامكم} قراباتكم {وَلاَ أولادكم} الذين توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم ثم قال: {يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} وبين أقاربكم وأولادكم {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} [عبس: 34] الآية.
فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لحق من يفرّ منكم غدًا.
{يُفَصّلُ}: عاصم.
{يُفَصّلُ} حمزة وعلي والفاعل هو الله عز وجل {يُفَصّلُ} ابن ذكوان غيرهم {يُفَصّلُ} {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم على أعمالكم.
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ} قدوة في التبري من الأهل {حَسَنَةٌ في إبراهيم} أي في أقواله ولهذا استثنى منها إلا قول إبراهيم {والذين مَعَهُ} من المؤمنين وقيل: كانوا أنبياء {إِذْ قالواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤاْ مّنْكُمْ} جمع بريء كظريف وظرفاء {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة} بالأفعال {والبغضاء} بالقلوب {أَبَدًا حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ} فحينئذ نترك عداوتكم {إِلاَّ قول إبراهيم لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} وذلك لموعدة وعدها إياه أي اقتدوا به في أقواله ولا تأتسوا به في الاستغفار لأبيه الكافر {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْء} أي من هداية ومغفرة وتوفيق، وهذه الجملة لا تليق بالاستثناء ألا ترى إلى قوله: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئًا} [الفتح: 11] ولكن المراد استثناء جملة {قوله لأبيه} والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده تابع له كأنه قال: أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} متصل بما قبل الاستثناء وهو من جملة الأسوة الحسنة.
وقيل: معناه قولوا ربنا فهو ابتداء أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} أقبلنا {وَإِلَيْكَ المصير} المرجع {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب {واغفر لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} أي الغالب الحاكم.
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} ثم كرر الحث على الائتساء بإبراهيم عليه السلام وقومه تقريرًا وتأكيدًا عليهم، ولذا جاء به مصدرًا بالقسم لأنه الغاية في التأكيد، وأبدل من قوله: {لَكُمْ} قوله: {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله} أي ثوابه أي يخشى الله وعقبه بقوله: {وَمَن يَتَوَلَّ} يعرض عن أمرنا ويوال الكفار {فَإِنَّ الله هُوَ الغنى} عن الخلق {الحميد} المستحق للحمد فلم يترك نوعًا من التأكيد إلا جاء به ولما أنزلت هذه الآيات وتشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين أطمعهم في تحول الحال إلى خلافة فقال: {عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مّنْهُم} أي من أهل مكة من أقربائكم {مَّوَدَّةَ} بأن يوفقهم للإيمان، فلما يسر فتح مكة أظفرهم الله بأمنيتهم فأسلم قومهم وتم بينهم التحاب.
و{عسى} وعد من الله على عادات الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج عسى أو لعل فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك أو أريد به إطماع المؤمنين {والله قَدِيرٌ} على تقليب القلوب وتحويل الأحوال وتسهيل أسباب المودة {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن أسلم من المشركين {لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم في الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دياركم أَن تَبَرُّوهُمْ} تكرموهم وتحسنوا إليهم قولا وفعلًا.
ومحل {أَن تَبَرُّوهُمْ} جر على البدل من {الذين لَمْ يقاتلوكم} وهو بدل اشتمال والتقدير عن بر الذين {وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ} وتقضوا إليهم بالقسط ولا تظلموهم، وإذا نهى عن الظلم في حق المشرك فكيف في حق المسلم {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين إِنَّمَا ينهاكم الله عَنِ الذين قاتلوكم في الدين وَأَخْرَجُوكُم مّن دياركم وظاهروا على إخراجكم أَن تَوَلَّوْهُمْ} هو بدل من {الذين قاتلوكم} والمعنى لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} منكم {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} حيث وضعوا التولي غير موضعه.
{يا أيّها الذين ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات} سماهن مؤمنات لنطقهن بكلمة الشهادة، أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان {مهاجرات} نصب على الحال {فامتحنوهن} فابتلوهن بالنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن.
وعن ابن عباس: امتحانها أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله {الله أَعْلَمُ بإيمانهن} منكم فإنكم وإن رزتم أحوالهن لا تعلمون ذلك حقيقة وعند الله حقيقة العلم به {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات} العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بظهور الأمارات، وتسمية الظن علمًا يؤذن بأن الظن الغالب وما يفضي إليه القياس جارٍ مجرى العلم وصاحبه غير داخل في قوله: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار} فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين.
{لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} أي لا حل بين المؤمنة والمشرك لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة {وَءاتُوهُم مَّا أَنفَقُواْ} وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور.
نزلت الآية بعد صلح الحديبية وكان الصلح قد وقع على أن يرد على أهل مكة من جاء مؤمنًا منهم، فأنزل الله هذه الآية بيانًا لأن ذلك في الرجال لا في النساء لأن المسلمة لا تحل للكافر.
وقيل: نسخت هذه الآية الحكم الأول {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ} ثم ن في عنهم الجناح في تزوج هؤلاء المهاجرات {ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن لأن المهر أجر البضع وبه احتج أبو حنيفة رضي الله عنه على أن لا عدة على المهاجرة {وَلاَ تُمْسِكُواْ} {وَلاَ تُمْسِكُواْ} بصري {بِعِصَمِ الكوافر} العصمة ما يعتصم به من عقد وسبب.
والكوافر جمع كافرة وهي التي بقيت في دار الحرب أو لحقت بدار الحرب مرتدة أي لا يكن بينكم وبينهن عصمة ولا علقة زوجية.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدّنّ بها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه {وَسْئَلُواْ مَا أَنفَقْتُم} من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار ممن تزوجها {وَلْيَسْئَلُواْ مَا أَنفَقُواْ} من مهور نسائهم المهاجرات ممن تزوجها منا {ذَلِكُمْ حُكْمُ الله} أي جميع ما ذكر في هذه الآية: {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} كلام مستأنف أو حال من حكم الله على حذف الضمير أي يحكمه الله، أو جعل الحكم حاكمًا على المبالغة وهو منسوخ فلم يبق سؤال المهر لا منا ولا منهم {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شيء مّنْ أزواجكم إِلَى الكفار} وإن انفلت أحد منهن إلى الكفار وهو في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه أحد.
{فعاقبتم} فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم عن الزجاج {فَأَتُواْ الذين ذَهَبَتْ أزواجهم مّثْلَ مَا أَنفَقُواْ} فأعطوا المسلمين الذين ارتدت زوجاتهم ولحقن بدار الحرب مهور زوجاتهم من هذه الغنيمة {واتقوا الله الذي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} وقيل: هذا الحكم منسوخ أيضًا.
{يأَيُّهَا النبي إِذَا جَاءكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ} حال {على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أولادهن} يريد وأد البنات {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدي منك، كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبًا، لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين {وَلاَ يَعْصِينَكَ في مَعْرُوفٍ} طاعة الله ورسوله {فَبَايِعْهُنَّ واستغفر لَهُنَّ الله} عما مضى {إِنَّ الله غَفُورٌ} بتمحيق ما سلف {رَّحِيمٌ} بتوفيق ما ائتنف.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من فتح مكة من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر قاعد أسفل منه يبايعهن عنه بأمره ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متقنعة متنكرة خوفًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعت بحمزة فقال عليه السلام: «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئًا» فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئًا فقال عليه السلام: «ولا يسرقن» فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات فقال أبو سفيان: ما أصبت فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها: «إنك لهند».
قالت: نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال: «ولا يزنين» فقالت: أو تزني الحرة؟ فقال: «ولا يقتلن أولادهن» فقالت: ربيناهم صغارًا وقتلتهم كبارًا فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ولا يأتين ببهتان» فقالت: والله إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق.
فقال: «ولا يعصينك في معروف» فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء وهو يشير إلى أن طاعة الولاة لا تجب في المنكر.
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} ختم السورة بما بدأ به قيل هم المشركون {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة} من ثوابها لأنهم ينكرون البعث {كَمَا يَئِسَ الكفار} أي كما يئسوا إلا أنه وضع الظاهر موضع الضمير {مِنْ أصحاب القبور} أن يرجعوا إليهم أو كما يئس أسلافهم الذين هم في القبور من الآخرة أي هؤلاء كسلفهم.
وقيل: هم اليهود أي لا تتولوا قومًا مغضوبًا عليهم قد يئسوا من أن يكون لهم حظ في الآخرة لعنادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه الرسول المنعوت في التوراة، كما يئس الكفار من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء.
وقيل: من أصحاب القبور بيان للكفار أي كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة لأنهم تبينوا قبح حالهم وسوء منقلبهم، والله أعلم. اهـ.