فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الممتحنة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}
قوله: {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}: هذان مفعولا الاتخاذ. والعدوُّ لَمَّا كان بزنةِ المصادِر وقعَ على الواحدِ فما فوقَه، وأضاف العدوَّ لنفسه تعالى تغليظًا في جُرْمِهم.
قوله: {تُلْقُونَ} فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنه تفسيرٌ لموالاتِهم إياهم. الثاني: أنه استئنافُ إخبارٍ بذلك فلا يكون للجلمة على هذين الوجهَين محلٌّ من الإِعراب. الثالث: أنها حالٌ مِنْ فاعل {تَتَّخِذوا} أي: لا تتخذوا مُلْقِين المودةَ. الرابع: أنها صفة لـ: {أولياءَ}. قال الزمخشري: فإن قلتَ: إذا جَعَلْتَه صفةً لأولياء، وقد جَرَى على غير مَنْ هوله، فأين الضميرُ البارزُ، وهو قولك: تُلْقُون إليهم أنتم بالمودة؟ قلت: ذاك إنما اشترطوه في الأسماءِ دونَ الأفعالِ لو قيل: أولياءَ مُلْقِين إليهم بالمودَّة على الوصف لَما كان بُدٌّ مِن الضميرِ البارزِ. قلت: قد تقدَّمَتْ هذه المسألةُ مستوفاةً، وفيها كلامٌ لمكي وغيرِه. إلاَّ أن الشيخَ اعترضَ على كونِها صفةً أو حالًا بأنهم نُهُوا عن اتخاذِهم أولياءً مطلقًا في قوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51] والتقييدُ بالحالِ والوصفِ يُوهم جوازَ اتِّخاذهم أولياءَ إذا انتفى الحالُ أو الوصفُ. ولا يَلْزَمُ ما قال لأنه معلومٌ من القواعدِ الشرعيةِ فلا مفهومَ لهما البتةَ. وقال الفراء: {تُلْقون} من صلةِ {أولياء} وهذا على أصولِهم مِنْ أنَّ النكرةَ تُوْصَلُ كغيرها من الموصولات.
قوله: {بالمودة} في الباء ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدُها: أن الباءَ مزيدةٌ في المفعولِ به كقوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195].
والثاني: أنها غيرُ مزيدةٍ والمفعولُ محذوفٌ، ويكون معنى الباءِ السببَ. كأنه قيل: تُلْقُوْن إليهم أسرارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأخبارَه بسبب المودةِ التي بينكم.
والثالث: أنها متعلقةٌ بالمصدرِ الدالِّ عليه {تُلْقُون} أي: إلقاؤُهم بالمودَّةِ، نقله الحوفيُّ عن البصريين، وجَعَلَ القول بزيادةِ الباءِ قول الكوفيين. إلاَّ أن هذا الذي نَقَله عن البصريين لا يُوافقُ أصولَهم؛ إذ يَلْزَمُ منه حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معموله، وهو لا يجوزُ عندَهم. وأيضًا فإنَّ فيه حَذْفَ الجملة برأسِها، فإنَّ (إلقاءَهم) مبتدأ و{بالمودة} متعلقٌ به، والخبرُ أيضًا محذوفٌ. وهذا إجحافٌ.
قوله: {وَقَدْ كَفَرُواْ} فيه أوجهٌ: الاستئناف، والحالُ مِنْ فاعِل {تتَّخذوا} والحالُ مِنْ فاعلِ {تُلْقُون} أي: لا تتولَّوْهم ولا توادُّوهم وهذه حالُهم. والعامة: {بما} بالباء، والجحدري وعاصمٌ في روايةٍ {لِما} باللام أي: لأجلِ ما جاءكم، فعلى هذا الشيءِ المكفورِ غيرُ مذكور، تقديره: كفروا باللَّهِ ورسولِه.
قوله: {يُخْرِجُونَ الرسول} يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفًا، وأن يكونَ تفسيرًا لكُفْرِهم، فلا مَحَلَّ له على هذَيْن، وأَنْ يكونَ حالًا مِنْ فاعل {كفروا}.
قوله: {وَإِيَّاكُمْ} عطفٌ على الرسول. وقُدِّم عليهم تَشريفًا له.
وقد استَدَلَّ به مَن يُجَوِّزُ انفصالَ الضميرِ مع القدرةِ على اتصالِه، إذ كان يجوز أَنْ يُقال: يُخْرجونكم والرسولَ، فيجوز: {يُخْرجون إياكم والرَّسولَ} في غيرِ القرآن وهو ضعيفٌ؛ لأنَّ حالةَ تقديمِ الرسولِ دلالةٌ على شَرَفِه. لا نُسَلِّمُ أنه يُقَدَرُ على اتِّصاله. وقد تقدَّم لك الكلامُ على هذه الآيةِ عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ} في سورةِ النساء فعليك باعتباره.
قوله: {أَن تُؤْمِنُواْ} مفعولٌ له. وناصبُه: {يُخْرِجون} أي: يُخْرجونكم لإِيمانِكم أو كراهةَ إيمانِكم.
قوله: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ} جوابُه محذوفٌ عند الجمهور لتقدُّمِ {لا تتَّخذوا}، ومقدم وهو {لا تتخذوا} عند الكوفيين ومَنْ تابعهم. وقد تقدَّم تحريرُه. وقال الزمخشري: و{إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ} متعلِّقٌ بـ: {لا تَتَّخذوا}. يعين: لا تتولَّوْا أعدائي إنْ كنتم أوليائي. وقول النحويين في مثلِه: هو شرطٌ، جوابُه محذوفٌ لدلالةِ ما قبله عليه. انتهى. يريد أنَّه متعلِّقٌ به من حيث المعنى. وأمَّا من حيث الإِعراب فكما قال جمهورُ النَّحْويين.
قوله: {جِهَادًا...وابتغاء} يجوزُ أَنْ يُنْصَبا على المفعول له أي: خَرَجْتُمْ لأجلِ هذَيْن، أو على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: تُجاهِدون، وتبتَغُون، أو على أنهما في موضع الحال.
قوله: {تُسِرُّونَ} يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفًا، ولم يذكُر الزمخشريُّ غيرَه، وأن يكونَ حالًا ثانية مِنْ ما انتصب عنه {تُلْقُون} حالًا، وأَنْ يكونَ بدلًا مِنْ {تُلْقُون}، قاله ابن عطية. ويُشْبه أَنْ يكونَ بدلَ اشتمالٍ لأنَّ إلقاءَ المودةِ يكون سرًّا وجَهْرًا، فَأَبْدَل منه هذا للبيانِ بأيِّ نوعٍ وقع الإِلقاء، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: أنتم تُسِرُّون، قاله ابن عطية، ولا يَخْرجُ عن معنى الاستئناف. وقال أبو البقاء: هو توكيدٌ لـ: {تُلْقُون} بتكريرِ معناه. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الإِلقاءَ أعمُّ مِنْ أَنْ يكونَ سِرًَّا أو جَهْرًا.
وقوله: {بالمودة} الكلامُ في الباء هنا كالكلامِ عليها بعد {تُلْقُون}.
قوله: {وَأَنَاْ أَعْلَمُ} هذه الجملة حالٌ مِنْ فاعل {تُسِرُّون} أي: وأيُّ طائلٍ لكم في إسْراركم وقد عَلِمتم أن الإِسرارَ والإِعلان سيَّانِ في علمي؟ و{أعلمُ} يجوز أن يكونَ أفعلَ تفضيل وهو الظاهرُ، وأَنْ يكون فعلًا مضارعًا. قال ابن عطية: وعُدِّي بالباء لأنك تقول: علمتُ بكذا.
قوله: {وَمَن يَفْعَلْهُ} في الضمير وجهان، أظهرهما: أنه يعود على الإِسرار؛ لأنه أقربُ مذكورٍ. والثاني: أنه يعودُ على الاتخاذ، قاله ابنُ عطية.
قوله: {سَوَاءَ السبيل} يجوزُ أَنْ يكونَ منصوبًا على الظَّرْفِ إنْ قلنا: (ضَلَّ) قاصرٌ، وأَنْ يكونَ مفعولًا به إنْ قلنا: هو متعدٍّ.
{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}
قوله: {وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ}: في {وَدُّوا} وجهان، أحدهما: أنه معطوفٌ على جواب الشرطِ وهو قوله: {يكونوا} و{يَبْسُطوا} قاله الزمخشري. ثم رتَّب عليه سؤالًا وجوابًا فقال: فإنْ قلتَ: كيف أورَدَ جوابَ الشرط مضارعًا مثلَه ثم قال: {وَدُّوا} بلفظ الماضي؟ قلت: الماضي وإنْ كان يجري في باب الشرط مَجْرى المضارع في علم الإِعراب، فإن فيه نكتةً، كأنه قيل: وودُّوا قبل كلِّ شيءٍ كُفْرَكم وارتدادَكم، يعني: أنهم يريدون أن يُلْحِقوا بكم مَضارَّ الدنيا والآخرةِ جميعًا. والثاني: أنه معطوفٌ على جملة الشرط والجزاء، ويكون تعالى قد أخبر بخبَرَيْن: بما تَضَمَّنَتْه الجملة الشرطيةُ، وبودادتهم كُفْرَ المؤمنين. وجعل الشيخُ هذا راجحًا، وأسقط به سؤالَ الزمخشريِّ وجوابَه فقال: وكان الزمخشريُّ فَهِمَ مِنْ قوله: {وَوَدُّوا} أنه معطوفٌ على جوابِ الشرطِ. والذي يظهرُ أنه ليس معطوفًا عليه لأنَّ ودادتَهم كفرَهم ليسَتْ مترتبةً على الظفر بهم والتسليطِ عليهم، بل هم وادُّون كفرَهم على كلِّ حالٍ، سواءً ظَفِروا بهم أم لم يظفروا بهم. انتهى.
قلت: والظاهرُ أنه عطفٌ على الجواب. وقوله: هم وادُّون ذلك مُطلقًا مُسَلَّمٌ، ولكن ودادتَهم له عند الظفرِ والتسليطِ أقربُ وأطمعُ لهم فيه.
وقوله: {لَوْ تَكْفُرُونَ} يجوزُ أَنْ تكونَ لما سيقعُ لوقوع غيرِه، وأَنْ تكونَ المصدريةَ عند مَنْ يرى ذلك، وقد تقدَّم تحريرهما في البقرة.
{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}
قوله: {يَوْمَ القيامة}: يجوز فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يتعلَّقَ بما قبلَه أي: لن ينفعَكم يومَ القيامة فَيُوقَفُ عليه ويُبْتدأ {يَفْصِلُ بينكم}. والثاني: أَنْ يتعلَّقُ بما بعده أي: يَفْصِلُ بينكم يومَ القيامة، فيوقف على {أولادكم} ويُبتدأ {يوم القيامة}.
والقراء في {يَفْصِلُ} بينكم على أربعِ مراتبَ، الأولى: لابن عامر بضم الياءِ وفتح الفاءِ والصادُ مثقَّلةٌ. الثانية: كذلك إلاَّ أنَّه بكسرِ الصاد للأخوَيْن. الثالثة: بفتح الياء وسكونِ الفاءِ وكسرِ الصاد مخففةً لعاصم. الرابعة: بضمِّ الياء وسكونِ الفاءِ وفتح الصادِ مخففةً للباقين، وهم نافعٌ وابنُ كثير وأبو عمروٍ هذا في السَبعة. وقرأ ابنُ أبي عبلةٍ وأبو حيوةَ بضم الياء وسكون الفاء وكسرِ الصادِ مخففةً، مِنْ أَفْصَلَ. وأبو حيوة أيضًا {نُفْصِلُ} بضمِّ النونِ مِنْ أَفْصَلَ. والنخعيُّ وطلحة {نُفَصِّلُ} بضم النون وفتح الفاء وكسر الصاد مشددةً. وقرأ أيضًا وزيد بن علي {نَفْصِلُ} بفتح النون وسكون الفاء وكسرِ الصاد مخففةً. فهذه أربعٌ فصارت ثمانِ قراءات.
فمَنْ بناه للمفعولِ فالقائمُ مقام الفاعلِ: إمَّا ضميرُ المصدرِ أي: يُفْصَل الفصلُ أو الظرف، وبُني على الفتح لإِضافته إلى غير متمكن كقوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] في أحدِ الأوجه، أو الظرفُ وهو باقٍ على نصبِه كقولك: (جُلس عندَك).
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قول إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)}
قوله: {في إِبْرَاهِيمَ}: فيه أوجهٌ، أحدها: أنه متعلقٌ بـ: {أُسوة} تقول: لي أُسْوَة في فلان. وقد منع أبو البقاء أَنْ يتعلَّقَ بها. قال: لأنها قد وُصِفَتْ. وهذا لا يُبالى به لأنه يُغتفر في الظرفِ ما لا يُغتَفر في غيره. الثاني: أنه متعلق بحسنة تعلُّقَ الظرفِ بالعامل. الثالث: أنَّه نعتٌ ثانٍ لأُسْوَة. الرابع: أنه حالٌ من الضمير المستترِ في {حسنةٌ}. الخامس: أن يكونَ خبرَ كان، و{لكم} تبيينٌ. وقد تقدَّم لك قراءتا {أسْوة} في الأحزاب، والكلامُ على مادتِها.
قوله: {إِذْ قالواْ} فيه وجهان،: أحدهما: أنَّه خبرُ كان. والثاني: أنه متعلقٌ بخبرها، قالهما أبو البقاء. ومَنْ جَوَّزَ في {كان} أَنْ تعملَ في الظرف عَلَّقه بها.
قوله: {بُرَآءُ} هذه قراءة العامَّةِ بضمِّ الباءِ وفتح الراءِ وألفٍ بين همزتَيْن، جمعَ بريء، نحو: كُرَماء في جمع كريم. وَعيسى الهمذاني بكسرِ الباء وهمزةٍ واحدةٍ بعد ألف نحو: كرام في جمع كريم. وعيسى أيضًا، وأبو جعفر، بضم الباءِ وهمزةٍ بعد ألف. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه جمعُ بَرِيْء أيضًا، والأصلُ كسرُ الباءِ، وإنما أبدل من الكسرةِ ضمةً، كرُخال ورُباب قاله الزمخشري. الثاني: أنه جمعٌ أيضًا لـ: بَرِيء، وأصلُه برَآء كالقراءة المشهورة، إلاَّ أنه حَذَفَ الهمزة الأولى تخفيفًا، قاله أبو البقاء. الثالث: أنه اسمُ جمعٍ لـ: بريء نحو: تُؤَام وظُؤَار اسْمَيْ جمعٍ لتَوْءَم وظِئْر. وقرأ عيسى أيضًا: {بَراء} بفتح الباء. وهمزة بعد ألف كالتي في الزخرف، وصَحَّ ذلك لأنه مصدرٌ والمصدرُ يقع على الجمع كوقوعِه على الواحد. قال الزمخشري: والبَراء والبراءةُ كالظَّماء والظَّماءة. وقال مكي: وأجاز أبو عمروٍ وعيسى ابن عمر {بِراء} بكسر الباء جعله ككريم وكِرام. وأجاز الفراء {بَراء} بفتح الباء. ثم قال: وبَراء في الأصلِ مصدرٌ. كأنه لم يَطَّلِعْ عليها قراءة منقولةً.
قوله: {إِلاَّ قول إِبْرَاهِيمَ} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه استثناءٌ متصلٌ مِنْ قوله: {في إبراهيم} ولكنْ لابد مِنْ حذفِ مضافٍ ليصِحَّ الكلامُ، تقديرُه: في مقالات إبراهيم إلاَّ قوله كيت وكيت. الثاني: أنه مستثنى مِنْ {أسوةٌ حسنةٌ} وجاز ذلك لأن القول أيضًا من جملة الأُسْوة؛ لأن الأسوةَ الاقتداءُ بالشخص في أقوالِه وأفعالِه، فكأنه قيل لكم: فيه أُسْوة في جميع أحوالِه من قول وفِعْلٍ إلاَّ قوله كذا. وهذا عندي واضحٌ غيرُ مُحْوِجٍ إلى تقديرِ مضافٍ وغيرُ مُخْرِجِ الاستثناءِ من الاتصالِ الذي هو أصلُه إلى الانقطاع، ولذلك لم يذكُر الزمخشريُّ غيرَه قال: فإنْ قلتَ مِمَّ استثنى قوله: {إِلاَّ قول إِبْرَاهِيمَ}؟ قلت مِنْ قوله: {أُسْوَةٌ حسنةٌ} لأنه أرادَ بالأُسوةِ الحسنةِ قولهم الذي حَقَّ عليهم أَنْ يَأْتَسُوا به ويتخذوه سنةً يَسْتَنُّون بها.
فإنْ قلت: فإنْ كانَ قوله: {لأستغفرَنَّ لك} مستثنى من القول الذي هو أُسْوَةٌ حسنةٌ فما بالُ قوله: {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ}، وهو غيرُ حقيقٍ بالاستثناء. ألا ترى إلى قوله: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئًا} [الفتح: 11] قلت: أرادَ استثناءَ جملة قوله لأبيه، والقصدُ إلى موعدِ الاستغفارِ له وما بعده مبنيٌّ عليه وتابعٌ له. كأنه قال: أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلاَّ الاستغفارُ. الثالث: قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الاستثناءُ من التبرُّؤِ والقطيعة التي ذُكِرت أي: لم تُبْقِ صلةً إلاَّ كذا. الرابع: أنه استثناءٌ منقطع أي: لكنْ قول إبراهيم. وهذا بناءً مِنْ قائليه على أنَّ القول لم يَنْدَرِجْ تحت قوله: {أُسْوة} وهو ممنوعٌ.
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)}
قوله: {رَبَّنَا}: يجوز أنْ يكونَ مِنْ مقول إبراهيمَ والذين معه فهو من جملة الأُسْوَةِ الحسنةِ، وفَصَلَ بينهما بالاستثناءِ ويجوز أَنْ يكونَ منقطعًا ممَّا قبله على إضمارِ قول، وهو تعليمٌ من الله تعالى لعبادِه كأنَّه قال لهم: قولوا ربَّنا عليك تَوَكَّلْنا. والأولُ أظهرُ.
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)}
قوله: {لِّمَن كَانَ يَرْجُو}: بدلٌ من الضمير في {لكم} بدلُ بعضٍ مِنْ كل. وقد تقدَّم مثلُه في الأحزاب. والضميرُ في {فيهم} عائدٌ على إبراهيم ومَنْ معه وكُرِّرَتْ الأُسْوةُ تأكيدًا.
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}
قوله: {أَن تَبَرُّوهُمْ}، {أَن تَوَلَّوْهُمْ}: بدلان من {الذين} قبلَهما بدلُ اشتمالٍ. والمعنى: لا يَنهاكم اللَّهُ تعالى عن مَبَرَّةِ هؤلاء، إنما يَنْهاكم عن تَوَلِّي هؤلاء.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)}
قوله: {وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}: قيل: هو تأكيد للأول لتلازُمِهِا. وقيل: أراد استمرارَ الحكم بينهم فيما يَسْتقبِلُ، كما هو في الحال ما داموا مشركين وهُنَّ مؤمناتٌ. وقوله: {المؤمنات} تسميةٌ للشيء بما يقارِبُه ويُشارِفُه أو في الظاهر. وقرئ: {مُهاجراتٌ} بالرفع وخُرِّجَتْ على البدلِ. الجملة مِنْ قوله: {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} فائدتُها: بيان أنَّه لا سبيلَ لكم إلى ما تطمئنُّ به النفس ويُثلج الصدرَ من الإِحاطة بحقيقةِ إيمانهنَّ، فإنَّ ذلك ممَّا استأثر اللهُ به. قاله الزمخشري: وسُمِّي الظنُّ الغالِبُ في قوله: {عَلِمْتُموهُنَّ} عِلْمًا لما بينهما من القُرْب، كما يقع الظنُّ موقعَه. وتقدَّم ذلك في البقرة.
وقوله: {أَن تَنكِحُوهُنَّ} أي: في أَنْ. وقوله: {إذا آتيْتُمُوهُنَّ} يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفًا مَحْضًا، وأَنْ يكونَ شرطًا، جوابُه مقدَّرٌ أي: فلا جُناحَ عليكم.
قوله: {وَلاَ تُمْسِكُواْ} قرأ أبو عمرو في آخرين بضم التاء وفتح الميم وشدِّ السين، وباقي السبعة بتخفيفها مِنْ مَسَّك وأَمْسَك بمعنىً واحد. ويقال: أَمْسَكْتُ الحَبْل إمساكًا ومَسَّكْتُه تَمْسكيًا. وفي التشديد مبالغةٌ، والمخفَّفُ صالحٌ لها أيضًا. وقرأ الحسن وابنُ أبي ليلى وأبو عمروٍ وابنُ عامرٍ في روايةٍ عنهما {تَمَسَّكُوا} بالفتح في الجميعِ وتشديدِ السينِ. والأصلُ: تَتَمسَّكوا بتاءين، فحُذِفَتْ إحداهما. وعن الحسن أيضًا {تَمْسِكوا} مضارع مَسَكَ ثلاثيًا. والعِصَمُ: جمع عِصْمة، والكوافر: جمع كافرة كضَوارب في ضاربة. ويُحكى عن الكَرْخِيِّ الفقيهِ المعتزليِّ أنه قال: الكوافِرُ يشملُ الرجالَ والنساءَ. قال الفارسي: فقلت له: النَّحْويون لا يَرَوْن هذا إلاَّ في النساءِ جمعَ (كافرة) فقال: أليس يُقال: طائفة كافرة، وفِرْقَةٌ كافرة. قال أبو علي: فبُهِتُّ وقلتُ: هذا تأييدٌ إلهيٌّ. قلت: وإنما أُعْجِبَ بقوله لكونِه معتزليًّا مثلَه. والحقُّ أنه لا يجوز (كافِرة) وصفًا للرجال، إلاَّ أن يكونَ الموصوفُ مذكورًا نحو: هذه طائفة كافرة، أو في قوةِ المذكور. أمَّا أنه يقال: (كافرة) باعتبارِ الطائفة غير المذكورة، ولا في قوةِ المذكورة بل لمجردِ الاحتمالِ، ويُجمع جَمْعَ فاعِلة، فهذا لا يجوزُ. وقول الفارسي: لا يَرَوْنَ هذا إلاَّ في النساء. صحيحٌ ولكنه الغالِبُ. وقد يُجْمَعُ فاعِل وصفُ المذكرِ العاقلِ على فواعِل وهو محفوظٌ نحو: فوارِس ونواكِس.
قوله: {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} فيه وجهان، أحدُهما: أنه مستأنفٌ لا محلَّ له. والثاني: أنه حالٌ مِنْ (حُكْمُ). والراجعُ: إمَّا مستترٌ أي: يحكم هو أي: الحكم على المبالغةِ، وإمَّا محذوفٌ أي: يحكمُه. وهو الظاهرُ.
{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}
قوله: {شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ}: يجوز أَنْ يتعلَّقَ {مِنْ أزواجِكم} بـ: {فاتَكم} أي: مِنْ جهةِ أزواجِكم، ويُراد بالشيء المَهْرُ الذي غُرِّمَه الزوجُ؛ لأنَّ التفسيرَ وَرَدَ: أنَّ الرجلَ المسلمَ إذا فَرَّتْ زوجتُه إلى الكفار أَمَرَ اللَّهُ تعالى المؤمنين أَنْ يُعْطُوْه ما غُرِّمَه، وفَعَله النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع جمعٍ مِن الصحابة، مذكورون في التفسير، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوف على أنَّه صفةٌ لشيء، ثم يجوز في {شيء} أَنْ يُرادَ به ما تقدَّم من المُهورِ، ولكن على هذا لابد مِنْ حَذْفِ مضافٍ أي: مِنْ مُهورِ أزواجِكم ليتطابقَ الموصوفُ وصفتُه، ويجوزُ أَنْ يُرادَ بشيء النساءُ أي: شيءٌ من النساء أي: نوعٌ وصنفٌ منهنَّ، وهو ظاهرٌ، وصَفَه بقوله: {مِن أزواجِكم}.
وقد صرَّح الزمخشري بذلك فإنه قال: وإنْ سبقكم وانفَلَت منكم شيءٌ مِنْ أزواجكم، أحدٌ منهن إلى الكفار وفي قراءة ابنِ مسعود {أحد} فهذا تصريحٌ بأنَّ المرادَ بشيء النساءُ الفارَّاتُ. ثم قال: فإنْ قلتَ: هل لإِيقاع {شيء} في هذا الموقعِ فائدةٌ؟ قلت: نعم الفائدةُ فيه: أن لا يُغادِرَ شيئًا من هذا الجنسِ، وإنْ قَلَّ وحَقُر، غيرَ مُعَوَّضٍ منه، تَغْليظًا في هذا الحكم وتشديدًا فيه. ولولا نَصُّهُ على أنَّ المرادَ بـ: {شيء} {أحد} كما تقدَّم لكَان قوله: أن لا يغادِرَ شيئًا من هذا الجنس وإن قَلَّ وحَقُر. ظاهرًا في أنَّ المرادَ بـ: {شيء} المَهْرُ؛ لأنه يُوْصَفُ بالقلة والحَقارة وصفًا شائعًا. وقوله: تغليظًا وتشديدًا. فيه نظرٌ؛ لأنَّ المسلمين ليس لهم تَسَبُّبٌ في فِرار النساءِ إلى الكفار، حتى يُغَلَّظَ عليهم الحكمُ بذلك. وعَدَّى (فات) بـ: (إلى) لأنه ضُمِّن معنى الفِرار والذَّهابِ والسَّبْقِ ونحوِ ذلك.
قوله: {فَعَاقَبْتُمْ} عطفٌ على {فاتَكم}. وقرأ العامة: {عاقَبْتُم} وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه من العقوبة. قال الزجاج: {فعاقبْتُم}: فَأَصَبْتُموهم في القتالِ بعقوبةٍ حتى غَنِمْتُم. الثاني: أنه من العُقْبة وهي النَّوْبَةُ، شبَّه ما حَكَم به على المسلمين والكافرين مِنْ أداءِ هؤلاء مهورَ نساءِ أولئك تارةً، وأولئك مهورَ نساءِ هؤلاء أخرى، بأَمْرٍ يتعاقبون فيه كما يُتعاقَبُ في الرُّكوب وغيرِه، ومعناه: فجاءَتْ عُقْبَتُكم مِنْ أداء المَهْر. انتهى.
وقرأ مجاهدٌ والأعرجُ والزهريُّ وأبو حيوةَ وعكرمةُ وحميدٌ بشَدِّ القاف، دون ألفٍ، ففَسَّرها الزمخشريُّ على أصلِه بعَقَّبه إذا قفَاه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من المتعاقِبَيْن يَقْفي صاحبه وكذلك {عَقَبْتُم} بالتخفيف يقال: (عَقَبه يَعْقُبُه) انتهى. قلت: والذي قرأه بالتخفيف وفتحِ القافِ النخعيُّ وابن وثاب والزهري والأعرج أيضًا، وبالتخفيف وكسر القافِ مَسْروقٌ والزهريُّ والنخعي أيضًا.
وقرأ مجاهد {أَعْقَبْتُمْ}. قال الزمخشريُّ معناه: دَخَلْتُم في العُقْبة.
وأمَّا الزجَّاجُ ففَسَّر القراءاتِ الباقيةَ: فكانت العُقْبى لكم أي: كانت الغلبةُ لكم حتى غَنِمْتُم. والظاهرُ أنه كما قال الزمخشريُّ من المعاقبة بمعنى المناوَبة. يقال: عاقَبَ الرجلُ صاحبَه في كذا أي: جاء فِعْلُ كلِّ واحد منهما بعَقِبِ فِعْلِ الآخرِ ويُقال: أَعْقَبَ أيضًا، وأُنشِد:
وحارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ ولم يكُنْ ** لعُقْبَةِ قِدْرِ المُسْتعيرينَ مُعقِبُ

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)}
قوله: {يُبَايِعْنَكَ}: حالٌ. وشيئًا مصدرٌ أي: شيئًا من الإِشراك. وقرأ علي والسُّلمي والحسن {يُقَتِّلْن} بالتشديد و{يَفْتَرِيْنَه} صفةٌ لبُهتان، أو حالٌ مِنْ فاعل {يَأْتين}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
وقوله: {غَضِبَ الله}: صفةٌ لـ: {قَوْمًا} وكذلك {قد يَئِسُوا}.
قوله: {مِنَ الآخرة} {مِنْ} لابتداء الغاية أي: إنهم لا يُوقنون بالآخرةِ البتةَ. و{مِنْ أَصْحَابِ القبور} فيه وجهان، أحدُهما: أنها لابتداء الغايةِ أيضًا، كالأولى، والمعنى أنهم لا يُوقنون ببَعْثِ الموتى البتَةَ، فيَأْسُهم من الآخرةِ كيأسِهم مِنْ مَوْتاهم لاعتقادِهم عَدَم بَعْثِهم. والثاني: أنَّها لبيانِ الجنس، يعني أنَّ الكفارَ هم أصحابُ القبورِ. والمعنى: أن هؤلاء يئسوا من الآخرة كما يَئِس الكفارُ، الذين هم أصحابُ القبور، مِنْ خيرِ الآخرة، فيكون متعلَّقُ {يَئِس} الثاني محذوفًا. وقرأ ابنُ أبي الزناد {الكافرُ} بالإِفراد. والله أعلمُ. اهـ.