فصل: الفصل السادس: ما ورد من أحاديث في شأن الديون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفصل السادس: ما ورد من أحاديث في شأن الديون:

هذه مجموعة من الأحاديث النبوية، وكلام السلف الصالح في شأن الديون، تضع أمام القارئ صورة جلية لموقف الإسلام من الديون، وتبرز له مقدار الحرج الذي يلحق صاحبه، وهي بهذا تصب في ذات الهدف الذي جاءت الآية لترسخه في قلوب المؤمنين،فهي أحاديث تحذر تارة وتضيق تارة أخرى، وتتوعد تارة ثالثة، وما كل ذلك إلا محاذير وعوائق أمام هذا الضرب من المعاملات الذي- وإن كان مباحًا لكنه ينبغي أن يكون في أضيق الحدود وسوف أعرض هنا جزءا من هذه الأحاديث لتأكيد ما دلت عليه الآية الكريمة.
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه- قال: كنا جلوسًا عند النبي صلي الله عليه وسلم؛ إذ أتي بجنازة، فقالوا: صلِّ عليها، فقال: «هل عليه دين؟ قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئًا؟ قالوا: لا، فصلَّي عليه. ثم أتي بجنازة أخري فقالوا: يا رسول الله صلِّ عليها، قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئًا؟ قالوا: ثلاث دنانير، فصلي عليه. ثم أتي بجنازة ثالثة فقالوا: صلِّ عليها، قال: هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا، فقال: فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا علي صاحبكم، قال أبو قتادة: صلِّ عليها يا رسول الله، وعلي دينه، فصلي عليه».
وعن محمد بن جحش قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، فرفع رأسه إلي السماء ثم وضع راحته علي جبهته، ثم قال: «سبحان الله ماذا نزل من التشديد؟! فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد، سألته يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال: والذي نفسي بيده لو أن رجلًا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل، ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضي عنه دينه».
وعن أبي هريرة أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: «نفس المؤمن معلقةٌ ما كان عليه دين».
وعن أبي قتادة أنه قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنْ قتلت في سبيل الله صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «نعم، فلما أدبر الرجل ناداه فقال له: كيف قلت، فأعاد عليه قوله فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: نعم إلا الدين، كذلك قال لي جبريل».
وعن أبي طلحة أنه قال: كنت أسمع رسول الله كثيرًا يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال».
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: «يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين».
وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «أعوذ بالله من الكفر والدين»، قال رجل: يا رسول الله: أتعدل الدين بالكفر؟! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «نعم».
وعن ثوبان مولي رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: «من فارق الروح الجسد وهو برئ من ثلاث دخل الجنة: من الكبر، والغلول، والدين».
وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من مات وعليه دينار أو درهم قُضي من حسناته؛ ليس ثمَّ دينا أو درهم».
وعن صُهيب الخير أن رسول الله قال: «أيما رجل يدين دينًا، وهو مُجْمِعٌ علي ألا يوفيه إياه لقي الله سارقًا».
وعن سعيد بن الطوال أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالًا، فأردت أن أنفقها علي عياله، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «إن أخاك محتبس بدَيْنِه، فاقض عنه فقلت يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليس لها بينة، قال: فأعطها فإنها محقة».
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يتعوذ من المأثم، والمغرم، قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم؟ قال «إنه من غرم حدَّث فكذب، ووعد فأخلف».
وروى الطحاوي، وأبو جعفر، والحارث عن أسامة في مسنده عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تخيفا الأنفس بعد أمنها، قالوا: يا رسول الله وما ذاك؟ قال: الدَّيْن». وقال صلى الله عليه وسلم: «الدَّيْن شِيْن». ورُوي عنه أنه قال: «الدَّين هم بالليل ومذلة بالنهار».
قال علماؤنا: وإنما كان شينًا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال، والهم اللازم في قضائه، والتذلل للغريم عند انقضائه، وتحمل منّته بالتأخير على حين أوانه، وربما بعد من نفسه القضاء فيحلف، أو يُحدّث الغريم بسببه فيكذب، أو يحلف له فيحنث.....إلى غير ذلك..
ولهذا يتعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الأسباب مشائن في الدَّيْن.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: «إياكم والدين؛ فإن أوله هم، وآخره حرب».
وعن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أعظم الذنوب عند الله تعالى أن يلقاه بها عبد- بعد الكبائر التي نهى الله عنها- أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاءً».
وعن مالك بن يحيي بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: «اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنًا، والشمس والقمر حسبانًا، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر، وأمتعني بسمعي، وبصري، وقوتي في سبيلك».
وعن أبي هريره رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله».
الخاتمة:
الحمد لله خير ما بدئ به الكلام وختم، سبحانه! لا منتهى لعطاياه ومنحه، أحمده حمدًا يقوم بالواجب من شكره، ويحسن به التخلص من هوى النفس، وتسلط الشياطين، إلى حسن الختام، وأصلي، وأسلم على خير الأنام- سيدنا محمد خير من دعا إلى الله على بصيرة، وتركنا على شريعة واضحة منيرة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أحسن ابتداء خلقنا بصنعته، وشرع لنا ما ينفعنا بحكمته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وهدايته إلى خلقه ورحمته....... أما بعد:
فإن دارس العلم لا يعيش بمعزل عن مجتمعه، لأن العلم وُجد لينفع، ونعوذ بالله من علم لا ينفع.
وإن من شأن أي مجتمع كثير الأفراد، متعدد الطبقات أن يعج بالكثير من المشاكل، والأمراض الاجتماعية، وإن من أخطر هذه المشاكل- في نظري اليوم- قضية الديون، والقروض التي أحاطت بالناس- وبخاصة الشباب- فقد أريد لهؤلاء الفتية أن يقترضوا، وفتحت لهم الأبواب على مصراعيها قصدا لأخذ القروض ليس تيسيرًا عليهم كما يُدَّعَى، ولكن لإدخالهم في دائرة لا يخرجون منها حتى تشيب منهم النواصي، والعلة الجاهزة للرد على المحذرين هي أن القرض شيء مباح في الإسلام، لذلك شمرت عن ساعد الجد في دراسة هذه الآية، لأن الأمر- في نظري- خرج من دائرة المعاملات إلى دائرة القضايا الاجتماعية التي تؤثر بالسلب على المجتمع، وتشيع فيه روح المذلة، والخضوع، والانشغال بالديون وسدادها عما يدور حولهم من مشكلات تنال من دينهم قبل أن تنال من وطنهم.
ولقد أًصبح شبابنا اليوم أسيرًا لهذا الغول الذي انتشر في المجتمع، ولا يكاد يخلو بيت منه.
فإذا أضفنا إلى ذلك الربا الذي ألحق بهذه المعاملات، والتي تسمى فوائد القرض رأينا أنفسنا أمام مخطط لإلهاء الناس، وإخضاعهم، بل واستعمارهم، ومن لم يأخذ دينا وضعت أمامه كماليات الدنيا يحوذ منها ما يشاء مع تقسيط ثمنها على فترات متباعدة، وهذا ضرب من الديون الخفية التي لا يكاد يسلم منها أحد.
وإذا تتبعت المشاكل اليومية، والقضايا المرفوعة أمام المحاكم لعلمت أن أكثرها يرجع إلى هذا الأمر، حتى تحللت عُرى المجتمع، وانتقض غزله، وذهبت قوته في خلافات ترجع كلها إلى الديون.
لذلك كله، ولغيره أيضًا جعلت هذه القضية محل بحثي في ضوء آية الدين، وهي آية جامعة مانعة، فتناولتها من الوجهة اللاغية التحليلية، لبيان منهج الله تعالى في شأن الديون، وعلاقة ذلك بما يفعله الناس، ولقد وددت من خلال هذه الدراسة أن أصرخ في الناس لينتبهوا إلى خطورة ما هم واقعون فيه.
ولقد تناولت في بحثي آية الدين من عدة محاور:
أظهرت في البداية موضع الآية من خلال سورة البقرة، وأنها جاءت بعد تمهيد للنفوس بالإيمان؛ لتتلقى الأوامر بالقبول.
ثم أظهرت علاقة الآية بمقصود السورة الأعظم، وهو- كما تبين لي- الإيمان بالغيب فهو الباعث والمحرض على الالتزام والقبول بكل التكاليف.
ثم تناولت السياق الخاص العام والخاص للآية، فالآية تدور في فلك الضوابط التي تحفظ المجتمع من الانهيار اقتصاديًا، وتضمن له القوة الحامية للعقيدة الصافية.
ثم تناولت وجه الطول لهذه الآية وكشفت عن أن هذا الطول ما هو إلا إشارة إلى المشاق التي تكتنف هذه المعاملات، لذلك مزجتْ الآية بين التكليف والباعث عليه:
فالتكليف مثل: فاكتبوه- واستشهدوا.
والباعث والمحرض مثل: كما علمه الله- وليتق الله ربه....إلخ.
ثم قمت بتحليل الآية جملةً جملة، وكلمةً كلمة، ووضعت لكل جملة أو تركيب عنوانًا يبرز أهم ما في التركيب من أسلوب بلاغي، وأظهرت من خلال هذا التحليل أن هناك خيطًا يسلك كل لفظة، وكل جملة، وكل أسلوب، ولا يضيع هذا الخيط من اليد أبدًا بداية من أول الآية وحتى ختامها.
وهذا الخيط هو التضييق، والتشديد، ووضع القيود على الديون لتنفير الناس منها، ووضعها في أضيق الحدود؛ حتى لا تشيع في المجتمع المسلم.
ثم بعد هذا التحليل حاولت الوقوف على ما في الآية من نغمات، وبينت علاقة هذه النغمات بالغرض الذي تهدف إليه الآية، وأن هذه النغمات رافد مهم من روافد المعنى، وخيط بارز من خيوط النسيج داخل الآية.
وبعد هذا التحليل أعدت النظر مرة أخرى إلى ما تم فكه من أساليب وألفاظ، وظهر من خلال ذلك أن أسلوب الأمر بالكتابة هو الأسلوب المهيمن على الآية إذ به يتم التوثيق، وتحفظ الحقوق، وأن الأساليب الأخرى تدور في فلكه وتساعده على إظهار المقصود.
ثم أردفت هذا كله بذكر بعض الأحاديث النبوية التي لا تبعد عن مقصود الآية، بل تبرز خطورته على المسلم في حياته، وبعد مماته.
ففي الحياة يدفعه الدين إلى الكذب وإخلاف الوعد، والهم، والذل... إلخ.
وبعد الموت- إن مات وعليه دين- حجزه الدين عن الجنة.
فالآية والأحاديث في الختام يرفعان إشارات التحذير لأمة غارقة في الديون؛ لتعود إلى رشدها، وتسلك منهج ربها، إن أرادت لنفسها العزة والكرامة.
هذا، وصلى الله علي سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. انتهى.
وكتبه الفقير إلى عفو ربه: سعيد أحمد جمعة 28 من رجب 1426هـ.