فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقد علم أن التصوير في الرحم أدق شيء علمًا وقدرة، فعلم فاعله بغيره والقدرة عليه من باب الأولى فثبت أنه لا كفوء له؛ فلذلك وصل به كلمه الإخلاص وقال الحرالي: ولما تضمنت إلاحة هذه الآية ما تضمنته من الإلباس والتكفير أظهر سبحانه وتعالى كلمه الإخلاص ليظهر نورها أرجاس تلك الإلباسات وتلك التكفيرات فقال: {لا إله إلا هو} إيذانًا بما هي له الإلباس والتكفير من وقوع الإشراك بالإلهية والكفر فيها والتلبس والإلتباس في أمرها؛ فكان في طي هذا التهليل بشرى بنصرة أهل الفرقان وأهل القرآن على أهل الالتباس والكفران وخصوصًا على أهل الإنجيل الذين ذكرت كتبهم صريحًا في هذا التنزيل بل يؤيد إلاحته في التهليل إظهار الختم في هذه الآية بصفتي العزة المقتضية للانتقام من أهل عداوته والحكمة المقتضية لإكرام أهل ولايته؛ انتهى فقال: {العزيز} أي الغالب غلبة لا يجد معها المغلوب وجه مدافعة ولا انفلات، ولا معجز له في إنفاذ شيء من أحكامه {الحكيم} أي الحاكم بالحكمة، فالحكم المنع عما يترامى إليه المحكوم عليه وحمله على ما يمتنع منه من جميع أنواع الصبر ظاهرًا بالسياسة العالية نظرًا له، والحكمة العلم بالأمر الذي لأجله وجب الحكم من قوام أمر العاجله وحسن العقبى في الآجلة؛ ففي ظاهر ذلك الجهد، وفي باطنه الرفق، وفي عاجله الكره، وفي آجله الرضى والروح؛ ولايتم الحكم وتستوي الحكمة إلا بحسب سعة العلم، فبذلك يكون تنزيل أمر العزة على وزن الحكمة قاله الحرالي بالمعنى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء}:
استئناف ثان يبين شيئا من معنى القيومية، فهو كبدل البعض من الكل، وخص من بين شؤون القيومية تصوير البشر لأنه من أعجب مظاهر القدرة؛ ولأن فيه تعريضا بالرد على النصارى في اعتقادهم إلهية عيسى من أجل أن الله صوره بكيفية غير معتادة فبين لهم أن الكيفيات العارضة للموجودات كلها من صنع الله وتصويره: سواء المعتاد، وغير المعتاد.
و{كَيْفَ} هنا ليس فيها معنى الاستفهام، بل هي دالة على مجرد معنى الكيفية؛ أي الحالة، فهي هنا مستعملة في أصلها الموضوعة له في اللغة؛ إذ لا ريب في أن كيف مشتملة على حروف مادة الكيفية، والتكيف، وهو الحالة والهيئة، وإن كان الأكثر في الاستعمال أن تكون اسم استفهام، وليست كيف فعلا؛ لأنها لا دلالة فيها على الزمان، ولا حرفا لاشتمالها على مادة اشتقاق. وقد تجيء كيف اسم شرط إذا اتصلت بها ما الزائدة وفي كل ذلك لا تفارقها الدلالة على الحالة، ولا يفارقها إيلاء الجملة الفعلية إياها إلا ما شذ من قولهم: كيف أنت. فإذا كانت استفهاما فالجملة بعدها هي المستفهم عنه فتكون معمولة للفعل الذي بعدها، ملتزما تقديمها عليه؛ لأن للاستفهام الصدارة، وإذا جردت عن الاستفهام كان موقعها من الإعراب على حسب ما يطلبه الكلام الواقعة هي فيه من العوامل كسائر الأسماء.
وأما الجملة التي بعدها حينئذ فالأظهر أن تعتبر مضافا إليها اسم كيف ويعتبر كيف من الأسماء الملازمة للإضافة. وجرى في كلام بعض أهل العربية أن فتحة كيف فتحة بناء.
والأظهر عندي أن فتحة كيف فتحة نصب لزمتها لأنها دائما متصلة بالفعل فهي معمولة له على الحالية أو نحوها، فلملازمة ذلك الفتح إياها أشبهت فتحة البناء.
فكيف في قوله هنا {كَيْفَ يَشَاءُ} يعرب مفعولا مطلقا ليصوركم، إذ التقدير: حال تصوير يشاؤها كما قاله ابن هشام في قوله تعالى: {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} [الفجر: 6].
وجوز صاحب المغني أن تكون شرطية، والجواب محذوف لدلالة قوله: {يُصَوِّرُكُمْ} عليه وهو بعيد؛ لأنها لا تأتي في الشرط إلا مقترنة بما. وأما قول الناس كيف شاء فعل فلحن. وكذلك جزم الفعل بعدها قد عد لحنا عند جمهور أئمة العربية.
ودل تعريف الجزأين على قصر صفة التصوير عليه تعالى وهو قصر حقيقي لأنه كذلك في الواقع؛ إذ هو مكون أسباب ذلك التصوير وهذا إيماء إلى كشف شبهة النصارى إذ توهموا أن تخلق عيسى بدون ماء أب دليل على أنه غير بشر وأنه إله وجهلوا أن التصوير في الأرحام وإن اختلفت كيفياته لا يخرج عن كونه خلقا لما كان معدوما فكيف يكون ذلك المخلوق المصور في الرحم إلها. اهـ.

.قال الفخر:

قال الواحدي: التصوير جعل الشيء على صورة، والصورة هيئة حاصلة للشيء عند إيقاع التأليف بين أجزائه وأصله من صاره يصوره إذا أماله، فهي صورة لأنها مائلة إلى شكل أبويه وتمام الكلام فيه ذكرناه في قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] وأما الأرحام فهي جمع رحم وأصلها من الرحمة، وذلك لأن الاشتراك في الرحم يوجب الرحمة والعطف، فلهذا سمي ذلك العضو رحمًا، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ} أخبر تعالى: عن تصويره للبشر في أرحام الأُمهات.
وأصل الرحِم من الرّحْمة، لأنها مما يُتَراحَم به.
واشتقاق الصُّورَة من صاره إلى كذا إذا أماله؛ فالصورة مائلة إلى شَبَهٍ وهَيْئة.
وهذه الآية تعظيم لله تعالى، وفي ضمنها الرد على نصارى نَجْران، وأنّ عيسى من المَصوَّرين، وذلك مما لا ينكره عاقل.
وأشار تعالى إلى شرح التّصْوير في سورة الحج والمؤمنون.
وكذا شرحه النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود، على ما يأتي هناك بيانه إن شاء الله تعالى.
وفيها الردّ على الطبائعيين أيضا إذْ يجعلونها فاعلةً مستبِدّة.
وقد مضى الردّ عليهم في آية التوحيد وفي مسند ابن سنجر واسمه محمد بن سنْجر حديث: «إن الله تعالى يخلق عِظام الجنين وغَضارِيفه من مَنِى الرجل وشحمه ولحمه من مَنِى المرأة» وفي هذا أدَلُّ دليل على أن الولد يكون من ماء الرجل والمرأة، وهو صريح في قوله تعالى: {يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} [الحجرات: 13] وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه: أنّ اليهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان.
قال: «ينفعك إن حدّثتك»؟ قال: أسمعُ بأُذُنيّ، قال: جئتك أسألك عن الولد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ماء الرجل أبيضُ وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فَعَلا مَنىُّ الرجل مَنيَّ المرأة أذكَرا بإذْن الله تعالى وإذا عَلاَ مَنىُّ المرأة مَنىَّ الرجلِ آنَثَا بإذن الله» الحديث. اهـ.

.قال الطبري:

يعني بذلك جل ثناؤه: الله الذي يصوّركم فيجعلكم صورًا أشباحًا في أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحب، فيجعل هذا ذكرًا وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر. يُعرّف عباده بذلك أنّ جميع من اشتملت عليه أرحامُ النساء، ممنّ صوره وخلقه كيف شاء وأنّ عيسى ابن مريم ممن صوّره في رحم أمه وخلقه فيها كيف شاء وأحبّ، وأنه لو كان إلهًا لم يكن ممن اشتملت عليه رحم أمه، لأن خلاق ما في الأرحام لا تكون الأرحامُ عليه مشتملة، وإنما تشتمل على المخلوقين. اهـ.

.قال الشوكاني:

{هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} قد كان عيسى ممن صوّر في الأرحام لا يدفعون ذلك، ولا ينكرونه، كما صوّر غيره من بني آدم، فكيف يكون إلهًا، وقد كان بذلك المنزل؟! وأخرج ابن المنذر، عن ابن مسعود في قوله: {يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} قال: ذكورًا، وإناثًا. وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من الصحابة في قوله: {يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} قال: إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يومًا، ثم تكون علقة أربعين يومًا، ثم تكون مضغة أربعين يومًا، فإذا بلغ أن يخلق بعث الله ملكًا يصوّرها، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه، فيخلط منه المضغة، ثم يعجنه بها، ثم يصوّر، كما يؤمر فيقول: أذكر أم أنثى، أشقيّ أم سعيد، وما رزقه، وما عمره؟ وما أثره، وما مصائبه؟ فيقول الله، ويكتب الملك، فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة في قوله: {يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} قال: من ذكر، وأنثى، وأحمر، وأسود، وتامّ الخلق، وغير تام الخلق. اهـ.

.قال في الميزان:

والتعميم بعد التخصيص في الخطاب أعنى قوله: يصوركم بعد قوله نزل عليك للدلالة على أن إيمان المؤمنين أيضا ككفر الكافرين غير خارج عن حكم القدر فتطيب نفوسهم بالرحمة والموهبة الإلهية في حق أنفسهم ويتسلوا بما سمعوه من أمر القدر ومن أمر الانتقام فيما يعظم عليهم من كفر الكافرين. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {كَيْفَ يَشَاءُ لا إله إلا هو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كَيْفَ يَشَاءُ} يعني من حُسْن وقُبْح وسواد وبَيَاض وطُول وقِصَر وسَلامة وعاهة، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة.
وذُكر عن إبراهيم بن أدْهم أنّ القرّاء اجتمعوا إليه ليسمعوا ما عنده من الأحاديث، فقال لهم: إني مشغول عنكم بأربعة أشياء، فلا أتفرّغ لرواية الحديث، فقيل له: وما ذاك الشغل؟ قال:
أحدها أنِّي أتفكر في يوم المِيثاق حيث قال: «هؤلاء في الجنة ولا أُبَالي وهؤلاء في النار ولا أُبَالي» فلا أدري من أي الفريقين كنتُ في ذلك الوقت.
والثاني حيث صُوِّرتُ في الرَّحِم فقال الملك الذي هو موكلّ على الأرحام: «يا ربِّ شَقِيُّ هو أم سعيد» فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت.
والثالث حين يقبِضُ ملكُ الموت روحي فيقول: «يا ربِّ مع الكفر أم مع الإيمان» فلا أدري كيف يخرج الجواب.
والرابع حيث يقول: {وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} [يس: 59] فلا أدري في أيِّ الفريقين أكونُ.
ثم قال تعالى: {لا إله إلا هو} أي لا خالق ولا مصوّر سواه؛ وذلك دليل على وحدانيته، فكيف يكون عيسى إلهًا مُصوِّرًا وهو مُصوَّرٌ.
{العزيز} الذي لا يغالب.
{الحكيم} ذو الحكمة أو المُحْكِم، وهذا أخص بما ذكر من التصوير. اهـ.

.قال الطبري:

وهذا القول تنزيه من الله تعالى ذكره نفسَه أن يكون له في ربوبيته ندّ أو مِثل، أو أن تَجوز الألوهة لغيره وتكذيبٌ منه للذين قالوا في عيسى ما قالوا، من وفد نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر من كان على مثل الذي كانوا عليه من قولهم في عيسى، ولجميع من ادّعى مع الله معبودًا، أو أقرّ بربوبية غيره.
ثم أخبر جل ثناؤه خلقه بصفته، وعيدًا منه لمن عبد غيره، أو أشرك في عبادته أحدًا سواه، فقال: هو العزيز الذي لا ينصر من أرادَ الانتقام منه أحدٌ، ولا ينجيه منه وَأْلٌ ولا لَجَأٌ، وذلك لعزته التي يذلُّ لها كل مخلوق، ويخضع لها كل موجود.
ثم أعلمهم أنه {الحكيم} في تدبيره وإعذاره إلى خلقه، ومتابعة حججه عليهم، ليهلك من هلك منهم عن بيّنة، ويحيا من حيَّ عن بينة. اهـ.

.قال البيضاوي:

{هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} أي من الصور المختلفة، كالدليل على القيومية، والاستدلال على أنه عالم بإتقان فعله في خلق الجنين وتصويره. وقرئ {تصوركم} أي صوركم لنفسه وعبادته.
{لا إله إلا هو} إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله.
{العزيز الحكيم} إشارة إلى كمال قدرته وتناهي حكمته. اهـ.

.قال الألوسي:

{لا إله إلا هو العزيز الحكيم} كرر الجملة الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى وانحصارها فيه توكيدًا لما قبلها ومبالغة في الرد على من ادعى إلهية عيسى عليه السلام وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة إذ من هذان الوصفان له هو المتصف بالألوهية لا غيره ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير أو التناهي في القدرة والحكمة لأن خلقهم على ما ذكر من النمط البديع أثر من آثار ذلك. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

مَنْ تحقق أن الله واحدٌ في ملكه، لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وأنه أحاط به علمًا وسمعًا وبصرًا، وأن أمره بين الكاف والنون، {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82]- كيف يشكو ما نزل به منه إلى أحد سواه؟ أم كيف يرفع حوائجه إلى غير مولاه؟ أم كيف يعول هما، وسيدُه من خيره لا ينساه؟ من دبرك في ظلمة الأحشاء، وصوَّرك في الأرحام كيف يشاء، وآتاك كل ما تسأل وتشاء، كيف يَنْساكَ من بره وإحسانه؟ أم كيف يخرجك عن دائرة لطفه وامتنانه؟ وفي ذلك يقول لسان الحقيقة:
تَذَكَّر جَمِيلِي فِيكَ إِذْ كُنْتَ نُطْفَةً ** وَلا تَنْسَ تَصْوِيرِي لشَخْصِكَ في الْحَشا

وَكُنْ وَاثِقًا بِي في أُمُورِكَ كُلِّها ** سأَكْفِيكَ مِنْهَا ما يُخافُ ويُخْتَشَى

وَسَلِّمْ ليّ الأمر واعْلَمْ بأنني ** أُصَرِّفُ أحْكَامِي وأَفْعَلُ مَا أشا

.أبحاث تتعلق بالآية:

.بحث في مراحل تطوّر الجنين من روائع الخلق:

قال صاحب الأمثل:
إن عظمة مفهوم هذه الآية تجلّت اليوم أكثر من ذي قبل نتيجة للتقدّم الكبير في علم الأجنة. فهذا الجنين يبدأ بخلية، لا شكل لها ولا هيكل ولا أعضاء ولا أجهزة. ولكنها تتخذ أشكالًا مختلفة كل يوم وهي في الرحم، وكأنَّ هناك فريقًا من الرسّامين المهرة يحيطون بها ويشتغلون عليها- ليلَ نهار وبسرعة عجيبة- ليصنعوا من هذه الذرة الصغيرة وفي وقت قصير إنسانًا سويًّا في الظاهر، وفي جوفه أجهزة دقيقة رقيقة متعقدة ومحيرة. لو أن فيلمًا صور مراحل تطور الجنين- وقد صور فعلًا- وشاهده الإنسان يمر من أمام عينيه لأدرك بأجلى صورة عظمة الخلق وقدرة الخالق.
والعجيب في الأمر أن كل هذا الرسم يتم على الماء الذي يضرب به المثل في عدم احتفاظه بما يرسم عليه.
من الجدير بالذكر أنه عندما يتمّ اللقاح ويُخلق الجنين للمرّة الأولى يسرع بالانقسام التصاعدي على هيئة ثمرة التوت التي تكون حبّاتها متلاصقة، ويطلق عليه اسم مرولا. وفي غضون هذا التقدّم تُخلق المشيمة وتتكامل، وتتّصل من جهة قلب الأُم بوساطة شريانين ووريد واحد، ومن الجهة الأُخرى تتّصل بسرّة الجنين الذي يتغذّى على الدم القادم إلى المشيمة.
وبالتدريج وعلى أثر التغذية والتطور واتجاه الخلايا نحو الخارج يتجوّف باطن المرولا، وعندئذ يطلق عليه اسم البلاستولا، ولا تلبث هذه حتى يتكاثر عدد خلاياها، مؤلّفة كيسًا ذا جدارين، ثمّ يحدث فيه انخفاض يقسم الجنين إلى قسمي الصدر والبطن.
إلى هنا تكون جميع الخلايا متشابهة ولا اختلاف بينها في الظاهر.
ولكن بعد هذه المرحلة يبدأ الجنين بالتصوّر، وتتشكّل أجزاؤه بأشكال مختلفة بحسب وظيفتها المستقبلية، وتتكون الأنسجة والأجهزة، وتقوم كلّ مجموعة من الخلايا ببناء أحد أجهزة الجسم وصياغته، كالجهاز العصبي وجهاز الدورة الدموية، وجهاز الهضم، وغيرها من الأجهزة، حتّى يصبح الجنين بعد هذه المراحل من التطوّر في مخبئه الخفي في رحم أُمّه إنسانًا كامل الصورة. وسوف ندرج- بمشيئة الله- شرحًا كاملًا لتطوّر الجنين ومراحل تكامله في تفسير الآية 12 من سورة المؤمنون. اهـ.