فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم يا أيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقولونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}
قال مقاتل: قال المؤمنون قبل أن يؤمروا بالقتال: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله سبحانه لعلمناه وبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فدلّهم الله على أحب الأعمال إليه فقال: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} فبيّن لهم فابتلوا يوم أحد بذلك، فولّوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وقال: الكلبي: قال: المؤمنون: يا رسول الله لو نعلم أحب الأعمال لفعلنا ونزل {هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم أنقطع الكلام ولم يبين لهم شيئًا فمكثوا بعد ذلك ما شاء الله أن يمكثوا وهم يقولون: ليتنا نعلم ما هي أما والله إذن لأشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين، فدلّهم الله سبحانه فقال: {تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله} الآية، فابتلوا بذلك يوم أحد ففرّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صرع وشج في وجهه وكسرت رباعيته، فنزلت هذه الآية يعيّرهم ترك الوفاء.
وقال محمد بن كعب: لما أخبر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة: لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيّرهم الله بهذه الآية، وقال ابن عباس: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: وددنا لو أن الله دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبرهم الله تعالى أن أفضل الأعمال إيمان لا شك فيه والجهاد، فكره ذلك ناس منه وشق عليهم الجهاد وتباطؤوا عنه فأنزل الله سبحانه هذه الآية، وقال: قتادة والضحاك: نزلتا في شأن القتال، كان الرجل يقول: قتلت ولم يقاتل، وطعنت ولم يطعن، وضربت ولم يضرب، وصبرت ولم يصبر.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مقلاب قال: حدّثنا أبو الحرث أحمد بن سعيد بدمشق قال: حدّثنا يعقوب بن محمد الزهري قال: أخبرنا حصين بن حذيف الصهري قال: حدّثني عمي عن سعيد بن المسيب عن مهيب قال: كان رجل يوم بدر قد آذى المسلمين ونهاهم فقتله صهيب في القتال، فقال رجل: يا رسول الله قتلت فلانًا ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر وبن عبد الرحمن لصهيب: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنك قتلته فأن فلانًا ينتحله، فقال صهيب: إنما قتلته لله تعالى ولرسوله، فقال عمر وبن عبد الرحمن: يا رسول الله قتله صهيب، قال: «كذلك يا أبا يحيى»؟ قال: نعم يا رسول الله، فأنزل الله سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقولونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} والآية الأخرى.
وقال الحسن: هؤلاء المنافقون ندبهم الله سبحانه ونسبهم إلى الإقرار الذي أعلنوه للمسلمين فأنزل الله فقال: {يا أيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقولونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} كذبًا وزورًا، وقال: ابن زيد: نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون، وقال: مجاهد: نزلت في نفر من الأنصار منهم عبد الله بن رواحة قال: في مجلس لهم: لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت، فأنزل الله سبحانه هذه السورة فقال عبد الله بن رواحة: لا أبرح حبيسًا في سبيل الله حتى أموت أو أُقتل فقتل بمؤتة شهيدًا رحمة الله عليه ورضوانه، وقال: ميمون بن مهران: نزلت في الرجل يقرض نفسه بما لم يفعله نظيره ويحبون أن يحمدوا عما لم يفعلوا.
حدّثنا أبو القاسم الحسيني لفظًا قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال: حدّثنا عمي سعيد الدارمي قال: حدّثنا محبوب بن موسى الأنطاكي قال: حدّثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سلام قال: خرجنا نتذاكر فقلنا: أيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أي الأعمال أحب إلى الله، ثم تفرقنا وَهِبنا أن يأتيه أحدنا، فأرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعنا فجعل يومي بعضنا إلى بعض فقرأ علينا {سَبَّحَ لِلَّهِ} إلى آخرها.
قال أبو سلمة: فقرأها علينا عبد الله بن سلام إلى آخرها قال يحيى بن أبي كثير: فقرأ علينا أبو سلمة إلى آخرها، قال الأوزاعي: فقرأ علينا يحيى بن إسحاق إلى آخرها، قال أبو إسحاق الفزاري: فقرأها علينا الأوزاعي إلى آخرها، قال محبوب بن موسى: قرأها علينا الفزاري إلى آخرها، قال عثمان بن سعيد: فقرأها علينا محبوب إلى آخرها، قال الطرائفي: فقرأها علينا عثمان بن سعيد إلى آخرها، قال القاسم: وقرأها علينا أبو الحسن الطرائفي إلى آخره، وقرأها علينا الأستاذ أبو القاسم إلى آخرها وسألنا أحمد الثعلبي أن يقرأ فقرأ علينا إلى آخرها.
{كَبُرَ مَقْتًا} نصب على الحال وأن شئت على التمييز.
وقال الكسائي: {أَن تَقولواْ} في موضع رفع لان {كَبُرَ} بمنزلة قولك بئس رجلا أخوك، وأضمر القراء فيه أسمًا مرفوعًا، والمقت والمقاتة مصدر واحد يقال: رجل ممقوت ومقيت إذا لم تحبّه الناس {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} قد رصّ بعضه إلى بعض أي أحكم وأيقن وأدقّ فليس فيه فرجة ولا خلل، وأصله من الرصاص، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تراصوا بينكم في الصفوف لا يتخللنكم الشياطين كأنها بنات حذف».
{وَإِذْ قال موسى لِقَوْمِهِ} من بني إسرائيل {يا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} وذلك حين رموه بالأدرة {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} والرسول يحترم ويعظم {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله} عن الحق {قُلُوبَهُمْ} عن الدين {والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين وَإِذْ قال عِيسَى ابن مَرْيَمَ يا بني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} وهو الذي لا يذم، وفي وجهه قولان:
أحدهما: أن الأنبياء كلّهم حمّادون لله سبحانه ونبينا صلى الله عليه وسلم أحمد، أي أكثر حمدًا لله منهم.
والثاني: أنَّ الأنبياء كلّهم محمودون ونبيّنا أحمد أي أكثر مناقب وأجمع للفضائل.
{فَلَمَّا جَاءَهُم بالبينات قالواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب وَهُوَ يدعى إِلَى الإسلام والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون يا أيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم} قراءة العامة بالتخفيف من الإنجاء وقرأ ابن عامر بالتشديد من التنجية {مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} بيّن ما هي فقال: {تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثني ابن حرجة قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان قال: حدّثنا محمد بن الفرح البغدادي قال: حدّثنا حجاج بن محمد بن جبير القصاب عن الحسن قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقال: «قصر من لؤلؤة في الجنّة وذلك القصر سبعون دارًا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتًا من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريرًا على كل سرير سبعون فراشًا من كل لون، على كلّ فراش امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونًا من كل الطعام، في كل بيت سبعون وصيفًا ووصيفة، قال: فيعطي الله المؤمن من القوة في غذائه وحده ما يأتي على ذلك كله».
{فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفوز العظيم وأخرى} قال: نحاة البصرة: هي في محل الخفض مجازه: وتجارة أخرى، وقال نحاة الكوفة: محلها رفع أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآجل.
{تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المؤمنين} ثم حثهم على نصرة الدين وجهاد المخالفين فقال: {يا أيها الذين آمَنُواْ كونوا أَنصَارَ الله} أعوانًا بالسيف على أعدائه، قرأ أبو عمرو وقرأ أهل الحجاز {أنصارًا} بالتنوين وهو اختيار أيوب، وقرأ الباقون بالإضافة وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد قال: لقوله: {أَنصَارَ الله} ولم يقل: أنصارًا لله.
{كَمَا قال عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنصاري إِلَى الله قال الحواريون نَحْنُ أَنصَارُ الله فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الصف مدنية، وآياتها 14، نزلت بعد التغابن.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الصف: الآيات 1- 4]

{سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقولوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)}
{لِمَ} هي لام الإضافة داخلة على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك: بم، وفيم، ومم، وعم، وإلام، وعلام. وإنما حذفت الألف، لأنّ ما والحرف كشيء واحد، ووقع استعمالهما كثيرا في كلام المستفهم، وقد جاء استعمال الأصل قليلا والوقف على زيادة هاء السكت أو الإسكان، ومن أسكن في الوصل فلإجرائه مجرى الوقف، كما سمع: ثلاثة، أربعة: بالهاء وإلقاء حركة الهمزة عليها محذوفة، وهذا الكلام يتناول الكذب وإخلاف الموعد. وروى أنّ المؤمنين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال: لو نعلم أحب الأعمال إلى اللّه تعالى لعملناه ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فدلهم اللّه تعالى على الجهاد في سبيله، فولوا يوم أحد فعيرهم. وقيل: لما أخبر اللّه بثواب شهداء بدر قالوا: لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا، ففروا يوم أحد ولم يفوا. وقيل: كان الرجل يقول: قتلت ولم يقتل، وطعنت ولم يطعن، وضربت ولم يضرب، وصبرت ولم يصبر.
وقيل: كان قد أذى المسلمين رجل ونكى فيهم، فقتله صهيب وانتحل قتله آخر، فقال عمر لصهيب: أخبر النبي عليه السلام أنك قتلته، فقال: إنما قتله للّه ولرسوله، فقال عمر: يا رسول اللّه قتله صهيب، قال: «كذلك يا أبا يحيى»؟ قال: نعم، فنزلت في المنتحل. وعن الحسن: نزلت في المنافقين. ونداؤهم بالإيمان: تهكم بهم وبإيمانهم، هذا من أفصح كلام وأبلغه في معناه قصد في كَبُرَ التعجب من غير لفظه كقوله:
غلت ناب كليب بواؤها

ومعنى التعجب: تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله، وأسند إلى أن تقولوا. ونصب مَقْتًا على تفسيره، دلالة على أنّ قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه، لفرط تمكن المقت منه، واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه. ومنه قيل: نكاح المقت، للعقد على الرابة، ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيرا، حتى جعل أشده وأفحشه. وعِنْدَ اللَّهِ أبلغ من ذلك، لأنه إذا ثبت كبر مقته عند اللّه فقد تم كبره وشدته وانزاحت عنه الشكوك. وعن بعض السلف أنه قيل له: حدّثنا، فسكت ثم قيل له حدثنا، فقال: تأمرونني أن أقول ما لا أفعل فاستعجل مقت اللّه. في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} عقيب ذكر مقت المخلف: دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار فلم يفوا. وقرأ زيد بن على: {يقاتلون} بفتح التاء. وقرئ: {يقتلون} صَفًّا صافين أنفسهم أو مصفوفين {كَأَنَّهُمْ} في تراصهم من غير فرجة ولا خلل {بُنْيانٌ} رص بعضه إلى بعض ورصف. وقيل: يجوز أن يريد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص. وعن بعضهم: فيه دليل على فضل القتال راجلا، لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة. وقوله: {صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ} حالان متداخلتان.

.[سورة الصف: آية 5]

{وَإِذْ قال مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5)}
{وَإِذْ} منصوب بإضمار اذكر. أو: وحين قال لهم ما قال كان كذا وكذا {تُؤْذُونَنِي} كانوا يؤذونه بأنواع الأذى من انتقاصه وعيبه في نفسه، وجحود آياته، وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه، وعبادتهم البقر، وطلبهم رؤية اللّه جهرة، والتكذيب الذي هو تضييع حق اللّه وحقه {وَقَدْ تَعْلَمُونَ} في موضع الحال، أي: تؤذونني عالمين علما يقينا {أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} وقضية علمكم بذلك وموجبه تعظيمي وتوقيري، لا أن تؤذوني وتستهينوا بي، لأن من عرف اللّه وعظمته عظم رسوله، علما بأن تعظيمه في تعظيم رسوله، ولأن من آذاه كان وعيد اللّه لا حقا به {فَلَمَّا زاغُوا} عن الحق {أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} بأن منع ألطافه عنهم {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} لا يلطف بهم لأنهم ليسوا من أهل اللطف. فإن قلت: ما معنى {قَدْ} في قوله: {قَدْ تَعْلَمُونَ}؟ قلت: معناه التوكيد كأنه قال: وتعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه.