فصل: (سورة آل عمران: آية 186)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة آل عمران: آية 186]

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}

.اللغة:

{عَزْمِ الْأُمُورِ}: أي معزوماتها فجعل المصدر بمعنى اسم المفعول.

.الإعراب:

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} اللام موطئة للقسم وتبلونّ فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النّون المحذوفة لتوالي الأمثال وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين ضمير متصل في محل رفع فاعل والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة وفي أموالكم جار ومجرور متعلقان بتبلون وأنفسكم عطف على أموالكم والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها جواب قسم مقدر وجملة القسم مستأنفة مسوقة للشروع في تسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من المؤمنين عما سيستهدفون له من المكاره، وفائدة التسلية توطين النفس على احتمال المكاره عند وقوعها والاستعداد للنتائج مهما تكن {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الواو عاطفة واللام جواب قسم مقدر أيضا وتسمعن تعرب مثل تبلون ومن الذين جار ومجرور متعلقان بتسمعنّ وجملة أوتوا صلة الموصول والواو في أوتوا نائب فاعل والكتاب مفعول به ثان ومن قبلكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا} ومن الذين جار ومجرور معطوفان على {من الذين أوتوا الكتاب} وهما متعلقان بتسمعن وأذى مفعول به لتسمعن وكثيرا صفة {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الواو عاطفة وإن شرطية وتصبروا فعل الشرط وتتقوا عطف على تصبروا فإن الفاء رابطة لجواب الشرط وإن حرف مشبه بالفعل وذلك اسمها ومن عزم الأمور جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها والجملة المقترنة بالفاء لا محل لها من الاعراب لأنها بمثابة تعليل لجواب الشرط المحذوف واقع موقعه والتقدير: وإن تصبروا وتتقوا فهو خير لكم أو فقد أحسنتم أو أصبتم شاكلة الصواب، ولك أن تجعلها هي الجواب وتكون الإشارة إلى صبر المخاطبين.

.[سورة آل عمران: آية 187]

{وإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (187)}

.اللغة:

(النّبذ) الطّرح وراء الظهر. مثل في ترك الاعتداد بالشيء والإعراض عنه بالكلية. وقد تقدم مستوفى في سورة البقرة، كما تقدم القول في أن بعض العلماء جعله من أفعال التحويل كما سيأتي.

.الإعراب:

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} كلام مستأنف مسوق لبيان كتمانهم شواهد نبوّته ومخايل صدقه. والواو استئنافية وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بمحذوف أي: اذكر وقت أخذ اللّه الميثاق. وأخذ فعل ماض واللّه فاعل وميثاق الذين مفعول به والجملة في محل جر بالإضافة وجملة: أوتوا الكتاب صلة الموصول والواو نائب فاعل والكتاب مفعول به ثان {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} اللام جواب للقسم الذي يدل عليه أخذ الميثاق، كأنه قال لهم: باللّه لتبيننه. وقرئ بالياء. وتبيننه فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال، وقد تقدمت له نظائر وما بالعهد من قدم. وللناس جار ومجرور متعلقان ب تبينّنه ولا تكتمونه الواو عاطفة وتكتمونه جملة معطوفة على تبيننه، ولك أن تجعل الواو حالية فتكون الجملة نصبا على الحال {فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ} الفاء عاطفة ونبذوه فعل وفاعل ومفعول به ووراء ظهورهم نصب على المفعولية الثانية كما تقدم في سورة البقرة، وأعربه الكثيرون ظرفا، ولم يشترطوا كون الفاعل مستقرا مع الظرف {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} الواو عاطفة واشتروا عطف على نبذوه وبه جار ومجرور متعلقان باشتروا وثمنا مفعول به وقليلا صفة {فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ} الفاء استئنافية وبئس فعل ماض جامد لانشاء الذم وما نكرة تامة منصوبة على التمييز وقد ميزت فاعل بئس. ويجوز أن تكون مصدرية مؤولة مع الفعل بمصدر هو الفاعل أي: شراؤهم، وقد تقدمت.
والمخصوص بالذم محذوف أي: هذا.

.البلاغة:

1- الالتفات، فقد انتقل من الغيبة في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب} إلى الخطاب في قوله: {لتبيننه} ثم عاد إلى الغيبة، والفائدة من ذلك زيادة التسجيل المباشر عليهم.
2- الاستعارة المكنية في اشتروا به، وقد تقدمت.

.[سورة آل عمران: آية 188]

{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188)}

.اللغة:

(المفازة) مكان الفوز والنجاة، ويجوز أن تكون مصدرا ميميا. وسميت الصحراء مفازة تفاؤلا بالسلامة والفوز.

.الإعراب:

{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا} كلام مستأنف مسوق لبيان غفلتهم وانسياقهم مع أوهامهم. ولا ناهية وتحسبن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت والذين مفعول به وجملة يفرحون صلة الموصول وبما جار ومجرور متعلقان بيفرحون وجملة أتوا لا محل لها لأنها صلة الموصول {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا} ويحبون معطوف على يفرحون وأن وما في حيزها مصدر مؤول في محل نصب مفعول به وبما جار ومجرور متعلقان بيحمدوا ولم حرف نفي وقلب وجزم ويفعلوا فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون والجملة صلة الموصول {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ} الفاء زائدة لتحسين اللفظ وقد أنشدوا على زيادة الفاء في مثل هذا التركيب قول الشاعر:
وحتى تركت العائدات يعدنه ** يقلن فلا تبعد وقلت له ابعد

أي: لا تبعد، هكذا أعربها المعربون، وتبعهم المفسرون.
وأرى أنها الفصيحة، وهي تسبق عادة جملة التطرية لنشاط القارئ بعد حذف المفعول الثاني لتحسبن الأولى، أي لا تحسبنهم ناجين.
وإذا شئت أن تتأكد مصيرهم تماما فلا تحسبنهم. وبمفازة جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لتحسبنهم ومن العذاب جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفازة إن اعتبرت اسم مكان وبمفازة إن اعتبرت مصدرا ميميا {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} الواو استئنافية ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وأليم نعت.

.[سورة آل عمران: الآيات 189- 191]

{ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الألباب (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191)}

.الإعراب:

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} الواو عاطفة وللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ملك مبتدأ مؤخر والسموات مضاف إليه والأرض عطف على السموات {وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ} الواو عاطفة واللّه مبتدأ وعلى كل شيء جار ومجرور متعلقان يقدير وقدير خبر {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} كلام مستأنف مسوق لبيان قدرته سبحانه ووجوده وعلمه. وإن حرف مشبه بالفعل وفي خلق السموات والأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر إن المقدم {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} عطف على خلق {لَآياتٍ لِأُولِي الألباب} اللام المزحلقة وآيات اسم إن المؤخر ولأولي الألباب جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لآيات {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِمْ} الذين صفة لأولي الألباب وجملة يذكرون اللّه صلة وقياما وقعودا حالان وعلى جنوبهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي: مضطجعين، والمعنى يذكرونه في جميع الأحوال قياما وقعودا ومضطجعين. وللفقهاء استدلالات وإيماءات بارعة، ومن طريف حجج الشافعي أنه استدل بها على إضجاع المريض على جنبه في الصلاة {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لك أن تجعل الواو عاطفة فتكون الجملة معطوفة على سابقتها فتكون داخلة في حيز الصلة، ولك أن تجعل الواو حالية فتكون الجملة نصبا على الحال {رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا} ربنا منادى مضاف ولابد من تقدير قول. أي: يقولون ربنا، فالجملة نصب على الحال وما نافية وخلقت فعل وفاعل وهذا مفعول به وباطلا منصوب بنزع الخافض أي بالباطل أو نعت لمصدر محذوف أي خلقا باطلا، أو حالا من هذا، ورجح أبو حيان هذا الوجه على غيره. وعندنا أنها متساوية الرجحان {سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ} سبحانك مفعول مطلق وهو مع فعله المحذوف جملة معترضة لا محل لها. فقنا الفاء عاطفة للترتيب أي: نزهناك فقنا.
ولك أن تجعلها الفصيحة لمعنى الجزاء المقدر أي: إذا شئت جزاءنا فقنا. وق فعل أمر ونا مفعول به أول وعذاب النار مفعول به ثان.

.البلاغة:

1- الطباق: الذي جمع حالات الإنسان الثلاث في الصلاة، وهي القيام والقعود والاضطجاع على الجنب، كما يقول الشافعي، أو الاستلقاء، لأنه أخف، كما يقول أبو حنيفة.
2- المجاز المرسل بعلاقته المحلية، فقد ذكر السموات والأرض، ومراده ما فيهما من أجرام عظيمة بديعة الصنع صالحة للاستغلال في سبيل النفع الإنساني الشامل.
3- الإيجاز في قوله: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض}، حيث انطوى تحت هذا الإيجاز كل ما تمخض عنه العلم من روائع المكتشفات وبدائع المستنبطات. وفي الحديث: لا عبادة كالتفكر.
فلسفة الأفكار لديكارت:
ولا مندوحة لنا هنا عن الإشارة إلى أن فلسفة ديكارت الفرنسي عرفت في العصر الحديث بأنها فلسفة الأفكار الواضحة المتميزة، كما كانوا يسمونها في القرن السابع عشر. فقد أرادت تلك الفلسفة أن تخلص الفكر من وطأة السلطات أيّا كانت، فلم تقبل دليلا على الحق إلا البداهة العقلية، أي بداهة العقل الذي يراه الفيلسوف أعدل الأشياء قسمة بين الناس، وحظوظ الناس منه متساوية، فلا فرق بين شعب وشعب، ولا تفاضل بين جنس وجنس. وقد كان لديكارت فضل في بناء صرح المذهب العقلي الحديث حين وضع قاعدته المشهورة:
يجب أن لا أقبل شيئا أبدا على أنه حق ما لم يتبين لي ببداهة العقل أنه كذلك، ويجب أن لا أحكم على الأشياء إلا بما يتمثله ذهني بوضوح وتمييز ينتفي معهما كل سبيل إلى الشكّ.
بين ديكارت ومحمد عبده:
وقد تجلى أثر هذه الفلسفة عند الأستاذ الإمام محمد عبده في السنوات الأولى من هذا القرن العشرين إذ لا يخفى أن الدعوة التي نهض بها الإمام محمد عبده لإصلاح المجتمع الإسلامي عموما إنما تقوم على اصطناع منهج ديكارت في الأفكار الواضحة المتميزة وفي تغليبه حكم العقل على أحكام الهوى والعاطفة وفي اصطناعه اليقين والبداهة معيارا لصحة الروايات أو تلفيقها.
تأملات ديكارت:
ومن المفيد أن نلخص تأملات ديكارت الستة وهي:
1- بداهة العقل عند الفيلسوف معيار اليقين، أي العلامة المميزة للمعرفة الصحيحة.
2- فناء الجسم الإنساني أمر ممكن ميسور، أما الذهن فباق بطبيعته.
3- فكرة موجود كامل فينا تشمل قدرا من الحقيقة الموضوعية أي تشارك بالتصور في قدر من درجات الوجود والكمال بحيث يلزم أن تصدر عن علة كاملة على الإطلاق.
4- جميع الأشياء التي تتصوّرها تصورا واضحا جدا ومتميزا جدا هي كلها صحيحة، وتتصل بالحقائق العقلية التي يمكن معرفتها بمعونة النور الطبيعي وحده.
5- وفي التأمل الخامس يتحدث عن ماهية الأشياء المادية، ثم يعود إلى الحديث عن اللّه ووجوده، وهو يستند إلى معيار البداهة.
ولما كان ديكارت عالما رياضيا، وكان المثل الأول للبداهة عنده هو مثل البداهة الرياضية، فهو ينظر إلى الفكرة الواضحة التي تكون في أذهاننا عن اللّه فيجد أن شأنها كشأن المثلّث، وينتهي إلى القول:
إن القضيتين مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين، واللّه موجود هما قضيتان متعادلتان في اليقين.
6- وانتهى ديكارت في التأمل السادس بتمييز فعل الفهم من فعل المخيلة فقال: وأصف علامات التمييز، وفيه أبيّن أن نفس الإنسان متميزة عن الحسم حقا، وأنها مع ذلك ملتئمة معه التئاما ومتحدة به اتحادا يجعلها وإياه شيئا واحدا، وفيه أبسط جميع ضروب الخطأ الناشئة من الحواس، مبينا الوسائل لاجتنابها. وأورد أخيرا جميع الأدلة التي يمكن أن يستنتج منها وجود المادية، لا لأنني أرى لها فائدة كبيرة في إثبات ما نشبته- أعني أن العالم موجود وأن للناس أجساما وما شابه ذلك من أشياء لم يشك فيها قط إنسان ذو عقل سليم- بل لأن إنعام النظر فيها يطلعنا على أنها لم تبلغ من المتانة والبداهة مرتبة الأدلة التي توصلنا إلى معرفة اللّه ومعرفة النفس، وبهذا الاعتبار تكون الأدلة الأخيرة أوثق وأبين ما يمكن أن يقع للذهن الإنساني من معرفة.
4- المطابقة المتعددة حتى تسمى مقابلة فقد طابق بين السموات والأرض، وبين الليل والنهار، والقيام والقعود.

.[سورة آل عمران: الآيات 192- 193]

{رَبَّنا أنك مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِيًا يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193)}

.الإعراب:

{رَبَّنا أنك مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} كلام مستأنف مسوق لتتمة الابتهالات الرقيقة الرائعة التي شرع فيها في خاتمة سورة آل عمران. وربنا منادى مضاف وإنك: إن واسمها، ومن اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به مقدم وتدخل فعل الشرط والنار منصوب بنزع الخافض أو مفعول به ثان على السعة، فقد الفاء رابطة لجواب الشرط لاقتران الجواب بقد وأخزيته فعل وفاعل ومفعول به والجملة المقرونة بالفاء في محل جزم جواب الشرط والجملة في محل رفع خبر إن {وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} الواو استئنافية أو حالية وما نافية وللظالمين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ومن حرف جر زائد وأنصار مجرور لفظا بمن مرفوع بالابتداء محلا، ولك أن تجعل ما حجازية عاملة عمل ليس لأنهم أجازوا تقديم الخبر إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا {رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِيًا يُنادِي لِلْإِيمانِ} ربنا منادى مضاف وإن واسمها، وجملة سمعنا خبرها ومناديا مفعول سمعنا وجملة ينادي صفة وللإيمان جار ومجرور متعلقان بينادي. ويلاحظ أن ضمير المتكلم وهو نا استعمل في حالاته الثلاث الجر بالإضافة لربّ والنصب لأنه اسم إن والرفع على الفاعلية والجملة كلها مستأنفة مسوقة لتتمة الابتهالات {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} أن مصدرية وآمنوا فعل أمر وأن وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض ويكون الجار والمجرور متعلقين بينادي، ويجوز أن تكون أن هي المفسرة، وهي الواقعة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه، فتكون الجملة لا محل لها. وبربكم جار ومجرور متعلقان بآمنوا فآمنا الفاء حرف عطف للترتيب والتعقيب، مؤذن بتعجيل الانصياع للنداء والإيمان من غير مهلة، لأن المنادي هو محمد أو القرآن، وكلاهما حافز إلى الامتثال والإيمان {رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا} أعاد النداء استعذابا للترتيب وزيادة في الاستعطاف والابتهال، والفاء في قوله: {فاغفر} عاطفة مؤذنة بالإشعار بترتّب المغفرة على الإيمان به تعالى والإقرار بربوبيته، وليس هناك أدعى إلى المغفرة من ذلك. ولنا جار ومجرور متعلقان باغفر، وذنوبنا مفعول به وكفّر عطف على اغفر، وعنا جار ومجرور متعلقان بكفر، وسيئاتنا مفعول به {وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ} عطف على ما تقدم وتوف فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ونا مفعوله ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف حال والأبرار مضاف اليه.