فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات: {قَدْ كَانَ لَكُمْ} يا معشر السالكين إلى مقصد الكل {ءايَةً} دالة على كمالكم وبلوغكم إلى ذروة التوحيد {فِي فِئَتَيْنِ التقتا} للحرب {فِئَةٌ} منهما وهي فئة القوى الروحانية التي هي جند الله تعالى: {تقاتل في سَبِيلِ الله} وطريق الوصول إليه {وأخرى} منهما وهي جنود النفس وأعوان الشيطان {كَافِرَةٌ} ساترة للحق محجوبة عن حظائر الصدق ترى الفئة الأخيرة الفئة الأولى لحول عين بصيرتها {مّثْلَيْهِمْ} عند الالتقاء في معركة البدن رؤية مكشوفة ظاهرة لا خفاء فيها مثل رؤية العين، وذلك لتأييد الفئة المؤمنة بالأنوار الإلهية والإشراقات الجبروتية، وخذلان الفئة الكافرة بما استولى عليها من تراكم ظلمات الطبيعة وذل البعد عن الحضرة {والله} تعالى: {يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء} تأييده لقبول استعداده لذلك {إِنَّ في ذَلِكَ} التأييد {لَعِبْرَةً} [آل عمران: 13] أي اعتبارًا أو أمرًا يعتبر به في الوصول إلى حيث المأمول للمستبصرين الفاتحين أعين بصائرهم لمشاهدة الأنوار الأزلية في آفاق المظاهر الإلهية {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} بسبب ما فيهم من العالم السفلي والغشاوة الطبيعية والغواشي البدنية {مّنَ النساء} وهي النفوس {والبنين} وهي الخيالات المتولدة منها الناشئة عنها {والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب والفضة} وهي العلوم المتداولة وغير المتداولة، أو الأصول والفروع {والخيل المسومة} وهي مراكب الهوى وأفراس اللهو {والانعام} وهي رواحل جمع الحطام وأسباب جلب المنافع الدنيوية {والحرث} وهو زرع الحرص وطول الأمل {ذلك متاع الحياة الدنيا} [آل عمران: 14] الزائل عما قليل بالرجوع إلى المبدأ الأصلي والموطن القديم.
ولك أن تبقي هذه المذكورات على ظواهرها فإن النفوس المنغمسة في أوحال الطبيعة لها ميل كلي إلى ذلك أيضا {قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذلكم} المذكور {لّلَّذِينَ اتقوا} النظر إلى الأغيار {جنات} جنة يقين وجنة مكاشفة وجنة مشاهدة وجنة رضا وجنة لا أقولها وهي التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وليس في تلك الجنة عند العارفين إلا الله عز وجل: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا} أنهار التجليات المترعة بماء الغيوب {خالدين فِيهَا} ببقائهم بعد فنائهم {وأزواج مُّطَهَّرَةٌ} وهي الأرواح المقدسة عن أدناس الطبيعة المقصورة في خيام الصفات الإلهية {ورضوان مّنَ الله} لا يقدر قدره {والله بَصِيرٌ بالعباد} [آل عمران: 15] في تقلب أرواحهم في عالم الملكوت محترقات من سطوات أنوار الجبروت حبًا لجواره وشوقًا إلى لقائه يجازيها بقدر همومها في طلب وجهه الأزلي وجماله الأبدي {الذين يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا} بأنوار أفعالك وصفاتك {فاغفر لَنَا} ذنوب وجوداتنا بذاتك {وَقِنَا عَذَابَ} [آل عمران: 16] نار الحرمان ووجود البقية {الصابرين} على مضض المجاهدة والرياضة {والصادقين} في المحبة والإرادة {والقانتين} في السلوك إليه {والمنافقين} ما عداه فيه {والمستغفرين} [آل عمران: 17] من ذنوب تلوناتهم وتعيناتهم في أسحار التجليات، ويقال: {الصابرين} الذين صبروا على الطلب ولم يحتشموا من التعب وهجروا كل راحة وطرب فصبروا على البلوى ورفضوا الشكوى حتى وصلوا إلى المولى ولم يقطعهم شيء من الدنيا والعقبى {والصادقين} الذين صدقوا في الطلب فوردوا، ثم صدقوا فشهدوا، ثم صدقوا فوجدوا، ثم صدقوا ففقدوا فحالهم قصد ثم ورود ثم شهود ثم وجود ثم خمود {والقانتين} الذين لازموا الباب وداوموا على تجرع الاكتئاب وترك المحاب إلى أن تحققوا بالاقتراب {والمنفقين} الذين جادوا بنفوسهم من حيث الأعمال ثم جادوا بميسورهم من الأموال ثم جادوا بقلوبهم لصدق الأحوال ثم جادوا بكل حظ لهم في العاجل والآجل استهلاكًا في أنوار الوصال {والمستغفرين} هم الذين يستغفرون عن جميع ذلك إذا رجعوا إلى الصحو وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا وإشراق أنوار جماله على آفاق النفس وندائه «هل من سائل هل من مستغفر هل من كذا هل من كذا» ثم لما مدح سبحانه أحبابه أرباب الدين وذم أعداءه الكفارين عقب ذلك ببيأن الدين الحق والعروة الوثقى على أتم وجه وآكدة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (18):

قوله تعالى: {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إله إلا هو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر سبحانه وتعالى بوحدانيته في أول السورة واستدل عليها وأخبر عما أعد للكافرين واستدل عليه بما دل على الوحدانية وختم بالإخبار بما أعد للمتقين مما جر إلى ذكره تعالى بما يقتضي الوحدانية أيضا من الأوصاف المبنية على الإيمان أنتج ذلك ثبوتها ثبوتًا لا مرية فيه، فكرر تعالى هذه النتيجة على وجه أضخم من الماضي كما اقتضته الأدلة فقال: {شَهِدَ الله}.
وقال الحرالي: لما أنهى تعالى الفرقان نهايته ببيان المحكمين والمتشابهين في الوحي والكون انتظمت هذه الشهادة التي هي أعظم شهادة في كتاب الله بآية القيومية التي هي أعظم آية الوجود لينتظم آية الشهود بآية الوجود، انتهى.
فقال سبحانه وتعالى: {شهد الله} أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له {أنه} قال الحرالي: فأعاد بالإضمار ليكون الشاهد والمشهود له {لا إله إلا هو} فأعاد بالهوية لمعنى الوحدانية في الشهادة ولم يقل: إلا الله، لما يشعر به تكرار الاسم في محل الإضمار من التنزل العلي- انتهى.
والمعنى أنه سبحانه وتعالى فعل فعل الشاهد في إخباره عما يعلم حقيقته بلفظ الشهادة جريًا على عادة الكبراء إذا رأوا تقاعس أتباعهم عما يأمرون به من المهمات في تعاطيهم له بأنفسهم تنبيهًا على أن الخطب قد فدح والأمر قد تفاقم، فيتساقط حينئذ إليه الأتباع ولو أن فيه الهلاك تساقط الذباب في أحلى الشراب، وإلى ذلك ينظر قول وفد ثقيف: ما لمحمد يأمرنا بأن نشهد له بالرسالة ولا يشهد هو لنفسه! فكان صلى الله عليه وسلم بعد لا يخطب خطبة إلا شهد لنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم الشهادة لله فيها بالرسالة، فكأنه قيل: إن ربكم الذي أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قد نصب لكم الأدلة بخلق ما خلق على تفرده بحيث انتفى كل ريب فكان ذلك أعظم شهادة منه سبحانه لنفسه، وإليه أومأ من قال:
ولله في كل تحريكة ** وتسكينة أبدًا شاهد

وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

ثم شهد بذلك لنفسه بكلامه جمعًا بين آيتي السمع والبصر فلم يبق لكم عذرًا.
قال الحرالي: وهذه الشهادة التي هي من الله لله هي الشهادة التي إليها قصد القاصدون وسلك السالكون وإليه انتهت الإشارة، وعندها وقفت العبارة، وهي أنهى المقامات وأعظم الشهادات، فمن شهد بها فقد شهد شهادة ليس وراءها مرمى، ومن شهد بما دونها كانت شهادته مشهودًا عليها لا شهادة، يؤثر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يوم الجمعة وهو قائم بعرفة منذ كان وقت العصر إلى أن غربت الشمس في حجته التي كمل بها الدين وتمت بها النعمة يقول هذه الآية لا يزيد عليها، فأي عبد شهد لله بهذه الشهادة التي هي شهادة الله لله سبحانه وتعالى بالوحدانية فقد كملت شهادته، وأتم الله سبحانه وتعالى النعمة عليه، وهي سر كل شهادة من دونها، وهي آية علن التوحيد الذي هو منتهى المقامات وغاية الدرجات في الوصول إلى محل الشهود الذي منه النفوذ إلى الموجود بمقتضى الأعظمية التي في الآية الفاتحة- انتهى.
ولما أخبر سبحانه وتعالى عن نفسه المقدسة أخبر عمن يعتد به من خلقه فقال مقدمًا لأن المقام للعلم لمن هم أعلم به سبحانه وتعالى ممن أطلعهم من الملك والملكوت على ما لم يطلع عليه الإنسان ولا شاغل لهم من شهوة ولا حظ ولا فتور: {والملائكة} أي العباد المقربون المصفون من أدناس البشر، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
ولما خص أهل السماوات عم فقال: {وأولوا العلم} وهم الذين عرفوه بالأدلة القاطعة ففعلوا ما فعل العظيم من الشهادات ليكون ذلك أدعى لغيرهم إليه وأحث عليه، ولما كانت الشهادة قد تكون على غير وجه العدل نفى ذلك بقوله: {قائمًا} وأفرد ليفهم أنه حال كل من المذكورين لا المجموع بقيد الجمع، ويجوز- وهو الأقرب- أن يكون حالًا من الاسم الشريف إشارة إلى أنه ما وحد الله سبحانه وتعالى حق توحيده غيره، لأنه لا يحيط به أحد علمًا.
وقال الحرالي: أفرد القيام فاندرج من ذكر من الملائكة وأولي العلم في هذا القيام إفهامًا، كما اندرجوا في الشهادة إفصاحًا، فكان في إشعاره أن الملائكة وأولي العلم لا يقاد منهم فيما يجريه الله سبحانه وتعالى على أيديهم، لأن أمرهم قائم بالقسط من الله، يذكر أن عظيم عاد لما كشف له عن الملائكة في يوم النقمة قال لهود عليه الصلاة والسلام: يا هود! ما هذا الذي أراهم في السحاب كأنهم البخاتي؟ فقال: ملائكة ربي، فقال له: أرأيت إن آمنت بالهك أيقيدني منهم بمن قتلوا من قومي؟ قال: ويحك! وهل رأيت ملكًا يقيد من جنده- انتهى.
{بالقسط} أي العدل السواء الذي لا حيف فيه أصلًا بوجه من الوجوه، وقد ثبت بهذه الشهادة على هذا الوجه أن التوحيد في نفس الأمر على ما وقعت به الشهادة، ويجوز أن يراد مع ذلك أن قيامه بالعدل فعله في خلقه فإنه عدل وإن كان من بعضهم إلى بعض ظلمًا، فإنه تصرف منه سبحانه في ملكه الذي لا شائبة لأحد فيه، فهو إذا نسب إليه كان عدلًا، لأنه فعله بالحكمة، وإذا نسب إلى الظالم كان ظلمًا، لأنه فعله لحظه لا للحكمة فلذلك قال على طريق الاستنتاج والتعليل للقيام بالقسط والتلقين للعباد لأن يقولوها بعد ثبوتها بما تقدم وأن يكرروها دائمًا أبدًا: {لا إله إلا هو} وقال الحرالي: كرر هذا التهليل لأنه في مرتبة القسط الفعلي، لأن التهليل الأول في مرتبة الشهادة العلمية فاستوفى التهليلان جميع البادي علمًا وفعلًا- انتهى.
وأتبعه سبحانه وتعالى بقوله: {العزيز الحكيم} دليلًا على قسطه، لأنه لا يصح أبدًا لذي العزة الكاملة والحكمة الشاملة أن يتصرف بجور، وعلى وحدانيته، لأنه لا يصح التفرد بدون الوصفين وليسا على الإطلاق لأحد غيره أصلًا، ولما كانت الآيات كلها في الإيقاع بالكافرين قدم الوصف الملائم لذلك.
قال الحرالي: وقسط الله هو إخفاء عدله في دار الدنيا من حيث أنه خفض ورفع، يعادل خفضه رفعه ورفعه خفضه، فيؤول إلى عدل، ويراه بذلك في حال تفاوته كل ذي لب بما أنه عزيز يظهر عزته فيما يرفع، حكيم يخفي معنى حكمه فيما يخفض، فكل ما هو باد من الخلق جود فهو من الله سبحانه وتعالى قسط، طيته عدل، سره سواء، فيظهر عزته فيما حكم انتقامًا وحكمته في الموازنة بين الأعمال والجزاء عدلًا- انتهى. اهـ.

.اللغة:

{شهد} الشهادة: الاقرار والبيان.
{القسط} العدل.
{الدين} اصل الدين في اللغة: الجزاء ويطلق على الملة وهو المراد هنا.
{الإسلام} الإسلام في اللغة: الاستسلام والانقياد التام، ومعناه اخلاص الدين والعقيدة لله تعالى.
{حاجوك} جادلوك ونازعوك.
{غرهم} فتنهم.
{يفترون} يكذبون. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إله إلا هو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
استئناف وتمهيد لقوله: {أن الدين عِنْدَ الله الإسلام} ذلك أن أساس الإسلام هو توحيد الله. وإعلان هذا التوحيد، وتخليصه من شوائب الإشراك، وفيه تعريض بالمشركين وبالنصارى واليهود، وإن تفاوتوا في مراتب الإشراك، وفيه ضرب من رد العجز على الصدر: لأنه يؤكد ما افتتحت به السورة من قوله: {الله لا إله إلا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ} {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [آل عمران: 2- 3]. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال الزمخشري: شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص، وآية الكرسي وغيرهما.
بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك، واحتجاجهم عليه. انتهى. وهو حسن.
وقال المروزي: ذكر شهادته سبحانه على سبيل التعظيم لشهادة من ذكر بعده، كقوله: {قل الأنفال لله والرسول} انتهى.
ومشاركة الملائكة وأولي العلم لله تعالى في الشهادة من حيث عطفا عليه لصحة نسبة الإعلام، أو صحة نسبة الإظهار والبيان، وإن اختلفت كيفية الإظهار والبيان من حيث أن إظهاره تعالى بخلق الدلائل، وإظهار الملائكة بتقريرها للرسل، والرسل لأولي العلم.
وقال الواحدي: شهادة الله بيانه وإظهاره، والشاهد هو العالم الذي بيّن ما علمه، والله تعالى بيّن دلالات التوحيد بجميع ما خلق، وشهادة الملائكة بمعنى الإقرار كقوله: {قالوا شهدنا على أنفسنا} أي: أقررنا.
فنسق شهادة الملائكة على شهادة الله، وإن اختلفت معنىً، لتماثلهما لفظًا.
كقوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} لأنها من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار والدعاء وشهادة أولي العلم ويحتمل الإقرار ويحتمل التبيين، لأنهم أقرّوا وبينوا. انتهى.
وقال المؤرج: شهد الله، بمعنى: قال الله، بلغة قيس بن غيلان. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الشهادة حقيقتها خبر يصدق به خبر مخبر وقد يكذب به خبر آخر كما تقدم عند قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} في سورة البقرة [282]. وإذ قد كان شأنه أن يكون للتصديق والتكذيب في الحقوق، كان مظنة اهتمام المخبر به والتثبت فيه، فلذلك أطلق مجازا على الخبر الذي لا ينبغي أن يشك فيه قال تعالى: {وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] وذلك على سبيل المجاز المرسل بعلاقة التلازم، فشهادة الله تحقيقه وحدانيته بالدلائل التي نصبها على ذلك، وشهادة الملائكة تحقيقهم ذلك فيما بينهم، وتبليغ بعضهم ذلك إلى الرسل، وشهادة أولي العلم تحقيقهم ذلك بالحجج والأدلة.
فإطلاق الشهادة على هذه الأخبار مجاز بعلاقة اللزوم، أو تشبيه الأخبار بالإخبار أو المخبر بالمخبر، ولك أن تجعل شهد بمعنى بين وأقام الأدلة، شبه إقامة الأدلة على وحدانيته: من إيجاد المخلوقات ونصب الأدلة العقيلة، بشهادة الشاهد بتصديق الدعوى في البيان والكشف على طريق الاستعارة التبعية، وبين ذلك الملائكة بما نزلوا به من الوحي على الرسل، وما نطقوا به من محامد، وبين ذلك أولو العلم بما أقاموا من الحجج على الملاحدة، ولك أن تجعل شهادة الله بمعنى الدلالة ونصب الأدلة، وشهادة الملائكة وأولي العلم بمعنى آخر وهو الإقرار أو بمعنيين: إقرار الملائكة، واحتجاج أولي العلم، ثم تبنيه على استعمال شهد في معان مجازية، مثل: {إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ}، أو على استعمال شهد في مجاز أعم، وهو الإظهار، حتى يكون نصب الأدلة والإقرار والاحتجاج من أفراد ذلك العام، بناء على عموم المجاز. اهـ.