فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

يقال: دأبت الشيء أدأب دأبا ودؤبا إذا أجهدت في الشيء وتعبت فيه، قال الله تعالى: {سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا} [يوسف: 47] أي بجد واجتهاد ودوام، ويقال: سار فلان يومًا دائبًا، إذا أجهد في السير يومه كله، هذا معناه في اللغة، ثم صار الدأب عبارة عن الشأن والأمر والعادة، يقال: هذا دأب فلان أي عادته، وقال بعضهم: الدؤب والدأب الدوام.
إذا عرفت هذا فنقول: في كيفية التشبيه وجوه الأول: أن يفسر الدأب بالاجتهاد، كما هو معناه في أصل اللغة، وهذا قول الأصم والزجاج، ووجه التشبيه أن دأب الكفار، أي جدهم واجتهادهم في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفرهم بدينه كدأب آل فرعون مع موسى عليه السلام، ثم إنا أهلكنا أولئك بذنوبهم، فكذا نهلك هؤلاء.
الوجه الثاني: أن يفسر الدأب بالشأن والصنع، وفيه وجوه الأول: {كَدَأْبِ آل فِرْعَوْنَ} أي شأن هؤلاء وصنعهم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، كشأن آل فرعون في التكذيب بموسى، ولا فرق بين هذا الوجه وبين ما قبله إلا أنا حملنا اللفظ في الوجه الأول على الاجتهاد، وفي هذا الوجه على الصنع والعادة والثاني: أن تقدير الآية: أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا، ويجعلهم الله وقود النار كعادته وصنعه في آل فرعون، فإنهم لما كذبوا رسولهم أخذهم بذنوبهم، والمصدر تارة يضاف إلى الفاعل، وتارة إلى المفعول، والمراد هاهنا، كدأب الله في آل فرعون، فإنهم لما كذبوا برسولهم أخذهم بذنوبهم، ونظيره قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبّ الله} [البقرة: 165] أي كحبهم الله وقال: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} [الإسراء: 77] والمعنى: سنتي فيمن أرسلنا قبلك والثالث: قال القفال رحمه الله: يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى، والعادة المضافة إلى الكفار، كأنه قيل: إن عادة هؤلاء الكفار ومذهبهم في إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم كعادة من قبلهم في إيذاء رسلهم، وعادتنا أيضا في إهلاك هؤلاء، كعادتنا في إهلاك أولئك الكفار المتقدمين، والمقصود على جميع التقديرات نصر النبي صلى الله عليه وسلم على إيذاء الكفرة وبشارته بأن الله سينتقم منهم.
الوجه الثالث: في تفسير الدأب والدؤب، وهو اللبث والدوام وطول البقاء في الشيء، وتقدير الآية، وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون، أي دؤبهم في النار كدؤب آل فرعون.
والوجه الرابع: أن الدأب هو الاجتهاد، كما ذكرناه، ومن لوازم ذلك التعب والمشقة ليكون المعنى ومشقتهم وتعبهم من العذاب كمشقة آل فرعون بالعذاب وتعبهم به، فإنه تعالى بيّن أن عذابهم حصل في غاية القرب، وهو قوله تعالى: {أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا} [نوح: 25] وفي غاية الشدة أيضا وهو قوله: {النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أَدْخِلُواْ آل فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} [غافر: 46].
الوجه الخامس: أن المشبه هو أن أموالهم وأولادهم لا تنفعهم في إزالة العذاب، فكان التشبيه بآل فرعون حاصلًا في هذين الوجهين، والمعنى: أنكم قد عرفتم ما حل بآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين بالرسل من العذاب المعجل الذي عنده لم ينفعهم مال ولا ولد، بل صاروا مضطرين إلى ما نزل بهم فكذلك حالكم أيها الكفار المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم في أنه ينزل بكم مثل ما نزل بالقوم تقدم أو تأخر ولا تغني عنكم الأموال والأولاد.
الوجه السادس: يحتمل أن يكون وجه التشبيه أنه كما نزل بمن تقدم العذاب المعجل بالاستئصال فكذلك ينزل بكم أيها الكفار بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك من القتل والسبي وسلب الأموال ويكون قوله تعالى: {قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ} [آل عمران: 12] كالدلالة على ذلك فكأنه تعالى بيّن أنه كما نزل بالقوم العذاب المعجل، ثم يصيرون إلى دوام العذاب، فسينزل بمن كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أمران أحدهما: المحن المعجلة وهي القتل والسبي والإذلال، ثم يكون بعده المصير إلى العذاب الأليم الدائم، وهذان الوجهان الأخيران ذكرهما القاضي رحمه الله تعالى.
أما قوله تعالى: {والذين مِن قَبْلِهِمْ} فالمعنى: والذين من قبلهم من مكذبي الرسل، وقوله: {كَذَّبُواْ بئاياتنا} المراد بالآيات المعجزات ومتى كذبوا بها فقد كذبوا لا محالة بالأنبياء.
ثم قال: {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} وإنما استعمل فيه الأخذ لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأخوذ المأسور الذي لا يقدر على التخلص.
ثم قال: {والله شَدِيدُ العقاب} وهو ظاهر. اهـ.

.قال القرطبي:

اختلفوا في الكاف؛ فقيل: هي في موضع رفع تقديره دَأْبُهم كدَأْب آل فرعون، أي صنيع الكفّار معك كصنيع آل فرعون مع موسى.
وزعم الفرّاء أن المعنى: كفرت العرب ككفر آل فرعون.
قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصِّلة.
وقيل: هي متعلقة بـ {أَخَذَهُمُ الله}، أي أخذ آل فرعون.
وقيل: هي متعلقة بقوله: {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم} أي لم تُغْنِ عنهم غَنَاء كما لم تُغن الأموال والأولاد عن آل فرعون.
وهذا جواب لمن تخلّف عن الجهاد وقال: شغلتنا أموالنا وأهلونا.
ويصح أن يعمل فيه فعلٌ مقدّر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق.
ويؤيد هذا المعنى {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سواء العذاب} {النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} [غافر: 45، 46].
والقول الأوّل أرجح، واختاره غير واحد من العلماء.
قال ابن عرفة: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أي كعادة آل فرعون.
يقول: اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبيّ صلى الله عليه وسلم كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء؛ وقال معناه الأزهريّ.
فأمّا قوله في سورة (الأنفال) {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [الأنفال: 52] فالمعنى جُوزِي هؤلاء بالقتل والأسر كما جُوزِي آل فرعون بالغرق والهلاك.
قوله تعالى: {بِآيَاتِنَا} يحتمل أن يريد الآيات المتلوّة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدّلالة على الوحدانية.
{فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ والله شَدِيدُ العقاب}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {كدأب آل فرعون} موقع كاف التشبيه موقع خبرٍ لمبتدأ محذوف يدل عليه المشبّه به، والتقدير: دأبُهم في ذلك كدأب آل فرعون، أي عادتهم وشأنهم كشأن آل فرعون.
والدأب: أصله الكَدْح في العمل وتكريره، وكأنّ أصل فعله متعدَ، ولذلك جاء مصدره على فَعْل، ثم أطلق على العادة لأنّها تأتي من كثرة العمل، فصار حقيقة شائعة قال النابغة:
كدأبِك في قومٍ أرَاكَ اصطنعتَهُم

أي عادتك، ثم استعمل بمعنى الشَّأن كقول امرئ القيس:
كدأبك من أم الحُويرث قبلَها

وهو المراد هنا، في قوله: {كدأب آل فرعون}، والمعنى: شأنهم في ذلك كشأن آل فرعون؛ إذ ليس في ذلك عادة متكرّرة، وقد ضرب الله لهم هذا المثل عبرة وموعظة؛ لأنّهم إذا استقْرَوْا الأمم التي أصابها العذاب، وجدوا جميعهم قد تماثلوا في الكفر: بالله، وبرسله، وبآياته، وكفَى بهذا الاستقراء موعظة لأمثال مشركي العرب، وقد تعيّن أن يكون المشبّه به هو وعيد الاستئصال والعذاب في الدنيا؛ إذ الأصل أنّ حال المشبّه، أظهر من حال المشبّه به عند السامع.
وعليه فالأخذ في قوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} هو أخذ الانتقام في الدنيا كقوله: {أخذناهم بغتة فإذا هم مُبلسون فقطع دابر القوم الذي ظلموا} [الأنعام: 44، 45].
وأريد بآل فرعون فرعون وآلهُ؛ لأنّ الآل يطلق على أشدّ الناس اختصاصًا بالمضاف إليه، والاختصاص هنا اختصاص في المتابعةِ والتواطؤ على الكفر، كقوله: {أدْخِلُوا آل فرعون أشدّ العذاب} [غافر: 46] فلذكر الآل هنا من الخصوصية ما ليس لذكر القوم؛ إذ قوم الرجل قد يخالفون، فلا يدل الحكم المتعلّق بهم على أنه مساوٍ لهم في الحكم، قال تعالى: {ألا بعدًا لعاد قوم هود} [هود: 60] في كثير من الآيات نظائرها، وقال: {أن ائْتِ القومَ الظالمين قومَ فرعون} [الشعراء: 10، 11].
وقوله: {كذبوا} بيان لدأبهم، استئناف بياني.
وتخصيص آل فرعون بالذكر من بين بقية الأمم لأنّ هلكهم معلوم عند أهل الكتاب، بخلاف هلك عاد وثمود فهو عند العرب أشهر؛ ولأنّ تحدّي موسى إياهم كان بآيات عظيمة فما أغنتهم شيئًا تُجاه ضلالهم؛ ولأنّهم كانوا أقرب الأمم عهدًا بزمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو كقول شعيب: {وما قوم لوط منكم ببعيد} [هود: 89] وكقول الله تعالى للمشركين: {وإنّها لبسبيل مقيم} [الحجر: 76] وقوله: {وإنّهما لبإمام مبين} [الحجر: 79] وقوله: {وإنّكم لَتَمُرُّون عليهم مُصبحين وبالليلِ أفلا تعقلون} [الصافات: 137، 138]. اهـ.

.قال الماوردي:

وفيمن أشار إليهم أنهم كدأب آل فرعون قولان:
أحدهما: أنهم مشركو قريش يوم بدر، كانوا في انتقام الله منهم لرسله والمؤمنين، كآل فرعون في انتقامه منهم لموسى وبني إسرائيل، فيكون هذا على القول الأول تذكيرًا للرسول والمؤمنين بنعمة سبقت، لأن هذه الآية نزلت بعد بدر استدعاء لشكرهم عليها، وعلى القول الثاني وعدًا بنعمة مستقبلة لأنها نزلت قبل قتل يهود بني قينقاع، فحقق وعده وجعله معجزًا لرسوله. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {كَذَّبُواْ بئاياتنا} بيانٌ وتفسير لدأبهم الذي فعلوا، على طريق الاستئناف المبني على السؤال كأنه قيل: كيف كان دأبهم؟ فقيل: كذبوا بآياتنا وقوله تعالى: {فَأَخَذَهُمُ الله} تفسيرٌ لدأبهم الذي فُعل بهم أي فأخذهم الله وعاقبهم ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصًا، فدأبُ هؤلاء الكفرةِ أيضا كدأبهم، وقيل: كذبوا الخ حال من {فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ} على إضمار قد أي دأبُ هؤلاء كدأب أولئك وقد كذبوا الخ، وأما كونه خبرًا عن الموصول كما قيل فمما يذهب برونق النظم الكريم، والالتفاتُ إلى التكلم أولًا للجري على سنن الكبرياء، وإلى الغَيبة ثانيًا بإظهار الجلالة لتربية المهابةِ وإدخالِ الروعة.
{بِذُنُوبِهِمْ} إن أريد بها تكذيبُهم بالآيات فالباء للسببية جيء بها تأكيدًا لما تفيده الفاء من سببية ما قبلها لما بعدها وإن أريد بها سائرُ ذنوبهم فالباء للملابسة جيء بها للدلالة على أن لهم ذنوبًا أخرى أي فأخذهم ملتبسين بذنوبهم غيرَ تائبين عنها كما في قوله تعالى: {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كافرون} والذنب في الأصل التِلْوُ والتابع، وسُمّيت الجريمةُ ذنبًا لأنها تتلو أي يتبعُ عقابُها فاعلَها {والله شَدِيدُ العقاب} تذييلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله من الأخذ وتكملةٌ له. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ} أي: شديد الأخذ أليم العذاب، لا يمتنع منه أحد، ولا يفوته شيء بل هو الفعال لما يريد، الذي قد غلب كل شيء وذل له كل شيء، لا إله غيره ولا رب سواه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ}.
لم يبين هنا من هؤلاء الذين من قبلهم وما ذنوبهم التي أخذهم الله بها.
وبين في مواضع أخر أن منهم قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وأن ذنوبهم التي أخذهم بها هي الكفر بالله وتكذيب الرسل وغير ذلك من المعاصي، كعقر ثمود للناقة وكلواط قوم لوط، وكتطفيف قوم شعيب للمكيال والميزان، وغير ذلك كما جاء مفصلًا في آيات كثيرة كقوله في نوح وقومه: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطوفان وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14] ونحوها من الآيات وكقوله في قوم هود: {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم} [الذاريات: 41] الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم صالح: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67] الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم لوط: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر: 74] الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم شعيب: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة أنه كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 189] ونحوها من الآيات. اهـ.