فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقوله: {الله} أي الذي آمن به الرسول وأتباعه بما له من الإحاطة بصفات الكمال {لا إله إلا هو} أي متوحد لا كفوء له فقد فاز قصدكم إليه بالرغبة وتعويلكم عليه في المسألة.
قال الحرالي: فما أعلن به هذا الاسم العظيم أي الله في هذه الفاتحة هو ما استعلن به في قوله تعالى: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1]، ولما كان إحاطة العظمة أمرًا خاصًا لأن العظمة إزاء الله الذي لا يطلع عليه إلا صاحب سر كان البادي لمن دون أهل الفهم من رتبة أهل العلم اسمه {الله الصمد} الذي يعنى اليه بالحاجات والرغبات المختص بالفوقية والعلو الذي يقال للمؤمن عنه: أين الله؟ فيقول: في السماء، إلى حد علو أن يقول: فوق العرش، فذلك الصمد الذي أنبأ عنه اسمه {إله} الذي أنزل فيه إلزام الإخلاص والتوحيد منذ عبدت في الأرض الأصنام، فلذلك نضم توحيد اسمه الإله بأحدية مسمى هو من اسمه العظيم الله، ورجع عليه باسم المضمر الذي هو في جبلات الأنفس وغرائز القلوب الذي تجده غيبًا في بواطنها فتقول فيه: هو، فكان هذا الخطاب مبدوءًا بالاسم العظيم المظهر منتهيًا إلى الاسم المضمر، كما كان خطاب {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] مبدوءًا بالاسم المضمر منتهيًا إلى الاسم العظيم المظهر، وكذلك أيضا اسم الله الأعظم في سورة {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] كما هو في هذه الفاتحة.
ولما كان لبادي الخلق افتقار إلى قوام لا يثبت طرفة عين دون قوامه كان القوام البادي آيته هي الحياة فما حيي ثبت وما مات فني وهلك؛ انتهى ولما كان المتفرد بالملك من أهل الدنيا يموت قال: {الحي} أي الحياة الحقيقية التي لا موت معها.
ولما كان الحي قد يحتاج في التدبير إلى وزير لعجزه عن الكفاية بنفسه في جميع الأعمال قال: {القيوم} إعلامًا بأن به قيام كل شيء وهو قائم على كل شيء.
قال الحرالي: فكما أن الحياة بنفخة من روح أمره فكل متماسك على صورته حي بقيوميته انتهى.
وفي وصفه بذلك إعلام بأنه قادر على نصر جنده وإعزاز دينه وعون وليه، وحث على مراقبته بجهاد أعدائه ودوام الخضوع لديه والضراعة اليه. اهـ.

.اللغة:

{الحي} الدائم الذي لا يفنى ولا يموت.
{القيوم} القائم على تدبير شؤون العباد.
{يصوركم} التصوير: جعل الشيء على صورة معينة أي يخلقكم كما يريد.
{الأرحام} جمع رحم وهو محل تكون الجنين.
{محكمات} المحكم: ما كان واضح المعنى، قال القرطبي: المحكم ما عرف تاويله، وفهم معناه وتفسيره، والمتشابه: ما لم يكن لاحد الى علمه سبيل مما استاثر تعالى بعلمه دون خلقه، مثل الحروف المقطعة في اوائل السور، هذا احسن ما قيل فيه.
{أم الكتاب} اصل الكتاب واساسه وعموده.
{زيغ} ميل عن الحق يقال: زاغ زبغا أي مال ميلا.
{تأويله} التأويل: التفسير وأصله المرجع والمصير، من قولهم الأمر إلى كذا إذا صار اليه.
{الراسخون} الرسوخ: الثبوت في الشيء والتمكن منه قال الشاعر: لقد رسخت في القلب مني مودة لليلى أبت أيامها أن تغيرا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{الم الله} مقطوعة الألف والميم ساكنة: يزيد والمفضل والأعشى والبرجمي الباقون موصولًا بفتح الميم.
{التوراة} ممالة حيث كان: أبو عمرو وحمزة وعلي وخلف والنجاري عن ورش، والخزاز عن هبيرة، وابن ذكوان غير ابن مجاهد {كدأب} حيث كان بغير همزة: أبو عمرو وغيره شجاع ويزيد والأعشى والأصفهاني عن ورش والخزاز عن هبيرة وحمزة عن الوقف.

.الوقوف:

{الم} ج كوفي مختلف فإن غير الأعشى والبرجمي ويزيد والمفضل يصلون.
{إلا هو} ج {القيوم} ط {والإنجيل} ط {الفرقان} ط {شديد} ط {انتقام}{في السماء} ط {كيف يشاء} ط {الحكيم}{متشابهات} ط لاستئناف تفصيل {وابتغاء تأويله} ج لأن الواو تصلح استئنافًا والحال أليق {إلا الله} م عند أهل السنة لأنه لو وصل فهم أن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه كما يعلم الله، ومن لم يحترز عن هذا وجعل المتشابه غير صفة الله ذاتًا وفعلًا من الأحكام التي يدخلها القياس والتأويل وجعل المحكمات الأصول النصوص المجمع عليها فعطف قوله: {والراسخون} على اسم الله وجعل {يقولون} حالًا لهم ساغ له أن لا يقف على {إلا الله}.
{آمنا به} (لا) لأن قوله: {كل من عند ربنا} من مقولهم فإن التسليم من تمام الإيمان.
{من عند ربنا} ج لاحتمال أن ما بعده مقولهم {الألباب}{رحمة} ج للابتداء بأن ولاحتمال لام التعليل أو فاء التعقيب للتسبب {الوهاب}{فيه} ط {الميعاد}{شيئًا} ط {النار} (لا) لتعلق كاف التشبيه {فرعون} (لا) للعطف، {من قبلهم} ط، {بآياتنا} ج للعدول مع فاء التعقيب {بذنوبهم} ط {العقاب} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قرأ أبو بكر عن عاصم {الم الله} بسكون الميم، ونصب همزة: الله، والباقون موصولًا بفتح الميم، أما قراءة عاصم فلها وجهان الأول: نية الوقف ثم إظهار الهمزة لأجل الابتداء والثاني: أن يكون ذلك على لغة من يقطع ألف الوصل، فمن فصل وأظهر الهمزة فللتفخيم والتعظيم، وأما من نصب الميم ففيه قولان:
القول الأول: وهو قول الفراء واختيار كثير من البصريين أن أسماء الحروف موقوفة الأواخر، يقول: ألف، لام، ميم، كما تقول: واحد، إثنان، ثلاثة، وعلى هذا التقدير وجب الابتداء بقوله: الله، فإذا ابتدأنا به نثبت الهمزة متحركة، إلا أنهم أسقطوا الهمزة للتخفيف، ثم ألقيت حركتها على الميم لتدل حركتها على أنها في حكم المبقاة بسبب كون هذه اللفظة مبتدأ بها.
فإن قيل: إن كان التقدير فصل إحدى الكلمتين عن الأخرى امتنع إسقاط الهمزة، وإن كان التقدير هو الوصل امتنع بقاء الهمزة مع حركتها، وإذا امتنع بقاؤها امتنعت حركتها، وامتنع إلقاء حركتها على الميم.
قلنا: لم لا يجوز أن يكون ساقطًا بصورته باقيًا بمعناه فأبقيت حركتها لتدل على بقائها في المعنى هذا تمام تقرير قول الفرّاء.
والقول الثاني: قول سيبويه، وهو أن السبب في حركة الميم التقاء الساكنين، وهذا القول رده كثير من الناس، وفيه دقة ولطف، والكلام في تلخيصه طويل.
وأقول: فيه بحثان أحدهما: سبب أصل الحركة، والثاني: كون تلك الحركة فتحةً.
أما البحث الأول: فهو بناء على مقدمات:
المقدمة الأولى: أن الساكنين إذا اجتمعا فإن كان السابق منهما حرفًا من حروف المد واللين لم يجب التحريك، لأنه يسهل النطق بمثل هذين الساكنين، كقولك: هذا إبراهيم وإسحاق ويعقوب موقوفة الأواخر، أما إذا لم يكن كذلك وجب التحريك لأنه لا يسهل النطق بمثل هذين، لأنه لا يمكن النطق إلا بالحركة.
المقدمة الثانية: مذهب سيبويه أن حرف التعريف هي اللام، وهي ساكنة، والساكن لا يمكن الابتداء به فقدموا عليها همزة الوصل وحركوها ليتوصلوا بها إلى النطق باللام، فعلى هذا إن وجدوا قبل لام التعريف حرفًا آخر فإن كان متحركًا توصلوا به إلى النطق بهذه اللام الساكنة وإن كان ساكنًا حركوه وتوصلوا به إلى النطق بهذه اللام، وعلى هذا التقدير يحصل الاستغناء عن همزة الوصل لأن الحاجة إليها أن يتوصل بحركتها إلى النطق باللام، فإذا حصل حرف آخر توصلوا بحركته إلى النطق بهذه اللام، فتحذف هذه الهمزة صورة ومعنى، حقيقة وحكمًا، وإذا كان كذلك امتنع أن يقال: ألقيت حركتها على الميم لتدل تلك الحركة على كونها باقية حكمًا، لأن هذا إنما يصار إليه حيث يتعلق بوجوده حكم من الأحكام، أو أثر من الآثار، لكنا بينا أنه ليس الأمر كذلك فعلمنا أن تلك الهمزة سقطت بذاتها وبآثارها سقوطًا كليًا، وبهذا يبطل قول الفرّاء.
المقدمة الثالثة: أسماء هذه الحروف موقوفة الأواخر، وذلك متفق عليه.
إذا عرفت هذه المقدمات فنقول: الميم من قولنا {الم} ساكن ولام التعريف من قولنا {الله} ساكن، وقد اجتمعا فوجب تحريك الميم، ولزم سقوط الهمزة بالكلية صورة ومعنى، وصح بهذا البيان قول سيبويه، وبطل قول الفرّاء.
أما البحث الثاني: فلقائل أن يقول: الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر، فلم اختير الفتح هاهنا، قال الزجاج في الجواب عنه: الكسر هاهنا لا يليق، لأن الميم من قولنا {الم} مسبوقة بالياء فلو جعلت الميم مكسورة لاجتمعت الكسرة مع الياء وذلك ثقيل، فتركت الكسرة واختيرت الفتحة، وطعن أبو علي الفارسي في كلام الزجاج، وقال: ينتقض قوله بقولنا: جير، فإن الراء مكسورة مع أنها مسبوقة بالياء، وهذا الطعن عندي ضعيف، لأن الكسرة حركة فيها بعض الثقل والياء أختها، فإذا اجتمعا عظم الثقل، ثم يحصل الانتقال منه إلى النطق بالألف في قولك {الله} وهو في غاية الخفة، فيصير اللسان منتقلًا من أثقل الحركات إلى أخف الحركات، والانتقال من الضد إلى الضد دفعة واحدة صعب على اللسان، أما إذا جعلنا الميم مفتوحة، انتقل اللسان من فتحة الميم إلى الألف في قولنا {الله} فكان النطق به سهلًا، فهذا وجه تقرير قول سيبويه، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

للعلماء في تسمية البقرة وآل عمران بالَّزهرَاوَيْن ثلاثة أقوال:
الأول: أنهما النّيِّرتان، مأخوذ من الزّهْر والزُّهْرَةِ؛ فإمّا لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، أي من معانيهما.
وإما لِما يترتب على قراءتهما من النور التامّ يوم القيامة، وهو القول الثاني.
الثالث: سُمّيتا بذلك لأنهما اشتركتا فيما تضمنه اسم الله الأعظم، كما ذكره أبو داود وغيره عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن اسْمَ الله الأعظم في هاتين الآيتين {وإلهكم إله وَاحِدٌ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} والتي في آل عمران {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}» أخرجه ابن ماجه أيضا.
والغمام: السحاب الملْتَفّ، وهو الغَيَايَة إذا كانت قريبًا من الرأس، وهي الظّلة أيضا.
والمعنى: أن قارئهما في ظِلّ ثوابهما؛ كما جاء «الرجل في ظِلّ صدقته» وقوله: «تُحاجّان» أي يخلق الله من يجادل عنه بثوابهما، ملائكة كما جاء في بعض الحديث: «إن من قرأ {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو...} خلق الله سبعين ملكًا يستغفرون له إلى يوم القيامة» وقوله: «بينهما شَرقٌ» قُيِّد بسكون الراء وفتحها، وهو تنبيه على الضياء؛ لأنه لما قال: «سَوْداوان» قد يُتَوَهّم أنهما مُظْلمتان، فنفى ذلك بقوله: «بينهما شَرْق».
ويعني بكونهما «سوداوان» أي من كثافتهما التي بسببها حالتا بين مَنْ تحتهما وبين حرارة الشمس وشدّة اللهب. والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

في سبب نزول أول هذه السورة قولان:
القول الأول: وهو قولُ مقاتل بن سليمان: إن بعض أول هذه السورة في اليهود، وقد ذكرناه في تفسير {الم ذلك الكتاب} [البقرة: 1 2].
والقول الثاني: من ابتداء السورة إلى آية المُباهلة في النَّصارى، وهو قول محمد بن إسحاق قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكبًا فيهم أربعة عشر رجلًا من أشرافهم، وثلاثة منهم كانوا أكابر القوم، أحدهم: أميرهم، واسمه عبد المسيح، والثاني: مشيرهم وذو رأيهم، وكانوا يقولون له: السيد، واسمه الأيهم، والثالث: حبرهم وأسقفهم وصاحب مدراسهم، يقال له أبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل، وملوك الروم كانوا شرفوه ومولوه وأكرموه لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم، فلما قدموا من بحران ركب أبو حارثة بغلته، وكان إلى جنبه أخوه كرز بن علقمة، فبينا بغلة أبي حارثة تسير إذ عثرت، فقال كرز أخوه: تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حارثة: بل تعست أمك، فقال: ولم يا أخي؟ فقال: أنه والله النبي الذي كنا ننتظره، فقال له أخوه كرز: فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا، قال: لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالًا كثيرة وأكرمونا، فلو آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأخذوا منا كل هذه الأشياء، فوقع ذلك في قلب أخيه كرز، وكان يضمره إلى أن أسلم فكان يحدث بذلك، ثم تكلم أولئك الثلاثة: الأمير، والسيد والحبر، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختلاف من أديانهم، فتارة يقولون عيسى هو الله، وتارة يقولون: هو ابن الله، وتارة يقولون: ثالث ثلاثة، ويحتجون لقولهم: هو الله، بأنه كان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير، ويحتجون في قولهم: أنه ولد الله بأنه لم يكن له أب يعلم، ويحتجون على ثالث ثلاثة بقول الله تعالى: فعلنا وجعلنا، ولو كان واحدًا لقال فعلت فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلموا، فقالوا: قد أسلمنا، فقال صلى الله عليه وسلم كذبتم كيف يصح إسلامكم وأنتم تثبتون لله ولدًا، وتعبدون الصليب، وتأكلون الخنزير، قالوا: فمن أبوه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك أول سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يناظر معهم، فقال: ألستم تعلمون أن الله حي لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى، قال ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه، فهل يملك عيسى شيئًا من ذلك؟ قالوا: لا، قال ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل يعلم عيسى شيئًا من ذلك إلا ما علم؟ قالوا: لا، قال فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، فهل تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث وتعلمون أن عيسى حملته امرأة كحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة، ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب، ويحدث الحدث قالوا: بلى فقال صلى الله عليه وسلم: «فكيف يكون كما زعمتم؟» فعرفوا ثم أبوا إلا جحودًا، ثم قالوا: يا محمد ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال: بلى، قالوا: فحسبنا فأنزل الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تشابه} [آل عمران: 7] الآية.
ثم إن الله تعالى أمر محمدًا صلى الله عليه وسلم بملاعنتهم إذ ردوا عليه ذلك، فدعاهم رسول الله إلى الملاعنة، فقالوا: يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما تريد أن نفعل، فانصرفوا ثم قال بعض أولئك الثلاثة لبعض: ما ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدًا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيًا قط إلا وفى كبيرهم وصغيرهم، وأنه الاستئصال منكم إن فعلتم، وأنتم قد أبيتم إلا دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك، ونرجع نحن على ديننا، فابعث رجلًا من أصحابك معنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضا، فقال عليه السلام: آتوني العشية أبعث معكم الحكم القوي الأمين وكان عمر يقول: ما أحببت الإمارة قط إلا يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فلما صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، وجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يردد بصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه فقال: اخرج معهم واقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه، قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة.
واعلم أن هذه الرواية دالة على أن المناظرة في تقرير الدين وإزالة الشبهات حرفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن مذهب الحشوية في إنكار البحث والنظر باطل قطعًا، والله أعلم. اهـ.