فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الحجة الثانية: وهو أن ما قبل هذه الآية يدل على أن طلب تأويل المتشابه مذموم، حيث قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تشابه مِنْهُ ابتغاء الفتنة وابتغاء تَأْوِيلِهِ} ولو كان طلب تأويل المتشابه جائزًا لما ذم الله تعالى ذلك.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد منه طلب وقت قيام الساعة، كما في قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي} [الأعراف: 178] وأيضا طلب مقادير الثواب والعقاب، وطلب ظهور الفتح والنصرة كما قالوا: {لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة} [الحجر: 7].
قلنا: أنه تعالى لما قسم الكتاب إلى قسمين محكم ومتشابه، ودلّ العقل على صحة هذه القسمة من حيث إن حمل اللفظ على معناه الراجح هو المحكم، وحمله على معناه الذي ليس براجح هو المتشابه، ثم أنه تعالى ذم طريقة من طلب تأويل المتشابه كان تخصيص ذلك ببعض المتشابهات دون البعض تركًا للظاهر، وأنه لا يجوز.
الحجة الثالثة: أن الله مدح الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به، وقال في أول سورة البقرة {فَأَمَّا الذين ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أنه الحق} فهؤلاء الراسخون لو كانوا عالمين بتأويل ذلك المتشابه على التفصيل لما كان لهم في الإيمان به مدح، لأن كل من عرف شيئًا على سبيل التفصيل فإنه لابد وأن يؤمن به، إنما الراسخون في العلم هم الذين علموا بالدلائل القطعية أن الله تعالى عالم بالمعلومات التي لا نهاية لها، وعلموا أن القرآن كلام الله تعالى، وعلموا أنه لا يتكلم بالباطل والعبث، فإذا سمعوا آية ودلّت الدلائل القطعية على أنه لا يجوز أن يكون ظاهرها مراد الله تعالى، بل مراده منه غير ذلك الظاهر، ثم فوضوا تعيين ذلك المراد إلى علمه، وقطعوا بأن ذلك المعنى أي شيء كان فهو الحق والصواب، فهؤلاء هم الراسخون في العلم بالله حيث لم يزعزعهم قطعهم بترك الظاهر، ولا عدم علمهم بالمراد على التعيين عن الإيمان بالله والجزم بصحة القرآن.
الحجة الرابعة: لو كان قوله: {والراسخون فِي العلم} معطوفًا على قوله: {إِلاَّ الله} لصار قوله: {يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ} ابتداء، وأنه بعيد عن ذوق الفصاحة، بل كان الأولى أن يقال: وهم يقولون آمنا به، أو يقال: ويقولون آمنا به.
فإن قيل: في تصحيحه وجهان الأول: أن قوله: {يَقُولُونَ} كلام مبتدأ، والتقدير: هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا به والثاني: أن يكون {يَقُولُونَ} حالا من الراسخين.
قلنا: أما الأول فمدفوع، لأن تفسير كلام الله تعالى بما لا يحتاج معه إلى الاضمار أولى من تفسيره بما يحتاج معه إلى الاضمار والثاني: أن ذا الحال هو الذي تقدم ذكره، وهاهنا قد تقدم ذكر الله تعالى وذكر الراسخين في العلم فوجب أن يجعل قوله: {يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ} حالا من الراسخين لا من الله تعالى، فيكون ذلك تركًا للظاهر، فثبت أن ذلك المذهب لا يتم إلا بالعدول عن الظاهر ومذهبنا لا يحتاج إليه، فكان هذا القول أولى.
الحجة الخامسة: قوله تعالى: {كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا} يعني أنهم آمنوا بما عرفوه على التفصيل، وبما لم يعرفوا تفصيله وتأويله، فلو كانوا عالمين بالتفصيل في الكل لم يبق لهذا الكلام فائدة.
الحجة السادسة: نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: تفسير لا يسع أحدًا جهله، وتفسير تعرفه العرب بألسنتها، وتفسير تعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى.
وسئل مالك بن أنس رحمه الله عن الاستواء، فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عند بدعة، وقد ذكرنا بعض هذه المسألة في أول سورة البقرة، فإذا ضم ما ذكرناه هاهنا إلى ما ذكرنا هناك تم الكلام في هذه المسألة، وبالله التوفيق. اهـ.

.قال القرطبي:

والتأويل يكون بمعنى التفسير، كقولك: تأويل هذه الكلمة على كذا.
ويكون بمعنى ما يؤول الأمر إليه.
واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يؤول إليه، أي صار.
وأوّلته تأويلًا أي صيرته.
وقد حدّه بعض الفقهاء فقالوا: هو إبداء احتمال في اللفظ مقصود بدليل خارج عنه.
فالتفسير بيان اللفظ؛ كقوله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1] أي لا شك.
وأصله من الفسر وهو البيان؛ يقال: فسرت الشيء (مخففًا) أفْسِره (بالكسر) فَسْرًا.
والتأويل بيان المعنى؛ كقوله لا شك فيه عند المؤمنين.
أو لأنه حق في نفسه فلا يقبل ذاته الشك وإنما الشك وصف الشاك.
وكقول ابن عباس في الجد أبا؛ لأنه تأوّل قول الله عز وجل: {يابني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ ذلك مِنْ آيَاتِ الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26].
وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه؛ لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معًا، ولا تذكر حالًا إلا مع ظهور الفعل؛ فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال؛ ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: عبد الله راكبًا، بمعنى أقبل عبد الله راكبًا؛ وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله: عبد الله يتكلم يصلح بين الناس؛ فكان يصلح حالًا له؛ كقول الشاعر أنشدنيه أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس ثعلب:
أرسلتُ فيها قَطِمًا لُكَالِكَا ** يَقْصُر يَمْشِي ويطول بَارِكا

أي يقصر ماشيًا؛ فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده، وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفى الله سبحانه شيئًا عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك.
ألا ترى قوله عز وجل: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله} [النمل: 65] وقوله: {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هو} [الأعراف: 187] وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88]، فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه لا يُشْرِكه فيه غيره.
وكذلك قوله تبارك وتعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله}.
ولو كانت الواو في قوله: {والراسخون} للنسق لم يكن لقوله: {كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} فائدة. والله أعلم.
قلت: ما حكاه الخطابيّ من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به؛ وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم.
و{يقولون} على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين؛ كما قال:
الريحُ تَبْكِي شَجْوَها ** والبرقُ يلْمَع في الغَمامَهْ

وهذا البيت يحتمل المعنيين؛ فيجوز أن يكون والبرق مبتدأ، والخبر يلمع على التأويل الأوّل، فيكون مقطوعًا مما قبله.
ويجوز أن يكون معطوفًا على الريح، ويلمع في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامِعًا.
واحتج قائلو هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم؛ فكيف يمدحهم وهم جهّال! وقد قال ابن عباس: أنا ممن يعلم تأويله.
وقرأ مجاهد هذه الآية وقال: أنا ممن يعلم تأويله؛ حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي.
قلت: وقد ردّ بعض العلماء هذا القول إلى القول الأوّل فقال: وتقدير تمام الكلام {عِند الله} أن معناه وما يعلم تأويلَه إلا الله يعني تأويلَ المتشابهات، والراسخون في العلم يعلمون بعضه قائلين آمنّا به كلٌّ من عند ربنا بما نُصِب من الدلائل في المُحْكَم ومكّن من ردّه إليه.
فإذا علموا تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا آمنا بالجميع كلٌّ من عند ربنا، وما لم يحِط به علمنا من الخفايا مما في شرعه الصّالح فعلمه عند ربِّنا.
فإن قال قائل: قد أشكل على الراسخين بعض تفسيره حتى قال ابن عباس: لا أدري ما الأوّاهُ ولا ما غِسْلِين، قيل له: هذا لا يلزم؛ لأن ابن عباس قد علم بعد ذلك ففسر ما وقف عليه.
وجوابٌ أقطع من هذا وهو أنه سبحانه لم يقل وكل راسخ فيجب هذا، فإذا لم يعلمه أحد علمه الآخر.
ورجّح ابن فورك أنّ الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك؛ وفي قوله عليه السلام لابن عباس: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» ما يبين لك ذلك، أي علمه معاني كتابك.
والوقف على هذا يكون عند قوله: {والرّاسِخُونَ في الْعِلْم}.
قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر: وهو الصحيح؛ فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المُحْكَم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب.
وفي أيّ شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع!.
لكن المتشابه يتنوّع، فمنه ما لا يعلم أَلبتّة كأمر الرُّوح والساعة مما استأثر الله بغيبه، وهذا لا يتعاطى عِلمه أحد لا ابن عباس ولا غيره.
فمن قال من العلماء الحُذَّاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومَنَاحٍ في كلام العرب فيُتأوّل ويُعلم تأويله المستقيم، ويُزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم؛ كقوله في عيسى: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} [النساء: 171] إلى غير ذلك.
فلا يُسمّى أحدٌ راسخًا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرًا بحسب ما قُدّر له.
وأمّا من يقول: إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخالُ الراسخين في علم التأويل؛ لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح.
والرسوخ: الثبوت في الشيء، وكل ثابت راسخ.
وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض؛ قال الشاعر:
لقد رَسَختْ في الصّدْر مِنِّي مودّةٌ ** لِلَيْلَى أبَتْ آياتُها أنْ تَغَيَّرا

ورسَخ الإيمان في قلب فلان يَرْسَخ رسوخًا.
وحكى بعضهم: رسخ الغَدِيرُ: نَضَب ماؤه؛ حكاه ابن فارس فهو من الأضداد.
ورَسَخ ورَضَخ ورَصُن ورسَب كله ثبت فيه.
وسئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الراسخين في العلم فقال: «هو مَنْ بَرّتْ يمينُه وصدَق لسانُه واستقام قلبه» فإن قيل: كيف كان في القرآن متشابه والله يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فكيف لم يجعله كله واضحًا؟ قيل له: الحكمة في ذلك والله أعلم أن يظهر فضل العلماء، لأنه لو كان كله واضحًا لم يظهر فضلُ بعضهم على بعض.
وهكذا يفعل من يصنِّف تصنيفًا يجعل بعضه واضحًا وبعضه مشكلًا، ويترك للجُثْوَة موضعًا؛ لأن ما هان وجودُه قلّ بهاؤه. والله أعلم. اهـ.
قال القرطبي:
قال شيخنا أبو العباس رحمة الله عليه:
متبِعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلبًا للتشكيك في القرآن وإضلالِ العوامّ، كما فعلته الزنادقة والقرامِطة الطاعنون في القرآن؛ أو طلبًا لاعتقاد ظواهر المتشابه، كما فعلته المجسِّمة الذِين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجِسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصوّرة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع، تعالى الله عن ذلكا؛ أو يتبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وأيضاح معانيها، أو كما فعل صبِيغ حين أكثر على عمر فيه السؤال.
فهذه أربعة أقسام:
الأوّل: لا شك في كفرهم، وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة.
الثاني: الصحيح القول بتكفيرهم، إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور، ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد.
الثالث: اختلفوا في جواز ذلك بناء على الخلاف في جواز تأويلها.
وقد عرف أنّ مذهب السلف ترك التعرّض لتأويلها مع قطعهم باستحالة ظواهرها، فيقولون أمِرّوها كما جاءت.
وذهب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها وحملِها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها.
الرابع: الحكم فيه الأدب البليغ، كما فعله عمر بصبيغ.
وقال أبو بكر الأنباريّ: وقد كان الأئمة من السلف يعاقبون من يسأل عن تفسير الحروف المشكلات في القرآن، لأن السائل إن كان يبغي بسؤاله تخليد البدعة وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم التعزير، وإن لم يكن ذلك مقصده فقد استحق العتب بما اجترم من الذنب، إذ أوجد للمنافقين الملحدين في ذلك الوقت سبيلًا إلى أن يقصدوا ضَعَفَة المسلمين بالتشكيك والتضليل في تحريف القرآن عن مناهج التنزيل وحقائق التأويل.
فمن ذلك ما حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي أنبأنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن زيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن صبِيغ بن عِسل قدِم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء؛ فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعدّ له عراجين من عراجين النخل.
فلما حضر قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبِيغ.
فقال عمر رضي الله عنه: وأنا عبد الله عمر؛ ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشَجّه، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين! فقد والله ذهب ما كنت أجدُ في رأسي.
وقد اختلفت الروايات في أدبه، وسيأتي ذكرها في الذاريات.
ثم إن الله تعالى ألهمه التوبة وقذفها في قلبه فتاب وحسنت توبته.
ومعنى {ابتغاء الْفِتْنَةِ} طلب الشبهات واللبس على المؤمنين حتى يفسدوا ذات بينهم، ويردّوا الناس إلى زيغِهم.
وقال أبو إسحاق الزجاج: معنى {ابتغاء تأويله} أنهم طلبوا تأويل بعثِهم وإحيائهم، فأعلم الله جل وعز أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله.
قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53] أي يوم يرون ما يوعدون من البعث والنشور والعذاب {يَقُولُ الَّذينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ} أي تركوه {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق} [الأعراف: 53] أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرّسل.
قال: فالوقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} أي لا يعلم أحد متى البعث إلا الله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}.
تفصيل لإجمال اقتضاه الكلام السابق؛ لأنه لما قسم الكتاب إلى محكم ومتشابه، وكان ذلك التقسيم باعتبار دلالة الألفاظ على المعاني، تشوقت النفس إلى معرفة تلقي الناس للمتشابه. أما المحكم فتلقي الناس له على طريقة واحدة، فلا حاجة إلى تفصيل فيه، واقتصر في التفصيل على ذكر قسم من أقسامه: وهو حال الذين في قلوبهم زيغ كيف تلقيهم للمتشابهات؛ لأن بيان هذا هو الأهم في الغرض المسوق له الكلام، وهو كشف شبهة الذين غرتهم المتشابهات ولم يهتدوا إلى حق تأويلها، ويعرف حال قسيمهم وهم الذين لا زيغ في قلوبهم بطريق المقابلة ثم سيصرح بإجمال حال المهتدين في تلقي متشابهات القرآن.