فصل: مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أنه لا يوجد في القرآن غير ست آيات مبدوءة بحرف الضاد هذه والآية 10 من سورة التحريم الآتية والآية 75 من سورة النحل و27 من سورة الروم و29 من سورة الزمر و27 من سورة النازعات.
أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن جرير والطبراني بسند حسن واللفظ للأخيرين عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال أنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب فأنزل الله: {لَيْسُوا سَواءً} أي ليس المؤمنون الذين يصلونها مثل غيرهم ممن لم يصلها ثم ذكر ما يزيل إيهام تساويهم بقوله: {مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ} على طاعة الله {يَتْلُونَ آياتِ الله آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)} لهيبة الله ويقرءون في صلاتهم وهم قيام خاشعين لربهم، وهذا لأن التلاوة لا تكون عادة في السجود بل في الصلاة حالة القيام، لأن الركوع والسجود فيهما التسبيح فقط، وإنما أطلق السجود على الصلاة كما ذكرنا في تأويل الآية لأنه أقرب حالات المصلي إلى ربه، فيكون من هذه الجهة معظم الصلاة مكنى به عنها، وهذه الطائفة {يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ} الذين هذه صفتهم {مِنَ الصَّالِحِينَ (114)} لقرب الله وجنته، فلا يتساوون مع أمة مذمومة عاصية لربها لا تؤمن ولا تسارع للخير بل بقيت على ضلالها راجع الآية 156 من سورة الأعراف والآية 111 من البقرة المارة وما ترشدك إليه من الآيات، وهؤلاء هم الذين سبق ذكرهم بالآية الأولى ولم يذكرها الله ثانيا اكتفاء بذكرها أولا، وهذا مما هو جار على عادة العرب فانهم يستغنون بذكر أحد الضدين عن الآخر قال أبو ذؤيب:
دعاني إليها القلب إني امرؤ لها ** مطيع فلا أدري أرشد طلابها

أي أو ضلال اكتفاء بذكر الضد أولا، ومثله في القرآن كثير، راجع الآية 81 من سورة النحل.
ومما يدل على أن سبب نزول هذه الآية ما ذكر في الحديث وإن المعنى لا يستوي اليهود المذكورون بالآية التي قبلها وأمة محمد المقصودون في هذه الآية، مارواه الطبري بسند صحيح عن المنكدر أنه قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة وأنه أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد، فقال: أما انكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ثم قال أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم.
وما نقل عن ابن عباس أنها نزلت حينما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة وأمية بن شعبة وأسيد بن عبد وغيرهم، وإن اليهود قالوا لو لم يكونوا أشرارنا لما تركوا دينهم لا يصح لأن عبد الله بن سلام لم يسلم بعد كما أشرنا إلى ذلك آنفا في الآية 110 وفي الآية 20 من سورة الأحقاف.
قال ابن عباس ولما قال اليهود إن الذين أسلموا خسروا أعمالهم الصالحة وأموالهم لا لتجائهم إلى المؤمنين الفقراء، ردّ الله عليهم بقوله: {وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} ولم يحرموا ثوابه البتة بل يحفظ لهم تقواهم {وَالله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)} قبل إيمانهم وبعده.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ الله شَيْئًا وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116)} أبدا.
هذه الآية عامة في جميع أنواع الكافرين، وما قيل إنها خاصة باليهود قيل لا يلتفت إليه، ونظيرها الآية 10 المارة إلا أن خاتمتها تختلف عن هذه، ثم أنزل الله في بيان صدقات الكفار على الإطلاق أيضا في قوله عن قوله: {مثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا} من جميع أصناف النفقات معدوم من الثواب عند الله لأنه للرياء والسمعة والتفاخر، ولهذا جعل الله مثلهَ {مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ} برد شديد أو حر مزيدَ {أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بمعاصي الله وتجاوز حدودهَ {أَهْلَكَتْهُ} جزاء ظلمهمَ {ما ظَلَمَهُمُ الله} بمحق ثوابهم منهاَ {لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)} لأنهم لم يبتغوا بها وجه الله في الدنيا فلم ينتفعوا بها في الآخرة، وهكذا كل نفقة ينفقها الرجل مؤمنا كان أو كافرا إذا لم يطلب بها مرضاة الله تكون عاقبتها الحرمان، بل قد يعذب من أجلها إذا كان في معصية أو لمعصية {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً} أخصاء وأصفياء ولجاء {مِنْ دُونِكُمْ} من غير ملتكم وممن لا تعتمدون عليهم منكم أيضا، لأنهم ليسوا منكم إذا لم يكونوا مثلكم لأنهم {لا يَأْلُونَكُمْ} لا يقصرون فيما يعود عليكم بالشرّ والخذلان {خَبالًا} خسارا بنقص عقولكم {وَدُّوا} تمنوا ورجوا {ما عَنِتُّمْ} ما يوقعكم بالإثم والمشقة، أما ترونهم أيها المؤمنون {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} بشتمكم والطعن في دينكم {وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} بغضا لكم مما يظهرونه لكم {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ} الدالة على صنعكم من موالاتهم والأضرار المرتبة عليها، فاحذروا موالاتهم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (118) مغزى هذا النهي، راجع الآية 48 المارة ويتأكد هذا النهي في الحروب، لأن المؤمنين إذا اتخذوا فيها عمداء من غيرهم لابد وان يعود عليهم اتخاذهم بالشر، لأن قضايا الحرب هامة جدا فلا يسوغ الاعتماد بها إلا على خلصاء الأمة، ولا يجوز الإدلاء بشيء مما يتعلق به إلا لمن يعتمد عليه منهم أنفسهم، وما تقوضت حكومة العباسيين ومن بعدهم إلا لهذا السبب، وخاصة الأندلس والأتراك أيضا.

.مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

لهذا فإن هتلر زعيم الريح أخرج اليهود كافة من بلاده لما تحقق لديه أنهم هم السبب في انكسار الألمان في الحرب الواقعة سنة 914 م وقد يوجد منهم الآن وزراء في حكومتي انكلترا وأميركا ولابد أن ينالهما الضرر منهم فيسببون تبديد ممالكهم إذا هم لم يوافقوهم على آرائهم من إنشاء دولة لهم حسبما وعدهم بلفور الظالم الغاشم لأن مقتضى دينهم المتمسكين به عدم النصح لعير اليهود واستحلال دم ومال غيرهم وتحريم النفع لغيرهم وهم أكبر عدو للنصارى عامة وللمؤمنين خاصة فإذا لم تنتبه هاتان الحكومتان إلى مكايدهم ودسائسهم فسوف يندمون ولات حين مندم هذا وتشير هذه الآية إلى رجوع عبد الله بن أبي بن سلول بجماعته وانخذالهم عن جماعة المسلمين في غزوة أحد الآتي بيانها، قال تعالى: {ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ} وتفشون إليهم أسراركم وتتخذونهم أولياء وهم لا يخلصون إليكم {وَلا يُحِبُّونَكُمْ} ولا يقابلونكم بمثل ما تقابلونهم بل يتربصون بكم الدوائر ويظهرون لكم المحبة مداهنة لتطلعوهم على خفايا أموركم {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ} بجميع ما أنزل الله من الكتب لأن أل فيه للجنس فيدخل فيه عامة الكتب والصحف السماوية وهم لا يؤمنون إلا بقسم من التوراة {وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا} نفاقا منهم إذ يبطنون الكفر بدينكم {وَإِذا خَلَوْا} مع قومهم {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} الكامن في قلوبهم يود أحدهم أن يقطعه إربا إربا وعض الأنامل عادة النادم الأسيف العاجز عن الانتقام أو تضييع وقته {قُلْ} لهم يا سيد الرسل {مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119)} ومخبر نبيه بأحوالكم كلها واعلموا أيها المؤمنون {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} من خير ونصر وغيرهما {تَسُؤْهُمْ} حسدا وعدوانا {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} من شر وخذلان وشبههما {يَفْرَحُوا بِها} تشفيا فيكم {وَإِنْ تَصْبِرُوا} على أذاهم وتجثنبوا موالاتهم {وَتَتَّقُوا} الله ربكم وتعتصموا به وتتوكلوا عليه فهو خير لكم و{لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} لأن الله يحفظكم منهم {إِنَّ الله بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)} وإنه يخبركم به لتتقوه فلا يضركم كيدهم، نزلت هذه الآيات في رجال من المسلمين كانوا يواصلون اليهود لما بينهم من قرابة ورضاع وصداقة وخلطة في الأموال والسكن قبل الإسلام ولما أخبرهم حضرة الرسول ارتدعوا وجانبوهم، قال تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} أي خرجت غدوة من بيت زوجتك عائشة لتوطن وتهيء وتمهد و{تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ} مجالس ومواضع {لِلْقِتالِ} للمقاتلين من قومك {وَالله سَمِيعٌ} لما تقوله لهم {عَلِيمٌ (121)} بما يقع لك ولأمتك واذكر لهم {إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} تجنبا عن القتال وتضعفا عن اللقاء وهذا الهمّ من قبيل جيشان النفس لا العزم والتصميم لأنه بمعناه الأخير بعيد عنهم وهم أصحاب محمد وهو معهم وإنما هو على حد قول القائل:
أقول لها إذا جشأت وجاشت ** مكانك تحمدي أو تستريحي

أي حدثت نفسها بذلك، ومما يؤيد هذا قوله تعالى: {وَالله وَلِيُّهُما} ومن كان الله وليه لا يجبن ولا يضعف كيف وهو ناصرهما وعاصمهما {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)} ومن يتوكل على الله يكفه ويجعل له من ضيقه مخرجا ويهيء له ما يرومه من حيث لا يحتسب، روى البخاري ومسلم عن جابر قال: نزلت فينا هذه الآية وقال نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة، وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله: {وَالله وَلِيُّهُما} لما فيها من الشرف لهم بولاية الله.
لما انكسرت قريش في وقعة بدر المار ذكرها في الآية 8 من سورة الأنفال ورجعوا خائبين قال بعضهم لبعض إن محمدا وتركم وقتل خياركم، وحث بعضهم بعضا على جمع المال واستعدوا للقتال وخرجوا قاصدين المدينة بقيادة أبي سفيان ومعه زوجته هند بنت عتبة حتى نزلوا على شفير الوادي بمقابل المدينة، فاستشار الرسول أصحابه فأشار عليه بعضهم بأن لا يخرجوا إليهم فإذا دخلوا المدينة قتلوهم فيها وأشار الآخرون بالخروج، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم أعجبه الرأي الأول لرؤيا رآها وهي أنه رأى في ذباب سيفه ثلما فأوولها هزيمة، ورأى أنه أدخل يده في درع منيعة فأوولها المدينة، إلا أن الآخرين كرروا عليه الخروج، فلبس لامته واستعد، فندم الذين أشاروا عليه وقالوا كيف نشير على نبي يأتيه الوحي واعتذروا وطلبوا إليه العدول عن رأيهم، فقال لا ينبغي لنبي يلبس لا مته فيضعها حتى يقاتل، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم حتى وصل الشوط قريبا من أحد، والشوط حائد عند جبل أحد، انعزل عبد الله بن أبي بن سلول بأصحابه وانخذل راجعا مع المنافقين بحجة أن ليس هناك قتال، ومضى الرسول وأصحابه حتى نزلوا الشعب من أحد، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وتهيأ صلّى الله عليه وسلم للقتال، وصف أصحابه كأنما يقوم بهم القدح إن رأى صدرا خارجا أخره، أو داخلا قدمه، وأمرّ على الرماة عبد الله بن جبير وقال له انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا إن كان علينا أو لنا، فاثبت مكانك لا يؤتين من قبلك، وعبأ الآخرين وقال لا تقاتلوا حتى نأمركم، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، وظاهر صلّى الله عليه وسلم بين درعين، وأكد على عبد الله وأصحابه أن لا يبرحوا مكانهم ولا يتبعوا المدبرين، وقال لن نزال غالبين ما لبثتم في مكانكم، وتعبأت قريش وعلى ميمنتها خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة ابن أبي جهل، وصار النساء يضربن بالدفوف وينشدن الأشعار، فقاتلوا حتى حميت الحرب.
وروى البخاري عن البراء بن عازب قال: جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا وهم الرماة عبد الله بن جبير، فقال إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا، حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هربنا القوم ووطئناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، فهزمهم الله، قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسواقهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله ابن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله؟ فقالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذلك قوله تعالى: {والرسول يدعوكم في أخراكم} فلم يبق مع النبي صلّى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين رجلا، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم أصاب من المشركين يوم بدر مئه وأربعين، سبعين أسيرا، وسبعين قتيلا، فقال أبو سفيان أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي صلّى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال أفي القوم عمر؟ ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر نفسه فقال كذبت يا عدوّ الله إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك، ولا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال يوم بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم أر ما يسوءني.
ثم أخذ يرتجز ويقول أعلى هبل أعلى هبل، فقال صلّى الله عليه وسلم ألا تجيبوه؟ فقالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا الله أعلى وأجل.
قال أبو سفيان إن لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال صلّى الله عليه وسلم ألا تجيبوه؟ قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
وكان النبي أثناء الحرب أخذ سيفا وقال من يأخذ هذا بحقه ويضرب به العدو حتى يثخن؟ فأخذه أبو دجانه سماك بن حرشه الأنصاري فاعتم بعمامة حمراء وصار يتبختر في مشيته، فقال صلّى الله عليه وسلم إنها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموقع.
قال فلما نظرت الرماة المشركين وقد انكشفوا ورأوا أصحابهم ينهبون الغنيمة أقبلوا يريدون النهب، فقال بعضهم لبعض لا تجاوزوا أمر الرسول، فلم يصغوا، وثبت عبد الله بن جبير ونفر دون العشرة، فلما رأى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل قلة الرماة واشتغال المسلمين بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية صاح في قلبه، أي في الذين هم أمامه من قومه ليتبعوه، وحمل على اصحاب رسول الله فهزموهم، وحملوا على الرماة فقتلوهم، وأقبلوا على المسلمين، وتحولت الريح دبورا بعد ما كانت صبا، وانقطعت صفوف المسلمين، واختلطوا فطفقوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضا من الدهش، ورمى عبد الله بن قمئة حضرة الرسول بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله، وتفرق عنه أصحابه، ونهض إلى صخرة ليعلوها، فلم يستطع وكان قد ظاهر بين درعين، فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى على الصخرة، فقال صلّى الله عليه وسلم أوجب طلحة وكان حوله أبو بكر وعمر والعباس والزبير وعبد الرحمن بن سعد وتكاثر عليه المشركون وهو وأصحابه يذبونهم بأيديهم وثيابهم، ووقفت هند والنسوة يمثلن بالقتلى حتى جعلن من الآذان والأنوف قلائد وأعطينها وحشيا، وبقرت كبد حمزة رضي الله عنه فأخذت قطعة منه فلاكتها فلم تسغها فلفظتها، وأقبل عبد الله بن قمئة يريد قتل الرسول فذب عنه مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو صاحب رايته صلّى الله عليه وسلم فقتله وهو يظن أنه قتل حضرة الرسول، فرجع وقال قتلت محمدا، وصاح صارخ إبليس عليه اللعنة ألا إن محمدا قتل، فانكفأ الناس، قالوا ولما فشا في الناس خبر قتل رسول الله، قال بعض المسلمين ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي سلول ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، وقال المنافقون نلحق بديننا الأول، وقال أنس بن النضر إن كان محمد قتل فلم يقتل ربه، وما تصنعون بالحياة بعده، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قال اللهم إني أعتذر إليك من هؤلاء المسلمين، وأبو إليك مما جاء به المشركون، ثم شد سيفه فقاتل حتى قتل رحمه الله رحمة واسعة.
ثم جعل رسول الله يقول إليّ عباد الله، فاجتمع إليه نحو ثلاثين وكشفوا المشركين عنه، ثم رأى رسول الله رجلا في صورة مصعب حامل لواءه، فقال تقدم يا مصعب فقال لست، بمصعب فعرف أنه ملك، ورمى سعد بن أبي وقاص حتى اندقت سية قوسه- السّية بالتخفيف ما يظهر من طرفي القوس- ونقل له رسول الله كنانته، وقال إرم فداك أبي وأمي، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر قوسين أو ثلاثة يومئذ، وكان الرجل يمر ومعه جعبة النبل فيقول انثرها لأبي طلحة وأصيبت يد طلحة بن عبيد الله إذ كان يقي بها الرسول حتى يبست، وأصببت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجهه فردها الرسول لمكانها فصارت أحسن ما كانت عليه، ثم انصرف الرسول من مكانه فأدركه أبي بن خلف الجمحي وهو يقول لا نجوت إن نجوت، فتناول رسول الله الحربة من الحارث بن الصمة فطعنه في عنقه، فسقط وخار خوار الثور يقول قتلني محمد، فقال له أصحابه لا بأس، فقال لو كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلتهم ومات بعد يوم.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على من قتله نبي في سبيل الله.
اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه نبي الله.
ولما صار الرسول يدعو الناس من على الصخرة عرفه كعب بن مالك فنادى بأعلى صوته يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله، فأشار إليه أن اسكت، فانحدرت إليه طائفة من أصحابه، فلامهم على الفرار، فقالوا فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قالوا قد قتلت فولينا مدبرين من الرعب، فنزلت هذه الآية والتي بعدها والآيات 48/ 49/ 50 من سورة القلم.