فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
العدو يطلق على الواحد والجماعة، والمراد به هنا كفار قريش، وهذه الآية نزلت بسبب حاطب بن أبي بلتعة، وذلك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى مكة عام الحديبية، فورَّى عن ذلك بخيبر. فشاع في الناس أنه خارج إلى خيبر، وأخبر هو جماعةً من كبار أصحابه بقصده إلى مكة. منهم حاطب فكتب بذلك حاطب إلى قوم من أهل مكة، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء. فبعث علي بن أبي طالب والزبير والمقداد وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاب إلى المشركين، فانطلقوا حتى وجدوا المرأة فقالوا لها: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتاب، ففتشقوا جميع رحلها فما وجدوا شيئًا فقال بعضهم: ما معها كتاب. فقال عليّ بن أبي طالب: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذب الله، والله لتخرجنَّ الكتاب أو لنجردنك. قالت: أعرضوا عني، فأخرجته من قرون رأسها وضفائرها وقيل: أخرجته من حجزتها فجاءوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لحاطب: من كتب هذا؟ قال: أنا يا رسول الله. ولكن لا تعجل عليّ، فوالله ما فعلت ذلك ارتدادًا عن ديني، ولا رغبة في الكفر، ولكني كنت امرأ ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، فأحببت أن تكون لي عندهم يد يرعونني بها في قرابتي، فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق حاطب إنه من أهل بدر، وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم. لا تقولوا لحاطب إلا خيرًا. فنزلت الآية» عتابًا لحاطب وزجرًا عن أن يفعل أحد مثل فعله، وفيها مع ذلك تشريف له، لأن الله شهد له بالإيمان في قوله: {يا أيها الذين آمنوا}.
{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} عبارة عن إيصال المودّة إليهم، وألقى يتعدى بحرف جر وبغير حرف جر كقوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} [طه: 39] وهذه الجملة في موضع الحال من الضمير في قوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ} أو في موضع الصفة لأولياء أو استئناف {وَقَدْ كَفَرُواْ} حال من الضمير في {لاَ تَتَّخِذُواْ} أو في تلقون {يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ} أي يخرجون الرسول ويخرجونكم: يعني إخراجهم من مكة، فإنهم ضيقوا عليهم وآذوهم حتى خرجوا منها مهاجرين إلى المدينة، ومنهم من خرج إلى أرض الحبشة {أَن تُؤْمِنُواْ} مفعول من أجله أي يخرجونكم من أجل إيمانكم {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي} جواب هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو: لا تتخذوا، والتقدير إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء، وجهادًا مصدر في موضع الحال أو مفعول من أجله وكذلك ابتغاء.
{إِن يَثْقَفُوكُمْ} معناه إن يظفروا بكم {وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} أي تمنوا أن تكفروا فتكونون مثلهم، قال الزمخشري: وإنما قال: ودّوا بلفظ الماضي بعد أن ذكر جواب الشرط بلفظ المضارع لأنهم أرادوا كفركم قبل كل شيء.
{لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} إشارة إلى ما قصد حاطب من رعي قرابته {يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} يحتمل أن يكون من الفصل بالحكم بينهم أو من الفصل بمعنى التفريق، أي يفرق بينكم وبين قرابتكم يوم القيامة، وقيل: إن العامل في يوم القيامة ما قبله وذلك بعيد.
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ والذين مَعَهُ} الأسوة هي الذي يقتدى به، فأمر الله المسلمين أن يقتدوا بإبراهيم الخليل عليه السلام وبالذين معه في عداوة الكفار والتبري منهم، ومعنى: والذين معه من آمن به من الناس، وقيل: الأنبياء الذين كانوا في عصره وقريبًا من عصره، ورجح ابن عطية هذا القول بما ورد في الحديث: «إن إبراهيم عليه السلام قال لزوجته: ما على الأرض مؤمن بالله غيري وغيرك» {بُرَءآؤُاْ} جمع بريء {كَفَرْنَا بِكُمْ} أي كذبناكم في أقوالكم، ويحتمل أن يكون عبارة عن إفراد البغض والمقاطعة لهم {إِلاَّ قول إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} هذا استثناء من قوله: {أسوة حسنة}، فالمعنى اقتدروا بهم في عداوتهم للكفار، ولا تقتدوا بهم في هذا، لأن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، وقيل: الاستثناء من التبري والقطيعة، والمعنى تبرأ إبراهيم والذين معه من الكفار، إلا أن إبراهيم وعد أباه أن يستغفر له {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} هذا من كلام سيدنا إبراهيم عليه السلام، والذين معه وهو متصل بما قبل الاستثناء، فهو من جملة ما أمروا أن يقتدوا به.
{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} في معناه قولان: أحدهما لا تنصروهم علينا فيكون ذلك لهم فتنة وسبب ضلالهم؛ لأنهم يقولون: غلبناهم فيكون ذلك لهم، لأنا على الحق وهم على الباطل. والآخر: لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن ديننا، ورجح ابن عطية هذا، لأنه دعاء لأنفسهم وأما القول الأول فهو دعاء للكفار، ولكن مقصدهم ليس الدعاء للكفار، وإنما هو دعاء لأنفسهم بالنصر بحيث لا يفتتن الكفار بذلك.
{عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} لما أمر الله المسلمين بعداوة الكفار ومقاطعتهم فامتثلوا ذلك على ما كان بينهم وبين الكفار من القرابة، فعلم الله صدقهم فآنسهم بهذه الآية، ووعدهم بأن يجعل بينهم مودة، وهذه المودة كملت في فتح مكة فإنه أسلم حينئذ سائر قريش، وقيل: المودّة تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب سيد قريش، ورد ابن عطية هذا القول بأن تزوج أم حبيبة كان قبل نزول هذه الآية.
{لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين} رخص الله للمسلمين في مبرة من لم يقاتلهم من الكفار، واختلف فيهم على أربعة أقوال:
الأول أنهم قبائل من العرب منهم خزاعة وبنو الحارث بن كعب؛ كانوا قد صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوا، ولا يعينوا عليه.
الثاني أنهم كانوا من كفار قريش لم يقاتلوا المسلمين ولا أخرجوهم من مكة، والآية على هذين القولين منسوخة بالقتال.
الثالث أنهم النساء والصبيان، وفي هذا ورد «أن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي مشركة أفأصلها؟ قال: نعم صلي أمك».
الرابع أنه أراد من كان بمكة من المؤمنين الذين لم يهاجروا، وأما الذين نهى الله عن مودتهم لأنهم قاتلوا المسلمين وظاهروا على إخراجهم فهم كفار قريش.
{يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَاءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ فامتحنوهن} أي اختبروهن لتعلموا صدق إيمانهن، وإنما سماهن مؤمنات لظاهر حالهن، وقد اختلف في هذا الامتحان على ثلاثة أقوال:
أحدها أن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغضها في زوجها، ولا لخوف وغير ذلك من أغراض الدنيا سوى حب الله ورسوله والدار الآخرة.
والثاني أن يعرض عليها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
والثالث أن تعرض عليها الشروط المذكورة بعد هذا من ترك الإشراك والسرقة، وقتل أولادهن وترك الزنا والبهتان، والعصيان، فإذا أقرت بذلك فهو امتحانها، قالته عائشة رضي الله تعالى عنها.
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار} نزلت هذه الآية أثر صلح الحديبية، وكان ذلك الصلح قد تضمن أن يردّ المسلمون إلى الكفار كل من جاءهم مسلمًا من الرجال والنساء، فنسخ الله أمر النساء بهذا الآية، ومنع من ردّ المؤمنة إلى الكفار إذا هاجرت إلى المسلمين، وكانت المرأة التي هاجرت حينئذ أميمة بنت بشر امرأة حسان بن الدحداحة، وقل: سبيعة الأسلمية، ولما هاجرت جاء زوجها فقال يا محمد ردها علينا، فإن ذلك في الشرط الذي لنا عليك، فنزلت الآية: فامتحنها رسول الله صلى الله عليه ونسلم فلم يردها، وأعطى مهرها لزوجها. وقيل: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، هربت من زوجها إلى المسلمين، واختلف في الرجال هل حكمهم في ذلك كالنساء فلا تجوز المهادنة على ردّ من أسلم منهم، أو يجوز حتى الآن، على قولين: والأظهر الجواز لأنه إنما نسخ ذلك النساء {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} هذا تعليل للمنع من ردّ المرأة إلى الكفار، وفيه دليل على ارتفاع النكاح بين المشركين والمسلمات.
{وَآتُوهُم مَا أَنفَقُواْ} يعني أعطوا الكفار ما أعطوا نساءهم من الصدقات إذا هاجرن، ثم أباح للمسلمين تزوجهن بالصداق {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} العصم جمع عصمة أي النكاح، فأمر الله المسلمين أن يفارقوا نساءهم الكوافر، يعني المشركات من عبدة الأوثان، فالآية على هذا محكمة، وقيل: يعني كل كافرة. فعلى هذا نسخ منها جواز تزوج الكتابيات لقوله: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ورُوي أن الآية نزلت في امرأة لعمر بن الخطاب كانت كافرة فطلقها {وَاسْأَلُواْ مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ} أي اطلبوا من الكفار ما أنفقتم من الصدقات على أزواجكم، اللاتي فررن إلى الكفار وليطلب الكفار منكم ما أنفقوا على أزواجهم، اللاتي هاجرن إلى المسلمين.
{وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَا أَنفَقُواْ} معنى فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار: هروب نساء المسلمين إلى الكفار، والخطاب في قوله: {فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} للمسلمين وقوله: {عَاقَبْتُمْ} ليس من العقاب على الذنب، وإنما هو من العقبى أي أصبتم عقبى، وهي الغنيمة أو من التعاقب على الشيء، كما يتعاقب الرجلان على الدابة إذا ركبها هذا مرة وهذا مرة أخرى، فلما كان بعض نساء المسلمين يهربن إلى الكفار وبعض نساء الكفار يهربن إلى المسلمين جعل ذلك كالتعاقب على النساء، وسبب الآية أنه لما قال الله: {وَاسْأَلُواْ مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ} [الممتحنة: 10]: قال الكفار: لا نرضى بهذا الحكم، ولا نعطي صداق من هربت زوجته إلينا من المسلمين، فأنزل الله هذه الآية الأخرى وأمر الله المسلمين أن يدفعوا الصداق لمن هربت زوجته إلينا من المسلمين إلى الكفار، ويكون هذا المدفوع من مال الغنائم على قول من قال: إن معنى فعاقبتم غنمتم، وقيل: من مال الفيء، وقيل من الصدقات التي كانت تدفع للكفار إذا فر أزواجهم إلى المسلمين فأنزل الله دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه.
وهذه الأحكام التي تضمنتها هذه الآية، قد ارتفعت لأنها نزلت في قضايا معينة، وهي مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي العرب ثم زالت هذه الأحكام بارتفاع الهدنة فلا تجوز مهادنة المشركين من العرب، إنما هو في حقهم الإسلام أو السيف، وإنما تجوز مهادنة أهل الكتاب والمجوس لأن الله قال في المشركين: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وقال في أهل الكتاب: {حتى يُعْطُواْ الجزية} [التوبة: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: «سُنُّوا سنة أهل الكتاب».
{يا أيها النبي إِذَا جَاءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ} هذه البيعة بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعهن بالكلام، ولا تمس يده يد امرأة، ورد هذا في الحديث الصحيح عن عائشة {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان} معناه عند الجمهور أن تنسب المرأة إلى زوجها ولدًا ليس له، واختار ابن عطية أن يكون البهتان هنا على العموم، بأن ينسب للرجل غير ولده، أو تفتري على أحد بالقول، أو تكذب فيما ائتمنها الله عليه من الحيض والحمل وغير ذلك، {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} أي لا يعصينك فيما جاءت به الشريعة من الأوامر والنواهي، ومن ذلك النهي عن النياحة وشق الجيوب، ووصل الشعر وغير ذلك مما كان نساء الجاهلية يفعلنه، وورد في الحديث: «أن النساء لما بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المبايعة، فقررهنَّ على أن لا يسرقن قالت هند بنت عتبة وهي امرأة أبي سفيان بن حرب: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ إن أخذت من ماله بغير إذنه، فقال لها: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. فلما قررهن على أن لا يزنين، قالت هند: يا رسول الله أتزني الحرة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا تزني الحرة. يعني في غالب المرأة، وذلك أن الزنا في قريش إنما كان في الإماء فلما قال: ولا يقتلن أولادهن فقالت: نحن ربيناهم صغارًا وقتلتهم أنت ببدر كبارًا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وقفهن على أن لا يعصينه في معروف، قالت: ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن نعصيك».
وهذه المبايعة للنساء غير معمول بها اليوم، لأنه أجمع العلماء على أنه ليس للإمام أن يشترط عليهن هذا فإما أن تكون منسوخة ولم يذكر الناسخ، أو يكون ترك هذه الشروط، لأنها قد تقررت وعلمت من الشرع بالضرورة فلا حاجة إلى اشتراطها.
{لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} يعني اليهود، وكان بعض فقراء المسلمين يتودّد إليهم ليصيبوا من أموالهم، وقيل: يعني كفار قريش، والأول أظهر لأن الغضب قد صار عرفًا لليهود كقوله: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} [الفاتحة: 7] {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} من قال: إن القوم الذين غضب الله عليهم هو اليهود، فمعنى يئسوا من الآخرة يئسوا من خير الآخرة والسعادة فيها، ومن قال: إن القوم الذين غضب الله عليهم هم كفار قريش، فالمعنى يئسوا من وجود الآخرة، وصحتها لأنهم مكذبون بها تكذيبًا جزمًا، وقوله: {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} يحتمل وجهين: أحدهما أن يريد كما يئس الكفار المكذبون بالبعث من بعث أصحاب القبور، فقوله: {مِنْ أَصْحَابِ} يتعلق ببئس، وهو على حذف مضاف، والآخر أن يكون {مِنْ أَصْحَابِ القبور} لبيان الجنس أي كما يئس الذين في القبور من سعادة الآخرة، لأنهم تيقنوا أنهم يعذبون فيها. اهـ.