فصل: تفسير الآية رقم (8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {كل من عند ربنا} يعني ما نسخ منه وما لم ينسخ.
وأخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار، أن رجلًا يقال له صيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أَعَدَّ له عراجين النخل فقال: من أنت؟ فقال: أنا عبدالله صبيغ فقال: وأنا عبدالله عمر. فأخذ عمر عرجونًا من تلك العراجين، فضربه حتى دمى رأسه فقال: يا أمير المؤمنين حسبك... قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
وأخرج الدارمي عن نافع، إن صبيغًا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه أرسل عمر إلى رطائب من جريد، فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة، ثم تركه حتى برئ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برئ، فدعا به ليعود له فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني جميلًا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت. فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس. أن عمر بن الخطاب جلد صبيغًا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ونصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن السائب بن يزيد، أن رجلًا قال لعمر: إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن. فقال عمر: اللهم أمكني منه. فدخل الرجل يومًا على عمر فسأله، فقام عمر، فحسر عن ذراعيه، وجعل يجلده ثم قال: ألبسوه تبانًا واحملوه على قتب، وابلغوا به حيه، ثم ليقم خطيب فليقل أن صبيغًا طلب العلم فاخطأه، فلم يزل وضيعًا في قومه بعد أن كان سيدًا فيهم.
وأخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي، إن عمر كتب إلى أهل البصرة، أن لا يجالسوا صبيغًا، قال: فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغًا، وأن يحرم عطاءه ورزقه.
وأخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه، فتناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمرن فيقومون ويدعونه.
وأخرج نصر في الحجة عن أبي إسحق، أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري.
أما بعد... فإن الأصبغ تكلف ما يخفى وضيع ما ولي، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه، وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشهدوه.
وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإِمام الشافعي رضي الله عنه قال: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ، أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإِبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم؛ هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام.
وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال: أنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القرآن. هذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية. فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان فقال: «ألهذا خلقتم، أو لهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فانتهوا».
وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجدال في القرآن كفر».
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وراء حجرته قوم يتجادلون في القرآن. فخرج محمرة وجنتاه كأنما تقطران دمًا فقال: «يا قوم لا تجادلوا بالقرآن، فإنما ضَلَّ من كان قبلكم بجدالهم، إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضًا ولكن نزل ليصدق بعضه بعضًا، فما كان من محكمه فاعملوا به، وما كان من متشابهه فآمنوا به».
وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق؟ فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا؟ قال: وما يقول؟! قال: جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق. فقال علي: هذه كلمة وسيكون لها ثمرة، لو وَليتُ من الأمر ما وَلِيتَ ضربت عُنقَه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ...} الآية قال: طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله، ويقولون آمنا به. اهـ.

.تفسير الآية رقم (8):

قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أنك أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما علم بذلك أن الراسخين أيقنوا أنه من عند الله المستلزم لأنه لا عوج فيه أخبر أنهم أقبلوا على التضرع إليه في أن يثبتهم بعد هدايته ثم أن يرحمهم ببيان ما أشكل عليهم بقوله حاكيًا عنهم وهو في الحقيقة تلقين منه لهم لطفًا بهم مقدمًا ما ينبغي تقديمه من السؤال في تطهير القلب عما لا ينبغي على طلب تنويره بما ينبغي لأن إزالة المانع قبل إيجاد المقتضي عين الحكمة: {ربنا} أي المحسن إلينا {لا تزغ قلوبنا} أي عن الحق.
ولما كان صلاح القلب صلاح الجملة وفساده فسادها وكان ثبات الإنسان على سنن الاستقامة من غير عوج أصلًا مما لم يجر به سبحانه وتعالى عادته لغير المعصومين قال نازعًا الجار مسندًا الفعل غلى ضمير الجملة: {بعد إذ هديتنا} إليه.
وقال الحرالي: ففي إلاحة معناه أن هذا الابتهال واقع من أولي الألباب ليترقوا من محلهم من التذكر إلى ما هو أعلى وأبطن انتهى.
فلذلك قالوا: {وهب لنا من لدنك} أي أمرك الخاص بحضرتك القدسية، الباطن عن غير خواصك {رحمة} أي فضلًا ومنحة منك ابتداء من غير سبب منا، ونكرها تعظيمًا بأن أيسر شيء منها يكفي الموهوب.
ولما لم يكن لغيره شيء أصلًا فكان كل عطاء من فضله قالوا وقال الحرالي: ولما كان الأمر اللدني ليس مما في فطر الخلق وجبلاتهم وإقامة حكمتهم، وإنما هو موهبة من الله سبحانه وتعالى بحسب العناية ختم بقوله: {إنك أنت الوهاب} وهي صيغة مبالغة من الوهب والهبة، وهي العطية سماحًا من غير قصد من الموهوب انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى كما حكى عن الراسخين أنهم يقولون آمنا به حكي عنهم أنهم يقولون {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا} وحذف {يَقُولُونَ} لدلالة الأول عليه، وكما في قوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السموات والأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا} [آل عمران: 191] وفي هذه الآية اختلف كلام أهل السنة وكلام المعتزلة.
أما كلام أهل السنة فظاهر، وذلك لأن القلب صالح لأن يميل إلى الإيمان، وصالح لأن يميل إلى الكفر، ويمتنع أن يميل إلى أحد الجانبين إلا عند حدوث داعية وإرادة يحدثها الله تعالى، فإن كانت تلك الداعية داعية الكفر، فهي الخذلان، والإزاغة، والصد، والختم، والطبع، والرين، والقسوة، والوقر، والكنان، وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن، وإن كانت تلك الداعية داعية الإيمان فهي: التوفيق، والرشاد، والهداية، والتسديد، والتثبيت، والعصمة، وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن» والمراد من هذين الأصبعين الداعيتان، فكما أن الشيء الذي يكون بين أصبعي الإنسان يتقلب كما يقلبه الإنسان بواسطة ذينك الأصبعين، فكذلك القلب لكونه بين الداعيتين يتقلب كما يقلبه الحق بواسطة تينك الداعيتين، ومن أنصف ولم يتعسف، وجرب نفسه وجد هذا المعنى كالشيء المحسوس، ولو جوّز حدوث إحدى الداعيتين من غير محدث ومؤثر لزمه نفي الصانع وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك» ومعناه ما ذكرنا فلما آمن الراسخون في العلم بكل ما أنزل الله تعالى من المحكمات والمتشابهات تضرعوا إليه سبحانه وتعالى في أن لا يجعل قلوبهم مائلة إلى الباطل بعد أن جعلها مائلة إلى الحق، فهذا كلام برهاني متأكد بتحقيق قرآني.
ومما يؤكد ما ذكرناه أن الله تعالى مدح هؤلاء المؤمنين بأنهم لا يتبعون المتشابهات، بل يؤمنون بها على سبيل الإجمال، وترك الخوض فيها فيبعد منهم في مثل هذا الوقت أن يتكلموا بالمتشابه فلابد وأن يكونوا قد تكلموا بهذا الدعاء لاعتقادهم أن من المحكمات، ثم إن الله تعالى حكى ذلك عنهم في معرض المدح لهم والثناء عليهم بسبب أنهم قالوا ذلك، وهذا يدل على أن هذه الآية من أقوى المحكمات، وهذا كلام متين.
وأما المعتزلة فقد قالوا: لما دلّت الدلائل على أن الزيغ لا يجوز أن يكون بفعل الله تعالى، وجب صرف هذه الآية إلى التأويل، فأما دلائلهم فقد ذكرناها في تفسير قوله تعالى: {سَوَاء عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6].
ومما احتجوا به في هذا الموضع خاصة قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] وهو صريح في أن ابتداء الزيغ منهم، وأما تأويلاتهم في هذه الآية فمن وجوه الأول: وهو الذي قاله الجبائي واختاره القاضي: أن المراد بقوله: {لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} يعني لا تمنعها الألطاف التي معها يستمر قلبهم على صفة الإيمان، وذلك لأنه تعالى لما منعهم ألطافه عند استحقاقهم منع ذلك جاز أن يقال: أزاغهم ويدل على هذا قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] والثاني: قال الأصم: لا تبلنا ببلوى تزيغ عندها قلوبنا فهو كقوله: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دياركم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ} [النساء: 66] وقال: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مّن فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] والمعنى لا تكلفنا من العبادات ما لا نأمن معه الزيغ، وقد يقول القائل: لا تحملني على إيذائك أي لا تفعل ما أصير عنده مؤذيًا لك الثالث: قال الكعبي {لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} أي لا تسمنا باسم الزائغ، كما يقال: فلان يكفر فلانًا إذا سماه كافرًا، والرابع: قال الجبائي: أي لا تزغ قلوبنا عن جنتك وثوابك بعد إذ هديتنا؛ وهذا قريب من الوجه الأول إلا أن يحمل على شيء آخر، وهو أنه تعالى إذا علم أنه مؤمن في الحال، وعلم أنه لو بقي إلى السنة الثانية لكفر، فقوله: {لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} محمول على أن يميته قبل أن يصير كافرًا، وذلك لأن إبقاءه حيًا إلى السنة الثانية يجري مجرى ما إذا أزاغه عن طريق الجنة الخامس: قال الأصم {لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} عن كمال العقل بالجنون بعد إذ هديتنا بنور العقل السادس: قال أبو مسلم: احرسنا من الشيطان ومن شرور أنفسنا حتى لا نزيغ، فهذا جمل ما ذكروه في تأويل هذه الآية وهي بأسرها ضعيفة.
أما الأول: فلأن من مذهبم أن كل ما صحّ في قدرة الله تعالى أن يفعل في حقهم لطفًا وجب عليه ذلك وجوبًا لو تركه لبطلت إلهيته، ولصار جاهلًا ومحتاجًا والشيء الذي يكون كذلك فأي حاجة إلى الدعاء في طلبه بل هذا القول يستمر على قول بشر بن المعتمر وأصحابه الذين لا يوجبون على الله فعل جميع الألطاف.
وأما الثاني: فضعيف، لأن التشديد في التكليف إن علم الله تعالى له أثرًا في حمل المكلف على القبيح قبح من الله تعالى، وإن علم الله تعالى أنه لا أثر له ألبتة في حمل المكلف على فعل القبيح كان وجوده كعدمه فيما يرجع إلى كون العبد مطيعًا وعاصيًا، فلا فائدة في صرف الدعاء إليه.
وأما الثالث: فهو أن التسمية بالزيغ والكفر دائر مع الكفر وجودًا وعدمًا والكفر والزيغ باختيار العبد، فلا فائدة في قوله لا تسمنا باسم الزيغ والكفر.
وأما الرابع: فهو أنه لو كان علمه تعالى بأنه يكفر في السنة الثانية، يوجب عليه أن يميته لكان علمه بأن لا يؤمن قط ويكفر طول عمره يوجب عليه لا يخلقه.
وأما الخامس: وهو حمله على إبقاء العقل فضعيف، لأن هذا متعلق بما قال قبل هذه الآية: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7].
وأما السادس: وهو أن الحراسة من الشيطان ومن شرور النفس إن كان مقدورًا وجب فعله، فلا فائدة في الدعاء وإن لم يكن مقدورًا تعذر فعله فلا فائدة في الدعاء، فظهر بما ذكرنا سقوط هذه الوجوه، وأن الحق ما ذهبنا إليه.
فإن قيل: فعلى ذلك القول كيف الكلام في تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5].
قلنا: لا يبعد أن يقال إن الله تعالى يزيغهم ابتداء فعند ذلك يزيغون، ثم يترتب على هذا الزيغ إزاغة أخرى سوى الأولى من الله تعالى وكل ذلك لا منافاة فيه.
أما قوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} أي بعد أن جعلتنا مهتدين، وهذا أيضا صريح في أن حصول الهداية في القلب بتخليق الله تعالى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} في الكلام حذف تقديره يقولون.
وهذا حكاية عن الراسخين.
ويجوز أن يكون المعنى قل يا محمد، ويقال: إزاغة القلب فسادٌ ومَيْل عن الدِّين، أفكانوا يخافون وقد هُدُوا أن ينقلهم الله إلى الفساد؟ فالجواب أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله ألاّ يبتليهم بما يثقُل عليهم من الأعمال فَيَعْجِزوا عنه؛ نحو: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ} [النساء: 66] قال ابن كيسان: سألوا ألا يَزِيغوا فيُزِيغ الله قلوبهم؛ نحو: {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] أي ثبِّتنا على هدايتك إذ هديتنا وألا نَزيغ فنستحق أن تُزيغ قلوبنا.
وقيل: هو منقطع مما قبلُ؛ وذلك أنه تعالى لما ذكر أهل الزيغ عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في ألا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذُكِرت وهي أهل الزّيْغ.
وفي (الموطأ) عن أبي عبد الله الصنابِحِيّ أنه قال: قدِمتُ المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصليتُ وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأُوليين بأُمّ القرآن وسورة من قصار المُفَصَّل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه، فسمعته يقرأ بأُمّ القرآن وهذه الآية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} الآية.
قال العلماء: قراءته بهذه الآية ضرْبٌ من القُنوتْ والدعاء لما كان فيه من أمر أهل الردّة.
والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم، وفي كل صلاة أيضا إذا دهِم المسلمين أمرٌ عظيم يُفزعهم ويخافون منه على أنفسهم.
وروى الترمِذِيّ من حديث شَهْر بن حَوْشَب قال قلت لأُمّ سَلَمة: يا أُمّ المؤمنين، ما كان أكثَرُ دعاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينك».
فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءَك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! قال: «يا أُمّ سلمة أنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ».
فتلا معاذ {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْد إذْ هَدَيْتَنَا} قال: حديث حسن.
وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم: إن الله لا يضِل العباد.
ولو لم تكن الإزاغة من قِبله لما جاز أن يُدْعَى في دفع ما لا يجوز عليه فعلُه.
وقرأ أبو واقد الجرّاح {لا تَزِغْ قُلُوبَنَا} بإسناد الفعل إلى القلوب، وهذه رغبة إلى الله تعالى.
ومعنى الآية على القراءتين ألا يكون منك خلق الزيغ فيها فتزيغ. اهـ.