فصل: التَّأْمِينُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَدْ تَعَلَّقَ بِرِوَايَةِ «{الحمد لله رب العالمين} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي» مَنْ قَالُوا: إِنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ. وَعَكَسَ الْآخَرُونَ قَائِلِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى لَفْظُهَا عَلَى أَنَّهُ اسْمُ السُّورَةِ وَإِلَّا مَا صَحَّ قَوْلُهُ: هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي؛ لِأَنَّهَا آيَة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا السَّبْعُ الْمَثَانِي: هِيَ آيَاتُ الْفَاتِحَةِ السَّبْعُ، وَهِيَ لَيْسَتْ سَبْعًا إِلَّا بِالْبَسْمَلَةِ آيَةً مِنْهَا، فَكَوْنُهَا مِنْهَا ثَابِت بِالْقُرْآنِ أَيْ بِآيَةِ سُورَةِ الْحِجْرِ، كَمَا فَسَّرَهَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ وَهُوَ الرَّسُولُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ، وَكِبَارُ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعَيْنِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَسْمِيَتِهَا ب {الحمد لله رب العالمين}، إِذْ لَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ إِلَّا بِذَلِكَ.
وَأَمَّا الْآثَارُ فَقَدْ فَصَّلَهَا السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَأَجْمَلَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَعَ بَيَانِ دَرَجَةِ أَسَانِيدِهَا بِقَوْلِهِ: وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنَ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ- زَادَ عَنْ عُمَرَ تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ، وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ قَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} قَالَ: هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَ{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الْآيَةُ السَّابِعَةُ وَمِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ: قُلْتُ لِلرَّبِيعِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا السَّبْعُ الطُّوَلُ جَمْعُ طُولَى مُؤَنَّثِ أَطْوَلَ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَا نَزَلَ مِنَ الطُّوَلِ شَيْء. اهـ.
يَقُولُ مُحَمَّد رَشِيد: يَعْنِي أَنَّ سُورَةَ الْحِجْرِ الَّتِي فِيهَا هَذِهِ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ السُّوَرِ السَّبْعِ الطُّوَلِ وَهُنَّ: الْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ- الْمَدَنِيَّاتُ- وَالْأَنْعَامُ وَالْأَعْرَافُ، وَيُونُسُ- الْمَكِّيَّاتُ- كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي السَّابِعَةِ: إِنَّهَا سُورَةُ يُونُسَ، قَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْأَنْفَالُ، وَبَرَاءَة- وَعَدَّهُمَا سُورَةً وَاحِدَةً- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ السَّابِعَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا السَّبْعُ الطُّوَلُ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّفْصِيلِ فِيهِ فَإِنَّهُ مَرْدُود لِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ، وَلَا قَوْلَ لِأَحَدٍ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ قُوَّةَ الْإِسْنَادِ لَا قِيمَةَ لَهَا تُجَاهَ الدَّلِيلِ الْقَوِيِّ عَلَى بُطْلَانِ مَتْنِ الرِّوَايَةِ.
اسْتِدْرَاك عَلَى تَفْسِيرِ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ}:
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ تَفْسِيرُ: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} بِالْيَهُودِ، و: {الضَّالِّينَ} بِالنَّصَارَى، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُمْ، وَنَقَلْنَا عَنْ شَيْخِنَا الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ عَزْوَهُ إِلَى بَعْضِهِمْ، أَيْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَارَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَجْهَلُ أَنَّ هَذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ- مَعَ هَذَا- أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ فَسَّرُوا اللَّفْظَيْنِ بِمَا يَدُلَّانِ عَلَيْهِ لُغَةً حَتَّى بَعْضَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيح، فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ الْمُلَقَّبُ بِمُحْيِي السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِهِ مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِمَا بِمَدْلُولِهِمَا اللُّغَوِيِّ، قِيلَ: الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ، وَالضَّالُّونَ هُمُ النَّصَارَى؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِالْغَضَبِ فَقَالَ: {مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} وَحَكَمَ عَلَى النَّصَارَى بِالضَّلَالِ فَقَالَ: {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: {غير المغضوب عليهم} بِالْبِدْعَةِ، {ولا الضالين} عَنِ السُّنَّةِ. اهـ.
فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِقِيلِ الدَّالِّ عَلَى ضَعْفِهِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: غَيْرُ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ فَسَدَتْ إِرَادَتُهُمْ فَعَلِمُوا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ، وَلَا صِرَاطِ الضَّالِّينَ، وَهُمُ الَّذِينَ فَقَدُوا الْعِلْمَ، فَهُمْ هَائِمُونَ فِي الضَّلَالَةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحَقِّ، وَأَكَّدَ الْكَلَامَ بلا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مَسْلَكَيْنِ فَاسِدَيْنِ وَهُمَا: طَرِيقَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اهـ.
وَبَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فِي إِعْرَابِ: {غَيْر} وَ: {لَا} إِنَّمَا جِيئَ ب: {لَا} لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ لِتُجْتَنَبَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلَة عَلَى الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَالْيَهُودُ فَقَدُوا الْعَمَلَ وَالنَّصَارَى فَقَدُوا الْعِلْمَ، وَلِهَذَا كَانَ الْغَضَبُ لِلْيَهُودِ، وَالضَّلَالُ لِلنَّصَارَى- وَاسْتَشْهَدَ بِالْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اسْتَشْهَدَ بِهِمَا الْبَغَوِيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَرِوَايَاتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَكَذَا ابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ، حَسَن غَرِيب، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، وَسِمَاك ضَعَّفَهُ جَمَاعَة وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ بَلْ خَرِفَ، فَمَا رَوَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَلَا جِدَالَ فِي رَدِّهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا بِسَنَدٍ، قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ، إِنَّهُ حَسَن، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ فِي تَفْسِيرِهِمَا بِمَا ذَكَرَ خِلَافًا يَعْنِي الْمَأْثُورَ، وَمَعَ هَذَا نَقُولُ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْوُجُوهِ الْأُخْرَى لَا يُعَدُّ مُخَالَفَةً لِلْمَأْثُورِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ تَفْسِيرِ الْعَامِّ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ، مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا التَّخْصِيصِ، وَلَا الْحَصْرِ بِالْأَوْلَى.

.التَّأْمِينُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: آمِينَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إِلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَلَا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ. حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: حَتَّى يَسْمَعَهَا أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَرْتَجَّ بِهَا الْمَسْجِدُ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقَالَ: آمِينَ. يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. اهـ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا صَحِيحَة وَأَخْرَجَهَا غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْأَخِيرِ مِنْهَا وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ صَحِيح، وَخَطَّأَ ابْنَ الْقَطَّانِ فِي إِعْلَانِهِ إِيَّاهُ بِجَهَالَةِ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ وَقَالَ: إِنَّهُ ثِقَة مَعْرُوف، قِيلَ: إِنَّ لَهُ صُحْبَةً.
وَهُنَالِكَ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغُ مَعَ هَذِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، وَهَذِهِ أَصَحُّهَا. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ عِنْدَ شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلِ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّأْمِينِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِلنَّدْبِ، وَحَكَى ابْنُ بَزِيزَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وُجُوبَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَأَوْجَبَتْهُ الظَّاهِرِيَّةُ عَلَى كُلِّ مَنْ يُصَلِّي، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وُجُوبُهُ عَلَى الْمَأْمُومِ فَقَطْ، لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ مُقَيِّدًا بِأَنْ يُؤَمِّنَ الْإِمَامُ، وَأَمَّا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فَمَنْدُوب فَقَطْ.
قَالَ: وَحَكَى الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْعِتْرَةِ جَمِيعًا، أَنَّ التَّأْمِينَ بِدْعَة- وَقَدْ عَرَفْتُ ثُبُوتَهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ فِعْلِهِ وَرِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ- عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَكَى السَّيِّدُ الْعَلَّامَةُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ عَنِ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ.
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُطَهِّرِ وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّتِهِمُ الْمَشَاهِيرِ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الرِّيَاضُ النَّدِيَّةُ: إِنَّ رُوَاةَ التَّأْمِينِ جَمّ غَفِير، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى. اهـ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ التَّأْمِينَ بِدْعَة بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ «إِنَّ هَذِهِ صَلَاتُنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْء مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَادِيثَ التَّأْمِينِ خَاصَّة وَهَذَا عَامّ، وَإِنْ كَانَتْ أَحَادِيثُهُ الْوَارِدَةُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا يَقْوَى بَعْضُهَا عَلَى تَخْصِيصِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ- مَعَ أَنَّهَا مُنْدَرِجَة تَحْتَ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ الْقَاضِيَةِ بِمَشْرُوعِيَّةِ مُطْلَقِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ دُعَاء، فَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَشَهُّد، وَقَدْ أَثْبَتَهُ الْعِتْرَةُ، فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ فِي إِثْبَاتِهِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَلَامِ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ تَكْلِيمُهُمْ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرِ كَلَّمَ لَا تَكَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ السَّبَبُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ السُّلَمِيَّ شَمَّتَ عَاطِسًا فِي الصَّلَاةِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَمَاهُ الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ: وَا ثُكْلَ أُمَّاهُ، مَالَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ إِلَخْ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ التَّأْمِينَ فِي الصَّلَاةِ مَشْرُوع بِنَصِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ بِعُمُومِ أَحَادِيثَ أُخْرَى لَا تُنَافِيهَا، وَلَوْ عَارَضَتْهَا لَوَجَبَ تَرْجِيحُهَا عَلَيْهَا.
وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَأْمُومِ، هَلْ هُوَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ: {وَلَا الضَّالِّينَ} أَمْ عِنْدَ قَوْلِهِ: «آمِينَ»؟ وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي ذَلِكَ تَعَارُضًا، وَهُوَ غَفْلَة عَنْ كَوْنِ الْإِمَامِ إِنَّمَا يُؤَمِّنُ بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَلَا الضَّالِّينَ} كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ مُتَّفِق، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَ عَقِبَ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فَلَا مَفْهُومَ لِلشَّرْطِ فِيهِ.

.فَائِدَة فِي مَخْرَجَيِ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَحُكْمُ تَحْرِيفِ الْأَوَّلِ:

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ الْإِخْلَالُ بِتَحْرِيرِ مَا بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الضَّادَ مَخْرَجُهَا مَنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْأَضْرَاسِ، وَمَخْرَجُ الظَّاءِ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأَطْرَافِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَجْهُورَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الرِّخْوَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الْمُطْبِقَةِ، فَلِهَذَا كُلِّهِ اغْتُفِرَ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ ذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ: «أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ» فَلَا أَصْلَ لَهُ. اهـ.
وَأَقُولُ: إِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ الْعَرَبِيَّةِ قَدْ أَرَادُوا الْفِرَارَ مِنْ جَعْلِ الضَّادِ ظَاءً، كَمَا يَفْعَلُ التُّرْكُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَعَاجِمِ، فَجَعَلُوهَا أَقْرَبَ إِلَى الطَّاءِ مِنْهَا إِلَى الضَّادِ حَتَّى الْقُرَّاءُ الْمُجَوِّدُونَ مِنْهُمْ، إِلَّا أَهْلَ الْعِرَاقِ وَأَهْلَ تُونُسَ فَهُمْ عَلَى مَا نَعْلَمُ أَفْصَحُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ نُطْقًا بِالضَّادِ، وَإِنَّنَا نَجِدُ أَعْرَابَ الشَّامِ وَمَا حَوْلَهَا يَنْطِقُونَ بِالضَّادِ فَيَحْسَبُهَا السَّامِعُ ظَاءً لِشِدَّةِ قُرْبِهَا مِنْهَا وَشَبَهِهَا بِهَا. وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ الْأَوَّلِينَ حَتَّى اشْتَبَهَ نَقَلَةُ الْعَرَبِيَّةِ عَنْهُمْ فِي مُفْرَدَاتٍ كَثِيرَةٍ قَالُوا: إِنَّهَا سُمِعَتْ بِالْحَرْفَيْنِ وَجَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي مُصَنَّفٍ مُسْتَقِلٍّ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا مِنْهُمْ فَلَمْ يُفَرِّقُوا، وَالْفَرْقُ ظَاهِر وَلَكِنَّهُ غَيْرُ بَعِيدٍ.
وَقَدْ قُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} بِكُلٍّ مِنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ، وَالضَّنِينُ: الْبَخِيلُ، وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ، وَفَائِدَتُهُمَا نَفْيُ كُلٍّ مِنَ الْبُخْلِ وَالتُّهْمَةِ. وَالْمَعْنَى: مَا هُوَ بِبَخِيلٍ فِي تَبْلِيغِهِ فَيَكْتُمَ، وَلَا بِمُتَّهَمٍ فَيَكْذِبَ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَهُوَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بِالظَّاءِ، وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ بِالضَّادِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِمَا. وَإِتْقَانُ الْفَصْلِ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَاجِب، وَمَعْرِفَةُ مَخْرَجَيْهِمَا مِمَّا لَابُدَّ مِنْهُ لِلْقَارِئِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَجَمِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ، وَإِنْ فَرَّقُوا فَفَرْقًا غَيْرُ صَوَابٍ وَبَيْنَهُمَا بَوْن بَعِيد، فَإِنَّ مَخْرَجَ الضَّادِ مِنْ أَصْلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْأَضْرَاسِ مِنْ يَمِينِ اللِّسَانِ وَيَسَارِهِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَضْبَطَ: يَعْمَلُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ، وَكَانَ يُخْرِجُ الضَّادَ مِنْ جَانِبَيْ لِسَانِهِ، وَهِيَ أَحَدُ الْأَحْرُفِ الشَّجَرِيَّةِ أُخْتُ الْجِيمِ وَالشِّينِ، وَأَمَّا الظَّاءُ فَمَخْرَجُهَا مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا. وَهِيَ أَحَدُ الْأَحْرُفِ الذَّوْلَقِيَّةِ، أُخْتُ الذَّالِ وَالثَّاءِ، وَلَوِ اسْتَوَى الْحَرْفَانِ لَمَا ثَبَتَتْ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ قِرَاءَتَانِ اثْنَتَانِ، وَاخْتِلَاف بَيْنَ جَبَلَيْنِ مِنْ جِبَالِ الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ. وَلَمَا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى وَالِاشْتِقَاقُ وَالتَّرْكِيبُ. اهـ.
وَأَقُولُ: صَدَقَ أَبُو الْقَاسِمَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ هَذَا كُلِّهِ إِلَّا قَوْلَهُ: إِنَّ الْبَوْنَ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ بَعِيد، فَالْفَرْقُ ثَابِت وَلَكِنَّهُ قَرِيب، وَهُوَ يَحْصُلُ بِإِخْرَاجِ طَرَفِ اللِّسَانِ بِالظَّاءِ بَيْنَ الثَّنَايَا كَأُخْتَيْهِ الثَّاءِ وَالذَّالِ، وَلَا شِرْكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا إِلَّا فِي هَذَا.

.التَّوَسُّعُ فِي الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ:

إِنَّ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ مِنْ تَلْخِيصٍ لِمَا فَهِمْنَاهُ مِنْ دُرُوسِ شَيْخِنَا وَمِمَّا قَرَأْنَاهُ فِي الْكُتُبِ، ثُمَّ مَا زِدْنَاهُ عَلَيْهِ فِي أَصْلِهِ وَفِي هَذِهِ الْفَوَائِدِ الزَّوَائِدِ، فَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّفَقُّهُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءُ بِهِ، وَقَدِ اقْتَصَدْنَا فِيهِ، فَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا لَا يَشْغَلُ الْقَارِئَ عَنِ الْمَقْصِدِ، وَقَدْ أَطَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي اسْتِطْرَادَاتٍ عَدِيدَةٍ، وَمَسَائِلَ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ لَوَازِمَ لِلْمَعَانِي قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، وَلَكِنَّهَا تَشْغَلُ مُرِيدَ الِاهْتِدَاءِ بِالْقُرْآنِ، وَأَطَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ مَدَارِجِ السَّالِكِينَ الْقَوْلَ فِي اسْتِنْبَاطِ الْمَسَائِلِ مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثَةِ: الْمُطَابَقَةُ، وَالتَّضَمُّنُ، وَالِالْتِزَامُ، وَأَخَذَ فِي الثَّالِثَةِ بِاللُّزُومِ الْبَيِّنِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَبِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ بِاللُّزُومِ غَيْرِ الْبَيِّنِ أَيْضًا، بَلْ سَمَّى كِتَابَهُ مَدَارِجَ السَّالِكِينَ، بَيْنَ مَنَازِلِ {إياك نعبد وإياك نستعين} وَأَجْمَلَ ذَلِكَ.
بِقَوْلِهِ: فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ، إِنَّهُ يُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ: مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ وَسَائِلِهَا وَغَايَاتِهَا، وَمَوَاهِبِهَا وَكَسْبِيَّاتِهَا، وَبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذِهِ السُّورَةِ مَقَامَهَا وَلَا يَسُدُّ مَسَدَّهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا. اهـ.
وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ: فُصُول فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْوَحْدَةِ، وَالْمَجُوسِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَالْجَبْرِيَّةِ، وَمُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ، وَالْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمُسْتَنْبَطَاتِ، وَمُسْتَنْبَطَاتِ الرَّازِيِّ: أَنَّ أَكْثَرَ تِلْكَ فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَالْكَلَامِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ، وَأَكْثَرَ هَذِهِ فِي الْمَقَاصِدِ الرُّوحِيَّةِ التَّعَبُّدِيَّةِ لِتِلْكَ الْمُصْطَلَحَاتِ وَالْعُلُومِ، فَهِيَ تَزِيدُ قَارِئَهَا دِينًا وَإِيمَانًا وَتَقْوَى، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى شَيْء مِنْهُمَا تَفْسِيرًا لِلْفَاتِحَةِ، وَلَوْ كُنَّا نَعُدُّهُ تَفْسِيرًا لَاقْتَبَسْنَاهُ أَوْ لَخَّصْنَاهُ فِي هَذِهِ الْفَوَائِدِ.