فصل: (سورة آل عمران: الآيات 149- 151)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة آل عمران: الآيات 149- 151]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ الله مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِالله ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}.

.اللغة:

(الرعب) بضم الراء وسكون العين وضمها وقد قرئ بهما:
الخوف، يقال: رعبته فهو مرعوب، وأصله الامتلاء، يقال: رعبت الحوض أي ملأته، وسيل راعب أي: ملأ الوادي، ويتعدى بنفسه وبالهمزة.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تقدم إعرابها {إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا} إن شرطية وتطيعوا فعل الشرط والواو فاعل والذين اسم موصول مفعول به وجملة كفروا صلة والجملة كلها مستأنفة مسوقة لتحذير المؤمنين من الاغترار بأقوال المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم، ولو كان محمد نبيا لما قتل. وقيل: إن تستكينوا لأبي سفيان وجماعته يردوكم إلى دينهم {يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ} يردوكم جواب الشرط مجزوم والواو فاعل والكاف مفعول به وعلى أعقابكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ} الفاء عاطفة وتنقلبوا فعل مضارع معطوف على يردوكم وخاسرين حال {بَلِ الله مَوْلاكُمْ} بل حرف إضراب وعطف والله مبتدأ ومولاكم خبر.
والكلام معطوف على ما هو من مضمون الشرط، كأنه قيل: فليسوا أنصارا لكم حتى تطيعوهم بل الله، وقرئ الله بالنصب على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره: بل أطيعوا الله، ومولاكم بدل منه {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} الواو عاطفة وهو مبتدأ وخير الناصرين خبره {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} كلام مستأنف مسوق على طريق الالتفات للتنبيه على هول ما سيلقيه تعالى في قلوبهم، والسين حرف استقبال ونلقي فعل مضارع مرفوع وفاعله نحن وفي قلوب جار ومجرور متعلقان بنلقي والذين اسم موصول في محل جر بالإضافة وجملة كفروا صلة لا محل لها والرعب مفعول به لنلقي {بِما أَشْرَكُوا بِالله ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا} بما الباء حرف جر وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالباء والجار والمجرور متعلقان بنلقي أي: بسبب اشراكهم أو ما اسم موصول والجملة صلة، وبالله جار ومجرور متعلقان بأشركوا وما اسم موصول مفعول أشركوا وجملة لم ينزل به سلطانا صلة الموصول وبه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لـ {سلطانا} وسلطانا مفعول ينزل: {وَمَأْواهُمُ النَّارُ} الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لبيان أحوالهم في الآخرة بعد بيان أحوالهم في الدنيا من الخذلان المبين، ومأواهم مبتدأ والنار خبره ويجوز العكس ولعله أولى {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} الواو استئنافية وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم ومثوى فاعل مضاف لمقترن بأل و{الظالمين} مضاف اليه والمخصوص بالذم محذوف تقديره: النار.

.البلاغة:

1- الالتفات في قوله تعالى: {سنلقى} فقد التفت من الغيبة إلى التكلم للاهتمام بما يلقيه تعالى في قلوبهم.
2- الاستعارة في قوله تعالى: {سنلقى} لأن الإلقاء لا يكون إلا في الإجرام فاستعير هنا للرعب تجسيدا وتشخيصا بتنزيل المعنوي منزلة المادي.

.[سورة آل عمران: الآيات 152- 153]

{ولَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الأمر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَالله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)}.

.اللغة:

{تَحُسُّونَهُمْ} تقتلونهم قتلا ذريعا وتستأصلونهم، من حسّه يحسّه، من باب نصر، إذا أبطل حسّه. قال جرير:
تحسهم السيوف كما تسامى ** عريق النار في الأجم الحصيد

{تُصْعِدُونَ} بضم التاء من أصعد أي ذهب بعيدا في الجبل وفي الأرض، ويقال: صعد في الجبل وأصعد في الأرض.
{تَلْوُونَ} تصرفون وجوهكم ولا تعرجون على أحد.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ} الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لتفصيل موقعة أحد كما ذكرتها المطولات واللام جواب القسم محذوف وقد حرف تحقيق وصدقكم الله فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ووعده منصوب بنزع الخافض لأن صدق يتعدى لاثنين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر أي بوعده {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بصدقكم وجملة تحسونهم في محل جر بإضافة الظرف إليها وبإذنه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حان من فاعل تحسونهم أي مأذونا لكم {حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الأمر} يجوز في حتى هنا أن تكون حرف غاية وجر بمعنى إلى، وتكون مع مدخولها متعلقة بتحسونهم أي: تقتلونهم إلى هذا الوقت، وعلقها الزمخشري بصدقكم، أي: صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم.
وكلاهما صحيح ويجوز أن تكون ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية إذا ظرف لما يستقبل من الزمن متعلق بجوابه وجملة فشلتم في محل جر بالإضافة وجواب إذا محذوف على الصحيح والتقدير منعكم نصره أو انهزمتم أو بانت لكم الحقيقة جلية واضحة وتنازعتم الواو عاطفة وجملة تنازعتم عطف على جملة فشلتم وفي الأمر جار ومجرور متعلقان بتنازعتم {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ} عطف على ما تقدم ومن بعد جار ومجرور متعلقان بعصيتم وما مصدرية مؤولة مع الفعل بعدها بمصدر مضاف لـ {بعد} وأراكم فعل ماض والفاعل هو والكاف مفعول به أول وما اسم موصول مفعول به ثان وجملة تحبون صلة لا محل لها {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} الجملة مفسرة لا محل لها والمعنى: حتى إذا كان ذلك كله وانقسمتم إلى قسمين، ثم فسر القسمين. ومنكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ومن اسم موصول مبتدأ مؤخر وجملة يريد صلة الموصول والدنيا مفعول به ومنكم من يريد الآخرة عطف على الجملة الأولى وفيها تفسير للقسم الثاني {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} ثم حرف عطف وتراخ وجملة وصرفكم عطف على جواب إذا المحذوف أي منعكم نصره ثم صرفكم عنهم أي ردكم عنهم ليمتحن صبركم وثباتكم، وعنهم جار ومجرور متعلقان بصرف ليبتليكم اللام للتعليل ويبتلي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بصرف أيضا {وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ} الواو استئنافية واللام جواب لقسم محذوف وقد حرف تحقيق وعفا فعل ماض وعنكم جار ومجرور متعلقان بعفا {وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} الواو استئنافية والله مبتدأ وذو فضل خبر وعلى المؤمنين جار ومجرور متعلقان بفضل أو بمحذوف صفة له.

.[سورة آل عمران: آية 153]

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)}

.الإعراب:

إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بمحذوف تقديره: اذكر أو بصرفكم أو بعفا عنكم كأنه من باب التنازع، وجملة تصعدون في محل جر بالإضافة ولا تلوون عطف على تصعدون ولك أن تجعل الواو حالية فتكون الجملة منصوبة على الحال وعلى أحد جار ومجرور متعلقان بتلوون {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ} الواو حالية والرسول مبتدأ وجملة يدعوكم خبر وفي أخراكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي: كائنا في ساقتكم أو في جماعتكم، وهو تصوير جميل لموقف القائد وثباته وهو يقول: إليّ إليّ عباد اللّه، أنا رسول اللّه من يكرّ فله الجنة {فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} الفاء عاطفة وأثابكم فعل ماض ومفعول به وغما يجوز أن يكون مفعولا ثانيا بتضمين أثابكم معنى المجازاة والإعطاء، ويجوز أن يعرب تمييزا.
وبغم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة أي غما متصلا بغم {لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ} اللام حرف جر وكي حرف تعليل ونصب واستقبال ولا زائدة وتحزنوا فعل مضارع منصوب بكي والجار والمجرور متعلقان بأثابكم وعلى ما فاتكم جار ومجرور متعلقان بتحزنوا وجملة فاتكم صلة الموصول ولا ما أصابكم عطف على {ما فاتكم} {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} الواو استئنافية واللّه مبتدأ وخبير خبر وبما جار ومجرور متعلقان بخبير وجملة تعملون صلة الموصول.

.الفوائد:

(كي): للعرب فيها مذهبان:
1- أحدهما أن تكون للفعل بنفسها بمنزلة أن وتكون مع ما بعدها بمنزلة اسم كما كانت أن كذلك.
2- وثانيهما أن تكون حرف جر بمنزلة اللام فينصب الفعل بعدها بإضمار أن كما ينتصب بعد اللام فاذا كانت بمنزلة أن جاز دخول اللام عليها كالآية الآنفة الذكر وإذا كانت حرف جر جاز دخولها على الأسماء كدخول حرف الجر، من ذلك قول العرب كيمه؟
فأدخل كي على ما في الاستفهام كما يدخل عليها حروف الجر نحو:
لم وبم وعمّ، فحذف الألف كما يحذفها مع حروف الجر وأدخل عليها هاء السكت في الوقف فقال: كيمه.

.[سورة آل عمران: آية 154]

{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاسًا يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأمر مِنْ شيء قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمر شيء ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154)}

.اللغة:

(النعاس): بضم النون مقاربة النوم أو أوله، وفترة في الحواس.

.الإعراب:

{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاسًا} ثم: حرف عطف للترتيب مع التراخي وأنزل فعل ماض والجملة عطف على فأثابكم وأثابكم عطف على صرفكم، وعليكم جار ومجرور متعلقان بأنزل ومن بعد الغم جار ومجرور متعلقان بأنزل أيضا وأمنة مفعول به ونعاسا بدل من أمنة، ويجوز أن يكون بدلا مطابقا بالنظر لمصدوقهما، وأن يكون بدل اشتمال لأن كلّا منهما مشتمل على الآخر والعائد محذوف للعلم به أي فيهما ولأن الكلام يرشد اليه كما سترى في باب الفوائد.
{يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ} الجملة صفة لقوله: {نعاسا} وطائفة مفعول به ليغشى ومنكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لطائفة، وهم الذين صدقوا ربهم وثبت يقينهم {وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} الواو استئنافية وطائفة مبتدأ، وساغ الابتداء به لوصفه بمحذوف دل عليه السياق أي من غيركم بدليل يغشى طائفة منكم وجملة قد أهمتهم أنفسهم هي الخبر والجملة مستأنفة مسوقة لبيان حال المنافقين {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ} جملة يظنون حالية من الهاء في أهمتهم، ويجوز جعل {قد أهمتهم أنفسهم} صفة وجملة يظنون هي الخبر، وباللّه جار ومجرور متعلقان بيظنون وغير الحق صفة لمفعول مطلق محذوف والمعنى يظنون باللّه غبر الظن الحق الذي يجب أن يساور النفوس، وظن الجاهلية بدل من {غير الحق} أو منصوب على المصدرية التشبيهية، أي ظنا مثل ظن الجاهلية أو منصوب بنزع الخافض، وعلى هذا لم يذكر ليظنون مفعولين وتكون الباء ظرفية كما تقول: ظننت بزيد، وإذا كان ذلك كذلك لم تتعد ظننت إلى مفعولين، وقد نص النحاة على ذلك وعليه قول الشاعر:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ** سراتهم في السابري المسرّد

{يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأمر مِنْ شَيْءٍ} جملة يقولون بدل من جملة يظنون وهل حرف استفهام إنكاري معناه النفي أي: ليس لنا، ولنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ومن الأمر جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لشيء ثم تقدمت الصفة على الموصوف فأعربت حالا، ومن حرف جر زائد وشيء مجرور بمن لفظا في محل رفع مبتدأ مؤخر والجملة مقول القول {قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ لِلَّهِ} الجملة معترضة وان واسمها، وكله تأكيد ل {الأمر} لأنه يتجزأ وللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر إن والجملة في محل نصب مقول القول {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ} جملة يخفون حال من ضمير يقولون، أي: يقولون فيما بينهم متسارّين، وفي أنفسهم جار ومجرور متعلقان بيخفون وما اسم موصول مفعول به ولا نافية وجملة يبدون لا محل لها لأنها صلة ما ولك جار ومجرور متعلقان بيبدون {يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمر شيء ما قُتِلْنا هاهُنا} جملة يقولون مستأنفة مسوقة لبيان ما قبله، ولتكون بمثابة شروع في الحديث عنهم مجددا تطرية لنشاط السامع واسترعاء لانتباهه.
ولو شرطية وكان فعل ماض ناقص ولنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كان المقدم ومن الأمر جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وشيء اسم كان المؤخر وما نافية وقتلنا فعل ماض مبني للمجهول ونا نائب فاعل وجملة ما قتلنا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وهاهنا الهاء للتنبيه وهنا اسم اشارة في محل نصب ظرف مكان متعلق بقتلنا {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ} الجملة مستأنفة مسوقة لبيان أن الآجال مكتوبة وأنهم لو أقاموا في المدينة لحدثت لهم أسباب يخرجون فيها لملاقاة حتوفهم وأنهم إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
ولو شرطية وكنتم كان واسمها، وفي بيوتكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر والجملة في محل نصب مقول القول {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ} اللام واقعة في الجواب وبرز الذين فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وجملة كتب عليهم القتل صلة الذين والى مضاجعهم جار ومجرور متعلقان ببرز أي إلى مصارعهم {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ} الواو عاطفة على محذوف تقديره: وفعل ما فعله في أحد لمصالح جمة وليبتلي، اللام للتعليل ويبتلي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بالفعل المحذوف أي فعل ذلك. لمصالح تجهلونها وليبتلي ما في الصدور، وما اسم موصول مفعول به وفي صدوركم جار ومجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول {وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ} عطف على ليبتلي ما في صدوركم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} الواو استئنافية والجملة مستأنفة لتأكيد علمه تعالى بالسرائر والكوامن، واللّه مبتدأ وعليم خبر وبذات الصدور جار ومجرور متعلقان بعليم.

.البلاغة:

لو شئنا الإسهاب في إظهار مواطن البلاغة المنطوية فيها لضاق بنا المجال، وحسبنا أن فلم بها إلماما سريعا يأتي على ما تطول فيه العبارة وتمتد، فمنها:
1- الإيجاز: ويبدو في كثير من المواطن فيها على الشكل التالي:
آ- في كلمة ثم الواقعة في مستهلها للدلالة على أن تراخيا من الزمن قد امتد بعد أن حل بهم ما حل في وقعة أحد في تلك الحادثة العجيبة، فبعد تصعيدهم في الجبل، وإشاحة وجوههم عن رؤية ما حدث لفرط ما نابهم من الدهشة واستولى عليهم من الفزع والهلع أتبعهم اللّه غما بعد غم أو على غم، أو بسببه حدث نزول الأمن فرنّق النعاس في الأجفان، وهوّمت الرؤوس، واسترخت المفاصل فكانوا يميدون تحت الحجف، وكانت السيوف تسقط من أيديهم.
والحجف بفتحتين جمع حجفة اسم الترس أو الدرقة.
ب- في كلمة: {أمنة} وإبدال النعاس منها إيجاز كثير يدل على أن الأمن والهدوء استوليا عليهم فور ترنيق النعاس وأخذ دبيب الكرى بمعاقد أجفانهم، وإنما ينعس من أمن وزايله الخوف، والخائف لا ينام، بل يرى أعداءه في كل مكان. وقد رمق المتنبي هذه السماء العالية فقال:
وضاقت الأرض حتى كاد خائفهم ** إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

ج- في كلمة {شيء} من قوله: {هل لنا من الأمر من شيء} التي احتوت على ما تضيق عنه الصحف كالنصر والظهور على العدو بعد أن اشتدت وطأته وضراوته.
د- في حذف خبر {طائفة} تنزيها لهم عن نسبة من اهتموا بأنفسهم ولم تبق لهم رغبة إلا في نجاتها دون النبي صلّى اللّه عليه وسلم وأصحابه فانهم لم يناموا، أما تقدير الخبر فيمكن أن يقدر: {تعرفهم بسيماهم}.
2- الكناية فقد كنى بالمضاجع عن المصارع حيث لاقوا حتفهم وصافحوا مناياهم.
3- المخالفة في جواب لو، فقد جاء مرة بغير لام وجاء مرة مقترنا بها وفي هذا سر عجيب فقد قال: {لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا هاهنا} ثم قال: {لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل} والقاعدة المعروفة هي أن جواب لو إذا كان منفيا بما فالأكثر عدم اللام وفي الإيجاب بالعكس لأن الإيجاب أحوج إلى التثبيت والترسيخ وهذا من الأسرار التي تميز كتاب اللّه بها ليكون المعجزة أبد الدهر.